تعليقا علي العدد الخاص الذي أصدرته »أخبار الأدب» عن ثورة 1919، كتب الزميل الكبير محمد القصبي في بوابة » الحوار المتمدن» مقالا أشاد فيه بتوجه العدد، الذي انحاز لبيان العطاء الهائل الذي قام به الشعب المصري في سبيل نجاح ثورته، غير عابئ بآلة البطش التي حاولت الدولة المستعمرة آنذاك بريطانيا أن تخيف بها المواطنين، الذين سارعوا للتعبير عن رغبتهم في الاستقلال. القصبي ركز في قراءته لهذا العدد علي المقال الرئيسي الذي أهداه لنا صديقي وأخي الدكتور عبد الواحد النبوي، الذي سأتوقف ذات يوم عند تجربته في وزارة الثقافة، حيث لم يكشف حتي الآن عن الكثير مما حدث في الشهور التي تولي فيها هذه الحقيبة، والاجتهادات التي قام بها. أعود إلي مقال القصبي الذي انحاز فيه إلي »المواطن المصري» الذي دفع عمره ثمنا لثورة 1919، و طالب بتشييد نصب تذكاري للمواطن المجهول، الذي اعتبره القصبي البطل الحقيقي لثورة 1919، والحقيقة أنه مواطن معلوم، لا أقصد هنا معلوم بياناته الشخصية، لكن سماته ورؤيته وطموحاته، هي ذات سمات وملامح أي مواطن مصري، هذا المواطن الذي يتميز دائما بعشقه لتراب بلده ودفاعه المستمر والمستميت عنها، وعن استقلالها وهويتها، لذا كانت لمحة ذكية من النبوي، عندما أعاد للأذهان التأصيل التاريخي لحركة تمرد وسعيها إلي أن يوقع المصريون علي استماراتها المناهضة لحكم الإخوان وهو ذاته ما حدث عندما تدافع المصريون لتوكيل سعد زغلول ورفاقه. ما أشبه الليلة بالبارحة، فأحفاد ثورة 1919 هم الذين قادوا برؤيتهم ثورة 30 يونيو الامتداد الطبيعي والشرعي لثورة 25 يناير 2011، هؤلاء الأحفاد مثلهم مثل آبائهم وأجدادهم أنقذوا مصر، فإذا كان أبطال 1919 أرادوا لها الاستقلال، فأبطال يناير ويونيو أرادوا لها –أيضا- الاستقلال في اتخاذ القرار، وعدم التبعية لأية قوة مهما كانت، حتي لو كانت قوة تزعم لنفسها الحكم باسم الدين، والدين منهم براء، وأقصد »الإخوان المسلمين» الذين أرادوا أن يغيروا من هوية هذا الشعب، فلم يسمح لهم، وقام ضدهم منذ اللحظات الأولي ليبين لهم عدم رشدهم في الحكم بالوقوف ضد محاولاتهم طمس الهوية والاعتداء علي جذور هذا الشعب، الذي يستحق بالفعل التكريم والعيش بكرامة. نحن أبناء شعب قاوم علي مدي عمره كل المحاولات التي رغبت في أن تنال منه، فعل ذلك بشموخ وكبرياء وبتضحيات لا حصر لها. مرة أخري ما أشبه الليلة بالبارحة، فكما تصدي الشعب في ثورة 1919 للاحتلال وبطشه، تصدي في 30 يونيو لمحاولة خطف هويته، بل أكاد أري أن الوصف الذي كتبه النبوي عن 1919 ينطبق تماما علي فلسفة 30 يونيو وهو اختصار السنوات » إن ثورة 1919 كانت حدثا فريدا قدم فيه المصريون التضحيات والدماء الزكية التي اختصرت بها سنوات كثيرة من احتلال بريطاني بغيض»، كذلك فعل المصريون في 30 يونيو اختصروا سنوات من حكم أراد أن يرجعنا للوراء قرونا طويلة. من هنا أضم صوتي لصوت القصبي بضرورة أن يكون لدينا نصب تذكاري للمواطن المصري، وأتعشم أن يكون في كل محافظة تصور لهذا النصب؛ الشاهد علي عطاء مصري أصيل، وأتمني أن تتبني الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة هذا الاقتراح، وأن تصدر توجيهاتها للدكتور أحمد عواض رئيس هيئة قصور الثقافة بتنفيذ هذا المقترح، فلديه إدارة أسسها الفنان الكبير د. أحمد نوار أثناء توليه رئاسة هيئة قصور الثقافة مهمتها الحفاظ علي الذاكرة الوطنية، أتمني أن نري باكورة هذه الفكرة في 30 يونيو القادم.