البدانة.. أو السمنة.. أو الوزن الزائد..كلها تسميات لمشكلة صحية واجتماعية تعانى منها بلدان كثيرة هذه الأيام، ولها أسباب مختلفة، وأساليب التعامل معها أيضًا مختلفة، من بلد لبلد ومن ثقافة لثقافة، ففى زمن ولىّ، كانت السمنة، خاصة بين النساء، موضة!.. لكن التقدم فى الطب والعلاج وتطور المجتمعات الحديثة لم يعد يمرر هذه النظرة العتيقة للسمنة كمظهر لجمال المرأة.. ودليل على تمتعها بالخيرات والثراء والبغددة والانتساب لطبقة أعلى. تغيرت الدنيا، وأصبح الوزن الزائد مشكلة صحية واجتماعية، وأخيرًا قرر علماء بريطانيا التعامل مع الأمر بطريقة تعتمد أسلوب المواجهة المباشرة بعدما تفاقم الوضع وأصبح ما يعادل ربع السكان تقريبًا يعانى من البدانة الزائدة.. وأعلنوا الحرب على هذه الظاهرة بداية من التعامل معها رسميّا بتوصيفها ك«مرض مزمن». السمنة مرض.. هكذا أعلن خبراء وعلماء وأطباء كبار فى بريطانيا. وطالبت الكلية الملكية البريطانية للأطباء، الحكومة وهيئة التأمين الصحى باعتبار البدانة مرضًا مزمنًا، حتى يمكن وضع سياسة صحية رسمية لتطوير الخدمة الخاصة بمعالجة هذا المرض فى المستشفيات وعيادات الأطباء. وأوضحت أن البدانة ليست اختيارًا شخصيّا للأفراد، لكنها مرض ناتج عن عدم التوازن الصحى والعوامل الوراثية والجينية وأيضًا العوامل والمؤثرات الاجتماعية. •نظرة غير دقيقة ويرى البروفيسور جون ويلدينج، أستاذ الطب فى معهد أمراض الشيخوخة فى جامعة ليفربول، فى مقال كتبه بمشاركة «فيكى مونى» مديرة «التحالف الأوروبى لمن يعانون البدانة» أن النظرة إلى الوزن الزائد باعتباره أمرًا يتعلق بالشخص نفسه، وأنه هو المسئول عن التصرف بطريقة أو أخرى للتخلص من هذه الحالة، هى نظرة غير دقيقة، وتشجع على إهمال المسألة بوجه عام. والأسلوب الصحيح لمواجهة هذه المشكلة الخطيرة هو إعلانها «كمرض مزمن».. وباء، وذلك حتى نشجع هؤلاء البدناء على طلب العلاج. كما يرى الدكتور ويليدينج، الرئيس المنتخب للمنظمة العالمية لمكافحة البدانة. فالأمراض الناتجة عن زيادة الوزن لدى الإنسان مثل السكرى (النوع الثانى) وارتفاع ضغط الدم وبعض أنواع مرض السرطان، تؤكد ضرورة إعلان «البدانة» بوصفها مرضًا. لكن.. ما هى البدانة؟ لو رجعنا لتوصيف منظمة الصحة العالمية للبدانة أو الوزن الزائد أو السمنة المفرطة، سنجدها تقول إنها حالة التراكم غير الطبيعية والمفرطة للدهون فى الجسم بما يهدد الصحة. وهناك مقياس يحدد المرحلة التى يدخل فيها الجسم منطقة الخطر عند زيادة وزنه عن المعدل الطبيعى. وهو وزن جسم الإنسان بالكيلو جرامات وقسمته على مقياس طوله بالسنتيمترات، فإذا قل الفارق عن 30 يعتبر الشخص زائدًا فى الوزن دون مخاطر مرضية، أما إذا زاد الفارق عن 30 فإنه يعتبر بدينًا، أى زائد الوزن بإفراط يقتضى العلاج. والوزن المفرط فى الزيادة يفتح المجال لعدد من الأمراض الخطيرة بما فيها السكرى والأمراض القلبية والسرطان. والمشكلة عالمية فمعدل السمنة مستمر فى الارتفاع حول العالم منذ عام 1980 ويتضاعف انتشارها فى 70 دولة وأمريكا على رأس القائمة، بينما تحتل مصر المركز الأول فى انتشار السمنة بين البالغين، حيث تصل النسبة إلى 35 % وبلغ عدد المصابين بالسمنة فى الصين مثلًا أكثر من 15 مليون إنسان، ومثلهم تقريبًا فى الهند التى تحتل المركز