تخاريف الاتصال بالسماء وتلقى رسالات ظاهرة فى جميع المجتمعات والديانات، وقف خلفها أحيانًا الطمع السياسى وأحيانًا رغبات التسيُّد الاجتماعى وكسب الولاء المطلق وكثيرًا الجنون. شهدت أوروبا كثيرًا من تلك الخرافات، ومنذ التسعينيات إلى الآن تظهر جماعات متطرفة تختلط توجهاتها بين العنصرية والدينية والسياسية، مستغلين كثيرًا من الأحيان وسائل الإرهاب المختلفة. وتبين حكايات ضحايا تلك الطوائف مدى بشاعة الهوس والاستغلال الجنسى والعنف المفرط لدى تلك الطوائف، وحسب خبراء فإن أكثر ما ساعد على انتشار أفكار هذه الطوائف غياب القوانين فى أوروبا التى تجرم انتشارها.
شعار الماسونية
أواخر التسعينيات، صدمت العالم قصة انتحار «جون تاون» الجماعى فى معبد الشمس، وصولاً لتفاصيل حكاية المشعوذ الداودى ديفيد كوريش فى واكو بالولاياتالمتحدة أوائل التسعينيات، والذى قتل مع أتباعه. على الرغم من كثرة البلاوى وتعدد حالات الانتحار والاغتصاب والعنف، لا تزال تلك الطوائف تحصد اهتمامًا فى بعض الأوساط فى قطاعات كبرى خصوصًا فى الولاياتالمتحدة. فى التسعينيات وفى أحد البرامج الوثائقية وبردود أفعال كبرى داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا، ظهر شخص لقَّب نفسه بشامان قال إنه يتلقى قدرات خاصة من السماء تمكنه من علاج التوتر وقيمة الجلسة 1000 دولار وفجَّر مفاجأة بادعائه علاقة وطيدة بابنة ملك النرويج التى تمتلك جمعية للاتصال بالملائكة!.
صخرة وحريمه
عودة بالتاريخ، خلال واحدة من أعنف الحروب الأهلية فى الصين ما بين عامى 1850 و1864 ظهر «هونج إكسيوكوان» مقدمًا نفسه للناس فى بلدته بأنه شقيق السيد المسيح، وأصبح له آلاف من الأتباع فى «شنجهاي» لتشهد المدينة إثر دعوته حربًا دامية بين أتباعه وأعدائه وسُفكت دماء الأطفال والنساء بالشوارع إلى أن سيطرت السلطات المحلية على المعركة! من الصين للولايات المتحدة، بالتحديد عام 1964 ظهر «جيم جيمس وارين جونز» الذى ادعى نبوته هو الآخر وتنبأ بأن العالم سوف يشتعل بحرب نووية ما جعل الكثير يصدقونه ويرحلون معه إلى شمال كاليفورنيا، وبعد تضييق الخناق عليه وعلى جماعته فى عام 1978، أقنعهم بضرورة تناول السم، وصولاً إلى عالم السلام فى السماء، وبالفعل انتحر أكثر 913 شخصًا.
المورمون والنساء قصة وارين جيفز لا تزال هى الأكثر تأثيرًا فى الرأى العام الأمريكى منذ الثمانينيات للآن، فقد أعلن وارين جيفز نفسه رسولًا لطائفة المورمون، وزعيمًا لجماعة «قديسي الأيام الأخيرة» وقاده هوسه العقلى والجنسى إلى حوادث رجت المجتمع بالاعتداء على الأطفال! كان لجيفز 78 زوجة يقال إن منهن 29 تزوجن بأبيه قبله، رولن جيفز ومنهن شقيقات، و24 منهن 17 عامًا ووصلت المأساة إلى استخدم زوجاته فى استدراج زميلاتهن لتحقيق نزوته برغم أن ذلك سيكون إرضاءً لله! وكشفت الصحف الأمريكية مساعدة بعض زوجاته فى وقائع الشذوذ الجنسى مع الأطفال، وحسب التحقيقات التى جرت فيما بعد استغلال جيفز براءة الفتيات الصغيرات وأجبرهن على عبادته، منصبًا نفسه أمامهن إلهًا، واشتهرت وقتها صورة تجمعه مع 50 فتاة فى سن المراهقة يرتدين زيًا موحدًا وبقصة شعر واحدة فى جلسة «تعبد» فى خشوع تام. بعض القبض عليه واجه جيفز أحكامًا بالسجن مدى الحياة بتهم الاعتداء الجنسى على القُصَّر، كما حُكِم عليه ب20 عامًا أخرى وغرامة قدرها 10 آلاف دولار لما ارتكبه من حالات اعتداء جنسى وتحرش وهتك عرض أخريات. فى المحكمة تولى جيفز الدفاع عن نفسه، قبل أن ينسحب من المحاكمة احتجاجًا على قراءة لائحة اتهاماته، وهدد بحدوث عاصفة فى المحكمة إذا لم يُفرج عن «خادم الله»!
