سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 9 مايو 2024    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    هيئة بريطانية: سوق السيارات المستعملة يسجل أقوى بداية خلال الربع الأول من 2024 منذ 2019    حماس: إسرائيل غير جادة في التوصل لاتفاق يوقف إطلاق النار في غزة    جماعة الحوثي اليمنية تعلن استهداف سفينتين إسرائيليتين في خليج عدن    بعثة الزمالك تتوجه إلى المغرب لخوض موقعة ذهاب نهائي الكونفيدرالية    التعليم تعلن عن وظائف لمدربين أكاديميين بالمدارس الدولية للتكنولوجيا التطبيقية    تعرف على العروض المشاركة بالمهرجان الختامي لنوادي المسرح في دورته ال 31    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9-5-2024    طلب برلماني بوقف "تكوين".. تحذير من خطر الإلحاد والتطرف    مصدر مطلع: مصر تواصل جهودها لوقف إطلاق النار وهناك إشارات لنضوج الاتفاق    أسعار الفاكهة والخضروات في الأقصر اليوم الخميس 9 مايو 2024    موعد مباراة الإسماعيلي والداخلية اليوم الخميس بالدوري    الإحصاء: ارتفاع أسعار الملابس والأحذية بنسبة 5.5% خلال أبريل 2024    توقعات الأرصاد الجوية لحالة الطقس اليوم الخميس 9 مايو    91282 بالصف الثاني الثانوي بالقاهرة يؤدون امتحان نهاية العام    الرئاسة الفلسطينية: وحدة الأراضي خط أحمر ونلتزم بالقانون الدولي ومبادرة السلام العربية    قراراتها محسوبة وطموحها عالٍ.. 7 صفات لامرأة برج الجدي تعكسها ياسمين عبدالعزيز    ثقافة الأقصر تحتفى بتوقيع ومناقشة كتاب " ديكود"    مصدر مطلع: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منفتحون نحو إنجاح الجهد المصري وصولا للاتفاق    لبنان.. غارة جوية إسرائيلية تستهدف سيارة على طريق بلدة بافليه ووقوع شهداء    علي جمعة: القلب له بابان.. وعلى كل مسلم بدء صفحة جديدة مع الله    الأهلي يخطف صفقة الزمالك.. والحسم بعد موقعة الترجي (تفاصيل)    محمد فضل يفجر مفاجأة: إمام عاشور وقع للأهلي قبل انتقاله للزمالك    حكم الحج لمن يسافر إلى السعودية بعقد عمل.. الإفتاء تجيب    بعد المخاوف العالمية من سلالة FLiRT.. ماذا نعرف عن أعراض الإصابة بها؟    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    طقس اليوم: شديد الحرارة على القاهرة الكبرى نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالعاصمة 36    للفئة المتوسطة ومحدودي الدخل.. أفضل هواتف بإمكانيات لا مثيل لها    جدول مواعيد قطع الكهرباء الجديدة في الإسكندرية (صور)    أحمد عيد عبدالملك: تكاتف ودعم الإدارة والجماهير وراء صعود غزل المحلة للممتاز    مدرب نهضة بركان السابق: جمهور الزمالك كان اللاعب رقم 1 أمامنا في برج العرب    إبراهيم عيسى: السلفيين عكروا العقل المصري لدرجة منع تهنئة المسيحيين في أعيادهم    قائد المنطقة الجنوبية العسكرية يلتقي شيوخ وعواقل «حلايب وشلاتين»    مصطفى خاطر يروج للحلقتين الأجدد من "البيت بيتي 2"    الأوبرا تحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة على المسرح الصغير    بعد غياب 10 سنوات.. رئيس «المحاسبات» يشارك فى الجلسة العامة ل«النواب»    «أسترازينيكا» تبدأ سحب لقاح كورونا عالميًا    انتخاب أحمد أبو هشيمة عضوا بمجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    معلومات عن ريهام أيمن بعد تعرضها لأزمة صحية.. لماذا ابتعدت عن الفن؟    الزمالك يشكر وزيرا الطيران المدني و الشباب والرياضة لدعم رحلة الفريق إلى المغرب    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9 مايو في محافظات مصر    زعيمان بالكونجرس ينتقدان تعليق شحنات مساعدات عسكرية لإسرائيل    بعد إصدار قانون التصالح| هذه الأماكن معفاة من تلك الشروط.. فما هي؟    