وزير الرى يلتقى أمين عام المنظمة العالمية للأرصاد الجوية    رئيس الوزراء: الجامعات التكنولوجية تسهم في تطوير قطاع الصناعة    اتصالات النواب: حوادث النقل الذكي مرفوضة وقراراتنا واجبة النفاذ خلال 48 ساعة    ما هي التهم الموجهة إلى نتنياهو في محكمة العدل الدولية؟    الزمالك يحدد طبيعة إصابة محمد شحاتة    رمال وأتربة وتحذير خطير.. هل هذه آخر موجة حارة في فصل الربيع؟    كلية العلوم بجامعة أسيوط تعقد ورشة عمل حول "تقييم التنوع الحيوي"    مجلس النواب يوافق نهائياً على مشروع قانون «التأمين الموحد»    بدأ العد التنازلي.. موعد غرة شهر ذي الحجة وعيد الأضحى 2024    إصابة 8 أشخاص في تصادم ميكروباص وربع نقل بأسوان    طارق الإبياري يكشف عن وصية سمير غانم له قبل رحيله: «أخرج لي آخر مسرحية»    الحياة على المريخ ورحلة إلى المركز الاستكشافي للعلوم.. فعاليات علمية في كل من مكتبتي المستقبل مصر الجديدة للطفل    إلهام شاهين تحيي ذكرى سمير غانم: «أجمل فنان اشتغلت معه»    إيرادات الأفلام تواصل التراجع.. 1.2 مليون جنيه في يوم واحد    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    صحة مطروح: تقديم خدمات طبية لأكثر من 370 مواطنا بالنجيلة من خلال قافلة طبية مجانية    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    ڤودافون مصر توقع اتفاقية تعاون مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لدعم الأمن السيبراني    الإعدام لأب والحبس مع الشغل لنجله بتهمة قتل طفلين في الشرقية    بعد طائرة الرئيس الإيراني.. هل تحققت جميع تنبؤات العرافة اللبنانية ليلى عبد اللطيف؟‬    حجز استئناف أحمد عز على إلزامه بدفع 23 ألف جنيه إسترليني لتوأم زينة    انطلاق فعاليات ندوة "طالب جامعي – ذو قوام مثالي" بجامعة طنطا    6 نصائح لمواجهة الطقس الحار.. تعرف عليها    البنك الأهلي المصري يتلقى 2.6 مليار دولار من مؤسسات دولية لتمويل الاستدامة    إسبانيا تستدعي السفير الأرجنتيني في مدريد    العثور على طفل حديث الولادة بالعاشر من رمضان    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    المؤشر الرئيسي للبورصة يتراجع مع نهاية تعاملات اليوم الاثنين    الليجا الإسبانية: مباريات الجولة الأخيرة لن تقام في توقيت واحد    استبدال إيدرسون في قائمة البرازيل لكوبا أمريكا 2024.. وإضافة 3 لاعبين    مدرب الزمالك يغادر إلى إنجلترا بعد التتويج بالكونفيدرالية    ليفربول ومانشستر يونايتد أبرزهم.. صراع إنجليزي للتعاقد مع مرموش    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    العمل: ندوة للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية ودور الوزارة فى مواجهتها بسوهاج    افتتاح دورة إعداد الدعاة والقيادات الدينية لتناول القضايا السكانية والصحية بمطروح    «صحة الشرقية» تناقش الإجراءات النهائية لاعتماد مستشفى الصدر ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    نائب جامعة أسيوط التكنولوجية يستعرض برامج الجامعة أمام تعليم النواب    الرئيس الجزائري: فقدت بوفاة الرئيس الإيراني أخا وشريكا    شيخ الأزهر يستقبل سفير بوروندي بالقاهرة لبحث سبل تعزيز الدعم العلمي والدعوي لأبناء بوروندي    بروتوكول تعاون بين التأمين الصحي الشامل وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية لتطوير البحث العلمي فى اقتصادات الصحة    مهرجان ايزيس الدولي لمسرح المرأة يعقد ندوة تحت عنوان «كيف نفذنا من الحائط الشفاف»    براتب خيالي.. جاتوزو يوافق على تدريب التعاون السعودي    شكرى: الاحتياجات ‬الإنسانية ‬للأشقاء ‬الفلسطينيين ‬فى غزة ‬على رأس أولويات مصر    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    وزيرة الهجرة: نتابع تطورات أوضاع الطلاب المصريين فى قرغيزستان    في طلب إحاطة.. برلماني يحذر من تكرار أزمة نقل الطلاب بين المدارس    فيلم شقو يحصد 291 ألف جنيه إيرادات في ليلة أمس الأحد    فتح باب التقدم لبرنامج "لوريال - اليونسكو "من أجل المرأة فى العلم"    مرعي: الزمالك لا يحصل على حقه إعلاميا.. والمثلوثي من أفضل المحترفين    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    ماذا يتناول مرضى ضغط الدم المرتفع من أطعمة خلال الموجة الحارة؟    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    مجلس الوزراء الإيراني يعقد جلسة طارئة في أعقاب تحطم طائرة الرئيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسطين والحركة الصهيونية ودول الطوق
نشر في شباب مصر يوم 01 - 09 - 2014

القومية لا تعني كمية من الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب أو الفصائل أو الدول القطرية ، ولكنها تعني اشتراك هؤلاء جميعا في شبكة علاقات تاريخية وجغرافية وفسيولوجية وسيكولوجية وأيديولوجية وعقائدية واجتماعية وحضارية وثقافية لا تقوم على مجرد اتفاق عفوي أو نظري أو مرحلي أو تكتيكي بين الأشخاص والأفكار والأشياء ، ولكن على تركيب هذه العوالم الثلاثة بحيث يحقق ناتج هذا التركيب في اتجاهه ومداه تغييرا جذريا في مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والإرادة العامة والمصالح العامة من أجل القيام بوظيفة تاريخية تنقل الحركة القومية من النطاق النظري الى الواقع العملي ، ويتمثل هذا الانتقال عمليا في السعي الى تحقيق الأهداف القومية الإستراتيجية في الوحدة والتحرير ، وهما هدفان مرتبطان شرطيا بمعني أن تحقيق احدهما يرتبط بتحقيق الآخر ، لكن القومية العربية التي ما زالت شبكة العلاقات فيها قائمة على الاتفاق العفوي النظري لم تستطع أن تبلور موقفا موحدا في القضايا الإستراتيجية ، وخاصة في قضية فلسطين الذي تراوح الموقف العربي فيها منذ البدايات بين حدين ، حد الرفض المطلق لكل الفكرة الصهيونية وكل ما يتفرع منها من هجرة يهودية واستيطان ودولة وحروب ومذابح وتطهير عرقي واتفاقات نتيجة لخطأ في الفكر والفعل ، وحد الاضطرار بقبول شيء من الفكرة الصهيونية ولكن مع الاختلاف في حدود هذا الشيء ، وذلك تحت وطأة الضغوط والإغراءات الامبريالية الكولونيالية الأمريكية والقوة العسكرية الصهيونية ، ويتمثل حد الرفض المطلق في موقف السلطان العثماني عبد الحميد الذي قال ( أهون على أن يعمل المشرط في جسدي على أن يعمل في تقسيم بلاد المسلمين ) ، وقد دفع عبد الحميد