بعد افتتاحه رسميا.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة زينب رضي الله عنها    426 مليون جنيه إجمالي مبيعات مبادرة "سند الخير" منذ انطلاقها    رئيس اتحاد الجاليات الفلسطينية: إسرائيل لن تلتزم بقرارات العدل الدولية    فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي على شاطئ غزة منفذا لتهجير الفلسطينيين    روسيا: مستعدون لتوسيع تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة    الخارجية الروسية: لا نخطط للتدخل في الانتخابات الأمريكية    كولر يعقد محاضرة فنية قبل مران اليوم استعدادا للترجي    بحوزته 166 قطعة.. ضبط عاطل يدير ورشة تصنيع أسلحة بيضاء في بنها    إعدام 6 أطنان أسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    "القاهرة الإخبارية" تحتفي بعيد ميلاد عادل إمام: حارب الفكر المتطرف بالفن    أحمد السقا عن أصعب مشهد بفيلم «السرب»: قنبلة انفجرت حولي وخرجت سليم    وزيرة التخطيط تشارك بافتتاح النسخة الحادية عشر لقمة رايز أب    مصر تشارك بأكبر معرض في العالم متخصص بتكنولوجيا المياه والصرف الصحي بألمانيا "IFAT 2024" (صور)    تضامن الدقهلية تنظم ورشة عمل للتعريف بقانون حقوق كبار السن    الحبس والغرامة.. تعرف على عقوبات تسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها    سعر الدولار فى البنوك المصرية صباح الجمعة 17 مايو 2024    الجزار: انتهاء القرعة العلنية لحاجزي وحدات المرحلة التكميلية ب4 مدن جديدة    مواعيد مباريات الجمعة 17 مايو.. القمة في كرة اليد ودربي الرياض    سيد عبد الحفيظ: مواجهة نهضة بركان ليست سهلة.. وأتمنى تتويج الزمالك بالكونفدرالية    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    ليفربول يُعلن رحيل جويل ماتيب    مصر تفوز بحق تنظيم الاجتماعات السنوية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في 2027    17 مايو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    مصرع ربة منزل ونجليها في حادث دهس أسفل سيارة بعين شمس    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق بقطعة أرض فضاء في العمرانية    تجديد تكليف مي فريد مديرًا تنفيذيًا للتأمين الصحى الشامل    الخشت يستعرض دور جامعة القاهرة في نشر فكر ريادة الأعمال    برنامج للأنشطة الصيفية في متحف الطفل    وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت.. موعد ومكان الجنازة    طارق الشناوي ل «معكم منى الشاذلي»: جدي شيخ الأزهر الأسبق    الإثنين.. المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي سينما المرأة    دعاء يوم الجمعة المستجاب.. «اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها» ردده الآن    انطلاق قافلة جامعة المنصورة المتكاملة "جسور الخير-21" المتجهة لحلايب وشلاتين وأبو رماد    في 5 دقائق.. طريقة تحضير ساندويتش الجبنة الرومي    مرور مفاجئ لفريق التفتيش الصيدلي على الوحدات الصحية ببني سويف    طريقة عمل الهريسة، مذاقها مميز وأحلى من الجاهزة    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    خبير سياسات دولية: نتنياهو يتصرف بجنون لجر المنطقة لعدم استقرار    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 17 مايو 2024 والقنوات الناقلة    احذر.. قلق الامتحانات الشديد يؤدي إلى حالة نفسية تؤثر على التركيز والتحصيل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    سيولة مرورية وسط كثافات محدودة بشوارع القاهرة والجيزة    الاغتسال والتطيب الأبرز.. ما هي سنن يوم «الجمعة»؟    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    النواب الأمريكي يقر مشروع قانون يجبر بايدن على إمداد إسرائيل بالأسلحة دون انقطاع    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    "كاميرا ترصد الجريمة".. تفاصيل تعدي شخص على آخرين بسلاح أبيض في الإسماعيلية    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفكر الاجتماعي في العصر الحديث ... الحلقة 18 ... مدرسة الفلسفة الليبرالية
نشر في شباب مصر يوم 26 - 02 - 2016