رايح يصالح زوجته أهلها ولعوا فيه بالبنزين.. محامي الضحية يكشف التفاصيل    6 طرق لعلاج احتباس الغازات في البطن بدون دواء    أحمد موسى: محدش يقدر يعتدي على أمننا.. ومصر لن تفرط في أي منطقة    «جريشة» يعلق على اختيارات «الكاف» لحكام نهائي الكونفدرالية    رئيس هيئة المحطات النووية يهدي لوزير الكهرباء هدية رمزية من العملات التذكارية    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: 4 دول من أمريكا الجنوبية اعترفت خلال الأسبوع الأخير بدولة فلسطين    ارتفاع ضحايا حادث «صحراوي المنيا».. مصرع شخص وإصابة 13 آخرين    "الفجر" تنشر التقرير الطبي للطالبة "كارولين" ضحية تشويه جسدها داخل مدرسة في فيصل    محمود قاسم ل«البوابة نيوز»: السرب حدث فني تاريخي تناول قضية هامة    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    وزير الصحة التونسي يثمن الجهود الإفريقية لمكافحة الأمراض المعدية    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    محافظ الإسكندرية يشيد بدور الصحافة القومية في التصدي للشائعات المغرضة    مستشهدا بواقعة على صفحة الأهلي.. إبراهيم عيسى: لم نتخلص من التسلف والتخلف الفكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشغف بالأرض وأناشيد الميلاد
نشر في صباح الخير يوم 24 - 04 - 2024

«قناع بلون السماء» أحدث رواية للكاتب الفلسطينى باسم خندقجى، صدرت حديثًا 2024 عن دار الآداب اللبنانية للنشر والتوزيع، ودار تنمية بالقاهرة.
كتب باسم خندقجى روايته أثناء اعتقاله فى سجن من سجون إسرائيل، فى «سجن جلبوع»، والرواية التى وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2024 هى الرواية الثانية لباسم الذى أصدر من قبل رواية بعنوان «خسوف بدر الدين»، وأخرى بعنوان «نرجس العزلة».

«قناع بلون السماء» رواية ثرية بعالمها السردى المميز الذى يمزج التاريخ بإعمال التفكير فيه، فيشتبك مع أعمال أدبية معاصرة فى حوار مهم، ومن هذه الأعمال التى يشتبك معها كاتبنا رواية «شيفرة دافنتشي» للروائى الأمريكى دان براون والتى صدرت عام 2003، وحققت شهرة واسعة لكنها أثارت موجة من التساؤلات حول علاقة الحقيقة والخيال، وتحليل التاريخ وكيفية معالجته من خلال السرد الروائى.



تفاصيل معرفية
«نور» هو البطل الرئيسى لرواية «قناع بلون السماء» يريد أن يكتب رواية يرد فيها على «دان براون» وروايته «شيفرة دافنتشي» ويكون سؤاله الأول هو «هل كان يتخيل براون» التاريخ أم يخاتله؟
وتتدفق أسئلة «نور» حول ذلك فيقول:
لماذا ينتزع كاتب أجنبى «المجدلية» من سياقها التاريخى الجغرافى الفلسطينى ليلقى بها فى مهاوى الغرب، لماذا؟
وتتواتر أسئلته التى تشتبك مع الواقع والتاريخ فيقول: «ما الذى فعله دان براون فى روايته بالمجدلية؟
وماذا فعله به ليدفعه للبحث طيلة سنوات خمس فى سيرة المجدلية، ويتساءل: (أليس الاستشراق هو من قضى على أنفاس المجدلية فى بلادنا وجعلها ترنم وتبتهل وتصلى باللاتينية والفرنسية القديمة؟
أليست الكولونيالية هى هوس السيطرة والتفاصيل الصغيرة التى تشيد بنية شاملة متكاملة، تفاصيل معرفية وتاريخية وثقافية ونفسية لهذا يجب أن نحاربها بالتفاصيل ذاتها، أليست «مريم المجدلية جزءًا من هذه التفاصيل»؟
ومن هذه التساؤلات يجعل نور بطله «نسيم شاكر» روائيًا يكتب رواية عن مريم المجدلية، ويساعده بالكشف عن المراجع التاريخية المهمة، والمواقع الآثارية، التى تناولت سيرة «المجدلية» بل يقرر السفر من رام الله إلى القدس، بل وأن يدخل إلى عمق «الكيبوتس» أو المستعمرة الصهيونية التى أقامها الاحتلال فوق أطلال قرية «اللجون» المهجرة، والواقعة جنوب غرب تل مجدو، كما يقرر زيارة الأماكن الإنجيلية بالقدس مثل طريق الآلام، وزيارة كنيسة القيامة.