عرشه ثمنا لموقفه هذا عندما دخل عليه اليهودي الصهيوني قرة صو حاخام اليهود في الدولة العثمانية وقال له بعد نجاح الانقلاب في تركيا ( قم يا عبد الحميد ودع عرشك واخرج من قصرك ) وقد أصبح قرة صو هذا أول سفير لحكومة الاتحاد والترقي الانقلابية في واشنطن حيث صار يعرف منذ ذلك الوقت باسم حاييم ناحوم ، وللعلم فإن جمعية الاتحاد والترقي التي أسسها يهود الدونمة أسست في نفس العام الذي أسست فيه الحركة الصهيونية في عام 1897 وفي نفس المكان ولكن في جنيف في سويسرا وتحت اسم جون تورك أي الشباب الأتراك ، وفي موقف نجيب عازوري الذي كان يرى أن التنافس بين المشروع العربي والمشروع الصهيوني أمرا حتميا لا هروب منه وعليه يتوقف مصير العرب والشرق الوسط والعالم ، وهكذا كان الحد الأول في رفض المشروع الصهيوني يتمثل في موقف السلطان العثماني التركي العرق والهوية والإسلامي الدين والحضارة وفي موقف نجيب عازوري العربي العرق والهوية والمسيحي - الإسلامي الدين والحضارة ، أما الحد الثاني حد الاضطرار بقبول شيء من الفكرة الصهيونية على الاختلاف في حدود هذا الشيء الذي يمكن قبوله تحت وطأة ضغوط ومغريات خارجة عن إطار المنطقة ، ووطأة الضغوط العسكرية الصهيونية فإن أقدم تمثيل له كان في موقف أعضاء حزب اللامركزية وجمعية بيروت الإصلاحية الذين اتصلوا بالصهاينة وتباحثوا معهم من اجل بدأ تفاهم عربي – صهيوني ، وفي موقف أعضاء المؤتمر العربي الأول في باريس 1913 الذين تأثروا بالضغوط والإغراءات الصهيونية مما أدى الى صمت المؤتمر إزاء المخططات الصهيونية صمتا كليا وعدم اتخاذ حتى مجرد قرار يطالب بوقف الهجرة اليهودية الى فلسطين ، وموقف الأمير فيصل ممثل المملكة العربية الحجازية والقائم بالعمل نيابة عنها وملك سورية ثم العراق فيما بعد الذي عقد مع الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن رئيس المنظمة الصهيونية اتفاقية فيصل – وايزمن في باريس على هامش مؤتمر الصلح في عام 1919والتي كانت مقدمتها وبنودها تنطلق من فكرة أن العرب واليهود يدركان القرابة الجنسية والصلات القديمة ، وان اضمن الوسائل لبلوغ غاية أهدافهما الوطنية هو في اتخاذ أقصى ما يمكن من التعاون المشترك في سبيل تقدم الدولة العربية و (فلسطين ) لكونهما يرغبان في زيادة توطيد حسن التفاهم بين الدولة العربية و ( فلسطين ) ، وتحديد الحدود النهائية بين الدولة العربية و(فلسطين ) ، وتقديم ارقي الضمانات لتنفيذ تصريح بلفور ، وتشجيع الهجرة اليهودية الى فلسطين على مدى واسع ، والحث عليها وبأقصى ما يمكن من السرعة لاستقرار المهاجرين في الأرض عن طريق الإسكان الواسع والزراعة المكثفة ( مع حفظ حق الفلاحين والمزارعين والمستأجرين الفلسطينيين ) وضمان حرية العبادة ، وموقف الكنيسة المارونية وبعض المستويات السياسية المارونية في لبنان وخاصة نجيب صفير وهو سياسي ماروني كان يؤمن بالقومية المارونية ، وكان قد اجتمع مع حاييم وايزمن رئيس المنظمة الصهيونية ممثلا للبطريرك الماروني انطوان عريضة في عام 1919 ، واقترح على وايزمن تقسيم بلاد الشام على أن يكون لبنان للمسيحيين وفلسطين لليهود وسورية للمسلمين ، ووقع مع يهو شواع هانكين في سنة 1920 مذكرة باسم الموارنة يعترف فيها بحق اليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين في مقابل دعم اليهود لانفصال المسيحيين عن سورية والاعتراف بلبنان وطنا قوميا للمسيحيين ، والحقيقة أن هذا الاعتراف لم يكن سوى بنية إقامة دولة لبنانية ذات أكثرية مارونية خوفا من غلبة المسلمين في حال ضم لبنان الى الدولة السورية المفترضة ، وهي على كل حال نظرة متخلفة لأن الوطن ليس حدود سكن الجماعات الطائفية أو المكان الجغرافي الذي يتواجد عليه أبناء كل طائفة عرقية أو دينية أو مذهبية ، ولكن الوطن تاريخ وجغرافية وتراب وتراث وحدود وجدود وثقافة وحضارة وصفة وسيادة ، ولكن وجود إحساس طائفي أو مذهبي أو عرقي أو فئوي قد يؤدي الى ما هو أعمق من ذلك وأكثر تأثيرا على مجريات الحياة السياسية في لبنان وفي غير لبنان من الأقطار العربية ، وخاصة في حالة غياب الوعي الوطني والقومي ، وذلك يرجع الى الإحساس بالخوف المفترض على الهوية والحياة الاجتماعية والوجود الفاعل والوجود الحر والحقوق الخاصة والمصالح والمكتسبات والامتيازات من الآخر ، وهو إحساس قد يؤدي الى قيام الطائفة العرقية أو المذهبية أو الفئوية بأشياء تتنافى مع المبادئ الوطنية والقومية العامة حفاظا على وجودها وهويتها ومصالحها ، وقد يؤدي هذا الأمر في كثير من المناسبات والظروف الى تأسيس مدارس فكرية تبشر وتعمل من اجل الحفاظ على مصالح الطائفة ، وتختار أسلوب ومنهج عملي يعرف بتحالف الأقليات ، والموارنة أقلية فاعلة في الشرق وهي ذات هوية مجتمعية خاصة ، وبعد ذلك تم توقيع اتفاق تعاون بين ممثل المنظمة الصهيونية يهوشواع هانكين وعدد من نشطاء الموارنة حول عدد من المسائل الاقتصادية والسياسية وشراء الأراضي الفلسطينية ، وقد وسع نجيب صفير صلاته مع يهود فلسطين ( اليشوف ) واليشوف كلمة عبرية تعني التوطن أو السكن ، وهي تشير الى الجماعات اليهودية التي تستوطن فلسطين لأهداف دينية ، ولكن يجب ألتمييز بين اليشوف القديم واليشوف الجديد ، اليشوف القديم وهم الجماعات اليهودية التي كانت تعيش على الصدقات التي ترسلها الجماعات اليهودية الأخرى وليس لهم إطماع سياسية ، لأن الغرض من وجودهم كان دينيا وكانوا على علاقة طيبة مع الفلسطينيين ، واليشوف الجديد وهم التجمعات الاستيطانية اليهودية الصهيونية الذين جاءوا الى فلسطين قبل قيام دولة الكيان الصهيوني بين عامي 1882 – 1948 ، وهم جماعة ( قومية ) استيطانية صهيونية تحمل برنامج سياسي يستهدف إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين ، ولتحقيق هذه الغاية ركزوا جهودهم وإمكانياتهم على تأسيس بنية سياسية واقتصادية واجتماعية وحضارية في إطار مفاهيم انعزالية تفصلهم عن عرب فلسطين ، وقد وسع صفير صلاته مع اليهود في فلسطين ( اليشوف ) وخاصة مع موشيه شرتوك 1894 – 1965 ) وهو يهودي صهيوني أوكراني وثاني رئيس وزراء لدولة الكيان الصهيوني بعد بن – غوريون ووزير خارجية الكيان في عام 1965 ورئيس الوكالة اليهودية في عام 1960 وتعد عائلته من المؤسسين لمدينة تل – أبيب في عام 1909 ، وكانت المناقشات بين صفير وشرتوك تتركز على الأوضاع الاقتصادية وخاصة شراء الأراضي الخاصة باللبنانيين الموارنة