كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    أيمن يونس عن فوز الأبيض بالكونفدرالية: «الزمالك استعاد هيبته»    الجزيري: نهدي الفوز بالكونفدرالية لجماهير الزمالك    جوميز: أُفضل الفوز بالسوبر الإفريقي بغض النظر عن المنافس    مصدر أمني ينفي مزاعم الجماعة الإرهابية بحدوث سرقات بالمطارات    هيا نقرأ معاً.. قصور الثقافة تشارك معرض زايد لكتب الأطفال بفعاليات وورش إبداعية    الصحة: طبيب الأسرة ركيزة أساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    مستشار اتحاد الصناعات: على الدولة إعادة النظر في دورها من مشغل إلى منظم    تقرير رسمى يرصد 8 إيجابيات لتحرير سعر الصرف    النائب أحمد الشرقاوي: قانون إدارة المنشآت الصحية يحتاج إلى حوار مجتمعي    ارتفاع كبير في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 20 مايو 2024    عواصم دول عربية وأجنبية تتابع بقلق بالغ أنباء حادث تحطم مروحية الرئيس الإيراني    شيخ الأزهر مغردا باللغة الفارسية: خالص تضامننا مع إيران    الشرق الأوسط بات على شفير الهاوية.. ومقاربة واشنطن المضلّلة    باريس سان جيرمان يختتم الدوري الفرنسي بثنائية ميتز.. وبريست يتأهل لأبطال أوروبا    شيخ الأزهر بالفارسية: نتضامن مع إيران وندعو الله أن يحيط الرئيس ومرافقيه بحفظه    الأمم المتحدة: ما يحدث في غزة تطهير عرقي أمام العالم    مصر في 24 ساعة| تطورات حادث سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. والسيسي يهنئ الزمالك بالكونفدرالية    العراق: المفاوضات مع الشركات النفطية الأجنبية بإقليم كردستان لم تحقق أي تقدم    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    فوز الزميلين عبد الوكيل أبو القاسم وأحمد زغلول بعضوية الجمعية العمومية ل روز اليوسف    حسن شحاتة: الزمالك أهدر فرص عديدة والجماهير قدمت المطلوب    جماهير الزمالك تحتفل بالكونفدرالية أمام مقر النادى بالشماريخ    مصدر يكشف موقف الأهلي بعد تشخيص إصابة علي معلول    حسام وإبراهيم حسن يهنئان نادي الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية    المثلوثي: سعيد بالتتويج بالكونفدرالية.. ونعد الجماهير بحصد بطولات أكثر    عيار 21 بعد الارتفاع الأخير.. أسعار الذهب اليوم الإثنين «بيع وشراء» في مصر بالمصنعية (تفاصيل)    مظاهر احتفالات عيد الأضحى بقطر 2024    اليوم.. محاكمة طبيب وآخرين متهمين بإجراء عمليات إجهاض للسيدات في الجيزة    اليوم.. محاكمة 13 متهما بقتل شقيقين بمنطقة بولاق الدكرور    غدا.. أولى جلسات استئناف المتهم المتسبب في وفاة الفنان أشرف عبد الغفور على حكم حبسه    تحذير من التعرض للشمس، حالة الطقس اليوم الإثنين 20-5-2024 في مصر    مسؤول بمبادرة ابدأ: تهيئة مناخ الاستثمار من أهم الأدوار وتسهيل الحصول على التراخيص    مقرر لجنة الاستثمار بالحوار الوطنى: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية    خبيرة ل قصواء الخلالى: نأمل فى أن يكون الاقتصاد المصرى منتجا يقوم على نفسه    حظك اليوم برج الدلو الاثنين 20-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عمر الشناوي: لو تم تجسيد سيرة جدي سيكون الأقرب للشخصية إياد نصار أو باسل خياط    منسق الجالية المصرية في قيرغيزستان يكشف حقيقة هجوم أكثر من 700 شخص على المصريين    راغب علامة يُروج لأحدث أغانيه.. «شو عامل فيي» | فيديو    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    بعد الموافقة عليه.. ما أهداف قانون المنشآت الصحية الذي أقره مجلس النواب؟    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    برلماني: قانون إدارة المنشآت لن يمس حقوق المنتفعين بأحكام «التأمين الصحي»    أتزوج أم أجعل أمى تحج؟.. وعالم بالأوقاف يجيب    طقس سيئ وارتفاع في درجات الحرارة.. بماذا دعا الرسول في الجو الحار؟    وزير الأوقاف: الخطاب الديني ليس بعيدًا عن قضايا المجتمع .. وخطب الجمعة تناولت التنمر وحقوق العمال    متحور كورونا الجديد.. مستشار الرئيس يؤكد: لا مبرر للقلق    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    حكم إعطاء غير المسلم من لحم الأضحية.. الإفتاء توضح    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بؤرة جديدة للموت فى وسط إفريقيا
التنظيم يتمدد ب القارة السمراء
نشر في صباح الخير يوم 02 - 08 - 2023

فى التاسع من مارس من العام الماضى، قُتل أكثر من أربعين شخصاً فى قرية موكوندى بشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال هجوم جديد نفذته «القوات الديمقراطية المتحالفة» التابعة لتنظيم «داعش».
