اهتمت وسائل الإعلام هذا الأسبوع، بتقرير نشرته وكالة رويترز العالمية للأنباء، عن وضع المرأة فى الوطن العربى، خاصة بعد أن أظهر التقرير أن مصرجاءت فى المرتبة الأخيرة بين الدول العربية فى أوضاع النساء بها، لتحتل المرتبة رقم 22، تليها العراق ثم السعودية وسوريا، فى حين جاءت جزر القمر، فى المرتبة الأولى كأفضل دولة فى أوضاع النساء.. وجاء ترتيب الدول العربية فى التقرير كما يلى: «جزر القمر، سلطنة عمان، الكويت، الأردن، قطر، تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، الإمارات، موريتانيا، البحرين، جيبوتى، الصومال، فلسطين، لبنان، السودان، اليمن، سوريا، السعودية، العراق، مصر». وأرجع التقرير سبب احتلال مصر للمركز الأخير، إلى تعرض المصريات للتحرش الجنسى والاتجار والختان، وانحسار الحريات.. وكالعادة أيد البعض ماجاء بالتقرير، فيما رفضه آخرون، كل حسب توجهاته، معتبرين أن التقرير هو نتاج دراسة أعدتها مؤسسة تومسون رويترز التابعة للوكالة.. لكننا فضلنا أن نبدأ بقراءة دقيقة للنص الأصلى للتقرير، كما جاء على موقع الوكالة، علنا نصل إلى الإجابة عن الكثير من علامات الاستفهام، التى ملأت أذهان كل من أراد النظر بموضوعية للأمر.
التقرير دعم بأرقام مصدرها البنك الدولى ومنظمة الاممالمتحدة، وصندوق الأممالمتحدة الإنمائى للمرأة، منها أن أكثر من 99٪ من السيدات والفتيات تعرضن للتحرش، وخضعت 2,72 مليون سيدة وفتاة؛ أى 91٪ من المصريات للختان، وأن 63 ٪ من النساء فقط تلم بالقراءة والكتابة.. وتبعا لمصادر أخرى وطنية ودولية تعانى النساء فى ليبيا من انعدام الأمن ومن الفقر ونقص التعليم، بالإضافة للتحرش من جانب الميليشيات والمتطرفين، وتعانى اليمنيات من تفشى زواج القاصرات، واتجار واغتصاب للنساء، وانتشار تنظيم القاعدة الذى يتبنى تفسيرا متشددا لتعاليم الإسلام، كما لا يوجد قانون ضد الإكراه على المعاشرة الزوجية.
وفى سوريا تتعرض آلاف من النساء للتعذيب والاغتصاب وتمتلئ السجون السورية بالسيدات والفتيات.. وفى فلسطين تعانى النساء من الاحتلال والقيود على الحركة، وسوء الرعاية الصحية والتعليم، والفقر والبطالة، وفى السعودية تعانى النساء من ضعف المشاركة السياسية وتمييز فى مكان العمل وحرية الحركة وحقوق الملكية، ومن تفسيرات متشددة للدين.
∎ ما هى مؤسسة طومسون رويترز
هى مؤسسة خيرية، تابعة لوكالة الانباء رويترز، ولديها 102 مكتب حول العالم، منها واحد فقط فى العالم العربى بالإمارات، وتأسست فى 2008 ومقرها فى نيويورك، وتضم الولاياتالمتحدة وحدها 38 فرعاً لها.
وتعمل مع مكاتب المحاماة حول العالم لتقديم مساعدة قانونية مجانية لمنظمات المجتمع المدنى، والنشاطات الاجتماعية حول العالم، بحسب موقعها على الإنترنت.
∎ استطلاع رأى وليس دراسة
حسب المنشور على موقع رويترز، فإن التقرير هو استطلاع رأى وليس دراسة كما نشرته بعض الصحف، والتقريرالسنوى الثالث للمنظمة، وشارك فيه 336 خبيرًا من المتخصصين فى قضايا الجندر أو النوع، أو المعروف بقضايا المرأة، وأجرى خلال شهرى أغسطس وسبتمبر، حول حقوق المرأة كما جاءت فى اتفاقية منع أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو»، لتقييم مدى التزام الدول الاعضاء فى جامعة الدول العربية، وتم الاستطلاع من خلال استبيان أرسل لهؤلاء الخبراء، وركزت أسئلته على 6 مجالات هى:
1-المشاركة السياسية للمرأة: وتشمل فرص تمثيل المرأة فى المناصب الادارية والسياسية.
2- دور المرأة فى المجتمع، والعوامل الثقافية التى تمنع المرأة من المشاركة فى المجتمع.
3- المشاركة الاقتصادية للمرأة: وتشمل الفرص المتاحة للنساء فى العمل والتمييز بين الجنسين فى حقوق الملكية والعمالة.
4- المرأة فى الأسرة، وتشمل العوامل التى قد تجبر المرأة على قبول الزواج، أو تعوق اندماج المطلقة فى الحياة.
5- الحقوق الإنجابية، وتشمل العوامل الثقافية المؤثرة فى الحمل وعدد الأطفال والحصول على الرعاية الصحية خلال الحمل والولادة وخدمات تنظيم الأسرة.