في فلسطين ، ولكن الاجتماع الذي كان يحمل الطابع السياسي والديني بشكل واضح وصريح كان اجتماع باريس في عام 1936 الذي كان يضم البطريرك أللبناتي الماروني انطوان عريضة ورئيس الجمهورية اللبنانية اميل اده وحاييم وايزمن رئيس المنظمة الصهيونية ، وقد ناقش هذا الاجتماع وبكل صراحة ووضوح الخطر الإسلامي المحدق بكل من المسيحيين في لبنان واليهود في فلسطين ، وفي عام 1937 التقى الرئيس اللبناني اميل اده ورئيس المنظمة الصهيونية حاييم وايزمن في باريس ، وقد دعم هذا اللقاء إقامة دولة يهودية في فلسطين وإقامة حدود متماسكة ومتماسة تربط موارنة لبنان مع اليهود في فلسطين ، وفي عام 1937 قال المطران اغناطيوس في خطاب له في المصلين اليهود في وادي أبو جميل في بيروت ( أن في لبنان مكانا لاستيعاب اليهود الذين يطردون من ألمانيا النازية ولا يلاقون ترحيبا من العرب في فلسطين ، ونود أنا وغبطة البطريرك عريضة أن نقول لكم أهلا بكم أيها اليهود ، وإذا كنت قلت لكم سابقا أن غبطة البطريرك هو بطريرك اليهود فأود أن أعلن ألان أنني مطران اليهود ) ، وتواصلت المناقشات وقدمت الكنيسة المارونية وبعض السياسيين الموارنة برئاسة الرئيس اميل اده في عام 1945 اقتراحا الى رئيس المنظمة الصهيونية حاييم وايزمن مفاده تسليم مدينتي صور وصيدا الى الدولة الصهيونية المتوقعة ، لأن المدينتين تضمان أكثر من مائة ألف مواطن مسلم ، ولكن وايزمن رفض العرض قائلا كان جدي يقول دائما لي ( انه لا يقبل هدايا لاذعة ) ، وتواصلت اللقاءات بين البطريرك عريضة وحاييم وايزمن ، وذهب عريضة الى القدس ووقع اتفاقا فعليا نيابة عن الكنيسة المارونية والطائفة المارونية اعترف فيه صراحة بحق اليهود في الاستقلال في فلسطين واعترف فيه حاييم وايزمن بالهوية المسيحية المستقلة للبنان ، وقد جاء هذا الاتفاق تتويجا لجهود توفيق عطية وهو لبناني يهودي كان يزود الوكالة اليهودية بالمعلومات ويعمل بشكل مباشر مع الطائفة المارونية ، وفي 30 أيار 1946 وقع توفيق عواد بالنيابة عن البطريرك عريضة مع برنارد جوزيف بالنيابة عن حاييم وايزمن اتفاقا رسميا بين الطرفين يتضمن اعتراف الكنيسة المارونية بالروابط التاريخية بين ( الشعب اليهودي ) وفلسطين، وحق اليهود في الهجرة الى فلسطين والإقامة فيها ، والموافقة على البرنامج السياسي للوكالة اليهودية في نظير عدم وجود مخططات لدى الوكالة اليهودية في شأن الأرض اللبنانية ، والاعتراف بالوجه المسيحي للبنان ، وعدم إرسال يهود للاستيطان في جنوب لبنان ، وفي 5 أيار 1947 أرسل المطران الماروني اغناطيوس مبارك رسالة الى لجنة التحقيق الدولية يطلب فيها قيام دولة لليهود في فلسطين وقال فيها ( أن لبنان يطلب الحرية لليهود في فلسطين كما يطلب حريته واستقلاله ) وبعد قيام دولة الكيان الصهيوني بعد حرب الأنظمة وتوقيع اتفاقية الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية في 23 آذار في رأس الناقورة أصبحت العلاقات المارونية – الصهيوني علاقات سرية نظرا لما يمكن أن تسببه هذه العلاقات من آثار سلبية تنعكس سلبا على الطائفة المارونية ، ولكن الاتصالات استمرت ، وفي عام 1959 سافر الياس رباني من لبنان الى البرازيل ليفتح مكتبا للعلاقات المارونية – الإسرائيلية ، وفي نفس الوقت عقد رئيس الطائفة المارونية في البرازيل القس الياس غريب عدة اجتماعات مع مسؤولين إسرائيليين لمناقشة الخطر المتصل ضد المسيحيين في لبنان من مصر جمال عبد الناصر ، ونشر الموارنة بعد هذا الاجتماع إعلان صداقة علني مع إسرائيل وعززوا العلاقة مع السفارة الإسرائيلية في البرازيل وشاركوا في كل المناسبات الإسرائيلية في البرازيل بصورة علنية ، وفي الحرب الأهلية اللبنانية كان الموارنة غالبا ما يلجئون الى إسرائيل من اجل الدعم المادي والعسكري والسياسي ضد العدو المشترك المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وقوات الردع السورية ، وقد زار قادة الجبهة اللبنانية الرئيس كميل شمعون زعيم حزب الوطنيين الأحرار وابنه داني شمعون ، والشيخ بيار الجميل رئيس حزب الكتائب وابنه بشير الجميل قائد القوات
اللبنانية ورئيس جمهورية لبنان الذي انتخب في ظل الاحتلال الإسرائيلي في 23 آب 1982 واغتيل في 14 أيلول 1982 قبل أن يتسلم الرئاسة ، والرئيس أمين الجميل الذي انتخب بعد بشير ، وايلي حبيقة قائد القوات اللبنانية ، وسمير جعجع وميشال عون وغيرهم من السياسيين الموارنة والعسكريين الذين تلقوا تدريبات عسكرية في إسرائيل ، ولكن التنسيق السياسي والعسكري الماروني – الإسرائيلي ظهر بشكل واضح في إقامة ما يسمى دولة لبنان الحر في عام 1979 بقيادة الرائد سعد حداد والعقيد انطوان لحد بعد حرب الليطاني في آذار 1978، وفي الاجتياح الإسرائيلي واحتلال بيروت في عام 1982، وفي مذابح صبرا وشاتيلا في 16 – 18 أيلول 1982 ، وفي اتفاق 17 أيار 1983 ، ولم يكن موارنة لبنان هم الوحيدون في ذلك ، والحقيقة أن هذا الموقف الذي كان يمثل بعض الطبقات المالية والثقافية والسياسية والاجتماعية العربية لم يكن موقفا مقطوع الجذور، ولكن جذوره ومظاهره كانت تتمثل في الأثر الصهيوني الناتج عن انتساب أفراد من الأقليات اليهودية الى تلك الطبقات ، وبسبب تأثير الحداثة في الاتجاهات الفكرية الانعزالية في بعض الأقطار العربية ، والاستعانة بأساتذة يهود يحاضرون في الجامعات العربية في مختلف العلوم وحتى في الأدب العربي ، ونشر ثقافة الواقع القطري العربي المأزوم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا وثقافيا ، وسقوط ثقافة المقاومة تحت أقدام الأنظمة القطرية العربية التي تعيش في أحضان الهزيمة ، هزيمة حزيران ومعاهدات صكوك الذل في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة ، واحتلال بيروت وتدمير بغداد واحتلال العراق على يد التحالف الصهيوني – الامبريالي الأمريكي وفي تواطؤ مكشوف مع الأنظمة العربية القطرية في تحالف حفر الباطن ، والحرب على المقاومة في لبنان وغزة وحصار غزة ، وذلك بالإضافة الى بعض الصحف الصهيونية التي كانت تصدر في بعض العواصم العربية التي كانت تدعو الى الابتعاد عن المحيط القومي العربي حفاظا على تميزها ورمزا لعلوها وتفوقها كما تدعي مما يعني قبول فكرة التصالح مع المشروع الصهيوني والتي هي بالتأكيد إحدى المفاهيم الخاطئة لمضامين الحداثة والحضارة الغربية ، وخاصة في الدول العربية المركزية التي تشكل مركز الدائرة