اتسمت العلاقات المصرية الأمريكية منذ بداية الخمسينيات حتي الآن بالتأرجح بين التعاون والصراع وارتبط هذا التجاذب في العلاقات بطبيعة القضايا التي مرت بها المنطقة العربية خلال تلك الفترة, وموقف الدولتين منها، إلي جانب التوجهات الفكرية, والسمات الشخصية لزعماء مصر المتعاقبين وتأثيرها في حدود الدور المسموح به للولايات المتحدة للتدخل في تلك القضايا.. وفي الاعوام الاخيرة اكتسب الحوار الإستراتيجي بين مصر والولاياتالمتحدة أبعادا علي درجة كبيرة من الأهمية, لخطورة تطور الأوضاع في المنطقة وضرورة وضع قاعدة للمصالح المشتركة من خلال لقاءات وتشاورات مستمرة بين البلدين وتعددت زيارات المسئولين الأمريكيين وأعضاء الكونجرس إلي مصر للتنسيق مع المسئولين المصريين فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية, أو القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك, خصوصا بعد تنامي ظاهرة الإرهاب وانتشار تنظيم »داعش» في عدة دول بالمنطقة, وتفجر الأحداث في كل من سوريا وليبيا واليمن والعراق وغيرها من الدول. وشهدت العلاقات المصرية الأمريكية, تحولات إيجابية, احدثت انفراجة في العلاقات بين البلدين, وكان أحد مؤشرات تحسن العلاقات المصرية الأمريكية بعد الفتور الذي شهدته عقب ثورة 30 يونيو, التي انعقدت في سبتمبر 2014 بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي وباراك أوباما, علي هامش مشاركتهما في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة, حيث جاء اللقاء وقتها بناء علي طلب من الجانب الأمريكي لبحث سبل التعاون المشترك وبحث قضايا الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب. ومع قدوم الرئيس عبدالفتاح السيسي وانتهاجه سياسة الباب المفتوح واعتماده علي نهج أكثر انفتاحًا في تحركاته الخارجية بدأت الإدارة الأمريكية تغير من نهجها من خلال عودة المساعدات ومناورات »النجم الساطع» التي جمدتها هي الأخري, والتي تزامنت مع تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيث بدأت العلاقات بين البلدين إلي مسارها الصحيح رغم بعض التوترات إلا أنها تميزت بالشراكة الاستراتيجية والندية والاستقلالية علي كافة المستويات. تشهد الدبلوماسية المصرية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي سلطة البلاد في 2014 تطورا كبيراً، مع حفاظها علي الثوابت التاريخية للسياسة الخارجية لمصر والتي لا تتغير بتغير رأس السلطة، حيث قامت هذه السياسة علي التنوع في العلاقات الدولية، وأكد الرئيس في أكثر من مناسبة أن »مصر دولة رشيدة لها وجه واحد، ولن نكون ضد أي دولة، لا نتآمر علي أحد، وهذه رسالتنا للعالم كله، نحن ندير سياسة شريفة في زمن عز فيه الشرف، كما اننا حريصون علي إقامة علاقات متوازنة مع كافة دول العالم، وليس لديها سوي وجه واحد وتتحدث لغة واحدة مع الجميع، وتنشد الخير والسلام والبناء والاستقرار للإنسانية بأسرها». صعود وهبوط ولعل اكثر العلاقات الخارجية المصرية التي مازالت تشهد صعودًا وهبوطًا بين الحين والاخر، هي علاقتنا مع الولاياتالمتحدة، هذا الترنح ليس فقط حديث العهد، انما علي مر التاريخ، ولم يكن خافيا انه خلال السنوات الأربع الماضية واجهت مصر محاولات عديدة للتدخل في شئونها الداخلية، ومن أبرزها تدخلات إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بشأن الوضع السياسي في مصر، فضلا عن الموقف القانوني والقضائي المتعلق بجماعة الإخوان الإرهابية وكوادرها الخاضعين للمحاكمات وعلي رأسهم الرئيس المعزول محمد مرسي. كانت العلاقات بين الجانبين المصري والأمريكي دافئة خلال فترة حكم المعزول محمد مرسي، بصورة دفعت الرئيس الأمريكي اوباما انذاك إلي انتقاد إرادة الشعب المصري لنزوله في 30 يونيو يطالب بعزل مرسي، إلي جانب تعليق واشنطن المساعدات الأمريكية لمصر، والتي تقدر ب 1.3 مليار دولار سنويًا، عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، كمحاولة للضغط علي الإرادة المصرية التي لم ترضخ لمثل هذه التهديدات، تأسيساً لمبدأ عدم السماح لأي دولة بالتدخل في السياسة المصرية، إلا ان العلاقات عادت مرة اخري لحالة من الفتور، لتعود إلي طبيعتها بعد تولي الرئيس الحالي دونالد ترامب للسلطة، وتوجيه الدعوة للرئيس عبدالفتاح السيسي لزيارة الولاياتالمتحدة، في محاولة لرأب الصدع الذي خلفته إدارة أوباما مع الدولة الأكثر ثقلا في منطقة الشرق الأوسط، حيث استطاع الرئيس السيسي كسر الجمود في هذه العلاقة، التي وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائلا: »كان هناك تفاهم جيد.. إنه شخص رائع ويسيطر بحق علي زمام الأمور في مصر». وخلال عام واحد فقط التقي الرئيسان 4 مرات، كما عادت من جديد مناورات النجم الساطع بين الجيش المصري والأمريكي العام