ويبدأ «نور» فى تسجيل بطاقات صوتية ليمد بها بطله الروائى نسيم شاكر حول أمكنة ومباحث عديدة حول اللغة الأثرية الرومانية الخاصة بالقرن الأول الميلادى، لذا فعليه زيارة متحف «روكفلر» للمزيد من التدقيق بهذه اللغة، وزيارة كنيسة «المجدلية» للاطلاع على نفائسها، وجمع المعلومات عن الكنوز والكهوف الواقعة فى جبل الزيتون.
باب للنجاة
يهجر «نور» بيت أبيه، هاربًا من صمته المشبع بخذلان رفاقه فى النضال والانتفاضة فقد تخلوا عنه وعن رعاية أسرته عندما تم اعتقاله، وانشغلوا بأبهتهم الجديدة، وزاد خذلانه عندما اشترط أعداؤه، قبل الإفراج عنه التوقيع على تعهد ينبذ فيه العنف متعهدًا بعدم العودة إلى ممارسته واحترام بنود اتفاقية «أوسلو» الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الكيان الصهيونى، لقد كان أبوه مهدى الشهدى بطل الانتفاضة وسيد أزقة المخيم، والمطارد الذى لقن أعداءه دروسًا فى المقاومة بات نضاله عنفًا وثورته إرهابًا.
هذا ما يعذّب أباه حقًا، لذا فقد فرض على نفسه الصمت، وعلى «نور» الآن أن يهرب من هذا الصمت. يبحث عن باب للنجاة، عن ميلاد جديد.
سيلد أباه وأمه منه، سيلد هويته، سيستعيد ذاته، سيحرق قناعه، وسينبعث من رماده.
لكن السؤال كيف؟! يمضى بسؤاله ويعيش به، وعندما اقتنى معطفًا جلديًا من سوق الخردوات، ووجد فى جيوبه هوية زرقاء باسم «أور شابيرا» شاب أشكنازى يحمل الهوية الإسرائيلية، يفكر «نور» بأن يستخدم هذه الهوية قناعًا يتسلل به إلى المناطق المهمة والمحرمة على الفلسطينيين أصحاب البلاد، ساعدته ملامحه الأشكنازية، وشعره الأشقر وإتقانه للغة العبرية من خلال عمله كمرشد سياحى فى العمل بشركة سياحية فى القدس بمساعدة الشيخ «مرسي» صديق «شاكر القصّابي» مالك شركة السياحة.
تهجير وأكاذيب
وفى أول رحلة للإرشاد السياحى لم يستطع «نور» أن يعيش طويلًا تحت قناع «أور شابيرا»، فها هو يقوم بإرشاد مجموعة من السياح فى قرية «صرعة»، وحسب وزارة السياحة الصهيونية المقام الموجود فى «صرعة» هو قبر شمشون وأبيه منوح، و«صرعة» مسقط رأس البطل التوراتى حسب الرؤية الصهيونية، لكن «نور» لا يلبث أن يخلع قناع «أور شابيرا» فيتراجع عما قاله للسيّاح ويصارحهم بالحقيقة قائلًا: (كل ما تفوهت به منذ قليل ما هو إلا ترهات وخزعبلات لا أساس لها من الصحة، فهنا سيداتى وسادتى، حيث تقفون الآن، تقع أنقاض وأطلال القرية الفلسطينية «صرعة» التى نكبت، وتم تهجير أهلها البالغ عددهم أربعمائة نسمة فى شهر تموز من عام 1948، بلى هجروا، وها هم الآن يقبعون لاجئين ولاجئات فى مخيمات اللجوء، لقد دمرت العصابات الصهيونية القرية لتشيد مكانها «كيبوتس صرعة» وهذا بيت مختار القرية يشهد على ذلك حيث تقفون أنتم الآن فوقه، وأما هذا المقام الذى أقف فوقه فما هو إلا مقام الشيخ (سامت) الذى كان يتبارك به أهل القرية والقرى المجاورة مقدمين له النذور والقرابين للحبل والذرية لا يوجد شمشون هنا ولا ما يحزنون، لا يوجد بطل خارق، لا يوجد قبور للأبطال الخارقين فشمشون مثل سوبرمان لا يموت.
