فركت عينىّ جيدا لأرى كيف احتفظت تلك المرأة بأنوثتها بعد كل هذا العمر الطويل، فهى آخر ما كنت أتوقعه على شاطئ تدخله باشتراك خمسمائة جنيه لمدة ثلاثة شهور، وأعنى به شاطئ «لابلاج» بمارينا، هذا الذى يفصلك عن الحياة المصرية العادية بكل أشجان غلاء اللحم إلى زحام المواصلات لتجد العديد من البشر فى خدمتك. وأتأسف لك مقدما، لأننى لم أدخل إلى شاطئ مراسى الذى قيل عنه إنه قطعة من الجنة على الأرض من فرط الحور العين اللاتى يمكن أن تؤدى كل فروضك الدينية وتحسن من أخلاق تعاملاتك لتجد مثيلا لهذه الحور العين فى الجنة. وسبب تأسفى أننى لا أملك الملايين التى يمكن أن تتيح لى تملك أو استئجار وحدة من وحدات هذا البلاج، ولذلك اكتفيت بدعوة لدخول شاطئ «لابلاج» مقابل مائة وخمسين جنيها للفرد الواحد. وكدت أتهم نفسى بالجنون لأنى قبلت الدعوة، ولكن ما أن دلفت من الباب المحروس بأجساد هرقلية حتى فوجئت بضرورة أن أفرك عينّى جيدا، لأننى رأيت أمامى إنسانة هى الخالق الناطق من مطربة ذات جمال صارخ، وأعلم أنها ماتت منذ سنوات وأنها عاشت حياة صعود وسقوط غاية فى القسوة، وكانت أنوثتها ذات قدرة فريدة فى انتشار جنون الرغبة فيها، ودققت النظر جيدا، ولم أجد مفرا من السؤال: «هل هى فلانة»؟ وجاءتنى الإجابة بأنها ابنة أختها التى تشبهها تماما. وصرت أردد سبحانك ياربى: هل من الممكن أن تشبه امرأة أخرى إلى هذه الدرجة من التطابق ؟ ودارت فى الرأس بعض من تفاصيل حياة تلك المطربة التى احترفت غواية رجل مهم فى سكرتارية المشير عبد الحكيم عامر قائد النكسة العسكرية فى عام 1967 ، وهو من التفت إلى متعه الصغيرة ولم يلتفت إلى مهامه كقائد جيش دولة تملك أحلاما كبيرة هى مصر. وكنت أعلم أنها تزوجت هذا الرجل المهم على «سنة الله ورسوله»، بعد أن كثرت شكاوى حى أساتذة الجامعات فى شارع مصدق من رعونة الأصوات الزاعقة من إحدى العمارات، ولعلى كنت السبب فى هذا الزواج الذى استمر لسنوات، عاش فيها الرجل حلم الاستمتاع مع المطربة، ثم شهد سقوط عبدالحكيم عامر فى الانتحار، ومن بعد ذلك قضى الرجل عدة شهور فى السجن، ثم ترك القاهرة كلها ليهاجر إلى لندن ومعه زوجته المطربة لتغنى فى الملاهى الليلية التى انتشرت فى لندن بعد ارتفاع سعر البترول. وعاشت المطربة مع زوجها إلى أن انتهت رحلة حياته، بأن دخل عليه بعضهم منتهزين وجود زوجته فى الملهى الليلى الذى تغنى به، وضربوه على رأسه بآلة حادة أفضت به إلى الموت، وتركوه جثة هامدة وبجانبه عدة رزم من أوراق نقدية قيل إنها تتعدى المليون إسترلينى، وعادت الجثة إلى القاهرة مع المطربة التى اعتزلت الغناء، وبعد حزن بسيط الأيام، صار معروفا عنها غواية الشباب الأصغر عمرا، لعل أحدهم يؤنس لياليها عبر الزواج العرفى، وكان آخر عشاقها مطرب كان شابا فى تلك الأيام القديمة، ثم سمعت خبر طلاقها من هذا المطرب الشاب بعد ألحت عليه كى يصحبها معه فى رحلاته إلى الخليج التى أدمن السفر إليها لإحياء أعياد ميلاد الشيوخ العرب وزوجاتهم وأطفالهم، ولكنه طبعا خشى من أن تقوم بغواية واحد من هؤلاء الشيوخ فتقطع عليه طريقا يكسب منه ما يجعله يغير سيارته المرسيدس