الماضي، كذلك هذا العام بقاعدة محمد نجيب، وذلك بعد أن توقفت 8 سنوات كاملة. وقد أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرئيس السيسي خلال زيارته للولايات المتحدة في 3 أبريل 2017 : »نجدد العلاقات بين جيوشنا إلي أعلي مستوي في هذه الأوقات أكثر من أي وقت مضي، أريد فقط أن أقول لك سيدي الرئيس، إن لديكم صديقا وحليفا في الولاياتالمتحدة». بداية وفرصة زيارة الرئيس السيسي للولايات المتحدة والتي كانت أول زيارة رسمية لرئيس مصري إلي الولاياتالمتحدة منذ 10 سنوات، كانت بداية وفرصة لحسم جميع الملفات التي تخص التعاون الثنائي وكذلك القضايا ذات الاهتمام المشترك علي الصعيدين العالمي والإقليمي، وبدا الجانبان يحملان رؤية واحدة تجاهها، وهو ما أظهرته تصريحاتهما منذ حتي ما قبل فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية في أواخر عام 2016، لتنتهي بذلك حقبة من التوترات التي شابت العلاقات بين البلدين، منذ ما يقرب من 5 سنوات، عندما كان باراك أوباما علي رأس السلطة السياسية في الولاياتالمتحدة. عودة الدفء بعد عودة الدفء للعلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة شهددت الزيارات الرسمية المتبادلة بين قوة دفع كبيرة وتحديدا منذ أغسطس 2015 واستئناف الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي علي مستوي وزيري الخارجية لأول مرة منذ عام 2009، وأعقبه زيارات وفود الكونجرس الأمريكي لمصر، كذلك زيارات مسئولين مصريين إلي الولاياتالمتحدة، ففي يناير الماضي قام نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس بزيارة لمصر، استقبله الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبحث الجانبان سبل دعم علاقات التعاون بين البلدين في كل المجالات بالإضافة لبحث آخر التطورات الإقليمية والدولية وعلي رأسها عملية السلام ومواجهة التنظيمات الإرهابية والأزمات في سوريا واليمن وليبيا، ثم قام ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي الاسبق قبل اقالته بزيارة لمصر في الشهر التالي لزيارة نائب الرئيس الامريكي واستقبله الرئيس وعقد سامح شكري وزير الخارجية معه مؤتمرا صحفياً، وكانت هذه الزيارة هي اول زيارة له لمصر بعد توليه منصبه، وفي يوليو الماضي قام رونالد لاودر رئيس الكونجرس اليهودي العالمي بزيارة لمصر استقبله الرئيس السيسي وبحث الجانبان عدداً من القضايا الإقليمية، وعلي رأسها عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث أكد الرئيس مساندة مصر لمختلف الجهود الرامية لاستئناف عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وفي نفس الشهر قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السماح لمصر باستخدام قيمة مساعدات عسكرية أمريكية تم حجبها في السابق بسبب المخاوف من سجل حقوق الإنسان في البلاد تقدر بنحو 195 مليون دولار، وعلق مسئول في وزارة الخارجية الأمريكية قائلا: إن القرار أيضا يأتي في ضوء تعزيز الشراكة بين الولاياتالمتحدة وذلك ضمن مساعدات تبلغ قيمتها الكلية نحو 1.3 مليار دولار». وقد جاء هذا القرار بعد ان علقت الخارجية الامريكية جزءًا من المساعدات العسكرية المقدمة إلي مصر في أغسطس 2017، وجاء رد مصر علي ما زعمته الولاياتالمتحدة عن وجود انتهاكات لحقوق الإنسان، بأن القرار »حكم غير عادل» علي طبيعة العلاقات الاستراتيجية التي ربطت بين البلدين لعقود. وعلي مستوي وزارة الخارجية، قام سامح شكري وزير الخارجية بزيارة لامريكا في اغسطس الماضي، حيث التقي شكري مع نظيره الأمريكي »مايك بومبيو» ومستشار الأمن القومي »جون بولتون». وبحث الجانبان سبل تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والتأكيد علي أهمية تحقيق المصالح المشتركة في المجالات المختلفة والتنسيق بشأن مواعيد انعقاد الجولة القادمة للحوار الاستراتيجي وآلية 2+2 علي مستوي وزيري الخارجية والدفاع بالبلدين. كما تم تبادل الرؤي والتقديرات بشأن عدد من القضايا والتحديات الإقليمية محل الاهتمام المشترك، حيث تحرص واشنطن والقاهرة علي تكثيف التشاور والتنسيق حيالها بما يعزز من دعم الاستقرار والسلام في المنطقة. تحديات عديدة الرئيس السيسي يدرك تماما أهمية العلاقات الاستراتيجية التي تربط مصر بالولاياتالمتحدة منذ عقود، ونجاح تلك العلاقات في اجتياز العديد من التحديات خلال السنوات القليلة الماضية يؤكد عمقها وثباتها واستقرارها، فضلا عن تطلعه لتعزيز التعاون والتنسيق مع إدارة الرئيس ترامب لا سيما في ضوء وجود تحديات مشتركة تتطلب تكثيف التعاون للتعامل معها، ففي اكثر من مناسبة نوه الرئيس إلي أهمية زيادة الاهتمام الأمريكي بقضايا المنطقة، كما اكد حرصه علي الالتقاء بمختلف أطياف الشعب الأمريكي لاستعراض تطورات المنطقة وشرح حقيقة ما تمر به من تحديات.