الذي تدور حوله الحركة السياسية في الوطن العربي وخاصة لبنان وسوريا ومصر والأردن والعراق ، لذلك كان تركيز الحركة الصهيونية والامبريالية الأمريكية على هذه الدول المركزية ، لأن الحركة الصهيونية والامبريالية الأمريكية تعرف أن من يأتي بالجديد في الوطن العربي هو الذي يشكل مركز الدائرة الذي يدور حولها الزمن العربي ، وهذه الدول هي المركز الذي يدور حوله الزمن العربي ، فالعراق بوابة العرب الشرقية والذي يعوم على بحر من الزيت ويمتلك إمكانيات متكاملة جغرافيا وديموغرافيا واقتصاديا وحضاريا وثقافيا كان هدفا للمخططات الصهيونية الامبريالية الأمريكية منذ بداية تشكيل الدولة القومية الحديثة التي شكلتها بريطانيا على صورة تخدم المصالح الصهيونية والمصالح الامبريالية البريطانية ، ولذلك اختارت بريطانيا فيصل ملكا على عرش العراق ، وكان فيصل احد ثلاثة مرشحين وهم طالب النقيب البصري الذي ينتمي الى قبائل النقيب القوية ويعود نسبه الى الحسين بن علي ، وهو رئيس الهيئة الإدارية في الحزب الحر المعتدل ، والمثقف الذي يتقن اللغات التركية والفارسية والهندية والانكليزية ، وذلك بالإضافة الى شجاعته ، ولذلك رفضته بريطانيا ، والثاني هو برهان بن السلطان عبد الحميد الثاني ورفض أيضا بسبب انتسابه الى السلطان عبد الحميد وبريطانيا لا تريد أن تعطي انطباع في إمكانية إحياء الخلافة الإسلامية ، والثالث فيصل وقد وقع الاختيار على فيصل الذي كان قد كشف عن تعاطفه مع المشروع الصهيوني في فلسطين ، وقد تجلى ذلك في اجتماعه مع الدكتور حاييم وايزمن رئيس المنظمة الصهيونية وأول رئيس لدولة الكيان الصهيوني في باريس في عام 1918، ويذكر البروفيسور يهوذا ز . بلوم في بحثه عن ( الملامح الأساسية للنزاع العربي – الإسرائيلي ) بأنه وعلى الرغم من أن الطرفين فيصل ووايزمن كانا يطمحان الى انتزاع الاعتراف باستقلال شعبيهما والتأكيد على انه لا يوجد أي تعارض ببن المشروعين المشروع العربي والمشروع الصهيوني ، وهذا ما نقرأه في رسالة فيصل التي أرسلها الى البروفيسور فيليكس فرانكفورتر عضو البعثة الصهيونية الى مؤتمر الصلح وعضو المحكمة الأمريكية العليا فيما بعد في الأول من آذار 1919 حيث ورد فيها ( نحن العرب وبخاصة المتعلمين من بيننا ننظر بتأييد عميق الى الحركة الصهيونية ، وأن وفدنا هنا ( في مؤتمر الصلح في باريس ) يعلم بدقة تلك المقترحات التي قدمتها المنظمة الصهيونية البارحة لمؤتمر السلام ، ونحن نعتبرها معتدلة وعادلة ، ونحن سنفعل من طرفنا كل ما نستطيع من اجل مساعدتكم لتحقيق النصر ، إننا نريد أن نعبر عن ترحابنا القلبي بعودة اليهود الى وطنهم ، لقد كنا على علاقات وثيقة مع قادة حركتكم وبخاصة الدكتور حاييم وايزمن ، انه قدم لقضيتنا خدمات جليلة ، وآمل أن يكون في استطاعت العرب أن يحسنوا الى اليهود ، نحن نعمل جميعا من اجل شرق مبني من جديد ومفعم بالحياة وان تكمل كل حركة الحركة الأخرى ، وآمل أيضا أن يساعد كل شعب الشعب الآخر من اجل تحقيق الانتصارات الفعلية )
( اورنو اولمان – طريق اسرائيل الى الدولة – 1962 – ص - 266 الطبعة الألمانية )
وفي اتفاقية فيصل – وايزمن ، وكان فيصل قد خلع عن عرش سورية وطرد من دمشق بعد معركة ميسلون الذي استشهد فيها القائد الوزير يوسف العظمة وكوكبة من رجال سوريا في 24 تموز 1920 ، ولذلك كانت بريطانيا ترى أن فيصل لن يجرب الحل العسكري مرة أخرى ، كما أنها كانت ترى فيصل عدوا لفرنسا التي خلعته عن عرش سورية ، ولذلك سوف يكون شوكة في جنب فرنسا المنافسة التقليدية والقوية لبريطانيا في الحركة الاستعمارية ، وقد بدأ عهده بحضور حفل استقبال أقيم تكريما له في المعبد اليهودي في بغداد في 3 آب 1921 بحضور وجهاء واعيان العراق ورجال الدين والأحبار اليهود ، وكجزء من مراسم التكريم قام كبار كهنة معبد بغداد بفتح مخطوطة توراتية وقام الملك بتقبيلها وقال في حضرة الكهنة ( نحن من أصل واحد فجدنا واحد وهو سام وكلنا ننحدر من هذا العرق النبيل العرق السامي ) ، وهكذا كرر الملك ما سبق أن قاله في اتفاقية فيصل – وايزمن في عام 1919 ، ولكن يبدو أن الملك لا يعرف وقد يكون لا يعرف حقيقة ، لأن اختياره ملكا كان لأنه لا يعرف أن غالبية اليهود لا ينتمون الى سام ولكنهم قبائل تترية مغولية وثنية خزرية كانت قد أسست لها دولة في شمال بحر الخزر ( بحر قزوين ) على الطرف الشرقي من قارة أوروبا في القرن السادس الميلادي واعتنقت الديانة اليهودية في عهد ملكها بولان في القرن الثامن الميلادي ، وقد امتدت حدود هذه الدولة من بحر قزوين الى البحر الأسود ولعبت دورا خطيرا في السياسة الدولية نظرا لموقعها بين قوتين عظميين الإمبراطورية المسيحية البيزنطية في الغرب والإمبراطورية العربية الإسلامية في الشرق ، ويقول كستلر في كتابه ( الدين بين أيدينا – القبيلة الثالثة عشر ويهود اليوم ) ( أن غالبية اليهود الحاليين ليسو من أصل أسيوي ولكنهم ينحدرون من أصول خزرية ) ، وقد دمرت هذه الدولة في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي على يد التحالف الروسي - البيزنطي ، وهرب الخزريون اليهود المغول الى الغرب في اتجاه شبه جزيرة القرم واوكرانيا وهنغاريا وبولونيا وليتوانيا وغيرها من الدول الأوروبية ، وقد أكد هذه الحقيقة المؤرخ اليهودي المجري انطال ، والمؤرخ اليهودي شلومو زند الذي قال في كتابه ( متى توقفت أن أكون يهوديا ) أن اليهود أتباع ديانة وليسو شعب كما تزعم الحركة الصهيونية ، ويحمل شلومو زند المحاضر في جامعة تل – أبيب في كتابه ( متى وكيف اخترع الشعب اليهودي ) وكتابه ( متى وكيف اخترعت ارض إسرائيل ) على الصهيونية ويعري أكاذيبها وعمليات غسل الدماغ والتزوير واستنساخ التاريخ والأساطير ونحت شعب لا أساس له ولا تاريخ له ، وقومية لا أساس لها ولا تاريخ لها ، ويؤكد شلومو زند أن طرد اليهود من فلسطين ليس حقيقة ولكنه أسطورة استخدمت كواحدة من تقنيات مذهلة لصياغة ذاكرة يهودية جماعية تقوم على فكرة أن يهود أوروبا مهجرين من فلسطين وهم من سلالة إبراهيم ، كما يشير شلومو زند الى فشل المحاولات الإسرائيلية من خلال مختبرات بيولوجية لتسويق نظرية علمية عرقية مفادها أن اليهود شعب واحد يجمعهم ( دي إن أي ) واحد منذ قرون ، ولا يكتفي زند ولكنه يمضي الى حد الإشارة إلى أن الأخلاق اليهودية تساهم في اتساع العداء للقيم الليبرالية والديمقراطية داخل إسرائيل ، والمؤرخ اليهودي افراهام فولك