حقا.. نحن في أمس الحاجة إلي أفكار خلاقة، لكن أفكارنا يجب أن تنتقل وترتقي من مربع الأفكار النظرية إلي مربع البرامج التنفيذية، وحتي لا تستمر الأفكار أفكارًا فالواجب علينا أن نسرع الخطي ونشحذ الهمم كي نحول أفكارنا وبرامجنا ودراساتنا من رفوف المكتبات وقاعات البحث إلي ميادين العمل والتشييد والبناء وإلي بيت القصيد مباشرة أقول.. لدينا في مصر «جوهرة» ليس لها مثيل علي مستوي العالم، إنها نسخة وحيدة غير متكررة، لكننا نتعامل مع تلك الجوهرة ببلادة شديدة وإهمال جسيم، والجوهرة التي أقصدها هي تلك المنطقة الممتدة من السويس حتي بورسعيد بمحاذاة ساحل قناة السويس بطول 130كم، يجب أن تتحول في ظرف خمس سنوات إلي أضخم مدينة متخصصة في الصناعات اللوجيستية علي مستوي العالم، فساحل القناة يعد الشريان الرئيسي لحركة التجارة العالمية بين الشرق والغرب لكننا نكتفي بتحصيل رسوم العبور من السفن العابرة للقناة. وكان علينا أن نحول المنطقة إلي أضخم مركز للصناعات اللوجيستية في العالم علي ساحل أهم وأعظم ممر ملامحي في العالم، لن نتوقف لجلد الذات والبكاء علي اللبن المسكوب أو المسلوب، لكننا فقط علينا أن ننظر إلي الأمام.. إلي المستقبل حيث أحلام النهضة الذي يجب أن يشارك فيه ويلتف حوله الجميع، إنني أدعو جميع المختصين من الساسة والتكنوقراط أن يبدأوا فورا في وضع مشروع تنمية ساحل قناة السويس بإقامة مدينة عالمية للصناعات اللوجيستية علي جدول أعمالهم واهتماماتهم. إن تقسيم هذا الشريط إلي مناطق متخصصة صناعية وخدمية وتجارية تتكامل فيما بينها لتصنع في النهاية سوقا عالميا للصناعات اللوجيستية، فهناك منطقة لبناء السفن ويتم جذب كبري الشركات الدولية لبناء الترسانات المتخصصة، وهناك منطقة لاصلاح السفن وفق أحدث النظم العالمية. كذلك يجب أن تكون هناك منطقة لصناعة الحاويات وأخري لاصلاحها، كما أنه من الضروري تخصيص منطقة فندقية لخدمة البحارة والربابنة والسياح والخبراء العاملين بالمنطقة اللوجيستية المزمع إقامتها، هذه الصناعات تحتاج حتما إلي مؤسسات تعليمية وبحثية وأكاديمية تخدم جميع الأغراض السابق ذكرها، ويمكن تخصيص منطقة للصناعات التجميعية والتكميلية والتعبئة والتغليف والباركود لخدمة التجارة الدولية. إن ثورة النقل ستصل بنا حتما إلي إقامة قلاع صناعية عائمة بمعني إقامة خطوط انتاج علي السفن، فمستلزمات الانتاج التي يتم نقلها في رحلة بحرية تستغرق شهرا إلي اماكن التصنيع سيصبح متاحا أن يتم تصنيعها علي ظهور السفن لتصل منتجا تاما إلي المستهلك، إن توجها كهذا يمكننا أن نتفاعل معه من خلال المركز اللوجيستي العملاق علي ساحل قناة السويس، وبمنتهي السهولة يمكننا أن نخلق أسواقا جديدة يلتقي فيها المنتجون والمستهلكون في تلك المنطقة العبقرية التي تفصل بين الشرق المنتج والغرب للمستهلك، وبالطبع سيتم جذب الخطوط الملاحية الدولية وشركات الشحن والنقل الدولي إلي إقامة مراكز لها في المنطقة. كل هذا سيتطلب إقامة مراكز للتحكيم وفض المنازعات البحرية وجميع المنازعات التجارية ذات الصلة، إن المشروع لا يحتاج إلا قرارا عاجلا من مجلس الوزراء بانشاء هيئة لإدارة «ساحل التنمية» مع تحويل هذا الشريط الساحلي إلي منطقة حرة عالمية تدار وفق أحدث نظم الإدارة في العالم، تقوم هذه الهيئة باختيار أحد بيوت الخبرة الدولية لعمل مخطط عام للمنطقة يعتمده مجلس الوزراء ثم يتم طرح المشروعات سالفة الذكر في مزايدات عالمية، وتقوم تلك الشركات باستلام الأراضي المخصصة وفق المخطط العام.