مارشال أبلوايت زعيم عبادة بوابة السماء - روتش ثيريولت
من خرافات جيفز أنه لقَّب بعض أفراد جماعته ب«حاملى البذور» وقال إن هؤلاء ليسوا بشر لأنهم من نسل إلهى وهى السلالة التى منحها الحق فى اغتصاب النساء، ومنع الرجال من الإنجاب من زوجاتهم وكان على الزوج فقط إمساك يد زوجته خلال إخصاب أحد حامل البذور لها! الغريب أن جيفز جمع ممتلكات وكون ثروة زادت قيمتها على 100 مليون دولار. والمورمونية حركة منبثقة من حركة «قديسى الأيام الأخيرة»، ظهرت فى أمريكا بداية عام 1820 على يد جوزيف سميث، الذى أنكر حقائق المسيحية، وادعى أن وحيًا من السماء أتاه وأخبره أنه رسول للقارة الأمريكية لتأسيس الكنيسة «الحقيقة»، وسميت باسم مورمون الذى زعم تواصله مع الملائكة. نشأ سميث فى عائلة اشتهرت بالرذائل والإباحية، وبعد حياة صاخبة اغتيل سميث 1844 برفقة أخيه هاروم على أيدى ملثمين مجهولين، خلال جلسات محاكمته بتهمة الخيانة العظمى ومحاولة تأسيس دولة منفصلة للمورمون! تشابه كبير بين حركات المرمون وحركة الماسون الشهيرة، فى أشكال التعبير والأفكار وفى الرموز والمفردات. ويعتقد المورمون أن السيد المسيح عليه السلام حينما يعود إلى الأرض سينشئ مدينتين كمقر رئيسى له، الأولى فى أورشليم، والأخرى فى ميسورى، فى أمريكا، وفى ميسورى سيدير شئون مملكته الروحية، فيجمع شمل اليهود من جميع أنحاء العالم ثم يصنفهم كل سبط مع أقاربه.
جماعة المارمونية
وتعاظم نفوذ المورمون فى الولاياتالمتحدة وسبق أن ترشح أحدهم لرئاسة البيت الأبيض. «بوابة السماء» أشهر وأخطر جماعات «الهوس السمائي» كما يطلق عليهم الشارع الأمريكى كانت الجماعة التى أسسها المارشال هرف أبلوايت جونيور، المعروف أيضًا باسم «دو»، عام 1974، وهو الذى نظم أيضًا عملية انتحار جماعى لعدد من أفراد طائفته عام 1997، أودى بحياة 39 شخصًا. وكان أبلوايت ابنا لوزير وجندى سابق، وفى بداية السبعينيات بدأ مارشال خرافاته بقوله عددا من النبوءات التوراتية الجديدة، وجند 100 شخص وأقنعهم بأن هناك سفينة فضائية قادمة لإنقاذهم، وأنهم هم المختارون للبعث والحياة الجديدة بالكامل بعد فناء الأرض، بعدما أكد قرب نهاية العالم ثم اختار الانتحار الجماعى باعتباره الطريقة الوحيدة لإخلاء الأرض. وادعى مارشال ومساعدته الممرضة بونى بأنهما المذكوران فى الإنجيل، وأنهما سيقومان بحماية الأرواح بعد نهاية الأرض عام 2027! وزعم مارشال أنه من عائلة سيدنا عيسى عليه السلام، وأنه المختار، ومتحدث باسم المسيح وهو نائبه على الأرض، وأن روح السيد المسيح حلت بجسده. عام 1996، أقنع مارشال 38 عضوًا من الطائفة بالتحضير للانتحار الروحانى، وقام بخلط عقار الفينوباربيتال (دواء يستخدم لعلاج الصرع) بصلصة التفاح والبودينج، بجرعات عالية، وارتدوا ملابس سوداء، ومات الجميع ومعهم مارشال، وفى جيب كل منهم خمسة دولارات المبلغ الذى يجب دفعه لركوب المذنب ودخول الجنة! مدعى النبوة ديفيد كوريش