قال فيلسوف الصين العظيم كونفشيوس عندما سئل ماذا كنت ستفعل أول ما تفعل لو توليت السلطة في الصين قال سوف أعطي للكلمات معانيها ، وهذا يعني أول ما يعني أن تجسد الكلمة الصلة الحقيقية بين اللفظ والمعنى ، وتعني أيضا فك اللبس الدلالي للكلمة ، واللبس الدلالي يعني اختيار المعنى المناسب لكل كلمة من الكلمات في أي عبارة من العبارات على أساس السياق بحيث يتمكن القارئ من تحديد المعنى عند قراءة الكلمة وفقا للسياق الذي وردت فيه هذه الكلمة ، وطبعا هذا يحتاج الى ذكاء القارئ وقدرته اللغوية ومعلوماته المعرفية ، وذلك بالإضافة الى تحديد المجال الذي وردت هذه الكلمة في سياقه ، ولذلك قد تكون الكلمة تحمل أكثر من معنى مثل كلمة مصرف التي تحمل معنى مكان تجمع وصرف المال ( بنك ) ومكان تجمع الإمطار والمياه العادمة ، وكلمة عين وكلمة خيار وكلمة قص وكلمة فتنة وغيرها من الكلمات ، وهذا أمر طبيعي في كل اللغات لأن الكلمات محدودة والمعاني لا نهاية لها ، وهكذا نرى أن اللفظ يمكن أن يدل على أكثر من معنى ، والليبرالية لفظ يمكن أن يدل على أكثر من معنى ، ويمكن أن يفسر على أكثر من معنى أيضا وطبقا للسياق والمجال والتاريخ والجغرافية والثقافة والحضارة والايدولوجيا والدين ، وقياسا على ذلك يمكن تحديد معنى الليبرالية وفك اللبس الدلالي لهذه الكلمة من خلال السياق الذي قد ترد فيه والمجال الذي يمكن أن ترد فيه ، وذلك بالإضافة الى الاعتبارات الجغرافية والتاريخية والتراثية والثقافية والحضارية والأيديولوجية والعقائدية والمذهبية والفلسفية والسياسية التي يمكن أن ترد فيها هذه الكلمة ، ولا أحد يدعى أن كل شقيق يمكن أن يشبه شقيقة في كل شيء الى درجة التطابق المطلق ، ولا يوجد قضية في مجال الفكر ليست في مجال الاختلاف ، وأي قضية قي مجال الفكر لا تدخل في مجال الاختلاف لا يمكن أن يكتب لها النجاح ، ولن يكتب لها النجاح ، والليبرالية شأنها شأن أي قضية في مجال الأدب والفكر والايدولوجيا والسياسة تقوم على مبدأ الاختلاف . والإشكالية هنا لا يجب أن تكون في الاختلاف ، ولا في من هو على حق ومن هو على غير الحق . ولكن الإشكالية هي في مبدأ التعايش مع الآخر ، ومبدأ لاعتراف بالآخر ، ومبدأ الاختلاف مع الآخر ، وكيفية التعايش مع الأخر .لأن الأخر إنسان حر حرية كاملة قي أسلوب تفكيره وخياراته وتعبيره عن أرائه . والإنسان هو أسلوبه وجياراته وتعبيره عن أرائه . ولكن حرية التعبير لا تعني أن يحتفظ الأخر برأيه لنفسه ، ولكنها تعني حرية التعبير عن هذا الرأي دون أن يتعرض له أي شخص أو أي جهة بالأذى أو التجريح أو الاعتقال . ولكن ذلك يستدعي أن يغادر المجتمع عقلية فرض الاحماع على رأي ، وعقلية الإنسان ذو البعد الواحد الذي لا يريد أن يسمع إلا الرأي الذي يريد ان يسمعه ، والرأي الذي يتطابق مع راية ، وعقلية اللونين الأبيض والأسود ولا مكان لأي لون ، فأما أن يكون اللون الأبيض وأما أن يكون اللون الأسود . وعقلية التناقض بين الفكر والسلوك ، الفكر كتعبير عن الخبرة في التاريخ والعلاقات الوطنية والإقليمية والدولية والحياة الاجتماعية والثقافية والإيديولوجية والاقتصادية وعلاقته بالسلوك وخاصة السلوك السياسي الموجه نحو إعادة تنظيم شروط الحياة أو إعادة إنتاج شروط جديدة أو تغيير شروط الحياة ، لأن البشر كل البشر في كل مكان وزمان يعيشون ويعانون ويدركون ويكونون المعارف والخبرات من خلال الحواس بشكل فوضوي ، ولكن العقل يقوم بربط هذه المعارف الفوضوية على شكل أفكار تشكل ما يسمى العالم الذهني المثالي ، ومن هذا العالم الذهني المثالي ينطلق البشر نحو السلوك الذي يخدم مصالحهم وإرادتهم . وهكذا نرى ان الذهن الاجتماعي هو مكان تجمع الأفكار ، وان العقل هو الذي يربط بين هذه الأفكار ، وأن الفلسفة هي التي تقوم بتنظيم هذه الأفكار في سياق عقلي منطقي ، وفي قوالب لغوية منطقية تمكن الإنسان من اختيار نوع السلوك المناسب في الوقت المناسب والمكان المناسب ، بناء على معرفة ودراية وترابط معقول بين المعرفة والهدف ، وبلورة هذه الأفكار جميعا في إيديولوجيات تعبر عن الواقع ، وتؤثر في الواقع ، وترسم الطريق من عالم الذهن المثالي وعالم الفلسفة الى السلوك والبرنامج التنفيذي ، والانتقال من الفردي الى الجماعي ، ومن الخاص الى العام ، وصياغة المصالح الفردية في مشروع عام . والجماعة السياسية هي أداة الأيديولوجيا ، لأن هذه الجماعة السياسية تعتقد أن مصالحها المباشر وبما فيها رغباتها سوف تجد طريقها للتحقيق من خلال الالتزام بهذه الأيديولوجيا بطريقة ما وبنسب نسبية قد تكون مختلفة ولكنها مقبولة في إطار الهدف السياسي العام ، ولذلك نرى أن الديمقراطية كهدف هو محل إجماع ولكنه وبنفس الوقت يعني معاني مختلفة ، لأن كل شريحة اجتماعية سوف تستخدم هذا الهدف لتحقيق أهداف مختلفة ، فالكتاب لهم أهدافهم والعمال لهم أهدافهم والفنانين لهم أهدافهم والرأسماليون