إذا كان القدر قد اختص مصر بنصيب وافر من تداعيات التغيرات المناخية وباتت مهددة في سواحلها الشمالية والدلتا، ومواردها المائية بشدة، مما يؤثر سلبيا علي غذائنا، وصحة أولادنا ومستقبلنا، حتي أن البعض توقع تغير خريطة مصر في السنوات المقبلة كما أوضحنا من قبل، إلا أن كنز مصر الدائم والحقيقي الذي لا يفني والذي يتجسد في عقول ووجدان علمائها وباحثيها ومسئوليها لم يقف مكتوف الأيدي أو عاجزا، بل انفتحت أبوابه علي مصراعيه، وأصبحت التغيرات المناخية الهم الأكبر الذي يشغل بالهم، حيث بحثوا، واجتهدوا في سبيل البحث عن مخرج يحتوي الآثار السلبية بقدر الإمكان .. وفي هذا العدد نستعرض جانبا من هذه الجهود التي يدعو القائمون عليها إلي المزيد منها ودعمها حتي تؤتي ثمارها وتحقق الحماية والأمان لنا ولأولادنا غدا. د. السيد صبري - مستشار وزير البيئة والمشرف علي الإدارة المركزية للتغيرات المناخية والمنسق الوطني باتفاقية الأممالمتحدة لتغير المناخ والمنسق الوطني بآلية التنمية النظيفة - حيث بدأ حواره معنا قائلا: مؤتمر كوبنهاجن لم يكن مجرد مؤتمر للبيئة يناقش كيفية مواجهة التغيرات المناخية، لكنه كان مؤتمرا اقتصاديا والمصالح الاقتصادية للدول المشاركة فيه كانت لها الكلمة العليا. وهذا قد يفسر للبعض حرص 120 رئيس دولة علي حضور هذا المؤتمر، رغم أنه علي مدي أسبوعين قد شاركت دول العالم بوفود من الخبراء والعلماء والباحثين ثم اجتماعات علي مستوي الوزراء المختصين بالبيئة، ثم كان الختام علي مستوي الرؤساء الذي حرص كل منهم علي المصلحة الاقتصادية لبلاده ولأن المصالح تعارضت وتنافرت فلم يتوصل الحضور لصيغة مناسبة ترضي الجميع، وتحمي بيئة بكوكب الأرض، فالمصالح الاقتصادية تتعارض والالتزام بمعدلات تنمية محددة، وكذلك تتعارض والالتزام بنقل التكنولوجيا وآليات التنمية النظيفة من الدول الصناعية الكبري للدول النامية. وبصراحة، فإن الفشل في الوصول لصيغة ترضي الجميع كان أمرا متوقعا ولم يكن مفاجأة. بل إن معظم العلماء والخبراء في مجال البيئة والتغيرات المناخية كانوا يعرفون النتيجة قبل انعقاد المؤتمر، فقد كانت البوادر جميعها تشير إلي هذه النتيجة، بل إنني أتوقع أن يكون عام 2010 أصعب في مجال التفاوض حول صيغة مناسبة بعد أن تكشفت نوايا الجميع، وباتت الضغوط قوية علي الجميع، سواء الدول الصناعية أو الدول النامية. - بروتوكول كيوتو اهتم بروتوكول كيوتو «1997» بالتوصل إلي ضرورة الحد من انبعاثات غازات التلوث وفرض علي الدول الصناعية الكبري التي صادقت عليه نسب خفض لما ينبعث من صناعاتها ومركباتها ومواصلاتها من غازات الاحتباس الحراري التي ثبت أنها تقف وراء ظاهرة الارتفاع المستمر لدرجة الحرارة لكوكب الأرض مع وضع برامج لآلية التنمية النظيفة في الدول النامية لمساعدتها علي التأقلم والتكيف مع التغيرات المناخية واستخدام التكنولوجيا النظيفة التي تعمل علي تحسين البيئة، وإيجاد فرص عمل.. وحدد بروتوكول كيوتو موارد صندوق التكيف من مصدرين الأول دعم من الدول الصناعية والمصدر الثاني يمول من 2% من عائدات شهادات الكربون ولأن بروتوكول كيوتو من المحدد العمل به حتي عام 2012، فقد سافر الجميع