هذا الخبر كان يمكن أن يمر مرور الكرام، أو يتحول إلى مجرد خبر عادى فى نشرات الأخبار، ضمن العديد من الأخبار المتعلقة بجرائم الجماعات الإرهابية، إلا أن أسلوب تنفيذ تلك الجريمة لفت الانتباه إلى ما تقوم به الجماعة التى تمثل أحد أبرز مكونات ولاية وسط أفريقيا التابعة لتنظيم «داعش»، فمنفذو الهجوم لم يستخدموا الرصاص، إنما استعملوا الأسلحة البيضاء (السكاكين والفئوس)، بحسب تأكيدات مسئولين محليين لتنفيذ عمليات القتل بطرق تفوق فى بشاعتها ما كانت ترتكبه عصابات العصور الوسطى!




هذه الجريمة وغيرها لفتت الانتباه بقوة إلى ما بات يعرف ب«ولاية وسط أفريقيا» التى يتصاعد حضورها وسط جماعات إرهابية متنوعة يتمدد انتشارها من شرق القارة الأفريقية إلى غربها بكثافة، لكن قوة العمليات التى تنفذها تلك الجماعة، والعدد الكبير للضحايا، فضلا عن بشاعة أساليب التنفيذ تشير إلى أن ثمة أمرًا مختلفًا يجرى فى تلك المنطقة الحيوية من جسد القارة السمراء، التى تمتد من تشاد مرورا بأفريقيا الوسطى والكاميرون والكونغو والكونغو الديمقراطية والجابون وحتى موزمبيق وأنجولا فى الجنوب.
فى كثير من العمليات الإرهابية التى يجرى تنفيذها فى هذه المنطقة يتردد اسم «القوات الديمقراطية المتحالفة»(ADF)، والتى باتت اليوم رأس حربة حقيقية فى استراتيجية «داعش» للتمدد فى شرق ووسط أفريقيا.
هذه الجماعة المسلحة يرجع تاريخها إلى الحرب الأهلية التى عانت منها المنطقة بعد الاستقلال، وكان مقرها فى الأصل غرب أوغندا؛ ولكنها امتدت إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة، ويتكون أغلب أعضائها من المسيحيين الذين أسلموا، وبالرغم من الهجمات المتعددة عليها، فإنها تمكنت من الاستمرار لأنها حافظت على شبكات التجنيد والتمويل الخاصة بها.
وأعلنت منذ 2017 الولاء ل«داعش»، ورغم أنها لا تمت للديمقراطية بصلة، فضلا عن أن الديمقراطية لا علاقة بها بأدبيات «داعش» فإن الجماعة حافظت على الاسم القديم لها حتى بعد مبايعة التنظيم، لكن بعض قيادات التنظيم أطلقت عليها اسما جديدا هو «مدينة التوحيد والمجاهدين»، بينما تفضل الآلة الإعلامية الداعشية استخدام تعبير «ولاية وسط أفريقيا» التى تضم عدة جماعات محلية.