وعندما علم صاحب شركة السياحة ما حدث طرد «نور» من العمل، ليساعده الشيخ «مرسي» من جديد للسفر إلى «القدس»، محاولًا الالتحاق ببعثة آثارية ستذهب إلى المكان الذى يريده بالضبط، إلى قرية «اللجون» المهجرة والتى حولها الاحتلال إلى مستوطنة «مشمار هعيمق»، فهذه البعثة الآثارية ستقوم بالتنقيب عن الفيلق الرومانى السادس من خلال معهد أولبرايت للأبحاث الأثرية.

على أطلال غزة

أسرار الأرض
وهناك ينجح «نور» من خلال إتقانه للعبرية وملامحه الإشكنازية، وشعره الأشقر فيتمكن من التسلل إلى العمل مع البعثة الأثرية وهناك يتعرف على «إيالا شرعابي» وهى يهودية شرقية متعصبة لإسرائيل، تنجذب إلى «نور» على اعتباره «أور» الإشكنازى وتشكى إليه ما تعرض له اليهود الشرقيون فى بداية تأسيس إسرائيل، فكان يتم احتجازهم داخل معسكرات التجميع الانتقالية لتوزيعهم على البلدات الهامشية، بينما يحتل الإشكناز المركز فى «تل أبيب»، مركز الهيمنة الإشكنازية، ورغم ذلك فهى متعصبة لإسرائيل، لذا فهى تدخل فى مجادلات ومناقشات حادة مع «سماء إسماعيل» وهى باحثة أثرية من حيفا، تفخر بكونها فلسطينية تقول رغم أنها تحمل الهوية الزرقاء أنها فلسطينية من هذه البلاد، يشعر «نور» بأنها تزلزل كيانه بقوتها وبكلماتها الصادقة، فهى تكره الأقنعة، وهو يرتديها، بل تقول وجهات نظرها بكل صراحة مهما تعرضت لمهاجمة «إيالا»، واتهاماتها بأنها معادية للسامية.
لكن «نور» لا يستطيع الكشف عن هويته الحقيقية لسماء حتى لا تفشل خطته فى جمع المادة الآثارية، والتاريخية لروايته عن «مريم المجدلية»، لذا فهو يمضى فى مغامرته وقد مسّه شغف الأرض والتعرف على أسرارها.
شغف الأرض
«نور» مسّه شغف الأرض حينذاك، عندما عثر فى خباياها على قطع فخارية وأختام، ومجسمات وعملات دفنت فى التراب منذ آلاف السنين، مسّته الأرض ببوحها السرى، هى التى لا تثرثر بأسرارها إلا للذين ينجحون بمداعبتها بأناملهم الخبيرة، دغدغة لطيفة مخبأة، بالصبر والهدوء والعناد لكى ترتعش بالنهاية صارخة بأسرارها.
بطل أحلامه
ورغم القناع الذى اتخذه «نور»، ليصبح «أور» ليتسلل إلى أعماق العالم الكولونيالى لكنه يشعر أنه ليس خارقًا ولا بطلًا، وإنما يشعر بالملاحقة، والخوف والضعف والالتباس بل بالتناقض ولذا فهو يقول لنفسه فى مونولوج داخلى يتسم بالحيرة.
كل هذا هو ما يجعلنى أعتقد للحظة بمعجزة ما قد تخلصنى من كل ما أنا فيه من عجز، معجزة تقودنى إلى الإيمان بقوة خارقة، تجعلنى بطل أحلامى أنا، ولا أحد سواى.