إلي كوبنهاجن برغبات متناقضة.. الدول الصناعية الكبري تحاول التهرب من مسئولياتها والالتزامات التي فرضها عليها بروتوكول كيوتو، وتفريغ البروتوكول من مضمونه، والدول النامية تسعي بكل جدية إلي تمديد العمل بالبروتوكول وتفعيل آلياته خاصة بعد صدور التقرير الرابع للمنظمة الحكومية الدولية للتغيرات المناخية التي أكدت فيه خطورة التغيرات المناخية علي دول العالم والتأثيرات الخطيرة التي ستلحق بالعالم إذا ارتفعت درجة حرارة كوكب الأرض لما يزيد علي درجتين خلال هذا القرن.. وقد كانت الدول النامية تسعي من خلال المؤتمر الأخير إلي تمديد بروتوكول كيوتو لما بعد 2012 فيمتد إلي 2017 أو 2020 بما يسمح لهذه الدول باستكمال مشروعات التأقلم والتكيف واستحداث الصناعات ذات الآلية النظيفة علي أراضيها بدعم وتمويل من الدول الصناعية المسئولة تاريخيا عن انبعاث غازات الاحتباس الحراري وزيادة درجة حرارة الأرض وإحداث التغيرات المناخية، لكن هذا الحلم لم يتحقق للأسف. - اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية بأمانة وواقعية يقول د. السيد صبري - رئيس اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية - رغم كل الجهود التي تبذل من الأساتذة العلماء والمتخصصين في مجال التغيرات المناخية، إلا أنه وبأمانة ليست كافية، فالتوصيات والنتائج التي تتوصل إليها اللجنة لابد من دمجها في خطط الدولة، وفي خطة كل وزارة يكون لها نصيب محدد وكافٍ.. ورغم أن اللجنة تضم 24 خبيرا وعالما ممثلين لجميع الوزارات المعنية فإننا نحتاج إلي دعم أكبر يمكننا من تعميق المعلومات والبيانات وإجراء البحوث لاتخاذ قرارات سليمة ودقيقة، وكذلك لابد من تطوير نظم الرصد وتقويتها وإنشاء شبكات رصد دقيقة وقوية، كذلك لابد من دعم مالي سريع وضخم، ويقدر بالمليارات ووزارة الدولة لشئون البيئة بصدد الإعلان قريبا عن إنشاء مركز قومي للتغيرات المناخية. - لا توجد قاعدة بيانات د. محمد الراعي - أستاذ الفيزياء البيئية بجامعة الإسكندرية وعميد معهد الدراسات العليا بالجامعة ورئيس قطاع البيئة في المجلس الأعلي للجامعات ومستشار أكاديمية العلوم والتكنولوجيا للحد من الكوارث البيئية -هذا وكان د. الراعي ممثلا لمصر في المنظمة الحكومية للتغيرات المناخية IPCC التي وضعت النماذج الرياضية المختلفة التي توضح تأثير هذه التغيرات المناخية علي الكرة الأرضية مع بداية التسعينيات وحتي عام 2000.. وهو كذلك عضو باللجنة الوطنية للتغيرات المناخية..يقول د. الراعي: شاركت مع فريق متكامل ومتميز من أساتذة جامعة الإسكندرية ومعهد حماية الشواطئ بالإسكندرية في إعداد دراسات عن مدي تأثير ارتفاع سطح البحر نتيجة التغيرات المناخية علي مدن الإسكندرية ورشيد وبورسعيد والساحل الشمالي ومرسي مطروح، وقد أشاد بهذه الدراسات المنشورة عالميا كل من البنك الدولي والمنظمة الحكومية للتغيرات المناخية IPCC وتمت الاستعانة بها لتوضيح مدي تأثر سواحل البحر المتوسط بالارتفاع المتوقع لسطح البحر، ورغم أن معظم دول العالم ستتأثر بنسب متفاوتة نتيجة للتغيرات المناخية، ورغم أن مصر أحسن حالا من دول أخري مثل بنجلاديش وفيتنام إلا أن جميع قطاعات التنمية