الأول فى نسبة سمنة الأطفال على مستوى العالم. •واحد أو واحدة من كل أربعة ووفقًا لبيانات هيئة التأمين الصحى البريطانية فإنه يعتقد أن السمنة أو الوزن الزائد أو البدانة، تصيب واحدًا أو واحدة من كل أربع أشخاص من البالغين تقريبا، ونحو 20 % من الأطفال بين سن 10 و11 سنة. ويستند البروفيسور ويلدينج والناشطة مونى، إلى قاموس أوكسفورد لتأكيد موقفهما، حيث يحدد «المرض» بأنه «خلل فى التكوين أو الأداء خاصة ذلك الذى تنتج عنه أعراض محددة.. وليس ببساطة، نتيجة مباشرة لإصابة ما». كما يضيفان أن البدانة، حيث تتراكم الدهون بما يؤثر على وظائف الجسم، اعتبرتها منظمة الصحة العالمية مرضًا.. منذ سنة 1936. وأثبتت الدراسات التى أجريت على توائم أن 40 إلى 70 % من تنوعات الوزن تكون وراثية بما يناقض نظرية أن البدانة ناشئة عن تأثير الجينات، كما يعتقد البعض. يواصل الباحثان مقالتهما المنشورة فى المطبوعة الطبية العلمية المحترمة «بريتش ميديكال جورنال».. ويضيفان أن «وزن الجسم، وتوزيع الدهون، ومخاطر التعقيدات الناتجة عن ذلك تأتى من التأثير القوى للعناصر العضوية، وليست غلطة الشخص نفسه إذا زاد وزنه وأصبح مريضًا بالبدانة. ومن هنا فإن التعامل مع البدانة باعتبارها مرضًا له تبعات مهمة على صحة المصاب به، فهى ليست مجرد أسلوب حياة يختاره الشخص بنفسه، وهذا سيساعد على التخلص من مشكلة أخرى هى التمييز ضد أصحاب الوزن الزائد وإساءة المعاملة التى يلقاها الكثير منهم، وعلينا أن نشجع البدناء على طلب العلاج بدلًا من تجاهل الأمر، مما يجعلهم يشعرون بالخوف حتى من مناقشة وزنهم الزائد فتتفاقم مشاكلهم، وينصرفون إلى مزيد من التدهور الصحى والغذاء الضار بعيدًا عن أى علاج أو تنظيم صحى لما يتناولونه من طعام.. والنتيجة معروفة مقدمًا: أمراض تتراكم وموت مبكر! •أعلى معدلات فى أوروبا والمشكلة تتزايد فى بريطانيا، حيث سجل تقرير لمنظمة التعاون الافتصادى والتنمية أن بريطانيا فيها أعلى معدلات السمنة بين دول غرب أوروبا، وأن هذه المعدلات تضاعفت على مدى السنوات العشرين الماضية وأن حوالى 63 % من البالغين يعانون من زيادة الوزن، رغم تراجع أعداد المدخنين. وحذر التقرير من أن السمنة تؤدى إلى زيادة احتمال الإصابة بالأمراض المزمنة خاصة ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكوليسترول فى الدم، والسكرى وأمراض القلب. ورغم أن الحكومة اتخذت إجراءات وقامت بحملات لمواجهة المشكلة مثل حظر بيع قوالب الشيكولاتة الكبيرة فى منافذ المستشفيات وفرض ضرائب على المأكولات والمشروبات المحلاة بالسكر، إلا أن هناك انتقادات ومطالبات للحكومة ببذل المزيد من الجهود لمكافحة السمنة. حوالى 58 % من نساء بريطانيا و63 % من رجالها يعانون الوزن الزائد أو البدانة المفرطة حسب تقرير نشرته هذا الأسبوع جريدة «دايلى مايل» اليومية جاء فيه أن البدانة تكلف هيئة التأمين الصحى نحو 6 بلايين من الجنيهات كل سنة. حيث تتسبب فى أمراض السكرى والكبد والعمى. وتشير الأبحاث إلى أن هناك على الأقل سريرًا من كل ستة أسرّة فى كل مستشفى يشغله مريض مصاب بالسكرى الناتج عن البدانة التى أيضًا تتسبب فى أمراض القلب التى تقتل 315 ألف إنسان فى بريطانيا كل سنة. كما أن الوزن الزائد بصورة مفرطة يرتبط بنحو 12 نوعًا مختلفًا من أمراض السرطان.