حبه للفلك بدأ منذ صغره عندما كان يعيش فى محافظة المنيا. كان يصعد فوق «السطوح» مع والدته، ويقرأ مجلته المفضلة تارة وينظر للسماء تارة أخرى. لم تكن هناك كهرباء فى قريته الصغيرة التى كانت تحدها الصحراء من جهة والنيل من الجهة الأخرى.. كانت وسيلته الوحيدة للتسلية إما القراءة أو التأمل فى السماء. جلساته الليلية مع والدته كانت بداية تعلقه بالسماء وعشقه للفلك. وقتها لم يكن يتوقع فى يوم من الأيام أن تختار وكالة ناسا صورته الفلكية كأفضل صورة فى العالم. إنه الدكتور عمرو عبدالوهاب، المصور الفلكى ورئيس جمعية الدكتور مصطفى محمود الفلكية، نتناول تفاصيل تجربته مع النجوم وحكايته مع الفلك. علاقته بمصطفى محمود درس د.عمرو عبدالوهاب علوم الفضاء والفلك بالقاهرة، والتقى بالدكتور مصطفى محمود فى أحد الميادين أثناء صلاة الجمعة، وأخذا يتحدثان عن الجمعية الفلكية وأنشطتها، ومن عجائب القدر أن تقع الجمعية تحت قيادته فى يوم من الأيام. كلنا يعرف عن الدكتور مصطفى محمود الكثير، لكنّ قليلين منا من يعرفون علاقته بعلوم الفلك، فهو أول من أنشأ جمعية فلكية ومتحفًا چيولوچيًا، وأول من اقتنى تليسكوبًا شخصيًا وأهداه للجمعية. كان د.عمرو عبدالوهاب يحضر بنفسه الرصد الفلكى مع الدكتور مصطفى محمود وتعلم منه فلسفة الحياة والتصوف والتواصل الذاتى مع النفس وإدراك أن هذا الكون شاسع جدًا لا يمكن استيعاب ما فيه بالعقل أو العلم ولكن يمكن إدراكه بالروح والتفكر.
سبق أن استضاف «عبدالوهاب» مجموعة من المصورين الفلكيين من ناشيونال جيوجرافيك، وقرروا جميعًا أن يتحدوا بعضهم بعضًا فى التقاط صور مختلفة للسماء من الصحراء البيضاء فى مصر، وبالفعل التقاط هذه الصورة دون تخطيط مسبق، لكن جودة الصور فاقت توقعات د. عبدالوهاب لتصبح حديث العالم كله، لدرجة أن وكالة ناسا بدأت تبحث عن صاحب الصورة، وكانت هذه الصورة هى مفتاح الشهرة وحديث الناس عنه. لكنها ليست المرة الأولى؛ فقد اختارت للدكتور عبدالوهاب ناسا 32 صورة من قبل ضمن مجموعة من أفضل الصور فى العالم ومن ضمنها صورة نادرة لمذنب فوق الهرم. والحقيقة أن رحلته مع التصوير الفضائى بدأت قبل نحو 10 سنوات من البحث فى الصحراء والسير مع النجوم والتغزل فى القمر. وساعده على التقاط هذه الصور النادرة الطبيعة الصحراوية الموجودة فى مصر التى تتميز بالتكوينات الچيولوچية والتاريخية الفريدة من نوعها. نشر د. عمرو عبدالوهاب على حسابه الرسمى عبر الفيس بوك صورًا استثنائية من سماء مصر قائلاً: لم أكن أتخيل جمالها، حينما أضاءت قناديل البحر الأرض، وأضاءت الشهب السماء. وأضاف: «بقالى 5 ليالى بسجل جمال السماء، وفى الليلة التالية لذروة الشهب قررت أصور تايم لابس لحركة المجرة من بحيرة الريان السفلى بالفيوم، فى الليلة الماضية كنت بصور من نفس المنطقة وأخدت بالى إن فى حاجات مضيئة على شط البحيرة، لم أهتم وتخيلتها أنوار الصيادين، إلا أنه فى الليلة التالية قابلت صياد فى البحيرة وسألته عن الأنوار قالى قناديل البحر». تحديات الصحراء استطاع المصور، الدكتور عمرو عبدالوهاب، توثيق العديد من المجرات لأول مرة من سماء مصر، وتمكن من تأسيس مرصدى الواحات والفيوم للتصوير الفلكى بعد أن أصبح التصوير الفلكى شغفًا بالنسبة له. فى أحد أحاديثه لوسائل إعلام عالمية أشار عبدالوهاب إلى تجربته خلال التقاط صورة الصحراء البيضاء، التى تقع داخل الصحراء الغربية، وتمتد على مساحة تزيد على 3 آلاف كيلومتر مربع. الصحراء البيضاء فى الوادى الجديد وتشتهر بمناظرها الطبيعية الفريدة، التى تضم العديد من التكوينات الچيولوچية، وجبال الكوارتز الكريستالية، والحياة البرية، ما يجعلها وجهة مثالية لمحبى الطبيعة والباحثين عن تجارب المغامرة وفقًا لما ذكرته وزارة السياحة والآثار المصرية.