6-العنف ضد المرأة، وتشمل الاتجار بالنساء، وختان الإناث، والعقاب البدنى، والاغتصاب الزوجى، والعوامل المشجعة على العنف ضد المرأة.. الاستبيان شمل 36 سؤالا، تسعة منها حول «الاسم، العمر، الجنس، المهنة، وصاحب العمل والدولة والخبرة»، وأرسل للخبراء عبر البريد الالكترونى لكل منهم، وصممت بطريقة الاختيار بين «أوافق بشدة، أوافق، لا أوافق ولا أختلف، أختلف، لا أوافق بشدة»، وترك للمشاركين تقدير أهمية بعض العوامل، وملأه المشاركون فى 13 دقيقة تقريبا.. وذكر التقرير أن المشاركين ينتمون إلى منظمات محلية ووطنية وإقليمية ودولية وإنسانية فى التنمية وحقوق الإنسان واللاجئين، وأكاديميين وإعلاميين ومقدمى رعاية صحية، وقانونيين وناشطين، بحيث لايقل عدد المشاركين من كل دولة عن 10، وأعداد أكبر لمصر والعراق.
∎ علامات استفهام
انتقدت عميدة معهد الخدمة الاجتماعية، السابقة ورئيسة جميعة حواء المستقبل، د.إقبال السمالوطى، عينة الاستطلاع، وقالت: لم ينشر التقرير أسماء من شاركوا فى الاستطلاع من الخبراء فى قضايا المرأة، أو خلفياتهم، أو توجههم الفكرى، لنعرف مدى ارتباطهم بمصالح معينة وبالواقع المصرى، وماهى خلفيات الاستطلاع، وما إذا كان له توجه معين أم يستند الى حقائق علمية، ومن الجهة الممولة.
وتساءلت إقبال: على المنظمات التى تعمل فى قضايا المرأة، أن تعلن عن النقود التى حصلت عليها طوال السنوات الماضية، ولماذا لم تؤثر فى تغيير الأوضاع القائمة.
وانتقدت أمين عام المجلس القومى للمرأة السفيرة منى عمر، طريقة الاستطلاع أيضا، الذى وصفته بالانطباعى، وليس المعتمد على الإحصائيات الدقيقة، حيث يسأل الخبير عن انطباعاته، مما جعل النتائج مبالغًا فيها، وفقا لاحصائيات المجلس عن هذه المجالات، فلسنا أسوأ الأوضاع فى الوطن العربى.
ولم تنف منى أن يكون وضع المرأة فى مصر سيئا، خاصة بعد ثورة يناير، وماتلاها من ردة عن بعض الحقوق التى حصلت عليها المرأة، فى الوقت الذى كان الجميع ينتظر فيها مزيدا من الحقوق للنساء، ومحاولات وقف هذه الردة، أوقفت جهود المضى قدما فى العمل فى اتجاه مزيد من الحقوق.
واستدركت منى بقولها: الوضع الحالى مرتبط بعدة عوامل، لا تخص النساء وحدهن، بل النساء والرجال معا، لأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة طالت النساء والرجال معا.. وأضافت منى: الوضع الحالى يفرض على المجتمع المصرى أن يهتم بالتعليم، ليعرف الجميع حقه، ويطالب به، ويحصل على الفرص المتساوية فى التعليم والعمل، ووقف العنف ضد النساء، من خلال توعية الرجال، وليس فقط النساء، كما يحدث الآن.
أما السفيرة مرفت تلاوى، رئيس المجلس القومى للمرأة، فقالت: كثير مما ورد بالتقرير عن التحديات والمشاكل التى أوردها التقرير موجودة فى مصر، كالتحرش وختان الإناث وزواج الفتيات قبل 18 سنة، لكن الاختلاف حول الإحصاءات والأرقام الواردة فى التقرير.. وأرجعت احتلال مصر للموقع الأخير إلى زيادة العنف وصعود التيار الدينى بعد ثورة يناير، وأن تمثيل المرأة فى البرلمان متدن للغاية، حيث وصلت النسبة إلى 2٪ فقط.
∎ اللعب بالأرقام
وقالت د.فيفيان فؤاد، منسقة المشروع القومى لتمكين الأسرة، ومناهضة ختان الإناث بالمجلس القومى للسكان، أن الأرقام الواردة بتقرير رويترز عن نسبة ممارسة ختان الإناث غير دقيقة، لأنها اعتمدت على المسح الصحى السكانى، الصادر فى عام 2008، وهى لا تظهر التطور الذى حدث خلال 15 سنة الماضية فى نسب الممارسة، لأن عينة المسح هى النساء المتزوجات فى سن «15-49» سنة.
وأشارت فيفيان إلى أن وزارة الصحة كانت قد أجرت دراسة فى 2010، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، على عينة ممثلة لمدارس الجمهورية، الريف والحضر ومدارس حكومية وخاصة، بالمرحلة الإعدادية، أظهرت أن متوسط من خضعن للختان من الفتيات فى هذه المرحلة، وصل 50٪، وتزيد النسبة فى المدارس الريفية إلى 68 ٪، وفى المدارس الحضرية إلى40 ٪ وفى المدارس الخاصة 9٪، وهى نتيجة تؤكد شواهدنا اليومية لتغير نسب هذه الممارسة، هذا بالإضافة إلى وجود رأى عام فى مصر الآن ضد هذه الممارسة، للدرجة التى يقف فيها من يؤيدون الختان موقف المدافع عن نفسه.
وتتوقف فيفيان عند المصادر التى اعتمد عليها تقرير رويترز، بالتوازى مع الاستطلاع، لافتة الى أنها مصادر غير متساوية فى كل بلد عربى، بعضها لبيانات حكومية وطنية، وبعضها بيانات عن منظمات دولية مختلفة التوجهات، وبعض ثالث عن جهات أهلية.
وقالت فيفيان أن تسليط الإعلام والمجتمع المدنى والدولة فى مصر الضوء على مشكلتى التحرش وختان البنات ، هو شىء إيجابى، لأن دولا أخرى تنتشر فيها هذه الممارسات، دون أن يسلط عليها الضوء وكأنها غير موجودة.