لهم أهدافهم ورجال الدين لهم أهدافهم والليبراليين لهم أهدافهم . وكذلك الحال في الاشتراكية والاناركية الثيوقراطية والاوليجاركية والشيوعية والليبرالية . والليبرالية كفلسفة وأيديولوجية سياسية وكمفهوم للحرية تعني معاني مختلفة ، فهي وان كانت تعني بالنسبة للرأسمالية حرية الإنتاج والمنافسة والتبادل التجاري والأسواق المفتوحة فهي تعني بالنسبة للمجتمع الذي يعاني من الحكم الدكتاتوري والشمولي التخلص من الأنظمة الدكتاتورية والشمولية وعبادة الفرد . والفرق بين الليبرالية كفلسفة وأيديولوجية سياسية وغيرها من الفلسفات والأيديولوجيات السياسية الشمولية وغير الشمولية هو أن الليبرالية تريد ان تقيم الدولة على أساس حرية الفرد وحقوقه وحق الاختلاف ، لأن حرية الفرد هي التي تكون المجتمع الحر وتؤسس للمواطنة الحرة وتحمي الديمقراطية ، والديمقراطية في الفلسفة الليبرالية نظام حكم يعبر عن الايدولوجيا السياسية وليس نظام حياة ، وذلك عكس الأيديولوجيات الشمولية التي تصادر حق الفرد ، وعلى كل جال لا يجب تصديق كل ما تقوله كل الأيديولوجيات السياسية عن نفسها ، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار نوعية العاملين في هذه الأيديولوجيات السياسية ونوعية مصالحهم الشخصية والفئوية ، لأن الشعار غالبا ما يكون كاذبا ونحن نرى أيديولوجيات سياسية ترفع شعارات وطنية وهي غير وطنية ، وشعارات إنسانية وهي غير إنسانية ، وشعارات أخلاقية وهي غير أخلاقية ، وقد يرفعون شعارات الحرية ويمارسون الدكتاتورية ، وقد يرفعون شعار الاشتراكية ويطبقون الرأسمالية ، وقد يرفعون شعار الملكية الخاصة ويسرقون الوطن ، ولذلك يجب على الشعوب أن تتأكد من أدوات الايدولوجيات السياسية . وساحة الصراع مع أدوات الايدولوجيات السياسية هي الفلسفة ، وتطور الأيديولوجيات السياسية وأدوات الإيديولوجيات السياسية يتوقف على تطور الفلسفة ، لأنه لا يمكن الفصل بين الفلسفة وأيديولوجياتها وأدواتها ، ولكن لا يجب أن تكون العلاقة بين الفلسفة والايديولوجيا علاقة صراع عسكري يلغي فيه كل طرف الطرف الآخر ولكن يجب أن يكون صراع فكر وأدب وفن ووظيفة وفعالية ، وهذا لا يعني انتهاء دور الايديولوجبات في الحياة السياسية ، ولا يعني أن النظريات السياسية لم تعد مدارس أيديولوجية ، ولا يعني ان عصر بناء المجتمع على أهداف أيديولوجية قد انتهى ، ولكنه يعني أن المجتمع لم يعد وسيلة لتحقيق الأفكار الأيديولوجية القومية والطبقية والأخلاقية والدينية ، وانتهاء عصر الأيديولوجيا كلاعب على مسرح التاريخ ، والاعتراف بأولوية الفرد والمجتمعات الديمقراطية التعددية ذات المصالح التي تدخل مع بعضها قي مرحلة من التعاون والتبادل بغض النظر عن برامجها الخارجية التي لا تعني تدمير الأخر الوطني والأخر غير الوطني أو نفيه أو افصائه أو دمجه أو إسقاط هويته في الذات الوطنية ، وهو ما تدعو إليه الليبرالية التي نشأت كردة فعل غير واعية على دكتاتورية الكنيسة والإقطاع ، وتشكلت في كل بلد بصورة خاصة ، وكانت وراء الثورات الكبرى في العالم الغربي وخاصة الثورة الانجليزية ( 1688 ) ثورة البرلمان ووليم الثالث حاكم هولندا ، وقد أدى نجاحها الى عزل الملك جيمس الثاني ، وسيطرت البرلمان على التاج ، وتنصيب ماري ابنة جيمس الثاني وزوجها ولبم اوراتح ملكين على عرش انجلترا ، وإعلان قانون الحقوق البريطاني في عام 1889 ، والثورة الأمريكية ( حرب الاستقلال الأمريكية ) 1775 – 1983 ) والتي أدت الى استقلال الولايات المتحدة الأمريكية ( الولايات الثلاثة عشر ) عن بريطانيا في 4 تموز 1776 واعتراف بريطانيا بهذا الاستقلال رسميا بمقتضى معاهدة باريس في عام 1783 ، وإعلان قانون الحقوق الأمريكي في عام 1791 ، والثورة الفرنسية ( 1789 – 1799 ) والتي أدت الى إلغاء الملكية المطلقة وإعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي في عام 1789 ، وإقامة الجمهورية العلمانية التي تطورت الى دكتاتورية عسكرية ، وساهمت في الإسراع بصعود الديمقراطيات والأيديولوجيات السياسية الحديثة ، وانتشار الاقكار الليبرالية والراديكالية والقومية والاشتراكية والعلمانية وحقوق المرأة وإعلان حقوق الإنسان ، وذلك بالإضافة الى الحروب الاستعمارية والتنافس الاستعماري . ومن أهم العوامل التي ساعدت على ظهور الليبرالية وتطورها حركة مارتن لوثر ( 1483 – 1546 ) وهو راهب وقسيس وأكاديمي آلماني أدت حركته في الإصلاح الى ظهور المذهب البروتستانتي ( اللوثرية ) وهو المذهب الذي أكد على فردية الإنسان من خلال الأيمان