رأس الحربة
ويعتقد على نطاق واسع أن تلك الجماعة عانت من نقص واضح فى التمويل، إلا أنها وجدت ضالتها فى تنظيم «داعش» الذى استطاع أن يستولى على العديد من المناطق فى العراق وسوريا، وكانت لديه وفرة مالية مكنته من تجنيد واستقطاب العديد من الجماعات الصغيرة الباحثة عن التمويل.
وعبر الكينى وليد أحمد زين، استطاع «داعش» التواصل مع «القوات الديمقراطية المتحالفة»، وقدم لها الدعم والتمويل، وكان ذلك ربما سببا رئيسيا فى أن يستخدم زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادى لأول مرة تعبير «ولاية وسط إفريقيا» فى خطاب ألقاه فى أغسطس 2018، مما يشير إلى أن هذا الفرع بات موجودًا بالفعل على الأرض، ولاحقا أعلنت ولاية «وسط أفريقيا» الولاء لزعيم التنظيم الجديد، أبو إبراهيم الهاشمى القرشى، فى 7 نوفمبر 2019.
كما سعت العديد من التنظيمات الإرهابية الأصغر، التى حاولت البحث عن الدعم اللوجيستى والتدريبى، فضلا عن استغلال الدعاية التى يوفرها «داعش»، ومن ثم بدأت موجة من المبايعات فى أوساط تنظيمات صغيرة، كان منها حركة الشباب الموزمبيقية، التى تعرف محلياً باسم «أنصار السنة والجماعة»، التى باتت بفعل التمويل والدعم اللوجيستى تلعب دورًا مهما فى ولاية «داعش» بوسط أفريقيا.
ومع توالى عمليات «داعش» فى وسط أفريقيا، بدأت أخبار تلك المنطقة تصبح جزءًا مهما فى منظومة الآلة الإعلامية الداعشية مثل وكالة أعماق، ووكالة ناشير، ونشرة النبأ، وكان لافتا تركيز عناصر التنظيم فى وسط أفريقيا على تنفيذ الاستراتيجية التى تبناها «داعش» وحاول تطبيقها فى الكثير من المناطق التى تواجد فيها، وهى ضرب قدرات الجيوش الوطنية، واستهداف غير المسلمين لاستقطاب العناصر المتطرفة وتجنيدها فى صفوفه، بإظهار نفسه يقود حربا دينية بالأساس.



وهكذا انطلقت عمليات «ولاية وسط أفريقيا» بهجمات مكثفة ومتكررة على القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتحديدا فى قرية كامانغو والقاعدة العسكرية فى بوفاتا بالقرب من الحدود مع أوغندا.
كما شن عناصر التنظيم العديد من الهجمات على الجيش الموزمبيقى، وحققوا انتصارا لافتا فى يونيو 2020، بالسيطرة على مدينة «موزيمبوا دا برايا» الموزمبيقية لفترة قصيرة، مما تسبب فى فرار العديد من السكان المحليين، وأعلن «داعش» هناك تأسيس ولاية له ورفع أعلامه على المنطقة، وأعلن تلك المدينة عاصمة ل«ولاية وسط أفريقيا فى موزمبيق»، وبدأت وسائل الإعلام الداعشية تتباهى بهزيمتها لقوات «الجيش الصليبى الموزمبيقي» و«مرتزقة جهاز المخابرات الروسى الصليبي» فى إشارة إلى عناصر مجموعة «فاجنر» التى استعان بها الجيش الموزمبيقى.



إلا أن سيطرة «داعش» على تلك البلدة لم تدم طويلا، إذ أرسلت جنوب أفريقيا قوات خاصة لمساعدة قوات الأمن الموزمبيقية فى استعادة الأراضى التى هيمنت عليها «ولاية وسط أفريقيا»، وبالفعل نجحت فى تحريرها بعد فترة قصيرة.
اختيار المكان
فى اجتماع وزراء التحالف الدولى لمحاربة «داعش»، الذى عقد مؤخرا فى العاصمة السعودية الرياض, حمل البيان الصادر عن وزراء خارجية التحالف تحذيرا واضحا من أن تمدد التنظيم فى أفريقيا جنوب الصحراء من شرقها إلى وسطها وجنوبها ثم غربها عبر ظهور فروع جديدة ل«داعش»، ينذر بأن الهدوء النسبى الذى صاحب الفترة الماضية كان لإعادة تموضع هذه الجماعات.