المحاضر في جامعة تل – أبيب الذي يؤكد حقيقة أن أصل اليهود من مملكة الخزر ومنها انتقلوا الى شرق أوروبا ، كما أن الملك لم يكن يعرف أو لا يريد أن يعرف أو أنه لا يستطيع أن يعرف أن النشاط الصهيوني في العراق يعود الى ما قبل تأسيس المنظمة الصهيونية ، وان هجرة يهود العراق الى فلسطين ترجع الى عام 1700 أي الى ما قبل تأسيس المنظمة الصهيونية ، وخاصة هجرة طلبة المدارس التوراتية ( الياشيفا ) وأسرة ماني ويهوذا وأغا بابا والكثير من رجال هذه الأسر كانوا أحبار ورجال إعمال وأكاديميين ، وان يهود فلسطين كانوا يزورون العراق قبل تأسيس المنظمة الصهيونية وكان يهود العراق يطلقون عليهم اسم موفدي ارض إسرائيل ، وان يهود فلسطين كانوا يبيعون ليهود العراق صكوك الدفن اليهودية في فلسطين ، وان جماعة الاليانس أسست فرع في بغداد في عام 1860 ومدرسة في بغداد في عام 1864 ، وذلك بالإضافة الى تأسيس جماعة صهيونية في بغداد وجماعة صهيونية في البصرة ، ودور روفائيل حورتس وموريس فتال ومنشي حكيم في جمع تبرعات للمشروع الصهيوني ، وزيارة هارون ساسون لفلسطين في عام 1919 وتوزيع جريدة العالم الناطقة بالعبرية في العراق ، وتأسيس الجمعية الأدبية الإسرائيلية والنادي الإسرائيلي وجمعية بغداد الصهيونية ، وزيارة الشاعر معروف الرصافي الى القدس حيث قال في قصيدة يمدح فيها المندوب السامي اليهودي الصهيوني هربرت صمويل
ولسنا كما قال الآلي يتهموننا
نعادي إسرائيل في السر والهجر
فكيف وهم أعمامنا واليهم
يمت إسماعيل قوما بنو فهر
هما من ذوي القربى
ومن كفينهما دليل على صدق القرابة في البخر
وقد زاد في تقربه الى المندوب السامي أكثر من ذلك فقال جاعلا من لقائه به مثيلا لليلة القدر
فيا ليلة كادت وقد جل قدرها
تكون على علاتها ليلة القدر
وقد رد عليه الشاعر اللبناني وديع البستاني وقال
خطاب يهودا أم عجائب من السحر
وقول الرصافي أم كذاب من الشعر
وحقك ما أدري وأدري يا لها
مراوحة بين الرصافة والجسر
وما من عيون للمهى تجلب الهوا
بأرض بها عين الزمان على الحر
ببغداد يا معروف بالأرض والسما
بربك بالإسلام بالشفع والوتر
قريضك من در الكلام فرائد
وأتت ببحر الشعر أعلم بالدر
ولكن هذا البحر بحر سياسة
إذا مد فيه الحق آذن بالجزر
أجل عابر الأردن كان ابن عمنا
ولكننا نرتاب في عابر البحر
عهدناك عباسا بوجه أعزة
فكيف لقيت الذل بالعز والبشر
ويستمر مسلسل الغزو الثقافي ويطرح نوري السعيد رئيس وزراء العراق في 14 كانون الثاني 1938 وفي لقاء له في القاهرة مع عوني عبد الهادي والدكتور عبد الرحمن السهبندر ، والأول فلسطيني من رموز العهد ألفيصلي والثاني سوري من رموز العهد الفصلي ، مشرع يقترح فيه توحيد العراق وإمارة شرق الأردن وفلسطين تحت عرش الملك غازي مقابل أن تحدد نسبة الهجرة بحيث يسمح لمليوني يهودي إضافي في الإقامة في هذه الدولة ، ويعرض نوري السعيد في اليوم التالي مشروعه على السفير لبريطاني في بغداد هندل جيمس ويتفق معه على تعديل البند المتعلق بالهجرة بحيث لا يوضع حد عددي ولكن يستبدل ذلك بتحديد النسبة بحيث يوضع لها سقف لا يتعدى 50% من مجموع سكان فلسطين ، ولكن الصحافة في العراق هاجمت المشروع وبريطانيا رفضته واتهمت نوري السعيد بأنه متطرف وأن مشروعه غير عملي . وذلك بالإضافة الى دور الأكراد ، وفي عام 1982 قام اوديد ينون احد مساعدي وزير الخارجية الاسرائلية بنشر وثيقة أساسية بعنوان ( الإستراتيجية الإسرائيلية خلال الثمانينات ) وذلك في مجلة كوفيم نقرأ فيها ( أن العراق البلد الغني بالنفط وفي نفس الوقت ضحية الفتن الداخلية يعد أرضا مناسبة للعمل بالنسبة لإسرائيل ، وان تدمير هذا البلد يهمنا أكثر من تدمير سورية ، فالعراق أقوى من سورية ، وبمعنى آخر أن القوة العراقية هي أكثر من يهدد الأمن الإسرائيلي ، وإن كل حرب داخل العالم العربي تفيدنا في جميع الأحوال وتسرع في انقسام العراق الى طوائف دينية كما في سورية ولبنان ، ويمكن أن يحدث انقسام لأراضي العراق كما حدث لسوريا أيام العثمانيين ، ويمكن أن تشكل ثلاث دول حول ثلاث مدن رئيسية هي الصرة وبغداد والموصل ، وتكون المناطق الخاضعة لنفوذ الشيعة في جنوب العراق منفصلة عن السنة والأكراد في شمال العراق ) ولذلك كان يجب أن يكون واضحا أن إسرائيل كانت تساند الأكراد في حركتهم الانفصالية عن العراق منذ عشرات السنين وبدعوى حق تقرير المصير ، كما انه كان يجب أن يكون واضحا أن الإسرائيليين الذين طردوا الشعب الفلسطيني من أرضه سوف يعملون على تمزيق العراق ، وان الإسرائيليين الذين ارتكبوا المجازر الدموية وبصورة دائمية ضد الرجال والشباب والنساء والأطفال في فلسطين سوف يعملون على إنشاء نظام عميل لإسرائيل والغرب في بغداد ، ولذلك قامت وكالة المخابرات المركوبة الأمريكية وبطلب من الحكومة الأمريكية بتقديم 16 مليون دولار من اجل تزويد رجال البرزاني بالسلاح عن طرق وسطاء اسرائيليين ، وذلك كرد على تعيين خمسة وزراء أكراد في حكومة البعث العراقية في 29 آذار1970 ، وتشريع قانون جديد يضمن الحقوق الوطنية للأكراد ، وفي حزيران 1973 انتقد مصطفى البر زاني تأميم الحصة الأمريكية الأساسية من البترول ، وعبر عن رغبته في أن تقوم شركة أمريكية في استغلال بترول كركوك ، وفي نفس الوقت قام شاه إيران محمد رضا بهلوي وبطلب من الولايات المتحدة الأمريكية بتسليم أسلحة ثقيلة الى البرزاني الذي كان يقوم بعصيان مسلح في شمال العراق واستمر على هذه السياسة حتى توقيع الاتفاقية العراقيةالإيرانية في الجزائر في عام 1975 ، وبعد قيام الثورة الإيرانية تحالف مسعود وإدريس برزاني ومعهما جلال الطالباني من جديد مع إيران حيث وقعوا في أثناء الحرب العراقية الإيرانية في عام 1986 في طهران اتفاقا سياسيا – عسكريا لمحاربة نظام البعث في العراق ، وفي أثناء العدوان الهمجي البربري الذي شتته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ضد العراق في 17 كانون الثاني 1991 دعا البرزاني والطالباني منذ البداية الى التحضير لتمرد عسكري كردي وقاموا به فعلا في السابع من آذار 1991 بعد وقف إطلاق النار مباشرة ، وعن ذلك كتبت مجلة جون افريك في 10 نيسان 1991 ص 42 تقول ( أن مسعود البرزاني قد استلم معونات مباشرة من جانب الحكومة الإسرائيلية ، وفي 20 آذار وجه جلال الطالباني نداء الى الولايات المتحدة والى قوى التحالف في المنطقة لمواصلة العمليات العسكرية والتدخل من اجل مساعدة الأكراد .