كل عام، ويعيش فى ثراء ملحوظ. كانت الأنثى الحلوة بنت شقيقة المطربة السابقة تختر فى المايوه البيكينى الذى يقول لكل عين إن نسب الجمال الأنثوى الذى كان سائدا فى الستينيات قد عاد من جديد، حين كانت كل امرأة فرحة بأنها امرأة حقا وصدقا، يتناسب مقاس صدرها مع مقاس أردافها، وتمتلئ بالحيوية اللازمة لجذب الرجل إلى حوار الإنجاب المزدحم بموسيقى الفرح. وما هى إلا دقائق حتى جاء رجل فى الخمسين ليجلس تحت الشمسية التى تنام تحتها البنت الحلوة، وعرفت أنها خطيبته وأن زواجهما سيتم بعد أيام، ولم أندهش من ذلك، فقد سبق لى أن عرفته من أيام كان طالبا بكلية الطب، وأراد والده أن يرثه فى مهنته، ولكن الشاب رفض ذلك، واستطاع عبر السنوات أن يكون ثروة تفوق الخيال، فهو من أوائل من ورثوا شركة الجمهورية لاستيراد المعدات الطبية . وقد بدأ مشواره باستيراد مسامير وشرائح جراحة العظام إلى أن أصبح مستوردا لكل ما يحتاجه أى مستشفى من مستلزمات تأسيسه من مفتاح باب غرفة العمليات وحتى استيراد دعامات القلب من الصين وسويسرا وفرنساوالولاياتالمتحدة وله مندوبون يجلسون فى مراكز القلب المختلفة فى أنحاء مصر ليتلقى من الأطباء مواصفات الدعامات المطلوبة، ويقوم بتوريدها فى الحال، كما يقوم باستيراد الأدوية المقوية، وهو باختصار واحد من قلة قليلة فى بر مصر المحروسة من خلالهم تحولت آهات الناس فى غرف العمليات إلى أرقام فلكية فى حساباته البنكية. وطبعا هو لا يكتفى بالكسب البسيط الذى كانت ترتضيه شركة الجمهورية للمستلزمات الطبية، بل هو يكسب الكثير والكثير. وأتذكر أيام أن رأيته عندما كان شابا صغيرا متخرجا فى كلية الطب، وكره مهنة والده كجراح عظام كبير، وأراد أن يتجه لإنتاج أفلام سينمائية، وبطبيعة الحال كان لابد أن يقع فى أكثر من قصة حب، وأن تصعد على ثروته أكثر من ممثلة، وأن يتقرب منه بعض من أثرياء الخليج . واستطاع عبر رحلات متقطعة فى الخليج أن يدرس احتياجات المستشفيات، فترك السينما وأعمالها، واتجه إلى لعبة تجهيز المستشفيات باحتياجاتها من الأجهزة الطبية، وصارت الملايين تلعب تحت يديه وحوله، وكثرت زيجاته. وكثرت أخبار انفصاله عن الزوجات. وبجانب تلك اللعبة قام بتأسيس مكتب للمؤتمرات الطبية، حيث تلجأ إليه شركات الدواء العالمية كى يتصل بأقسام التخصصات المختلفة، ويقيم مؤتمراتها على حساب تلك الشركات، حيث يتضمن المؤتمر أحيانا اشتراكا بسيطا من الطبيب ليقضى هو وزوجته - أو صديقته - سبعة أيام فى سالزبورج بالنمسا أو برشلونة فى إسبانيا، أو الولاياتالمتحدة، وبطبيعة الحال تقوم شركة الدواء بتسديد جزء كبير من ثمن تلك الرحلة، ويقوم صاحبنا بالكسب الوفير، لأنه قادر على جمع العديد من أساطين الأسماء اللامعة فى العالم العربى ليكونوا ضمن وفود تلك المؤتمرات، وبطبيعة الحال يفاجأ المرضى المصريون والعرب أن أسعار الدواء ترتفع عاما بعد آخر، والسبب هو اتساع مسافة السماسرة الكبار فى تلك المسافة الواقعة بين كل مريض وبين قلم الطبيب حين يكتب «الروشتة»، أو كمبيوتر المستشفى الذى يسجل اسم الشريحة الطبية أو الدعامة التى يحتاجها القلب لتعود الدماء فى سيرها