في مصر ستتأثر بشكل كبير بهذه التغيرات خاصة المنطقة الشمالية التي تسكنها أعداد كبيرة من السكان وتتمتع بالإنتاج الزراعي الوفير فشمال الدلتا والسواحل الشمالية ستعاني من عواقب وخيمة.. بالطبع هناك عمليات حماية قد تمت، وجار العمل في البعض الآخر، لكن للأسف ليست بالصورة التي نتمناها وتحمينا من المشاكل المستقبلية.. فاللجنة الوطنية دورها تنسيقي ولا تستطيع أن تفرض التزامات علي الوزارات، ورغم أن إنشاءها يعتبر خطوة إيجابية، لكن لابد أن نقويها وندعمها فهي لا تقوم بأي عمليات تنفيذية، فهذا ليس دورها، فإذا رغبنا في معرفة القياسات الدورية مثلا التي تمت لسطح البحر الأبيض المتوسط ستفاجئين بأن بعضها تقوم به وزارة الزراعة، وبعضها تقوم به وزارة الري والموارد المائية، وبعضها يتم من خلال المشروعات التي يتم تمويلها من الخارج! هذا بالإضافة إلي أننا لا نملك قاعدة للبيانات ولا قاعدة بأسماء الباحثين والمهتمين بمجالات التغيرات المناخية والذين يعملون من خلال المراكز البحثية والجامعات، لذا فرغم أن اللجنة الوطنية تضم عددا كبيرا ومتميزا من المتخصصين إلا أننا نتمني وجود نظام مؤسسي يتيح لها سلطة تجميع البيانات والقياسات الدورية، ويكون لها ميزانية تمويل لإنشاء قاعدة بيانات أو الرصد البيئي، وهذه السلطات والنظام المؤسسي سيمنحها الحق في وضع استراتيجية ملزمة للوزارات ونظام متابعة لتنفيذ هذه السياسات وأيضا يمنحها الحق في حساب أي جهة لم تنفذ ما خططنا له، فمثلا نحن نوصي بعمل حزام أخضر لمدينة من المدن ثم نفاجأ أن الأراضي التي كانت مخصصة لهذا الحزام حول المدينة قد تم تقسيمها وبيعها كأراض متصورين أنهم حققوا مكسبا لا يقل عن 100 مليون جنيه، في حين أنهم لا يعلمون أنهم تسببوا في خسائر لا تقل عن 500 مليون جنيه لعدم تنفيذ هذا الحزام الأخضر، وأن تنفيذه كان ضروريا للغاية في هذه المرحلة وأننا سننفذه في المستقبل - إن أمكن - سيكلفنا أضعاف ما كسبناه. - كلنا مسئولون.. ولابد من المشاركة يصمت د. محمد الراعي لحظات قبل أن يضيف: «مؤتمر قمة الأرض في كوبنهاجن نجح في شيء واحد فقط، حيث نجح في تسليط الضوء علي مخاطر التغيرات المناخية، ورغم النتائج السلبية التي نتجت عنه، إلا أنه لفت الأنظار بشدة لضرورة العمل علي حماية بيئتنا.. ومصر.. تنفذ الواجب عليها، وقد اتخذت تدابير عديدة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وعملت ما يجب عمله من تخفيف الآثار، لكن نحن بحاجة إلي مجهود متواصل من الجميع، علماء ومواطنين عاديين لتوفير المياه وتوفير الطاقة، وتقليل النفايات، ونحتاج أيضا إلي دعم وتمويل لمشروعات آلية التنمية النظيفة التي ننفذها الآن ومشروعات الحماية، فلابد للدول الصناعية المسئولة تاريخيا وأخلاقيا عن زيادة غازات الانبعاث الحراري أن تدعم خطط الحماية التي تنفذها الدول النامية للتقليل من انبعاثات الغازات وأيضا للتأقلم والتكيف مع التغيرات المناخية. إذن فالحل يتحقق من تضامن العلماء والمواطنين ومتخذي القرار، والكل يشعر بمسئوليته ودوره في حماية وطنه، بالإضافة إلي ضرورة التمويل والدعم الخارجي والضروري لتنفيذ المشروعات التي تحمينا من التغيرات المناخية..