( صحيفة انترناشيونال هيرالد تربيون – 21 آذار 1991 – ص 6 )
وأعلن ناطق باسم البرزاني لإذاعة البي بي سي بأن البرزاني يشعر بأنه قد خدع من قبل الرئيس بوش، وقال انه بعد أن حررت الولايات المتحدة الأمريكية الكويت ظننا بأنهم سوف يساعدوننا على التحرر أيضا نحن الأكراد ) لكن طالباني الذي كان نائب الرئيس العراقي قال ( لقد اختار الفلسطينيين الانضمام الى لواء حكومة بغداد وفقدوا بذلك كل تعاطف معهم ، لقد غدروا بنا وبالنسبة لي قضيتهم ، خاسرة ولن تكون هناك دولة فلسطينية )
( صحيفة Rood البلجيكية 3 نيسان 1991 – ص 11 )
وبعد إنشاء كوردستان ككيان اتحادي في العراق والذي يتكون من ثلاث محافظات هي داهوك واربيل والسليمانية ويتربع على مساحة 40000 كيلومتر مربع تواصلت العلاقات الصهيونية مع الكيان الكوردستاني ، وقد برر رئيس الاتحاد مسعود البرزاني ذلك بقوله في كتابه ( البرزاني والحركة التحررية الكوردية ) بقوله ( وما حيلة المحاصر في بيته من قبل جيوش جرارة من الوحوش الكاسرة ، هل سيقول لتلك الوحوش الكاسرة تفضلوا واجعلونا وليمة لبطونكم التي لا تشبع ، أم انه سيستغيث بأي كان في سبيل درء الخطر عن نفسه وعن أهله ) ولم يتوقف قطار الحركة الصهيونية في بيروت وبغداد واربيل ولكنه واصل سيره الى سورية الوريث الطبيعي لفكرة الشام ، والشقيقة الكبرى لدول الشام التي لم تكن دول قبل اتفاقية سايكس – بيكو ، ولكنها كانت جزء من سورية ، ومسقط رأس الفكرة القومية العربية ، والموقع الحاكم لكل الدول السورية التي أخرجت من رحم الوطن السوري ، وسورية هي أم فلسطين ، والحركة الصهيونية تعتقد أن سوريا إذا صالحت الكيان الصهيوني فلن يكن هناك أي مبرر لأي دولة عربية في الاستمرار في العداء للكيان الصهيوني ، ولا شك أن هذا يتطابق مع ما سبق أن قاله بن غوريون من أن قوة اسرائيل لا تكمن في القنبلة النووية ولكنها تكمن في تدمير مصر وسورية والعراق ، ولذلك كانت سوريا هي السمكة الكبيرة التي كانت الحركة الصهيونية تسعى الى اصطيادها ، وقد كادت الحركة الصهيونية قاب قوسين أو أدني من تحقيق حلمها بعد انقلاب حسني الزعيم في 30 آذار 1949 وهو أول انقلاب في الشرق الأوسط والوطن العربي قبل أن يطاح به من قبل انقلاب عسكري آخر في 14 آب 1949 بقيادة سامي الحناوي ، وكان حسني الزعيم يضع نفسه في مصاف الزعماء الكبار كنابليون وهتلر واتاتورك ، وكان قد شارك في صفوف قوات حكومة فيشي الموالية للألمان في الحرب العالمية الثانية وفي حرب فلسطين في عام 1948 ، وكان شجاعا الى درجة التهور ، وكان يتمنى لو يحكم الشام يوما واحدا ثم يقتل وقد حكم الشام ليس يوما واحدا ولكن قرابة ثلاثة أشهر وقتل ، والحقيقة أن الرجل كان لديه بعض الانجازات ومنها إنهاء حكم العائلات الارستقراطية الإقطاعية في سورية ، والقضاء على الفساد ، ومنح المرأة حق التصويت ، ووضع قانون الأحوال الشخصية ، وبعد قرار مجلس الأمن رقم 62 الصادر في 16 تشرين الثاني 1948 الذي يقضي بإقامة هدنة في جميع أنحاء فلسطين ، وتوقيع اتفاقية الهدنة المصرية- الإسرائيلية في 24 شباط 1949 وتوقيع اتفاقية الهدنة اللبنانية – الاسرائلية في 23 آذار 1949 وتوقع اتفاقية الهدنة الأردنية – الإسرائيلية في 3 نيسان 1949 ، وموافقة حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة العراق الهاشمية على ما يتفق عليه أطراف النزاع ، وجدت سورية نفسها مضطرة لقبول الأمر الواقع وتوقيع اتفاقية الهدنة السورية – الإسرائيلية على مرتفع 232 بالقرب من مستعمرة مشمار هايردن في 20 تموز 1949 ، ولكن هذه الاتفاقية كانت تختلف عن الاتفاقيات الأخرى من حيث أنها نصت صراحة على أن هذه الهدنة هي مجرد اتفاقية هدنة لا اتفاقية سلام ، وان أي حكم من أحكام هذه الاتفاقية لا يستطيع أن يمس بأي حال بحقوق احد الطرفين في الحل السلمي النهائي للقضية الفلسطينية ، وان أحكام هذه الهدنة أملتها اعتبارات عسكرية لا اثر للسياسة فيها ، ولذلك لا يجوز اكتساب أي ميزة عسكرية أو سياسية في أثناء وقف القتال ، ولكن ورغم ذلك فإن اتفاقيات الهدنة لم تكن اتفاقيات بالمعنى القانوني ولكنها وللأسف كانت عبارة عن شروط يسلمها الغالب للمغلوب وإلا كيف يمكن أن تعقد اتفاقيات في ظل احتلال بلد عربي ، وكيف يمكن أن يلتزم العرب بقرار دولي في الوقت الذي لم يلتزم فيه المجتمع الدولي بالقرار الدولي 181 الذي ينص على إقامة دولة فلسطينية وإنشاء اتحاد اقتصادي بين الدولة الفلسطينية والدولة اليهودية وحل مشاكل القدس واللاجئين والحدود ، ولكن اسرائيل لم تلتزم ببنود هذه الاتفاقية وضمت المنطقة المنزوعة السلاح في شمال تل العزيزات ومنطقة بحيرة الحولة ومنطقة بحيرة طبريا في شمال فلسطين وتبلغ مساحتها 70 كم2 ويوجد فيها سبعة قرى ومستوطنة هي كراد البقارة وكراد الغنامة ومنصورة الخيط ويرده والحمة والنقيب والسمرة ومستعمرة عين جيف وقد احتلتها إسرائيل في عام 1949 ، ومنطقة العوجا في جنوب شرق مدينة بئر السبع على بعد ثلاثة كيلومترات من الحدود الفلسطينية – المصرية وتبلغ مساحتها 65 ألف دونم وقد احتلتها إسرائيل في عام 1953 وأقامت فيها مستعمرة كتسيعوت عام 1955 رغم وجود بعثة الأمم المتحد فيها ، وذلك بالإضافة الى تجفيف بحيرة الحولة ، وكما لم تلتزم اسرائيل بالمعاهدة مع سوريا لم تلتزم بالسلام مع سورية ، وقد فوتت على نفسها في ربيع 1949 فرصة تاريخية للتوصل الى اتفاق سلام مع سورية عندما رفض بن - غوريون اللقاء مع حسني الزعيم لأن حجم الانتصارات الإسرائيلية في حرب 1948 ولد مزيدا من الفخر والثقة بالنفس عند اليهود الى درجة أنهم أصبحوا اقل استعدادا لتقديم تنازلات