الطبيعى لتغذية القلب، بينما يتحول ثمنها إلى دولارات وليال ملاح يقضيها الرجل مع نزواته المتعددة، فلم يكن من الصعب عليه أن يخطب كل فترة واحدة من جميلات مصر المحروسة، فهو يفضل المصرية لأنها بنت بلد. وفوجئت ونحن على البلاج بدخول طبيب نفسى صديق لى، جاء ليجلس معى تحت الشمسية التى أقضى تحتها بعضا من وقتى، وراقبت بسهولة احمرار وجه صاحب شركة استيراد المعدات الطبية فور رؤيته للطبيب النفسى، فأيقنت أنه هو من حكى لى الطبيب النفسى حكايته بعد أن غلفها بعشرات المحاولات التى أراد أن يخفى بها تفاصيل شخصية الرجل. كان الطبيب السابق صاحب شركة الاستيراد والعاشق الحالى لبنت شقيقة المطربة السابقة، قد دخل العيادة النفسية، سائلا أصعب الأسئلة التى لا يملك أى طبيب نفسى القدرة على الإجابة عنها، حيث كان قلبه مضطربا بالسؤال: هل أنا صالح للزواج؟ وهو نفس السؤال الذى سبق أن سأله لطبيب الذكورة الذى ذهب يستشيره فى أمر الزواج، وهل يمكن لمن أدمن التنقل بين عشرات النساء أن يرضى لنفسه بامرأة واحدة؟ أو هل يمكن أن يوجد فى مخزون قدراته ما يمكنه من مواصلة إرضاء امرأة هى أنثى بكل المعايير؟ وطبعا تلقى من طبيب علم الذكورة تلك المؤشرات العامة : «أنت تعلم أن قمة توهج الرجل ونضجه الجنسى هو السابعة عشرة، ثم ينخفض هذا الأمر بنسبة بسيطة عند بلوغ السابعة والعشرين، وينخفض بنسبة أكبر قليلا فى عمر السابعة والثلاثين، وينخفض إلى حد يزعج أى رجل فى عمر السابعة والأربعين، ثم يتقبل الرجل المسألة بروح تقول: «الشباب شباب القلب»، وما إن يقترب الرجل من السابعة والخمسين حتى يصاب بشوق عارم يشبه شوق بريطانيا لعودة المستعمرات القديمة، أى تملك رغبة عارمة وعجز فى القدرة على تحقيق ذلك، أما مسألة الأدوية المقوية والتى تملأ الدنيا ضجيجا من «فياجرا» إلى «سياسلس» إلى «ليفترا» وغيرها من الأقراص التى يقال عنها إنها ذات فاعلية هائلة، فهى قد تسبب هبوطا مفاجئا فى القلب». أما ما تلقاه من الطبيب النفسى فقد كان عبارة عن معرفة بسيطة من أن الزواج يختلف عن العلاقات الطارئة بما يحمله من انتظام للحياة. وطبعا عندما قال لى الطبيب النفسى تلك الكلمة «انتظام الحياة» حتى ضحكت متذكرا موشيه ديان الذى أعلن ذات مساء لصديق له أنه يخون زوجته، لأنه عندما يضع يده على فخذها يشعر أنه وضع يده على فخذ أبيه، لذلك مضى فى طريق خيانتها غير عابئ بكل الشائعات التى طاردته. عادت إلى ذاكرتى تفاصيل أول لقاء لى بخالة تلك العروس، حيث التقيت بها بعد خروجى من قسم الدقى عام 1964 ، وكان اليوم المشهود هو السادس عشر من أغسطس، وكنت عائدا من السد العالى، غارقا فى الانبهار بجيوش المصريين التى أضاءت الجبل لتلعب به وتزيحه من مكانه لتتكون من بعد ذلك بحيرة ناصر. كنت مفتونا بما عشته من ساعات الليل مع المهندس صدقى سليمان وزير السد العالى، ولن أنسى أبدا ملامحه وهو يصحبنى فى سيارته، ثم توقف أمام تراكتور يزيح التراب أمام العمال، فقد لاحظ وزير السد العالى أن سائق التراكتور يكاد يغمى عليه، وهنا أوقف صدقى سليمان سيارته الجيب لننزل منها معا، ويأمر سائق التراكتور بأن ينزل من مقعد