وقبل مقتله بأشهر قليلة دعا أبو بكر البغدادى فى تعليقه على سقوط نظام الرئيس السودانى عمر البشير فى أبريل (نيسان) 2019 لفتح جبهة جديدة لإقامة «ولاية السودان»، تبعها إعلام التنظيم الذى يدعو إلى تنفيذ المخطط، وعندما اندلعت الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع راهن «داعش» على الفوضى الناتجة من تفكك الدولة، وبات الواقع الذى يجسده السودان يعكس الظروف المثالية التى يبحث عنها التنظيم للتمدد فى أية منطقة، ويجدها متوافرة فى القارة الأفريقية، أو فى أى من دولها.
أخطر ما تعانيه تلك المنطقة هو تفكك الدول، وغياب سيطرة مؤسسات الدولة المركزية، فضلا عن هشاشة القدرات الأمنية والعسكرية، الأمر الذى يفسح المجال أمام عناصر أى تنظيم إرهابى كى تتمدد وتنفذ عملياتها دون وجود رادع يواجهها.
الأمر الآخر الذى يسهل من مهمة تمدد «داعش» فى الوسط الأفريقى هو تلك الطبيعة المفتتة للمجتمع لأسباب عرقية أو قبلية أو طائفية، وهو ما يتيح للتنظيمات الإرهابية أن تتحرك فى أوساط تلك المجتمعات، واللعب على تلك التباينات لصناعة الحلفاء وتجنيد العناصر الموالية، وبالتالى تجد حاضنة شعبية تبدو كأساس لازم لبناء قواعد طويلة الأمد للتنظيم فى تلك المناطق.
العنصر الثالث الذى يوفر لتنظيم مثل «داعش» الفرصة للتمدد فى وسط أفريقيا، هو كثرة التحولات السياسية فى الدول التى يستهدفها، فمن ينظر إلى طبيعة التحولات التى تشهدها دول مثل تشاد وأفريقيا الوسطى خلال السنوات الأخيرة يدرك أن التحولات والتغيرات السريعة والانقلابات المتكررة فى بنية النظام السياسى، تمثل ثغرة حقيقية فى قدرات الدولة على حشد الجهود الأمنية والعسكرية، فضلا عن توحيد الجبهة الشعبية الداخلية لمحاربة الإرهاب، وبالتالى تجد التنظيمات الإرهابية وفى مقدمتها «داعش» الذى بات يتمتع بخبرات وقدرات واسعة على التحرك فى المجتمعات المفككة والمأزومة سياسا وأمنيا، فرصة مثالية للوجود والبقاء.
الفقر وتراجع مستويات المعيشة، سواء بسبب الظروف السياسية والنزاعات المسلحة بين الدولة وبين الجماعات المتمردة أو بين القبائل والعشائر بعضها البعض، أو حتى نتيجة الظروف البيئية والطبيعية جراء تفشى موجات الجفاف والنزوح من المناطق التى تعانى التصحر إلى تخوم المدن والمناطق الأكثر قابلية للعيش، كلها عوامل توفر لتنظيم مثل «داعش» بيئة مناسبة لتجنيد واستقطاب العناصر الموالية، والتى ربما لا تنتمى للتنظيم بدافع الأيديولوجيا، أو الولاء الفكرى، بل رغبة فى الحصول على فرصة للحصول على دخل، حتى ولو كان من تنظيم إرهابى، فالموت فى كل الحالات هو الخيار المتاح!
كما أن الطبيعة الجغرافية التى تتسم بها دول وسط أفريقيا تبدو كذلك عنصر جذب لتمدد «داعش» فيها، فهى تجمع بين الحدود التى تعانى من تراجع قدرات تلك الدول على ضبطها، وهو ما يمكّن التنظيم من تهريب الأسلحة والعناصر عبر الحدود، خاصة من الشرق الإفريقى المفتوح على البحر الأحمر والمحيط الهندى، وبين الغرب الأفريقى الذى يتحول تدريجيا إلى أخطر ساحة لتحرك التنظيمات الإرهابية من مختلف الأنواع والانتماءات، فضلا عن ضعف سيطرة القوى الأمنية على جميع المناطق داخل تلك الدول، لا سيما ذات الطبيعة الجغرافية الوعرة كالصحارى والأحراش، وهو ما يوفر ملاذات آمنة لعناصر التنظيم فى التدريب وإخفاء العناصر والأسلحة، والتحصن من الهجمات.