واستبدال واقع الدولة اليهودية الصرف بدولة مشتركة يهودية – عربية متعددة اللغات سوف يكون فيها اليهود أقلية كما قال المؤرخ المستشرق ايتامار رابينوفتش في كتابه ( الطريق الضائع – المفاوضات العربية – الاسرائلية المبكرة ) ، وقد كان ذلك الموقف يتفق مع السياسة الصهيونية التي كانت تهدف الى توظيف العقدة الأقلوية الطائفية والمذهبية والعرقية لدى الأكراد والمسيحيين والشيعة والدروز في فلسطين ولبنان والعراق ومصر والسودان والمغرب العربي ، وتصوير هذه الأقليات وكأنها أقليات تعيش في بيت النار ، واستخدامها كأداة أمنية في التعامل مع المحيط العربي ، وقد ظهر ذلك بوضوح في أعقاب الثورة الكبرى في فلسطين ( ثورة 1936 – 1939) حيث سعى قادة الحركة الصهيونية الى البحث عن حلفاء على قاعدة تحالف الأقليات ضد الأكثرية العربية المسلمة ، وقد بدأ هذا التفكير يتبلور عمليا من خلال تسييس الخصوصية الدرزية وتوظيفها امنيا في عدد من المشاريع أهمها مشروع الترانسفير في عام 1939 والذي يقضي بتهجير دروز فلسطين من الجليل والكرمل طوعا الى حوران والسويداء ، وقد أجرى بعض قادة الحركة الصهيونية كما تدعي اسرائيل ومنهم ايا حوشي اتصال مع سلطان باشا الأطرش وطرح عليه مشرع إقامة دولة درزية في حوران والجولان بحيث تكون دولة فاصلة بين اسرائيل وسورية ، ولكن سلطان باشا الاظرش رفض المشروع ، ولم يتوقف قطار الحركة الصهيونية في بيروت وبغداد واربيل ودمشق ولكنه واصل سيره الى عمان ، وكانت بريطانيا تفضل رؤية الأردن وهو يستولي على الأراضي المخصصة للدولة العربية في فلسطين على رؤية خلق دولة فلسطينية ، كما أنها كانت تريد تحقيق أسهل شكل ممكن من أشكال انتقال السلطة وتسليم إدارة الأراضي الفلسطينية الى حليف مضمون ، وما أن طلب رئيس الوزراء الأردني توفيق أبو الهدى اجتماعا مغلقا مع وزير الخارجية البريطاني ارنست بيفن لمناقشة الموضوع الفلسطيني حتى سارع وزير الخارجية الى الاستجابة الى طلب رئيس الوزراء في 7 شباط 1947 ، وقال بيفن تعليقا على تصريح أبو الهدى حول إرسال قوات أردنية الى فلسطين بعد 15 أيار محذرا أبو الهدى من غزو المناطق المخصصة للدولة اليهودية الناشئة في فلسطين ، وقد كانت فلسطين حلم يراود الملك عبد الله الذي كان رجلا طموحا بل مبالغا في طموحه ، ولكن طموح الملك كان يقف عند حدود إمكانيات جيشه الذي كان يعتمد في تسليحه وتدريبه وتمويله ونفقاته وقيادته على بريطانيا ، وحدود إمكانيات الأردن الذي لا يتجاوز عدد سكانه 230 ألف نسمة ، وهو بلا مدينة حقيقية واحدة ، وبلا موارد طبيعية ، ودون أي أهمية تجارية ، وبلا معبر عدا عن كونه معبرا للصحراء ومعبرا بين فلسطين والعراق والجزيرة العربية ، ولذلك كان الملك يعرف أنه لا يمكن للأردن أن يكون دولة قائمة بذاتها بدون أن يكون جزء من فلسطين أو سوريا أو العراق أو السعودية إلا إذا كان بقاء الأردن على حاله يمثل حاله تخدم المصالح البريطانية والصهيونية ، ولكن طموحات الملك كانت اكبر من أن يكون الأردن معبرا بريا وجويا بين فلسطين والعراق وقبائل الجزيرة العربية ، ولذلك كان عبدا لله يطمع الى توسيع دائرة حكمة الى ما وراء حدود الأردن ، والى توفير قدر اكبر من الموارد الطبيعية والبشرية والمادية ، والى خلق توازن إقليمي للقوى يحقق فيه مصلحته الذاتية ومصلحة بريطانيا في نفس الوقت ، وتنويع مصادر دعمه الخارجي حتى لا يقع تحت وطأة الهيمنة البريطانية ، ولذلك وبعد أن خسر الرهان على مشروع سوريا الكبرى وعرش العراق الذي ذهب الى أخيه الأصغر فيصل وتكريس نظام آل سعود بمساعدة بريطانيا في الجزيرة العربية لم يبقى أمام الملك إلا فلسطين ، خاصة وان عبد الله كان يشعر بالمرارة لأن التحالف بين أبيه وبريطانيا لم يحمل الثمار المرجوة بالنسبة لأسرته أو بالنسبة للعرب ، ولذلك كان الملك يسعى الى توحيد الأراضي العربية المركزية في سورية الكبرى تحت العرش الهاشمي في دمشق ، لأن حلم الملك لم يكن عمان ولكنه كان دمشق ، ولذلك كان على تناقض مع الرئيس شكري القوتلي في سورية ومع الملك فاروق الذي كان يتطلع الى الخلافة الإسلامية ، وكان الجنرال غلوب باشا يفضل دائما فكرة سورية الكبرى ، ولذلك كان يقول أن فكرة سورية الكبرى هي حجر الزاوية في السياسة البريطانية في الشرق الأوسط ، وأنه من الممكن اعتبار الجيش العربي الأردني نواة لجيش سوريا الكبرى في المستقبل ، ولكن وبسبب معارضة شكري القوتلي والملك فاروق وبريطانيا خسر عبد الله الرهان على مشروع سورية الكبرى ، ولذلك اتجه عبد الله الى فلسطين ، وكانت بريطانيا قد وجدت في فلسطين المكان المناسب الذي توجه إليه أطماع عبد الله ، والمكان المناسب لتحقيق المشروع الصهيوني ، والمكان المناسب في بذر بذور الشقاق في لبلاد العربية المعنية بأمر فلسطين ، والمكان المناسب في بذر بذور عدم الثقة بين الأقطار العربية ، والمكان المناسب الذي تتلهى فيه الأقطار العربية بمشاكلها الداخلية والانصراف عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية ، وإذا كان عبد الله لا يستطيع إقامة مملكته في سورية الكبرى فلا بأس أن تمنيه بريطانيا في القسم العربي من فلسطين ، ولكن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا إذا اعترف عبد الله بمشروع التقسيم وبذلك تنتهي القضية الفلسطينية وتصبح فلسطين في طي النسيان ، وتقوم اسرائيل على أنقاض فلسطين كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية على أنقاض الهنود الحمر، وقد كان الملك عبد الله موافقا على تقسيم فلسطين حتى قبل أن يصدر قرار التقسيم في 29 تشرين الثاني 1947 ، ولذلك حاصر الثورة