عذابات نور
يتفحص «نور» بطاقته التى تحمل اسم «أورا شابيرا» وصورته الأشكنازية فيشعر بإحساس غامض مؤلم، فالصورة صورة «نور» لكن ثمة شيء يقضمه، فالقناع لم يعد بالملامح فحسب، بل امتد ليسرى فى هويته، ويمزجها بهوية أخرى متسائلًا فى سره حينذاك:
هل سأرتكب حقًا هذه الشخصية الأشكنازية؟!
ويتطور الأمر إلى محاورات داخلية تدور بين «نور» و«أور» القناع ليكشف عن عذابات «نور» الذى لم يجد نفسه أبدًا فى الهوية الزرقاء مهما سهلت له مأموريته فى معرفة الأسرار الآثارية واقتحام المجهول، إنه فى صراع مع هذا الآخر الذى فرض نفسه عليه بهذه الهوية فيصطرعان فى نفس «نور» يقول له «أور»: (لست أنت من أقنع «بريان» بضرورة قبولك بالبعثة الآثارية بل أنا، أنا «أور شابيرا»، ولست أنت، يا، صحيح قل لى ما اسمك؟ من أنت؟!
فيقول «نور»: (وهل مثلك يكترث لأسماء الآخرين من أمثالي؟، أنا اسمى محدد مسبقًا من قبلكم، هكذا قال لى صديقى الذى حددتم أنتم اسمه أيضًا: إرهابى ومخرب، اسم متسلل متواجد بصورة غير شرعية داخل إسرائيل.
فيقول «أور»: لماذا تعقد الأمور؟
سألتك ما اسمك؟
- اسمى أور شابيرا
- أيها الوغد، أتتذاكى عليّ الآن؟
أنسيت أنك أنت الذى اعتديت على هويتى وانتحلتني؟
فيقول نور: أنسيت أنك أنت الذى تعانى من رفاهية الهوية مما جعلك تغفل عن وجودها فى جيب معطفك الجلدي!

مساعدات مصرية فى طريقها للقطاع

- وارتديت معطفى الجلدى أيضًا؟
- بل اقتنيته من سوق الخردوات.
- حسنا ماذا بعد؟
- أنا أسألك ما الذى تريده مني؟ متى ستعتقنى من جنونك؟
- عندما تعتقنى أنت من جنونك.
أزمة حقيقية
وتتسبب هذه الهوية الزرقاء، وهذه الملامح الأشكنازية لنور فى أزمة نفسية حقيقية فهذا المحتل مسموح له بكل شيء فى بلاده، أما هو فلا يمكن أن يحصل على شيء.. أى شيء إلا من خلال هوية «أور»!
وها هو «نور» يلتقى بسماء إسماعيل التي لا يستطيع أن يصارحها بهويته، ويضطر إلى مجاملة «إيالا» لأنها تتمسح فى أشكنازيته المكذوبة.
وسط التوتر والعصبية المتبادلين بين «سماء» و«إيالا»، حاول «نور» فض النزاع بينهما، وكان حوارهما حول موقفهما من الهولوكوست (المحرقة النازية لليهود)، فإذا بالحوار يتجدد بين «نور» و«أور» أيضًا، يقول نور: ما هو موقفى من المحرقة؟
لينبعث (أور) فجأة متسائلًا بهمس:
- ماذا قلت؟
- ما هو موقفى من المحرقة؟
- وهل الموقف من المحرقة بحاجة إلى تساؤل؟!
- أجل
- لماذا؟
- لأننى محروق أنا أيضًا
- إياك أن تقارن مأساتك بمأساتنا، هل تفهم؟



لكن «سماء» وحدها تواجه «إيالا» تقول لها: أليس التطهير العرقى الذى اقترفتموه بحقنا هو «الهولوكست»؟
وهنا يشعر «نور» بشجاعتها، وحاجته إلى الاعتراف لها بهويته الحقيقية فيحدثها بالعربية قائلًا: أنا اسمى نور، نور مهدى الشهدى ولست أور شابيرا.