الفرع الداوودي أشهر تلك الطوائف، جماعة الديفديين «الفرع الداوودي»، التى ذاع صيتها فى أوروبا فى السبعينيات وكان قائدها ديفيد كوريش، والذى زعم أنه النبى الأخير على الأرض. نسبت الجماعة نفسها إلى داوود النبى عليه السلام، واختار زعيم الطائفة لنفسه اسم كوريش، مع أنه اسمه الحقيقى كان «فيرمون دانهول»، لأن كوريش هو اسم الملك الفارسى الذى أعاد اليهود من السبى، وزعم كوريش أنه سيحكم العالم لمدة ألف عام. بداية «الديفديين» تعود لعام 1835 حيث كونها مهاجر بلغارى يدعى فيكتور هاتف. كان فيكتور مديرًا لمدارس الكنيسة فى لوس أنجلوس قبل أن ينذر نفسه للإعداد لخروج المسيح فكون الجماعة، وطردته الكنيسة، فأسس طائفة الداووديين أو الديفديين، ووعد أتباعه بالانتقال إلى فلسطين ليكونوا طلائع جنود المسيح عندما ينزل مع قدوم الألفية الجديدة. وامتدت الديفديين من أمريكا لبريطانيا وأستراليا، وأسست فرعًا فى إسرائيل، ثم تولى قيادتها بن رودن وزوجته لويس، وزعما أن الروح القدس ستعود فى صورة امرأة. واختص كوريش لنفسه حق السماح لأعضاء الطائفة بالتكاثر، وأجبر بقية الرجال على التبتل، وكان يعطى نجمة داود بلاستيكية للفتيات اللاتى يرغب فيهن وتزوج 19 منهن قاصرت وأنجب أطفالاً كثيرين بتوجيهات من وحى من السماء. وانتهى الأمر بكوريش بالسجن بعد أن ألقى القبض عليه مكتب التحقيقات الفيدرالى، واحترقت مزرعة الفرع الداوودى بتكساس. الحقيقة المطلقة بدأت هذه الطائفة المهووسة نشاطها فى اليابان فى الثمانينيات باعتبارها جماعة روحية معتقداتها من خليط من الهندوسية والبوذية، وأضافت إليها لاحقا عناصر من المسيحية. وادعى مؤسسها «أساهارا شوكو» بعد فترة أنه المسيح، كما قال أنه يتجسد فيه إله هندوسي. ونجح أساهارا فى تأسيس فرع لطائفة أوم فى موسكو، مقابل دعمه لنائب رئيس الوزراء الروسى حينها أوليغ لوبوف، وعرضت محطات الراديو الروسية الفدرالية برنامجا يوميا لأساهارا فى التاسعة مساءً فى الفترة بين عامى 1992 و1994. عام 1995 نفذت طائفة أوم هجومًا كيميائيًا فى مترو أنفاق طوكيو باستخدام غاز السارين، أدت إلى مقتل 12 وإصابة الآلاف، ما تسبب فى اعتقال زعيم الطائفة والعشرات من أتباعه. حكم بالإعدام عام 2006 على أساهارا شوكو بعد محاكمة طويلة دامت عشر سنوات. أما طائفة «روتش ثيريولت» فكانت من أكثر الطوائف وحشية ودموية، بثت الرعب فى أوروبا لمدة طويلة. بدايتها فى كندا، مع روتش ثيريولت الذى لقب نفسه ب«موسى» وادعى أنه نبى كلفه الله بالهروب مع جميع أتباعه من نهاية العالم وقضى 12 عامًا يدرس العهد القديم لإتمام تلك المهمة المقدسة. عام 1979 كانت هلاوس ثيريولت قد تصاعدت تحدث شخصيًا مع الله ليعطى فرصة ثانية للخطاة. انتهى ثيريولت فى بدايات حياته للسبتيين، وهى طائفة لها قواعد صارمة منها تحريم العقاقير الطبية، والكحول والأطعمة المصنعة، ويرتدون ملابس كتان، ويحظر عليهم الاستحمام ويمنع النساء من قص شعرهن، ويطلق رجالهم لحاهم ويقال أنهم ممنوعون من الضحك وتناول الطعام من غير موعد محدد. تنبأ ثيريولت نبوءات مرعبة، وقال موقع عواصف مميتة سوف نضرب العام 1985 وموت أعداد لا تحصى من البشر، كما تنبأ بقيادة المسيح الدجال لجيوش العالم. ولما تعالت الهلاوس، قال ثيريولت أنه سوف يستولى على عرش إدارة الكون، وأنه يمكن أن يمنح من تروقه من النساء بذرة النسبة المقدسة! كشفت التحقيقات فيما بعد أن تلك الطائفة حبذت عددًا كبيرًا من الأطفال سموا «الأنت هيل» يعملون كعبيد لسادة الطائفة فى المزارع من شروق الشمس حتى غروبها بلا راحة، وكانوا يقطعون أذرع وأرجل من يحاول الهروب! وانتهت حكاية ثيريولت بالقبض عليه، وحُكم عليه بالسجن المؤبد فى سجن مشدد وفى 2011، قُتل ثيريولت بيد سجين كان من أتباعه فانتقم من ثيريولت وقطع حنجرته، فيما ظل كثيرًا من أتباعه وعلى اعتقادهم بأنه طريقهم للجنة!!