بالمسيح ودون اللجوء الى الكنيسة ، والى رفض السلطة التعليمية في الكنيسة الكاثوليكية واعتبار الكتاب المقدس هو المصدر الوحيد للمعرفة المختصة بأمور الدين ، والى رفض اعتبار البابا هو صاحب الكلمة الفصل في تفسير الكتاب المقدس ، والى رفض سلطة الكهنوت الخاص باعتبار إن جميع المسيحيين يتمتعون بدرجة الكهنوت المقدسة ، وقد كان ظهور الحركة البروتستانتية في القرن السادس عشر منعطفا حاسما في تاريخ أوروبا وخاصة عندما اتخذت موقفا معارضا لموقف الكنيسة المؤيد للنظام الإقطاعي ، وموقفا معارضا للكنيسة في اعتبار الدولة مؤسسة مقدسة تستمد سلطتها من الله ، رافعة شعار العودة الى تعاليم المسيح ، والمطالبة بعدم خضوع النشاط الاقتصادي للقيود الدينية ، وذلك بالاضاقة الى حق كل إنسان مسيحي في تفسير الكتاب المقدس ، وحق كل قسيس في الزواج . وهذا الى جانب عوامل أخرى وخاصة سقوط النظام الإقطاعي ، وصعود دكتاتورية الطبقة الوسطى في عصر النهضة ، وهو العصر الذي يعتبر بوابة أوروبا الى العصر الحديث والتحرر من سطوة الكنيسة على الأرواح وسيطرة الإقطاع على الأبدان ، وقد بدأت النهضة أولا في ايطاليا ثم انتشرت في القارة الأوروبية ، وهي حركة مزدوجة من حيث أنها كانت تهدف الى العودة الى التراث اليوناني القديم وتحقيقه وتفسيره بشكل يختلف عن النزعة التأويلية لفلسفة العصر الوسيط ، والتحرر من الفلسفة الكنسية المدرسية ، ولذلك ازدهرت العلوم الطبيعية والرياضيات والتبشير بفلسفة فرانسيس بيكون ( 1561 – 1626 ) وهو رجل دولة وكاتب بريطاني أدرك أن المشكلة الأساسية في طريقة التفكير لدى فلاسفة اليونان والعصور هي في طرق الاستنتاج القديم التي لا يمكن أن تؤدي إلى حقائق جديدة ، لأن النتيجة متضمنة في المقدمات. ولذلك ثار ضد تراث أفلاطون وأرسطو والفلسفة المدرسية ، وقال انه ليس هناك من أمل في تقدم العلوم خطوة واحدة إلا باستخدام طريقة جديدة وهي منهج استخراج القاعدة العامة ( النظرية العلمية - القانون العلمي ) من مفردات الوقائع استنادا إلى الملاحظة والتجربة . لأنه كان يرى أن العلم الصحيح هو الذي يقوم على التجربة والملاحظة. وكان كتابه ( الاورغانون الجديد - العلامات الصادقة لتأويل الطبيعة ) الذي بدأ يكتب فيه في عام 1608 ثم عدل فيه 12 مرة ونشره نشرة نهائية في عام 1620 من أهم الأعمال التي فتحت الطريق لإصلاح العلوم باعتماد المنهج التجريبي . ومن طريف ما يؤثر عنه أن آخر عبارة خطها قلمه وهو على سرير الموت هي ( لقد نجحت التجربة نجاحاً عظيما ) وبعد بيكون ازدادت الانتقادات الموجهة لفلسفة أرسطو وخاصة من لورنزو (1407 - 1457) وبتريز(1529 – 1557 الذي دعا الى ضرورة الإقلاع عن تدريس مصنفات أرسطو وكامبانيلا ( ( 1568 - 1639 الذي كشف عن
نزعنه الأفلاطونية وانتقد تصنيف أرسطو للكائنات . وفي فرنسا انتقد راموس (1515 - 1572) فلسفة أرسطو في رسالته المقدمة بعنوان ( كل ما قاله أرسطو وهم ) وانتقد منطقه على وجه الخصوص لما فيه من تناقضات. وذلك بالإضافة الى ليوناردو دافنشي ومايكل انجلو الذي ابتكر عبارة رجل عصر النهضة وبوجيو براشيوليني ولورينزو فالا ودسيدريوس ( اراسموس ) ونيكولا لابيسانو ومازاشو ونيكولو وميكافيلي وبيكو ديلا ميراندولا ورودني ستارك ودانتي الييغري وفرانشيسكو بتراركا وجوتو دي بندوني ولورنزو وفيليبو يرو نليسكي ودونا تيلو وماتيو بالمييري وليون باتستا البيرتي ولورتزيتي وهوغو فان دير جوس وبان فان ايك وجورجبو فاساري وغيرهم من العلماء والفنانين . والى جانب مارتن لوثر والمذهب البروتستانتي وعصر النهضة لعب عصر التنوير دورا أساسيا قي ظهور وانتشار الليبرالية ، وعصر التنوير كما قال عنه ايمانويل كانط ( 1724 – 1804 ) وهو أخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالفلاسفة البريطانيين جون لوك ( 1632 – 1704 ) الذي ركز على حقوق الأفراد وحريتهم واتي تمثل جزء من طبيعتهم الإنسانية كحق الحياة وحق الحرية وحق الملكية والتي لا يجوز التنازل عنها أو أخذها بالقوة ، ما لا يجوز للحاكم ان يأخذها ، وان التنازل من الأفراد عن هذه الحقوق للدولة يكونمن اجل تنظيمها . وجورج بيركلي ( 1685 – 1753 ) وديفيد هيوم ( 1711 – 1776 والذي ترك بصمات واضحة على الثقافة الأوربية ، وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية ، ( هو عصر خروج الإنسان من مرحلة القصور العقلي ، ومن مرحلة التبعية للآخرين ، ومن مرحلة عدم القدرة على التفكير الشخصي ، ومن مرحلة عدم اتخاذ القرار بدون استشارة الشخص الوصي ، الى مرحلة