يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21. الكاتبة أمينة ودود مواليد 1952 م، ولدت باسم «مارى تيزلى»، أمريكية من أصل إفريقى، اعتنقت الإسلام 1972 م، وهى طالبة تدرس العلوم فى جامعة بنسلفانيا، وغيرت اسمها إلى أمينة ودود.
حصلت على درجة الماجستير فى دراسات الشرق الأدنى، ودرجة الدكتوراه فى الدراسات العربية والإسلامية من جامعة ميتشغان عام 1988، أمضت فترة الدراسات العليا فى مصر، درست اللغة العربية فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة، وتخصصت بالدراسات القرآنية والتفسير الدينى فى جامعة القاهرة، والفلسفة فى جامعة الأزهر. عملت كأستاذ مساعد فى مجال الدراسات القرآنية فى الجامعة الإسلامية العالمية الماليزية، ونشرت أثناء وجودها هناك دراسة حول القرآن والمرأة، تشمل إعادة قراءة القرآن من منظور المرأة، وعملت ودود كأستاذة للدين والفلسفة فى جامعة فرجينيا كومونولث. تقاعدت عام 2008، وتولت منصب أستاذ خارجى فى مركز الدراسات الثقافية والدينية المختلفة فى جامعة فى إندونيسيا، وركزت على تفسير القرآن. أسئلة للنبى: عند نزول القرآن، كان المسلمون يسألون النبى عن حكم الشرع فى أمور مختلفة، كما سأل اليهود والكفار عن أشياء هم فى حاجة إلى فهمها، أو أنهم يريدون اختبار النبى وإظهاره بمظهر غير العارف. وكلمة قل تكررت فى القرآن332 مرة، وتعنى وجود أقوال محددة أمر تعالى بها الرسول أن يقولها للناس، كما تكررت كلمة قل فى الحوار مع الناس، مثل الحوار مع المشركين: (قُلْ سِيرُوا فِى الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) الروم 42، والحوار مع أهل الكتاب: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) آل عمران 64. والحوار مع المنافقين: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) النور 53، وهناك حوار مع المؤمنين: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) الأنعام 151، والحوار مع كل الناس: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) الأعراف 158. وجاءت قل فى الإجابة عن أسئلة المؤمنين للنبى: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْو) البقرة 219، وجاءت قل فى العقائد: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) الإخلاص 1، وفى قوله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) الفلق 1، وفى قوله تعالى: (قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا) الأنعام 161. وجاء تكرار لكلمة قل فى الآية الواحدة: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) الأنعام 14. وجاءت قل للرد على تحديد موعد ليوم القيامة: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّى لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِى السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الأعراف 187-188. لقد كان النبى عليه الصلاة والسلام أصلح الناس للاجتهاد، وكان يمكنه أن يرد على من يسأله ويستفتيه فى أمور الدين، ولكنه كان ينتظر نزول الوحى بالإجابة. تكررت كلمة يستفتونك مرتين فى القرآن: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ) النساء 127، وفى المواريث استفتوا النبى فى الكلالة، فانتظر الفتوى من الله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلالَةِ) النساء 176. وتكررت كلمة يسألونك 15 مرة فى القرآن، سألوا النبى عن توزيع الغنائم، وكان النبى ينتظر معهم الحكم التشريعى الجديد الذى ينزل به القرآن: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) الأنفال 1. وكانوا يسألون النبى عن إيضاحات جديدة فى أمور تحدث عنها القرآن من قبل، وكان بإمكان النبى أن يجيب عنها بالاستنتاج والقياس، ولكنه لم يفعل، فقد نزل قوله تعالى فى مكة: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّى الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) الأعراف 33، فالإثم كان محرمًا فى مكة. ثم سئل النبى فى المدينة عن حكم الخمر، ولم يجتهد فى التوضيح والقياس، وانتظر الإجابة من الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) البقرة 219، فى الخمر إثم كبير وتحريمها نزل إجمالًا فى مكة، ثم جاء تفصيلًا فى المدينة. وكانوا يسألون النبى عن أمور تكرر حديث القرآن عنها، ومع ذلك فالنبى كان لا يتلو عليهم الإجابة من الآيات التى نزلت من قبل، وإنما كان ينتظر نزول الوحى، فقد نزلت آيات مكية تحض على رعاية اليتيم: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (الضحى 9، وقوله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِى يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ) الماعون 1-2. ثم نزلت آيات فى المدينة تؤكد على رعاية اليتيم منها: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) الإنسان 8، (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ) البقرة 177، ومع ذلك سألوا النبى عن اليتامى، وانتظر النبى الإجابة، ولم يقرأ عليهم الآيات الكثيرة عن رعاية اليتيم وحقوقه، ونزل قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) البقرة 220، وهذه الإجابة تؤكد ما سبق بيانه من رعاية اليتيم. وسئل النبى مرة أخرى عن يتامى النساء ونزل الوحى يؤكد ما سبق بيانه من وجوب رعايتهن ورعاية اليتيم: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِى لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ) النساء127، والإجابة تشير إلى ما نزل فى الكتاب من رعاية اليتامى والمستضعفين من الولدان. سألوا النبى أكثر من مرة عن الساعة وهى يوم القيامة، ومع ذلك لم يبادر بالإجابة بأن يقرأ عليهم الآيات السابقة، وإنما انتظر الوحى، وكان الوحى ينزل بنفس الإجابة وهى أن علم الساعة لله وحده. سألوا النبى عن الساعة فلم يبادر بالإجابة وهو بلا شك يعلم أن القرآن لا يمكن أن يأتى بإجابة تناقض ما سبق، وأن الإجابة ستكون نفس المعنى الذى جاء من قبل، انتظر النبى الإجابة ونزل قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّى لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِى السُّوءُ) الأعراف 187-188، وهذا توضيح فيه الكفاية. ولكنهم سألوه أيضًا عن الساعة. والنبى ينتظر الإجابة: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا. فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا. إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا. إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا) النازعات 42-45. كان ذلك فى مكة، ثم فى المدينة سألوا النبى عن الساعة، وانتظر النبى الجواب من الوحى: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) الأحزاب 63. كان بإمكان النبى أن يجيب، ولديه الكفاية من الآيات، ولكنه كان ينتظر الإجابة، وينزل الوحى بالإجابة المعروفة سلفًا، ثم يسألون النبى نفس السؤال وينتظر النبى الإجابة، وتأتى نفس الإجابة ثم يسأله آخرون نفس السؤال، وينتظر الإجابة التى يعرفها إلى أن ينزل الوحى. كانوا يسألون النبى عن أشياء يعرف الإجابة عنها من خارج القرآن، ومع ذلك انتظر الوحى القرآنى، فقد سألوا النبى عن الأهلة وهى جمع هلال، والأهلة هى لمعرفة المواقيت، حيث اعتاد العرب فى شهورهم العربية على الاعتماد على التوقيت القمرى، وبه كانوا يؤدون فريضة الحج قبل القرآن، وعندما سألوا النبى عن الأهلة كان ممكنًا أن يجيبهم من عنده ولكنه انتظر حتى نزل قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) البقرة 189. وسألوا النبى عن مباشرة النساء فى المحيض، ولم يصرح النبى برأيه وانتظر الوحى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِى الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة 222، كانوا يسألون النبى، وبعض أسئلتهم تكون إجابتها مما يسىء إليهم، مثل موضوعات الغيب عن الذات الإلهية التى لا يحيط بها عقل البشر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ. قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ) المائدة 101-102، جاءت الرد بأن ينتظروا الوحى فى التصريح ببعض الغيب والكشف عن بعض الإجابات، مما يمكن تقريبه للعقل البشرى. 1