«ولد على مبارك عام 1823، وعندما أصبح غلاما هرب من التعليم من كتاب القرية، بعد أن «عانى من غلظة شيخ كتاب القرية «أحمد أبو خضر» الذى حفظ القرآن على يديه، وهو كاشر الوجه قاسى الطباع، بجواره عصا غليظة، تهوى على جسد الأولاد، لأتفه الأسباب، مما أفزع الطالب على، ودفعته رغبته فى التعليم وذكاؤه الحاد إلى مغادرة بلدته برنبال، ليلتحق بمدرسة الجهادية بقصر العينى 1836، وهو فى الثانية عشرة من عمره، وكانت مدرسة عسكرية يحكمها نظام صارم، ما لبثت سنة حتى ألغيت المدرسة الجهادية، لينتقل بعدها إلى المدرسة التجهيزية، بأبى زعبل، ثم اختير مع مجموعة من المتفوقين للالتحاق بمدرسة المهندس خانة فى بولاق 1839، وأمضى بها خمس سنوات، درس خلالها الهندسة والجبر فى الكيمياء والفلك والمعادن والجيوليوجيا وغيرها، وتخرج فى المدرسة 1844». تقول أستاذ الهندسة بجامعة القاهرة سهير حواس.. وفى عام 1845 سافر على مبارك إلى فرنسا لدراسة العلوم، بعد أن اختاره سليمان الفرنساوى للسفر مع أنجال محمد على باشا وأحفاده فى البعثة التعليمية التى عرفت باسم بعثة الأنجال، وضمت سبعين تلميذا، فتحت لهم مدرسة خاصة فى باريس، ومن أعضائها اثنان من أبناء محمد على باشا نفسه، واثنان من أحفاده، أحدهما الخديو إسماعيل. وكانت المدرسة تحت رئاسة وزير حربية فرنسا ورئيس وزرائها أيضا، وكان محمد على يتلقى تقريرا عن طلبتها كل ثلاثة شهور. والتعليم فى هذه المدرسة عسكرى يتولاه معلمون عسكريون من الجيش الفرنسى. وعندما أتم على مبارك دراسته فى باريس اختير مع زميلين له لدراسة المدفعية والهندسة الحربية فى كلية ميتز، ونال عن ذلك رتبة الملازم الثانى، ثم التحق بفرقة المهندسين فى الجيش الفرنسى، ليعود إلى مصر فى عهد الخديو عباس، ويتقلد بعض الوظائف العادية. «على مبارك من طفل فقير مريض.. إلى رجل دولة» نموذج للترقى المجتمعى وأبو التعليم فى القرن 19 يرى الكثيرون أن جهود على مبارك فى التعليم جعلت منه أبو التعليم فى مصر، لكن أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة د. محمد عفيفى، يرى أنه لم يكن لعلى مبارك أن يكون أبو التعليم فى القرن التاسع عشر، إذا كان هو نفسه نموذجا للترقى المجتمعى، فكما وصف حاله فى مؤلفاته، كان طفلا فقيرا، يستطيع بالكاد أن يوفر ما يتعلم به فى الكتاب، ثم يهرب من الكتاب لغلظة الشيخ المعلم، ويعيش طفولة معذبة، فيصاب بالأمراض التى كادت تودى بحياته. ويواصل د. عفيفى: وفجأة يتوقف الغلام عند شخص حبشى يتقلد منصبا كبيرا فى الدولة، فيسأل كيف وصل هذا الشخص إلى تلك المكانة، فقيل له لأنه تعلم فى مدرسة قصر العينى، ليدرك أن التعليم هو وسيلته الوحيدة للترقى المجتمعى، ليقرر أن يلتحق بالمدرسة وينبغ فيها، ويرشح فى بعثة للدراسة فى فرنسا، ليعود واحدا من كبار المهندسين فى العالم العربى، ثم وزيرا برتبة الباشا. أصبح على مبارك رجل دولة من الطراز الأول، قادرا على التأقلم مع كل الحكومات، ليضع نظم التعليم والانفتاح على العلوم الحديثة، وينشئ دار الكتب ومدرسة دار العلوم، يؤمن بأن الترقى المجتمعى لا يحدث إلا بالتعليم وليس بالثورات والجدل السياسى. رؤيته في تحديث التعليم عندما تولى إسماعيل باشا الحكم «1863 م» أوكل إلى زميله فى بعثة الأنجال على مبارك أمر الإشراف على القناطر الخيرية، ثم اختاره وكيلا لديوان المدارس «وزارة المعارف» مع نظارة القناطر «1867»، وفى «عام 1870» أضيفت إليه وهو وزير للأشغال والأوقاف والمعارف، إدارة سكة الحديد، وأنعم عليه برتبة «ميرميران». وفى نفس العام أشرف على مبارك على إنشاء دار الكتب عام «1870»، داخل سراى درب الجماميز، ووضع لها نظاما للمطالعة والمراجعة والنسخ، وجمع فيها ما كان متفرقا فى المساجد