بلوغ سن الرشد ) ، ومن هنا جاءت صرخته التنويرية ( اعملوا عقولكم أيها البشر، لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم ، فلا تتواكلوا بعد اليوم ، ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب ، تحركوا وانشطوا ، وانخرطوا في الحياة بشكل ايجابي متبصر ، فالله زودكم بعقول وينبغي ان تستخدموها ) ، ومن فلاسفة عصر التنوير في فرنسا الذين هاجموا مؤسسات الكنيسة والدولة القائمة فولتير ( فرانسوا ماري اوريه ) ( 1694 – 1778 ) الذي تركت أفكاره بصمتها الواضحة على مفكرين تنتمي أفكارهم للثورة الفرنسية والثورة الأمريكية والإصلاح الاجتماعي ، ومهاجمة الأفكار الخاصة بالقيم والمبادئ التي تقوم عليها العقيدة الأرثوذكسية والسخرية من الكتاب المقدس ، وجان جاك روسو ( 1712 – 1778 ) الذي قال ( أنا لا أؤمن بحكومة تقوم على الإرث ، ولا تقوم على التصويت والانتخاب فالأمم والشعوب ليست متاعا يورث ) وقال أيضا ( نشأت سلطة تحكم ومحكوم يطيع ، ونشأ بينهما عقد اجتماعي يفرض بأن يقوم كل منهما بواجبه ، فإذا اخل طرف بواجبه حق للأخر فك العقد والثورة ) لأن الفرد لا يمكن أن يتنازل عن حريته إراديا الا اذا كان مختل القوى العقلية ، وانه في هذه الحالة لا يجوز القياس عليه . ومونتسكبو ( شارل لوي دي سكوندا بارون ) ( 1689 - 1755 ) صاحب نظرية فصل السلطات . وغيرهم من فلاسفة عصر التنوير مثل ادم سميث وباروخ سبينوزا وتوماس بين وتوماس جيقرسون وتوماس ريد وتوماس هوبز وجياماتيستا فيكو ودنيس ديدرو ورينيه ديكارت وفردريش شيلر وكوندروسيه وكوندياك وماركيز دي ساد وماري وولستو نكرافت وكلود ادريان هلفتيوس وهنري مور ويوهان جوتفريد هردر ويوهان قولفغانغ فون غوته ، وبنجامين فرانكلين وانطوان لافوازيه وإسحاق نيوتن وجوتفريد فلهلم ليبنتزوغاليلو ونودفيكو انطونيو موراتوري وغيرهم . والى جانب ذلك لا بد من الإشارة الى دور تحرر العقل الإنساني من سيطرة الفكر الارسطووي ، واختراع الطباعة ، وانتشار الثقافة ، وحركة الكشوف الجغرافية ، واكتشاف العالم الجديد ، والحركة الاستعمارية والسيطرة على الأسواق العالمية وبروز حركة التجارة الدولية وتطور أدوات الإنتاج في طهور الليبرالية وانتشارها . وكما يجب الإشارة الى دور الفلسفة اليونانية القديمة وخاصة الفلسفة الابيقورية ( المشاؤون ) الذين كانوا يمارسون كل فلسفتهم أثناء المشي في الأروقة ، وهم مجموعة من الفلاسفة الذين كانوا يتمشون ذهابا وإيابا ، ولا يكفون عن الكلام عن نظرياتهم في الحياة وفي الوجود أثناء المشي ، وهي الفلسفة التي تقوم على مبدأ القرابة ومفهوم المواطن العالمي ووحدة الجنس البشري واللامبالاة هي الحل ، لا ألم ولا سعادة ولا رغبة ، وكل نا يجب ان يفعله الإنسان هو أن يكون لا مبالي بأي شيء على الإطلاق ، ومعضلة ابيقور نسبة الى ابيقور( 341 ق م – 270 ق م ) فيلسوف اللذة والموت الذي كان يمجد الفكر والحياة ، وكان له الأثر الكبير على العديد من المفكرين من لوكرتيوس الى نيتشه مرورا بالمفكرين ايرا ازموس ومونتاني وغساندي وفولتير وروسو وماركس ، كما أنه كان أول من صاغ فكرة الفلسفة الجدلية في التاريخ حيث طرح وجهة نظره في الإله في هيئة سؤال يعتمد على توضيح وجهة نظر واحدة ودون أي تحليل منطقي ودون أي رد ديني . والسؤال هو ( إذا كان الإله هو العادل وهو المثال الأعلى للخير ، فلماذا توجد الشرور ) وهنا يضع ابيقور أربع إجابات على سؤاله . الإجابة الأولى ( هل يريد الإله أن بمنع الشرور ولكنه لا يقدر، وهكذا يكون الإله عاجز وغير كلي القدرة ) ، والإجابة الثانية ( يستطيع الإله أن يمنع الشرور ولكنه لا يريد ، وهكذا يكون الإله هو أصل الشرور في العالم ) ، والإجابة الثالثة ( يستطيع الإله أن بمنع الشرور ويريد أن يمنع الشرور، وهنا ندخل في معضلة جديدة وهي من أين تأتي الشرور ) والإجابة الرابعة ( لا يستطيع الإله أن يمنع الشرور، وهنا ندخل في معضلة جديدة أيضا وهي كيف يكون هناك اله ولا يستطيع أن يمنع الشرور ) كما أن ابيقور يطرح سؤال أحر عن ماهية السبب الذي يدفع الإله الى ترك إبليس يغوي ادم ويصبح في عداوة دائمة مع أبنائه ، وكذلك يجب الإشارة الى دور الرواقيين في تخليص المجتمع الاثيني من الطابع القبلي والانغلاق وذلك من خلال رفع شعار وحدة طبيعة الإنسان ومشاركة جميع البشر في هذه الوحدة ، وهناك من يرجع ملامح الليبرالية الى أقوال سقراط ( 469 ق م – 399 ق م ) ( اعرف نفسك بنفسك ) أو الى عبارة الفيلسوف السفسطائي بروتاغوراس ( 485 ق م – 410 ق م ) ( الإنسان