الخبر الذى سيطر على الصفحات الأولى للصحف وتصدر نشرات الأخبار فى الإذاعة والتليفزيون منذ عدة أيام هو «سرقة المتحف البريطانى». لكن العجيب فى الأمر هو أن تفاصيل الخبر تقول إن السرقة حدثت منذ أربع سنوات!
والمسروقات التى لم يعلن المتحف عنها بالتفصيل، كم عددها؟.. ما قيمتها التاريخية والمادية؟.. هى قطع أثرية ومشغولات ومجوهرات من الذهب والمعادن شبه الثمينة تعود إلى حوالى 5 آلاف سنة من التاريخ، وإنها لم تكن معروضة للجمهور بل محفوظة فى مخازن ومتاحة فقط للباحثين المهتمين بالآثار والتاريخ. ولا أحد يعرف سبب الإعلان عن هذه السرقات - فهى لم تحدث فى وقت واحد - الآن، وبشكل مفاجئ، كما لو كانت حدثت فى اليوم السابق.
ريشة: أحمد جعيصة
ودون تحقيق أو استدعاء للبوليس تم فصل أحد قدامى المشرفين على أقسام المتحف الذى يعمل هناك منذ 30 سنة، ويعتبر أحد أبرز المتخصصين فى الحضارة الإغريقية فى العالم. بعدها أصدرت إدارة المتحف بيانًا عن تشكيل لجنة لتحرى ما جرى بالتعاون مع البوليس. معروضات مسروقة! المتحف البريطانى هو أحد أكبر متاحف العالم من حيث الحجم وعدد محتوياته، وهو المتحف الوحيد تقريبًا الذى يجمع آثارًا مهمة وقطعًا تعود لحضارات العالم الأساسية القديمة وأولها الحضارة المصرية، ومحتوياته التى لا تحصى، تحوم حول بعضها شبهات أنها مسروقة أو تم الحصول عليها بطرق غير قانونية.. وهذا المتحف المسمى «البريطانى» لا يضم إلا أقل القليل من محتوياته التى يمكن نسبتها لبريطانيا! فهنا سيشاهد الزائر آثارًا لا مثيل لها تنتمى إلى حضارة مصر القديمة، وحضارات أخرى نشأت فى العراق واليونان والمكسيك.. وغيرها. وهناك أصوات من مصر واليونان ودول أخرى تطالب باستعادة آثارها التى يضمها المتحف رغم علم إدارته بأنها مسروقة أو جاءت بطرق غير شرعية وغير قانونية مثل «حجر رشيد» المصرى الذى من خلاله تمت ترجمة اللغة المصرية القديمة الهيروغليفية والكشف عن ريادة حضارة المصريين. المتحف العريق الذى يضم ثروة هائلة من الآثار والمقتنيات التاريخية والحلى والمجوهرات والتماثيل والمنحوتات وهى كنوز لا تقدر بثمن، ليست لديه خطة محكمة لحماية هذه الكنوز، بدليل أن رئيس مجلس إدارته «جورج أوزبورن» وهو وزير مالية سابق أعلن مع خبر السرقة، أنه سيتم تشكيل لجنة مستقلة تضع نظامًا جديدًا للحراسة وحماية مقتنيات المتحف من السرقة! ويبدو أن إدارة المتحف الحالية أو إداراته المتتالية منذ إنشائه، معتادة على وقوع سرقات فيه دون استعادة المسروقات أو التعرف على اللصوص، فالسجل القريب لوقائع سرقات لمقتنيات المتحف يشير إلى أنه فى السبعينيات من القرن الماضى تمت سرقة بعض العملات والميداليات، وتكرر الأمر مع عملات أثرية رومانية سرقت سنة 1993. وفى سنة 2002 تمت سرقة تمثال إغريقى عمره 2500 سنة، وأقدم على الجريمة واحد من زوار المتحف حيث لم تكن هناك حراسة كافية والتمثال صغير الحجم عبارة عن رأس إنسان (خمس بوصات) مصنوع من المرمر. ولم يعثر عليه من وقتها. وبعد سنتين اختفت 15 قطعة مجوهرات صينية من العصور الوسطى يعود تاريخها إلى ما بين سنة 700 إلى 1400 قبل الميلاد، حيث تمت سرقتها من فاترينة العرض. وفى سنة 2011 تمت سرقة خاتم من مبتكرات «كارتييه» قيمته 750 ألف جنيه، ولم يعثر له على أثر من وقتها. تصدع القصور وقبل أسابيع من الإعلان المفاجئ عن سرقة المتحف التى تجرى منذ سنوات دون إعلان، كانت التقارير الصحفية عن المتحف البريطانى تشير إلى أنه يعانى من عجز الميزانية ويبحث عن متبرعين ورعاة لنشاطاته العديدة بعد أن قلصت الحكومة العون المالى السنوى الذى تقدمه للمتحف، وأشارت تقارير أخرى إلى أن مبانى المتحف العريق الذى يعد أحد أهم رموز الثقافة البريطانية والذى شهدت مكتبته ميلاد كتاب «رأس المال» الذى وضعه كارل ماركس وأصبح أول تنظير للفكر الشيوعى، تعانى هذه المبانى الفخمة التى هى قصور فارهة، من التصدع والرطوبة وتساقط بعض الأسقف.. وفشل الإدارة فى توفير المال اللازم لصيانة هذه المبانى.. حتى إن المدير السابق للمتحف قدم استقالته احتجاجًا.