والزوايا والبيوت من نوادر المخطوطات، وألحق بدار الكتب معرضا للآلات الطبيعية والرياضية، ليشاهدها طلبة المدارس ويتمرنون عليها، وبلغت تكلفة شرائها 4 آلاف جنيه فى ذلك الوقت. ثم نقلت دار الكتب فى المبنى الذى صمم لها معماريا فى ميدان باب الخلق بالقاهرة. وفى 1871 أنشأ على مبارك ديوان المدارس، ليوحد كل أنظمة التعليم، فى نظام واحد يحدثها، وفى العام نفسه أنشأ «دار العلوم» مدرسة لتخريج معلمين مؤهلين تأهيلا حديثا للتدريس فى المدارس المدنية، على غرار المدارس الحربية ومدارس الطب والصيدلة والتعدين والهندسة والكيمياء والرى والإشارة والفنون والصنايع. وجمعت مناهج دار العلوم بين ما يدرسه طلاب الأزهر من علوم اللغة والفقه وبين الحساب والهندسة والطبيعة والتاريخ والجغرافيا. وأدرك على مبارك أن ما يقوم به من تحديث للتعليم لا يمكن أن يكتمل إلا بإنشاء صحافة مدرسية، لنشر المعرفة الجديدة بين المعلمين، والطلاب والخريجين من الأفندية الذين أخذوا يتزايدون عاما بعد عام، فأنشأ مطبعة ديوان المدارس «عام 1867» وبعدها بسنوات قليلة أنشأ مجلة «روضة المدارس» «عام 1870» وعهد بإدارتها إلى رفاعة الطهطاوى. المرشد الأمين فى تعليم البنات والبنين اهتم على مبارك بتعليم البنات فأنشأ المدرسة السيوفية التى افتتحت عام 1872، فكانت البداية الحاسمة فى تعليم «المرأة»، وأعد رفاعة الطهطاوى كتابه «المرشد الأمين فى تعليم البنات والبنين» بهذه المناسبة، ونشره فى عام افتتاح المدرسة «1872» قبل وفاته بعام واحد. وتشير أستاذ العمارة بهندسة جامعة القاهرة د. سهير حواس إلى أن اهتمام على باشا مبارك بتعليم البنات، جاء لإيمانه بأن ينال جميع الأطفال فى مصر حقهم فى التعليم، فأنشأ المدارس الأهلية للتعليم فى القرى، واهتم بما أطلق عليه التعليم الشعبى، وقام بنفسه بمحو أمية وتعليم الضباط وصف الضباط، وتعليمهم القراءة والحساب فى عهد الخديو سعيد باشا، بعد أن كان ناظرا لديوان المدارس فى عهد الوالى السابق عباس الأول. ووضع على باشا المنهج الدراسى لتعليم هؤلاء الضباط، مستخدما كل الوسائل لتحقيق هدفه، فكان يعلم فى الخيام ويكتب بالفحم على البلاط، أو يخط على التراب، كما لجأ إلى أبسط الوسائل التعليمية، كالعصا والحبل لتعليم قواعد الهندسة. ومع الاحتلال البريطانى لمصر سنة 1882، ظهرت مشكلة التعامل مع الأجانب، وكان على باشا من أنصار إدراج التعليم باللغات الأجنبية فى المدارس المصرية، لكن رأيه قوبل بمواجهة عنيفة، لكن يعقوب أرتين وكيل وزارة المعارف تضامن مع رأى على باشا. ويرى الدكتور حسام إسماعيل، أستاذ العمارة والآثار بجامعة عين شمس، أن على مبارك أعاد تحديث التعليم فى مصر، واستثمر وظيفته كوزير للأوقاف فى بناء المدارس، واهتم بالكتاتيب والأسبلة المملوكية والعثمانية وطورها من أجل توظيفها فى التعليم، كما استغل بيتا من بيوت الأوقاف، وهو قصر الأمير طاز، ليحوله إلى أول مدرسة لتعليم البنات، والتى عرفت بمدرسة السنية، التى نقل مقرها فما بعد إلى منطقة السيدة زينب. ويميز مدارس على مبارك من وجهة نظر د. أحمد درويش، أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم، جمعها بين المواد التى تدرس بالمدارس الأزهرية، وبين المواد التى تدرس فى مدارس المتمصرين من رعايا الدولة العثمانية، الذين كانوا يتم إعدادهم للعمل فى الوظائف العليا بعد تخرجهم. وفى مسامراته بكتابه «علم الدين»، عقد مقارنة بين علوم الشرق وعلوم الغرب على لسان مستشرق أجنبى وشيخ أزهرى، وهو كتاب فى حاجة إلى إعادة قراءته، خاصة المسامرة الخاصة بالمرأة، والأخرى الخاصة بنبذ التطرف. وقدم على مبارك أنواعا من الفنون وبين قيمة المسرح لتربية الأخلاق، وقال إن المسرح أحسن خادم للشريعة.•