القيادة، ويأمره بأن يذهب مع سائقه فى العربة الجيب إلى العيادة، فقد كان لون قائد التراكتور مخطوفا أكثر من اللازم، ولم يكن صدقى سليمان يفتعل ذلك، بل كانت تلك هى حياته، حيث يقضى معظم الصباح فى مراجعة الخطط مع المهندسين وخبراء السد ويقضى بضع ساعات من الليل بين العمال الذين ينتظمون كعقود من ضوء غريب يزلزل الدنيا كلها بأسطورة مصرية تتطابق مع كل معجزات الكون. ولكن ما أن دخلت إلى البنسيون الذى كنت أسكنه حتى دق التليفون ليأتى صوت شقيقتى التى أرادت أن تخبرنى بأن اثنين من المخبرين اقتادا زوجها إلى قسم الدقى بسبب شكواه ضد حالات الصهللة التى لا تكف طوال الليل من الشقة التى تعلوهم، وهى لا تعرف من هم أصحاب تلك الشقة أو سكانها. نزلت إلى قسم الدقى، لأدخل إلى غرفة المأمور مباشرة وعرفته بنفسى، ولأجد هناك ذلك الشخص المهم وهو يشرب فنجان قهوة، وهنا قلت للضابط: «أين زوج شقيقتى فلان الفلانى»؟، هنا قال المأمور: «إنه فى الحجز لأنه يزعج جيرانه الطيبين وأمامك السيد فلان». واستأذنت من المأمور أن أتصل تليفونيا بمكتب الرئيس جمال عبد الناصر، وبالتحديد بصديقى السيد زغلول كامل وهو شخصية مرموقة فى مكتب الرئيس جمال عبد الناصر، وما أن رن اسمه فى الغرفة حتى وجدت الرجل الذى قدم الشكوى ضد زوج أختى يعلن للمأمور أنه تنازل عن محضر الإزعاج الذى طلبه لزوج شقيقتى، وقال لى بصوت مرتجف: «كده أنت حاتضرنى جامد». فقلت له: «وأليس من الأمور الضارة أن تأتى إلى قسم البوليس لترهب المأمور، فيصدر لك أمر إحضار زوج شقيقتى من بيته إلى القسم مصحوبا باثنين من المخبرين وادعاؤك أنه يزعجك، كل ذلك لأنه قدم شكوى ضد شقة الهلس التى تستأجرها فوق شقة أختى ليست أمرا ضارا»؟ وهنا تدخل المأمور قائلا: «لا داعى إذا للمحاضر ووجع الدماغ، فأنت شخصية معروفة والباشا شخصية معروفة». وكنت أعلم أن المأمور خائف من مسألة إرساله اثنين من المخبرين لإحضار زوج شقيقتى. وهنا قلت للمأمور: «سأقبل وساطتك بشرط واحد هو أن يقوم الرجل بترك تلك الشقة التى يلهو فيها مع أصدقائه وصديقاته من أهل الفن». فقال الرجل الذى كان منتفخا: «سوف أترك الشقة غدا، ولى رجاء ألا تشكونى للسيد زغلول كامل، فهو لا يرحم فى الخطأ. وأعترف لك أنى غلطان، ولكن عملى ملىء بالضغوط، وأحتاج كل فترة إلى فرفشة». فقلت له «فرفش نفسك كما تهوى بعيدا عن رمى بلاويك على الناس»، فقام ليقبل رأسى، وخرجت أنا وزوج شقيقتى من القسم عائدين إلى بيته، وعلى السلم سمعت المطربة تقول للرجل الذى دخل قبلنا: «هل قمت بتأديبهم»؟ فقال لها: «اسكتى يابنت ستين كلب .. دا أدبونى وحا يأدبوا إللى خلفونى كمان». وفوجئت فى اليوم التالى بمن يهمس فى أذنى بأن هذا الشخص الذى كانت تهتز له كثير من مواقع النفوذ فى مصر قد تزوج من المطربة كى لا يتسبب فى أذيته السيد زغلول كامل». ودارت الأيام لأتابع قصة محاكمة هذا الشخص ضمن محاكمات نكسة يونيو 1967 وكيف خرج بعد عدة شهور، وطبعا لم يكن له عمل، بل مجرد معاش بسيط لا يسمن ولا يغنى من جوع . وداخ السبع دوخات كى تستعيد زوجته المطربة بعضا من مكانتها فى سوق الغناء، ولكن ذلك لم يحدث، فسافر