مقياس الأشياء جميعا ) ، والى قول ديمقريطيس ( 460 ق م – 370 ق م ) ( أن القوانين والمؤسسات هي من صنع الإنسان ، وان الإنسان مسئول عنها ) والى الصراع بين الكنيسة والإمبراطورية الرومانية وبروز عدد من المفكرين الذين كانوا يدعون الى فصل الدين عن الدولة وخاصة القديس أوغسطين ( 354 – 430 ) الذي لخص مجمل أفكاره في كنابه مدينة الله ( مدينة الأرض ومدينة السماء ) اللتان تتحركان في حقلين مستقلين ونطاقين متميزين ، المدينة الأرضية تسيطر عليها الأنانية وشهوة السلطة ، والمدينة السماوية تسيطر عليها قوى الخير المستمدة من الروح وحب الله والتسامي عن الغرائز الدنيا ، ولذلك كان يرى أن السلطة الزمنية ومهما كان شكلها هي سلطة لا يمكن إلا أن تكون في حالة تختلف عن الساطة الدينية ، وان لكل سلطة من السلطتين استقلالها التام عن السلطة الأخرى ، وان أي تدخل من إحدى السلطتين في شئون السلطة الأخرى سوق يؤدي الى نتائج خطيرة ، والقديس مارسيلو البادوي ( 1275 – 1343 ) الذي دعا الى عدد مفاهيم تنطوي بوضوح على مفهوم علمانية الدولة التي فدمها على أساس الفكر الارسطو- طالسي الذي يدعو الى أن تكون الدولة مجتمعا مكتفيا بذاته ويستطيع أن يوفر لنفسه احتياجاته المادية والمعنوية ، كما انه رفض فكرة الكنيسة التي تشمل هيمنتها كل المؤمنين في مجتمع واحد تسيطر على كل جوانبه ، وطرح بدلا منها فكرة الجهاز الكنسي الذي يوجد داخل كل وحدة سياسية كجزء من مؤسسات المجتمع له دور معين ومحدود ، وذلك بالإضافة الى تحديد وظيفة رجال الدين في تعليم الناس الأشياء التي أمر الكتاب المقدس بتعليمها ، وان الإيمان لا يأتي عن طريق الإكراه والإجبار ، وكذلك وجوب خضوع رجال الدين كما باقي المواطنين الى سلطة الدينية . وذلك بالإضافة الى المرتكزات الاقتصادية وخاصة المدرسة المركنتيلية ( المذهب التجاري ) ومن ابرز روادها جان بابتيست كولبير وزير مالية فرنسا ( 1619 – 1683 ) حتى سميت هذه المدرسة باسم الكولبيرية نسبة إليه ، وقد كان المركنتيليون التجاريون يرون أن مقدار قوة الدولة إنما يقاس بما لديها من سبائك ذهب ومعادن نفيسة ، وليس قي قدرتها على إنتاج السلع والخدمات كما هو المقياس الحديث . والمدرسة الطبيعية ومن ابرز رواها الفيلسوف الفرنسي فرانسوا كيناي ( 1694 – 1774 ) الذي قال عندما سئل ماذا كنت تفعل لو كنت ملكا ، قال لا شيء ، وعندما سئل مرة أخرى ومن يحكم إذن قال القانون ، وبيير كورني ( 1606 – 1684 ) وهو شاعر وكاتب مسرحي فرنسي تميز فنه بخصائص عدة جعلت منه فنانا فريدا ومتميزا بين الشعراء في عصره ، ومن ذلك رهافة حسه في تلمس العنصر المأساوي وتوظيفه في شعره ، والمدرسة التقليدية ومن ابرز روادها ادم سميث الذي دعا الى التخصص وتقسيم العمل كوسيلة ناجحة لزيادة الإنتاجية وحصر الثروة في العمل السنوي ، وهو من أهم الرواد الذين دافعوا عن الحرية الاقتصادية وإزالة كل القيود والعقبات التي تعرقل النشاط الاقتصادي ، ودافيد ريكاردو ( 1772 – 1823 ) صاحب نظرية الأجور وربطها بعدد السكان وقوة العمل ونسبة المردودية التي تزيد بتزايد السكان مما يؤدي الى ارتفاع عدد العمال والمنافسة الشديدة حول سوق العمل ، كما انه اشتهر بشرح قوانين توزيع الدخل القومي في الاقتصاد الرأسمالي ، واعتبار أن أجرة العمل تساوي حياته وحياة أسرته ولذلك قال ( إن أي عمل يعتبر منافيا للأخلاق ما لم يصدر عن شعور من المحبة في اتجاه الآخرين ) وروبرت مالتوس ( 1766 – 1834 ) وهو قسيس ومفكر اقتصادي بريطاني حاول أن يثبت أن سبب الفقر في المجتمعات يرجع الى الناس أنفسهم لأنهم يتزايدون بسرعة كبيرة ولا تتناسب مع الزيادة في الإنتاج ، ولذلك قال في كتابه ( بحث في مبدأ السكان ( إن الرجل الذي ليس له من يعيله ، والذي لا يستطيع أن يجد له عملا في المجتمع ، والذي ليس له نصيبا من الغذاء على أرضه ، هو عضو زائد في وليمة الطبيعة حيث لا صحن له بين الصحون ، فان الطبيعة تأمره بمغادرة الزمن ، وهكذا نرى هذه الأفكار وهذه النظريات لعبت دورا أساسيا في ترسيخ الفكر الليبرالي ، وفي تخليص الاقتصاد الأوروبي من الطابع الديني الأخلاقي ، وساهمت في تنمية الصناعة والتجارة وتحديد مفهوم قيمة العمل ، وتأسيس البنوك والشركات التي كان لها دورا بارزا في قيام النظام الليبرالي ، ولكن وفي الأصل والنهاية وبدون الخوف من الوقوع في الخطأ يمكن القول بأن الليبرالية نشأت في التغيرات الاجتماعية والثقافية التي عصفت بالقارة الأوروبية منذ بداية عصر النهضة في القرن السادس عشر الميلادي . كما يمكن القول