ويمكن أن نضيف إلى الأسباب الداعية إلى تمدد «داعش» فى وسط أفريقيا، ذلك العجز الظاهر للبعثات الأممية والعمليات التى تقودها دول غربية لمكافحة الإرهاب، فتلك البعثات الأمنية التى ينفق عليها ملايين وربما مليارات الدولارات لم تحقق إنجازا يذكر فى مواجهة المتمردين والتنظيمات الإرهابية، بل تحولت فى كثير من الأحيان إلى أداة لدعم أنظمة سياسية موالية لدول بعينها، وتوفير الحماية من المناوئين لتلك الأنظمة، بينما لم تكن مكافحة الإرهاب هى الأولوية الأولى كما تزعم تلك البعثات. اللافت أن وجود تلك البعثات الأممية والغربية بشكل عام كما هو الحال فى تشاد وموزمبيق وأفريقيا الوسطى، تحول إلى أحد الدوافع التى يبرر بها «داعش» وجوده فى تلك المناطق، فاستراتيجية الدعاية الداعشية تصف تلك البعثات باعتبارها «حملات صليبية»، وتركز على وجوب الحرب الدينية لطردهم، وهو ما يلقى قبولا وتجاوبا لدى العديد من العناصر المتحمسة، وغالبا من الشباب الذى لا تتوافر لديه الدراية السياسية الكافية لفهم خريطة الصراعات فى منطقته، فضلا عن التأثير السلبى لطبيعة الحياة الاقتصادية والممارسات السياسية للأنظمة المدعومة غربيا. إمبراطورية اقتصادية لا تتوافر بطبيعة الحال إحصاءات دقيقة حول أعداد العناصر التى تنتمى لتنظيم «داعش» فى وسط أفريقيا، لكن من الواضح أن أعدادا متزايدة، خاصة من القيادات والعناصر ذات الخبرة فى عمليات التفخيخ وصناعة المتفجرات وإدارة حرب العصابات، قد هربت إلى المنطقة بعد انهيار قدرات التنظيم فى منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن الاغتيالات المتوالية لثلاثة من زعماء التنظيم، فى إطار استراتيجية «قطع الرؤوس» التى اتبعها التحالف الدولى لمكافحة «داعش» بهدف تفكيك التنظيم وإشاعة صراعات الزعامة بين قياداته، لكن الواضح أن انتقال بعض قيادات الصف الثانى لمناطق بعيدة عن مسرح عمليات التحالف، ومن بينها وسط أفريقيا، مكنها من إعادة التموضع وبناء ملاذات جديدة للتنظيم. كما وفرت سيطرة «داعش» على مدينة «موزيمبوا دا برايا» الموزمبيقية، قدرات واضحة للتنظيم فى المنطقة، عبر تزويد ولاية وسط أفريقيا بإيرادات ثابتة، حيث كانت المجموعة قادرة على فرض ضرائب على التجارة المحلية فى المعادن والمخدرات، إذ تحولت المدينة تحت سيطرة التنظيم لمركز رئيسى لتهريب المخدرات. كما استفاد التنظيم من انتشار عمليات التعدين غير الشرعية فى المعادن الثمينة كالذهب، إذ تدر هذه التجارة فى وسط أفريقيا ربحا وفيرا على التنظيمات والميليشيات المتمردة، وتحرم فى الوقت ذاته الدولة من موارد كبيرة، وبالفعل تشير العديد من التقارير إلى وجود العديد من موارد الذهب والتعدين غير الشرعى، التى مثلت أداة لتمويل تجنيد العناصر، وشراء الأسلحة والإنفاق على معسكرات التدريب والعمليات الانتحارية. ومع تعدد الجماعات التى باتت تبايع «داعش» فى وسط أفريقيا، تنوعت التكتيكات المستخدمة فى نشر أعمال العنف والإرهاب، ومن بين أبرزها توظيف العنف العرقى ومنحه بعدا دينيا، فبينما كان فرع ولاية وسط أفريقيا الموزمبيقى يتراجع، كان الموالون لداعش الكونغوليون