تجاوز الدكتور عبدالوهاب العديد من الصعوبات خلال تواجده فى الصحراء، فذات مرة أصاب سيارته عُطل ولم تكن هناك شبكة إنترنت، والمياه والطعام نفدا، لذلك اضطر للمسير أكثر من 35 كيلو مترًا للاتصال بأحد أصدقائه من البدو، كى يعطيه إحداثيات المكان المتواجد به، حتى تم إنقاذه خلال ساعات. عندما يصل «عبدالوهاب» للصحراء يبدأ فى إعداد المخيم الخاص وتجهيز الطعام، وأحيانًا يكون برفقته أحد البدو الذى يساعده فى هذه المسائل البسيطة، ويظل منتظرًا اللحظة الموعودة، وهى وقت غروب الشمس لاصطياد النجوم، وفى الليل عادة ما تكون المذنبات فريسته. ثم يقوم يتجهز معدات التصوير وينتقل لمرحلة التقاط الصور التى تستمر حتى شروق الشمس، وبعد الشروق يجمع معداته ليعاود الكَرّة الليلة التالية. يختلف التصوير على الأرض عن التصوير فى السماء؛ حيث يتم تصوير أجسام تبعد عنا ملايين السنوات الضوئية، والتقاط صورة بانورامية للسماء تكون فى منتهى الروعة، ولا تقل إبهارًا عن الصورة التى اختارتها ناسا. لكن الأمر الآن صعب والتحدى أكبر؛ لأنك عندما تتذوق لذة النجاح لا تحب أن تخطو خطوة أقل منها، وتظل تعافر للحفاظ على نفس المستوى بل والوصول لأعلى منه. لذلك يقضى د.عبدالوهاب أيامه فى الصحراء بين الرمال والنجوم؛ باحثًا عن ذاته ويجدها فى كل صورة مميزة يلتقطها، حقًا لقد كانت تجربة ممتعة أن يترك الحياة الروتينية الأكاديمية ويتجه لهذا العالم الآخر. المصور الفلكى الدكتور عمرو عبدالوهاب قال ل«صباح الخير»: «إذا قامت إحدى المجلات المتخصصة فى الصور الفلكية وعلوم الفلك والفضاء بنشر صورة لك؛ فإن هذا إنجاز كبير، ولكن أن تقوم وكالة ناسا باختيار صورة لك، فهذا يُعد تتويجًا». وأضاف: «أشعر وكأننى حصلت على جائزة نوبل فى التصوير الفلكى». يسترجع عبدالوهاب بدايات شغفه بالتصوير فى طفولته ويقول: «طوال الليل، كان الكون بمثابة مِلْك لى، أمضى ساعات أتأمل السماء الصافية، التى لم يعكرها التلوث الضوئى، ونجومها المتلألئة، كانت أمّى مصدر إلهامى، دفعتنى تساؤلاتها إلى بذل قصارى جهدى لأجد الإجابة حول كل ما رأيناه معًا فى السماء». ويسعى عبدالوهاب لاستكشاف العجائب الكونية بالسماء وتوثيقها بعدسته، ورصد لحظات قلّما تتكرّر فى العمر. موضحًا: «أحب أن أنقل جمال الكون إلى الناس وأن أثير فضولهم وإعجابهم بما يحيط بنا».