أن هذه التغيرات الاجتماعية والثقافية التي جاءت بشكل بطيء ومتدرج لم تتبلور كنظرية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية على يد مفكر واحد ولكن على يد عدد من المفكرين الذين أعطوها شكلها وطابعها الخاص ولذلك لا يمكن القول بأن هناك ليبرالية لوكية نسبة الى جون لوك الذي رفض حصر الخيارات في خيار هوبز الذي قال ( مجتمع لا سلطة فيه فوضى ) و ( مجتمع يسيء فيه استعمال السلطة ) وفال أن الحل يرتكز على مبدأ ثالث أي الحل الليبرالي الذي وضعه لوك وطوره مونتسكيو ، وهو حكم القانون وسيادته وإصلاح مؤسسات المجتمع وتطويرها . أو ليبرالية روسووية نسبة الى جان جاك روسو الذي قال (الحرية الحقة هي تطبيق القوانين التي اشترعها الإنسان لنفسه ) أو ليبرالية ملية تسبه الى جون ستيوارت مل الذي كان ليبراليا ومدافعا عن حرية الرأي والمناقشة ، ولا أدل من ذلك عن قوله ( إن البشر لو اجتمعوا جميعا على رأي وخالفهم في هذا الرأي فرد واحد ، فما كان لهم أن يسكتوه ، بنفس القدر الذي لا يجوز لهذا الفرد إسكاتهم حتى لو كانت له القوة والسلطة . وقد دافع مل عن مقولته الأخيرة هذه بقوة حينما قال ( إننا إذا أسكتنا صوتا فربما نكون قد أسكتنا الحقيقة ، وإن الرأي الخاطئ ربما يحمل في طياته بذور الحقيقة الكامنة ) ، وإن الرأي المجمع عليه لا يمكن قبوله على أسس عقلية إلا إذا
دخل واقع التجربة والتمحيص ، وإن هذا الرأي ما لم يواجه تحدياً من وقت لآخر فإنه سيفقد أهميته وتأثير ) لأن كل فيلسوف من هؤلاء الفلاسفة أعطى لليبرالية الكثير من ملامحها وخصائصها . ولكن لا بد من الإشارة الى ان الليبرالية من حيث وجودها النظري والفلسفي تشهد تباينات كبيرة وقد تصل الى درجة الاختلافات الكبيرة بين الرؤى ، ولذلك نرى أن ليبرالية جون لوك تختلف عن ليبرالية ماديسون أو ليبرالية فردريخ أوغست فون هايك أو ليبرالية ديفيد هيوم أو ليبرالية توكفيل أو ليبرالية ايمانويل كانط أو ليبرالية ليسنغ او ليبرالية ادم سميث أو ليبرالية يوشانان ، لأن الليبرالية ليست فلسفة ولكنها فلسفات سياسية واقتصادية . ولذلك نرى أن الليبرالية السياسية تقوم على حرية الرأي والاعتقاد والتفكير والاجتماع وتشكيل الأحزاب واحتيار السلطة ، والليبرالية الاقتصادية تقوم على حرية الملكية الشخصية وحرية الفعل الاقتصادي المنتظم وفق قانون السوق . والليبرالية الاجتماعية وهي عبارة عن الطريق الثالث بين الرأسمالية والاشتراكية ، وخاصة بعد فشل الاشتراكية وتجربة القطاع العام وتدخل الدولة في كل صغيرة وكبيرة في حياة المجتمع ، وفشل الرأسمالية وخاصة فلسفة دعه يعمل اتركه يمر، وهي تقوم على فلسفة الحرية السياسية في الرأي والاعتقاد والتفكير والاجتماع وحرية تشكيل الأحزاب واختيار السلطة وتدخل السلطة للحد من تغول الرأسمالية ولكن بشكل محدود جدا وخاصة في مجال فرض الضرائب التصاعدية التي قد تصل الى 60 % كما هو في الدول الاسكندنافية ، والليبرالية الفكرية التي تنطلق من فكرة وجود حيز في الذات الإنسانية لا تستطيع سلطة المجتمع أو أي سلطة أخرى أن تنفذ إليه ، والإنسان الذي يستطيع أن يكتشف هذا الحيز بإمكانه أن يتمتع بقدر كبير جدا من الحرية والسيادة ولا يتأثر باختلاف الزمان وأهواء البشر ، ولا يمكن لأي سلطة أن تجبر أي إنسان على اعتناق ما لا يريد ، ولذلك ترى الليبرالية الفكرية أن الطريق الصحيح في رقي أي مجتمع لا يكون الا برفض الوصاية على الإنسان ، ومن هنا جاءت فكرة الليبرالية الفكرية كمذهب سياسي فلسفي يرى أن الإجماع الديني لا يمكن ان يكون شرطا في تشكيل تنظيم مجتمع جيد ، ولكن الشرط في تشكيل تنظيم المجتمع الجيد هو حرية الفكر لكل المواطنين ، والقبول بأفكار الأخر وأفعاله حتى لو كانت متعارضة مع المذهب ، ولكن شرط المعاملة بالمثل وفي إطار فلسفي يعتمد على الفلسفة النفعية ، والليبرالية الفكرية لا ترفض أي دين ولا تدعو الى أي دين ، وهي تقف على الحياد من كل الأديان ، ولكل فرد ان يعتنق ما يشاء ، وهو ما عبر عنه هاليفي بالحرية الميتافيزيقية أي تحقيق العلمانية في الفكر ، ومنع فرض المعتقدات الخاصة على الآخرين ، ومنع فرض الدين على السياسة أوفي شئون الحياة . وهكذا نرى أن الليبراليون لا يتفقون مع اليسار ولا يتفقون مع اليمين ، ولا يقفون موقفا وسطا من اليسار ولا موقفا وسطا من اليمين ، ولا يقفون إلى يمين اليمين ولا إلى يسار اليمين ولا ي إلى يسار اليسار ولا إلى يمين اليسار ، لأنهم ضد كل الأشكال السلطوية التي تستخدم القوة البوليسية في اليسار واليمين للسيطرة على