هو وهى إلى لندن، لتعمل هى فى الملاهى الليلية هناك وليعمل هو فى تجارة السلاح بين الفرقاء المتقاتلين من أهل أفريقيا أو أهل أمريكا اللاتينية، ثم من أهل الطائفية فى لبنان، ثم انتهى به الأمر إلى أن صار جثة هامدة بجانبها عدة ملايين من الجنيهات الإسترلينية. ولا أعرف لماذا أطلت صورة نابليون بونابرت بين أمواج البحر وهو يصرخ: «فتش عن المرأة»، وطبعا أنا أعرف أن خيانة زوجته الحلوة جوزفين كانت وراء هذا الأسى الصعب وصرخته تلك، وكيف شعر بعمق الإهانة من امرأة أعطاها كل قلبه، هذا القلب الذى منح فرنسا سر وجودها كقائدة لأفكار الثورة الفرنسية الثلاث «الحرية والمساواة والعدالة»، فهو الذى قام بتركيب أقدام وعقول لتلك الكلمات التى كانت مجرد أحلام، فهو من قرر استقرار فكرة وقيمة القانون الإنسانى، وهو من أكبر الذين ساندوا قيمة العلم فى خدمة الحياة، وهو من قرر أن القتال لنشر تلك الأفكار هو وسيلة فرنسا للسيادة على الكون. ولكن ضغوط الحيوية الفائقة لهرمونات أنوثة السيدة جوزفين لم تستطع الصبر على رحلاته من أجل فرنسا، ورغم أنها عاهدته على الوفاء إلا أن عينى ياوره الخاص الذى تركه لرعايتها أثناء قتاله فى إيطاليا، تلك العيون جذبتها إلى أحضان ذلك الشاب، وغرق الاثنان فى مستنقع الخطيئة الوثير. وعندما يندهش أحد من استخدامى لوصف مستنقع الخطيئة الجوزفينى بأنه وثير، فسبب ذلك ببساطة أن جوزفين رضخت لجنون الرغبة التى برقت فى عينى نابليون، ولكن ما إن أفاقت حتى علمت أنه من أسرة متواضعة لا تعرف أصول وقواعد الحياة فى الطبقة الأرستقراطية التى كانت تنتمى إليها، وأن رضوخ الآخرين لنابليون كان رضوخ الرجال أمام الذكاء المتوهج لهذا الرجل القصير القامة، ولكن بحار أنوثتها الوارفة فرضت عليها أن تبحث فى ليالى الوحدة عن أنيس أليف غير ذلك الرجل الذى يمضى نهاره وليله على ظهر حصانه مقاتلا من بلد إلى آخر. وطبعا كانت وحدها ضمن قلة قليلة تعلم أن الجنرال الذكى كان مريضا بالصرع، فمن خلال نوبات التشنج الذى يملأ الجسد بكهرباء المخ الزائدة كان خيال نابليون يصور له ما يفوق عقول عشرات غيره من الجنرالات من أوجه الخطط الحربية التى تصنع الانتصار. سألت صديقى الطبيب النفسى: «هل تتوقع أن يتزوج هذا الثرى من بنت شقيقة المطربة الحلوة وهل ستكون وفية له ؟ أم أن هرمونات أنوثتها قد تجرفها أثناء رحلاته بعيدا عن شواطئ رجولته؟ ضحك الطبيب النفسى: كأنك تطلب منى أن أكون قارئ كف لمستقبل علاقة زوجية فيها عشرات التفاصيل التى لا أعلمها أنا ولا تعلمها أنت. وعدت أنظر إلى البحر لأجد بعضا من أفراد عائلة المهندس العظيم بانى السد العالى الراحل الكريم صدقى سليمان وهم يلهون فى رمال الشاطئ. وعدت أقول للطبيب النفسى: «طبعا من العجيب أن بلاجا واحدا يضم ابنة شقيقة امرأة عاشت مع واحد من صناع هزيمتنا، ويضم نفس الشاطئ أيضا عائلة رجل قدس المستقبل إلى ما فوق التصور هو صدقى سليمان. فقال صديقى الطبيب النفسى: «وما الجديد فى ذلك»؟ ضحكت قائلا: أحسد الرجل الذى سيحتضن بنت شقيقة المطربة، وأتمنى فى تاريخى أن أكون فى نبل صدقى سليمان، والجمع بين الأمرين هو المستحيل.