الكبرى (1936 – 1939 ) ، وأغلق الحدود والطرق المؤدية الى العراق واشتركت قوة حدود شرق الأردن مع القوات البريطانية والعصابات الصهيونية في مطاردة الثوار الفلسطينيين ، وقصفت مؤتمر قرية أم العمد الذي نظمه الشيخ مثقال الفايز للتضامن مع الثورة الفلسطينية ، ومقر الأمير راشد الفريحات أمير قبائل بني صخر في جبال عجلون ، وكانت له لقاءات مع زعماء الوكالة اليهودية ، وقد اجتمع مع الياهو ساسون مندوب الوكالة اليهودية في الشونة بعد اجتماعه السري في الإسكندرية مع رئيس وزراء مصر إسماعيل صدقي في عام 1946 ، واعترف الملك بأن هدفه هو تقسيم فلسطين وعدم إقامة دولة فلسطينية مستقلة ، وطرح مشروع خطته في تحقيق حلم سوريا الكبرى وطلب من ساسون مساعدة مالية قدرها خمسة وثلاثون ألفا من الجنيهات تدفع على دفعتين ولما وجد ساسون صامتا قال له أن الحكومة البريطانية ساعدته بما هو اكبر، وقد قدم ساسون تقريرا عن اجتماعه بالملك عبد الله الى ديقيد بن – غوريون رئيس الوكالة اليهودية
( تواطؤ عبر الأردن – موشي ميلمان – دان رفيف – ص 43 )
وهذا ينسجم مع سياسة عبد الله التي كانت تقوم على العداء المطلق للقيادة الفلسطينية بزعامة المفتي الحاج أمين الحسيني العدو المشترك للملك والحركة الصهيونية ، واسترجاع مجد الهاشميين في إقامة اتحاد عربي تحت زعامته وزعامة أبنائه من بعده ، والاعتماد المطلق على بريطانيا في تحقيق سياسته ، وعدم معاداة الحركة الصهيونية وفكرة الوطن القومي ، وفي 17 تشرين الثاني 1946 اجتمع عبد الله بزعماء الوكالة اليهودية سرا في عمان وقال لهم ( أنا موافق على التقسيم بشرط أن يكون على نحو لا يجلب لي العار
( تواطؤ عبر الأردن – موسي ميلمان – دان رفيف – ص 44 )
وهكذا تكون ساعة الحسم في الصراع على فلسطين قد اقتربت وتركز ذلك على رجلين مركزيين وهما ديفيد بن – غوريون وعبد الله بن الحسين اللذان كانا ينطلقان من نقطة انطلاق واحدة وهي تقسيم فلسطين ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة ، ولم تعد اجتماعات الملك عبد الله مع زعماء الوكالة اليهودية سرا ولكنها أصبحت حقيقة مكشوفة لا شك فيها ولا جدال فيها ، وأصبح الاتفاق بين الملك عبد الله والوكالة اليهودية على إقامة دولة يهودية في فلسطين وضم الجزء العربي الى شرق الأردن حقيقة مكشوفة لا شك فيها ولا جدال فيها ، وقد أكدت المصادر القريبة من الملك عبد الله ذلك ، وقد أورد عبد الله التل قائد الكتيبة السادسة في الجيش الأردني في حرب فلسطين ، وقد كان على اتصال مع الملك والخاصة الملكية التي كانت على اطلاع على شؤون القصر واجتماعات الملك السرية مع زعماء الوكالة اليهودية ، وقد اعترف عبد الله التل صراحة انه شارك في هذه الاجتماعات السرية مكرها أثناء حرب فلسطين حتى يعلم ما يجري في هذه الاجتماعات السرية ، وحتى يعرف ما يمكن أن تعكسه هذه الاجتماعات السرية على سير العمليات العسكرية في فلسطين ، وحتى يصحح ما يمكن أن يصححه إن أمكن وفي حدود إمكانياته ، وحتى وان رفض أن يشارك في هذه الاجتماعات فإن الملك لن يتوقف وسوف يجد من ينافقه في تلك الاجتماعات السرية ، وقد أشار عبد الله التل في كتابه النكبة وفي مذكراته الى خطورة هذه الاجتماعات السرية والى دورها في الكارثة التي حلت بفلسطين حيث قال تحت عنوان الملك عبد الله يجتمع باليهود قبل 1948 ( كانت اتصالات الملك عبد الله باليهود مستمرة ، ويعلم بها أهل عمان وخاصة الذين يترددون على قصره ، وكان يحضر اليهود الى قصره عن طريق مطار عمان حيث تنزل بهم الطائرة وكأنها طائرة بريطانية ولا يجرؤ احد على التعرض لها ، ثم ينقل ركابها بسيارة من سيارات الخاصة الملكية الى القصر الملكي ، وفي كثير من الحالات كان الملك عبد الله يلتقي بهم على الحدود الأردنية – الفلسطينية ، وقد اجتمع الملك مع شرتوك سرا في جسر المجامع على الحدود الأردنية - الفلسطينية يوم 12 نيسان 1948 ، وكان من أهم ما اتفق عليه في هذا الاجتماع هو قبول الطرفين لمشروع التقسيم والعمل على تنفيذه ) وقد كان هذا هو الموقف الحقيقي للملك عبد الله وطبعا هو عكس الموقف المعلن الذي يعكس رأي الشارع الأردني في رفض المشروع الصهيوني والتقسيم والوطن القومي ، وقد وصل الاستخفاف بالعقلية العربية لدرجة أن يصرح الملك عبد الله ( إنني أطمئنكم بأن الجيش العربي سيحتل القدس في 48 ساعة ثم يزحف الى رأس الحية ( تل – أبيب ) وهذا يكشف الى أي حد وصل الاستخفاف بعقول الشعوب العربية التي كانت تثق بحكامها ، ولعل من يعرف هذه المعلومات التي استمر عبد الله في ترديدها يدرك أن عبد الله لم يكن يجهل إمكانيات العدو الصهيوني ، ولكنه للأسف كان متعاونا مع العدو الصهيوني من اجل إقامة دولة يهودية وتشريد الفلسطينيين بحيث يصبحون بلا هوية وبلا دولة ينتمون إليها ، وضم الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية الى الأردن ، ولكن لا بد هنا من التفريق بين الموقف السياسي السري للملك عبد الله والمعلن لأهداف معينة وجهود الجيش الأردني في ميدان القتال في فلسطين ، وفي ذلك الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون تائهون ممزقون حائرون في تحديد موقفهم من قرار التقسيم ولا يدرون أين يقفون وماذا يفعلون وأين مصلحتهم ، هل يرضخون لمشيئة هيئة الأمم ويقبلون قرار التقسيم الذي يقضي بتقسيم بلادهم أم يرفضون قرار التقسيم ويقاتلون من اجل إسقاطه ومحاربة كل من يحاول فرضه عليهم ، وفي زحمة هذه الافكار ذهب فريق من القيادات الفلسطينية الى القبول بقرار التقسيم على قاعدة القبول بالجزء حت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.