الحياة الخلاقة للإنسان ، ولذلك لا يكونون إلى يسار السلطويين ولا إلى يمين السلطويين لأنهم كالروح الإنسانية الذين يريدون تحريرها يصعدون ولا يسقطون ، ولأنهم أيضا كالروح الإنسانية أيضا اعلي من كل سقوط ، لأن الليبرالية حركة وعي اجتماعي سياسي تتحرك داخل كل مجتمع وفق قيمه وأخلاقه ، وتتكيف داخل كل مجتمع حسب ظروفه ، وتهدف إلى تحرير الإنسان كفرد والإنسان كمجتمع من القيود السلطوية السياسية والاقتصادية والثقافية ، ، والليبرالية لا تعني أكثر من حق الإنسان كفرد والإنسان كمجتمع في ان يحيا حرا كامل الاختيار، ولذلك تكون رسالة الفلسفة الليبرالية في الإعلام هي تزويد الإنسان كفرد والإنسان كمجتمع بالحقائق المجردة والمعلومات الموضوعية من اجل بناء عقولهم بصورة طبيعية ، لأن الإنسان كفرد والإنسان كمجتمع في ظل هذه الفلسفة يتمتع بحرية مطلقة ويستطيع ان يفعل ما يريد وليس لأحد التدخل في شؤون حياته لأنه خرج إلى هذه الحياة فردا حرا له الحق في الحياة والحرية ، ومن حق الحياة والحرية تنبع الحقوق الأخرى مثل حق الاختيار بمعنى حق الحياة كما يشاء الإنسان وليس كما يشاء له ، وحق التعبير عن نفسه بكل الوسائل ، وحق البحث عن معنى الحياة وفق قناعاته لا وفق ما يفرض عليه ، ولذلك وفي كلمة مختصرة نستطيع أن نقول أن الإنسان هو محور الفلسفة الليبرالية ، وان الفلسفة الليبرالية تترك للإنسان أن يتدبر أمره في عالم الشهادة ، أما في عالم الغيب فإن أمره متروك لصاحب الغيب ، وهكذا نرى ان الحرية والاختيار هما حجر الزاوية في الفلسفة الليبرالية وقد أكد هذه الحقيقة فلاسفة لم يكونوا ليبراليون ومن أبرزهم ( توماس هوبز الذي كان سلطوي النزعة سياسيا وهو الذي قال ( الحكومة نتاج رذائل الأفراد) ولكن ورغم ذلك كانت فلسفته الاجتماعية السياسية وحتى السلطوية التي كان يُنظر إليها تنطلق من حق الحرية والاختيار ، والفيلسوف ( جون لوك الذي كان ديمقراطي النزعة ولكن من منطلق حق الحرية والاختيار ) والفيلسوف ( جرمي بنثام الذي كان نفعي النزعة ولكن من منطلق حق الحرية والاختيار أيضا ) وأخير وفيما يتعلق بالعلاقة بين الليبرالية والأخلاق والليبرالية والدين فإن الليبرالية لا تهتم بسلوك الإنسان أو دينه طالما أن ذلك لا يخرج من دائرته الخاصة ، ولكنها صارمة خارج الدائرة الخاصة ، لأن الليبرالية تقوم على التعددية الإيديولوجية والحزبية وحرية الاعتقاد والحرية الاقتصادية والمنافسة الحرة ولذلك يسمون بالحريون ، وعلى التكيف حسب ظروف كل مجتمع ، وعلى تقليص دور الدولة في حياة الناس إلى أقصى درجة ، ولذلك ترفض أسلوب الدولة الشمولية الكلية التي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الناس سواء كانت هذه الدولة يمينية أو يسارية أو اوتوقراطية أو علمانية ، ولذلك يكون القدر والإرادة والليبرالية أدوات صنع المجتمع والسياسة وأدوات تطوير المجتمع والسياسة في نفس الوقت ، صنع وتطوير المجتمع من مجتمع الحرية الأولى ، المجتمع الطبيعي الحيواني الأبوي التقليدي الذي يصنع أفكاره في بطنه ويتحرك استجابة لنداء غريزة إلى المجتمع المدني الذي يصنع أفكاره في عقله ويتحرك استجابة لنداء فكرة ، وأدوات صنع السياسة وتطوير السياسة من سياسة ترتبط بتكليف إلهي أو ارث عائلي أو ارستقراطي أو طبقي أو ما يسمى ارث ثوري أو نضالي ، ولا تعبر عن مجال عام مشترك إلى سياسة تقوم على السيادة الشعبية والإرادة الجمعية وترتبط بالمجتمع نفسه وتنبع من المجتمع نفسه وتصب في المجتمع نفسه ، وتعبر عن مجال عام مشترك ، وعن حقيقة الإنسان وطبيعة اجتماعه المدني ، ولذلك لا يمكن أن تكون أي ليبرالية تشبه أي ليبرالية ومن يدعي أن كل إنسان يحب أن يشبه شقيقه في كل شيء ، ومن يدعي أن الليبرالية هي نقس الليبرالية في كل مكان وزمان ، يجب أن يعرف أن الليبرالية هي عكس الراديكالية والشيوعية والرأسمالية وأي فلسفة أخرى ، وهي لا تعترف بمرجعية ليبرالية مقدسة ولا تقدس كتب ليبرالية مقدسة ولا تقدس رموز ليبرالية مقدسة ، لأنها لو كانت هكذا لا يمكن أن تكون ليبرالية وإنما مذهبا من المذاهب الشمولية المنغلقة ، لأن مرجعية الليبرالية هي في هذا الفضاء الواسع من المبادئ التي تتمحور حول الإنسان ، وحرية الإنسان ، وكرامة الإنسان ، وفردانية الإنسان .ولأن الليبرالية تتعدد بتعدد الليبراليين. وكل ليبرالي هو مرجع ليبراليته. وتاريخ الليبرالية مشحون بالتجارب الليبرالية المتنوعة ، ومن حاول الإلزام سقط من سجل التراث الليبرالي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.