يوسعون منطقة عملياتهم بالتورط فى النزاعات المحلية التى يغلب عليها الصراع بين عرقية «الهوتو» ضد الجماعات العرقية المحلية الأخرى، ما تسبب فى إعلان بعض القرى الولاء للدولة الإسلامية، للاستقواء بهم فى الصراع العرقى المحتدم، وبدأت فى تلك القرىعمليات تحويل السكان المحليين إلى الإسلام، لضمان التجنيد الدائم للعناصر، وتحويل الصراع من نزاع عرقى إلى صراع دينى. العنصر الثانى فى تكتيكات «داعش» التى تتوسع «ولاية وسط أفريقيا» فى تنفيذها، بسبب الوضع الدينى والطائفى فى المنطقة هو تكثيف الهجمات على المسيحيين، وارتكاب جرائم القتل والترويع بطرق تمعن فى البشاعة، من أجل ترهيب السكان المحليين، وفى سبيل تحقيق هذا الهدف، ارتكب عناصر التنظيم عشرات الجرائم، ربما من بين أشهرها ما وقع مطلع العام الحالى، بالهجوم على كنيسة فى الكونغو الديمقراطية وأعلنت ولاية «داعش» وسط وشرق أفريقيا تبنيها له. وخلال العام الأخير، ركزت عناصر «داعش» بالكونغو على استهداف المدنيين مقارنة بالقوات العسكرية، ونفذ التنظيم منذ مطلع العام الحالى 17 عملية استهدفت المدنيين المسيحيين فى المنطقة، مقابل 9 عمليات استهدفت القوات العسكرية. كما تتوسع «ولاية وسط أفريقيا» فى استخدام العمليات الانتحارية كأداة فعالة لتحقيق مبدأ المباغتة ونشر الرعب، لا سيما عند الهجوم على مناطق تمركز القوات المسلحة، والقواعد العسكرية التى لا تتوافر بها تحصينات كافية لصد المهاجمين، وهو تكتيك استخدمته العناصر الداعشية فى أكثر من مسرح لعملياتها وحقق نتائج كبيرة فى العراق وسوريا. واستطاع تنظيم داعش فى جمهورية الكونغو الديمقراطية أن يصنع دعاية مكثفة لنفسه عبر تنفيذ أول هجوم معروف له فى جوما، عاصمة إقليم شمال كيفو، عندما شن هجوما انتحاريا على معسكر للجيش داخل جوما، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص على الأقل،وبينما قلل المسئولون الكونغوليون فى البداية من أهمية الهجوم وألقوا باللوم فيه على قنبلة يدوية خاطئة، كشفت التحقيقات أن الانفجار كان بالفعل نتيجة عبوة ناسفة ارتدتها انتحارية، وهى من المرات القليلة التى يستخدم فيها العنصر النسائى فى تلك المنطقة لتنفيذ عمليات انتحارية، الأمر الذى كان له تأثير دعائى كبير، بعدها نفذ التنظيم العديد من العمليات الانتحارية، وبأسلوب يكشف وجود خبرات فى تنفيذ هذا النوع من العمليات، وهو ما يزيد الاعتقاد بأن انتقال عناصر قيادية من التنظيم من الشرق الأوسط كان وراء ذلك التحول اللافت. ومن التكتيكات التى يستخدمها «داعش» فى وسط أفريقيا، وتؤكد انتقال خبرات التنظيم من الشرق الأوسط، هو ذلك الاستخدام المكثف لشبكة الإنترنت لبث عمليات التنظيم، ونشر حالة من الرعب والهلع التى تمثل جزءا من الحرب النفسية التى يستخدمها التنظيم بقوة لإضعاف الروح المعنوية فى صفوف القوات المسلحة التى تتصدى له، أو بث الذعر فى أوساط المدنيين فيخلون مساحات واسعة أو يدفعون ما يطلبه من «إتاوات» فى المناطق التى ينشط بها، أو يرهب السكان المحليين من التعاون مع السلطات الرسمية للدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.