- صدقينى بإمكانى أن أثبت لك هويتى الحقيقية، أور شابيرا مجرد قناع، مثل هويتك الزرقاء التى تحملينها اقتربت منه بتحد قائلة بصرامة عربية للغاية:
- أيها المغفل، أنا أنتظر عمرًا بأكمله من أجل الخلاص من هذه الهوية، وأما أنت فقد خسرت عمرك كله لترتدى هذا القناع، هذه الهوية التى نكبتنى.
ثم همت بالعودة إلى حجرتها، فوقف فى وجهها فصرخت به بالعبرية:
- ابتعد عن طريقى فأنت إما مجنون، أو مطبع خائن، أو ضابط «شاباك» فاختر لنفسك القناع الذى تشتهيه منهم، هيا ابتعد.
الثورة على القناع
يثور «نور» على قناعه فيقول لصديقه «مراد» السجين فى سجون الاحتلال، والذى اختطفته قوة أمنية إسرائيلية بتهمة مقاومة الاحتلال: (أنا لا أرتدى قناعًا يا مراد، أنا أرتدى مسخًا بل أنا هو المسخ الذى ولد من رحم النكبة، والأزقة، والحيرة والغربة، والصمت، صمت أبى وموت أمى، ومطاردتى فى أزقة المخيم بلقب «السكناجي»، ولدت من رحم التهميش، والتصنيف، وسجنك أنت يا مراد، ولدت من مرآة «أور شابيرا» ومن شركة شكيب قصابى للسياحة والسفر، أنا المسخ يا صديقى، فهل من رحم تلدنى مرة أخرى إنسانًا؟، هل من سماء أتجلى بها نورًا ونارًا؟!
حضور المكان
والمكان حاضر بقوة فى هذه الرواية فالحفرية التى عمل بها «نور» تقع على بعد عدة مئات الأمتار من جنوب غرب «تل مجدو» وهو قرية «اللجون»، والمقام على أنقاضها مستوطنة «مجدو».
ويشير السارد إلى تاريخها (مجدو) فيقول (هى التى باغت فيها تحتمس الثالث أعداءه من جبال الكرمل - غرب مجدو - وانتصر عليهم، وبعد ثلاثة آلاف وخمسمئة عام هزم (أدموند اللنبى) الجنرال البريطانى آخر جيوش العثمانيين بقيادة مصطفى كمال فى الحرب العالمية الأولى، ليلقب اللنبى باسم (لورد ميجدون). إنها (مجدو) الزاخرة بالفراعنة، والأباطرة والملوك، والخلفاء والسلاطين وجيش الإنقاذ العربى، والعصابات الصهيونية.
حتى «نابليون» عندما مر من جانبها قال لجنوده: (جميع جيوش العالم باستطاعتها أن تتدرب على المناورات للمعركة التى ستقع هنا).
وقد كشفت أعمال التنقيب فى تل «مجدو» عن أطلال كنيسة الجليل القديمة، وكنيسة «كفر ناحوم» التى وعظ فيها يسوع، وقد أطلق الألمان العديد من البعثات والمشاريع التنقيبية فى جميع أنحاء فلسطين فى العهد العثمانى.
ومن الممكن أن تكون أعمال التنقيب قد شملت أيضًا موقع قرية «مجدلة»، مسقط رأس مريم المجدلية. رؤية أصيلة
بدأب كان «نور» يجمع مادته عن رواية «المجدلية» ويسجل لبطله الروائى «نسيم شاكر» الفلسطينى كل المعلومات والتفاصيل ليقدم رؤيته الأصيلة لتاريخ بلاده وأماكنها، وقديسيها يعطيه الفرصة ليقول كلمته بعيدًا عن الرؤى الاستشراقية أو الرواية الغربية، لتكون له هذه التفاصيل المهمة التى تصنع تاريخه وهويته، وها هو فى المشهد الأخير للرواية يلتقى بسماء، فيمزق بطاقة الهوية المزورة من جيبه، هوية أور شابيرا، يمزقها بعنف، ويقول لسماء قبل انطلاقهما معًا بسيارتها بكل ما أوتى من صفاء لغته العربية - أنت هويتى ومآلى.
حيث تمثل «سماء» الرمز، رمز الاعتزاز بالهوية العربية الفلسطينية، والإيمان بالحق والأرض، وليقدم لنا باسم خندقجى رواية ناضجة شاهقة مضيئة بلون السماء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.