على بٌعد 3 كيلو من شمال غرب إيران والوصول 30 دقيقة.. ماذا اكتشفت الطائرة التركية؟    وزير الرياضة: أهنئ الزمالك بالتتويج بالكونفدرالية.. وهناك مشروعات ضخمة في استاد القاهرة    تصل منتصف ال40 درجة.. الأرصاد تحذر المواطنين: لا تخرجوا إلا للضرورة    بالاسم والرقم القومي.. رابط نتيجة الصف الخامس الابتدائي 2024 الترم الثاني (استعلم الآن)    الطوارئ الروسية تعلن إرسال 47 متخصصا للبحث عن مروحية الرئيس الإيراني    بعد حادث طائرة الرئيس.. لماذا التقى الرئيس الروسي بالسفير الإيراني؟    سوريا تعرب عن تضامنها مع إيران في حادث اختفاء طائرة «رئيسي»    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: الضغط الأمريكي لا تأثير له على إسرائيل    غارة إسرائيلية عنيفة تستهدف مخيم البريج وسط قطاع غزة    اتحاد الصناعات: وثيقة سياسة الملكية ستحول الدولة من مشغل ومنافس إلى منظم ومراقب للاقتصاد    أول تعليق من أحمد زيزو بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية.. ماذا قال؟    دونجا يوجه رسالة للاعب نهضة بركان بعد لقطته الرائعة في نهائي الكونفدرالية    تراجع جديد في سعر كيلو اللحم البقري قائم اليوم 2024    مصدر أمنى ينفى الشائعة الإخوانية بوجود سرقات بالمطارات.. ويؤكد: كذبة مختلقة    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    عمر الشناوي: «والدي لا يتابع أعمالي ولا يشعر بنجاحي»    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    دعاء الحر الشديد كما ورد عن النبي.. اللهم أجرنا من النار    كيكة موس الشيكولاتة بالقهوة بأسرار المحلات.. «هتطلع أحلى من الجاهزة»    عبدالملك: المثلوثي وزيزو من نجوم الكونفدرالية.. وهدف الجزيري في الذهاب وراء التتويج    حسين لبيب: اليوم سنحتفل بالكونفدرالية وغدا نستعد لاستكمال الدوري    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    الهلال الأحمر الإيراني: حددنا موقعا آخر للبحث وفرق الإنقاذ بشأن مروحية رئيسي    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق داخل مدرسة في البدرشين    جريمة بشعة تهز المنيا.. العثور على جثة فتاة محروقة في مقابر الشيخ عطا ببني مزار    نشرة منتصف الليل| تحذير من الأرصاد بشأن الموجة الحارة.. وتحرك برلماني جديد بسبب قانون الإيجار القديم    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير.. سعر الذهب بالمصنعية اليوم الإثنين 20 مايو بالصاغة    اليوم.. البنك المركزي يطرح سندات خزانة بقيمة 9 مليار    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    د.حماد عبدالله يكتب: العودة إلى الماضى والنظر إلى المستقبل    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    ملف يلا كورة.. الكونفدرالية زملكاوية    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    تعرف على أهمية تناول الكالسيوم وفوائدة للصحة العامة    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    الصحة: طبيب الأسرة ركيزة أساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    بعد الموافقة عليه.. ما أهداف قانون المنشآت الصحية الذي أقره مجلس النواب؟    تقرير رسمى يرصد 8 إيجابيات لتحرير سعر الصرف    ارتفاع كبير في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 20 مايو 2024    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    خبيرة ل قصواء الخلالى: نأمل فى أن يكون الاقتصاد المصرى منتجا يقوم على نفسه    حظك اليوم برج الدلو الاثنين 20-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    منسق الجالية المصرية في قيرغيزستان يكشف حقيقة هجوم أكثر من 700 شخص على المصريين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    مسؤول بمبادرة ابدأ: تهيئة مناخ الاستثمار من أهم الأدوار وتسهيل الحصول على التراخيص    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    اليوم.. محاكمة طبيب وآخرين متهمين بإجراء عمليات إجهاض للسيدات في الجيزة    اليوم.. محاكمة 13 متهما بقتل شقيقين بمنطقة بولاق الدكرور    عواد بعد التتويج بالكونفدرالية: سأرحل بطلًا إذا لم أجدد مع الزمالك    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    أتزوج أم أجعل أمى تحج؟.. وعالم بالأوقاف يجيب    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«صحراء شادى عبدالسلام».. لعنة الفراعنة تحرس مومياء الرقص الحديث
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 14 - 03 - 2024

بإيقاع متزن تسير حركة الكاميرا فى بطء وخشوع لالتقاط اللحظة والدقيقة المرتقبة التى قرر أن يقتنصها المخرج الكبير عميق الحس والأثر الراحل شادى عبدالسلام، قدم عبد السلام سينما لا تشبه السينما.. حملت أعماله طابعا خاصا سواء فى أسلوب السرد السينمائى الذى تطول فيه لحظات الترقب والصمت، أو فى نوع الموضوعات المطروحة التى اتضح فيها همه الكبير بالهوية المصرية، تسافر عبر الزمن فى عالم عبدالسلام من «المومياء» إلى «شكاوى الفلاح الفصيح» ثم مجمل أعماله السينمائية التى كانت فى الأصل تنقيبا وبحثا عن الهوية المصرية بين الماضى والحاضر أو كما يقول.. «لابد أن نوصل بين إنسان اليوم وإنسان الأمس وهى قضيتى».
من قلب هذا الترقب والصمت اتخذ وليد عونى طريقه فى إعادة تقديم شادى عبد السلام كما يراه بعالمه التشكيلى الراقص، المعروف أن وليد عونى يعمل أيضا بتصميم الديكور والفن التشكيلى مثل الفنان الراحل شادى عبدالسلام، وبالتالى انصهرت موهبة عونى فى العالم الشادى الممتلئ بالصورة والفكر والتراث المصرى القديم، قدم عونى فى بدايات انطلاق مشروعه بمصر فريق الرقص المسرحى الحديث الثلاثية المصرية والتى ضمت «تحية حليم» بالفن التشكيلي، و«نجيب محفوظ» بالأدب، ثم «شادى عبدالسلام» بالسينما، نجح عرض «المومياء» بفريق الرقص الحديث بتسعينيات القرن الماضى، وبعد نجاحه الكبير يعيده اليوم فى ثوب جديد مع نفس الفريق بعنوان «صحراء شادى عبدالسلام»، ضمت تلك الصحراء مجموعة من أعماله السينمائية «إيزيس» المشروع الذى لم يكتمل، «شكاوى الفلاح الفصيح»، و«المومياء».
بدأت اللوحة الأولى ب«إيزيس» والتى قدمها تحت عنوان «إيزيس وبنات إدفو»..جاءت فكرة العمل بالأساس من خلال بحث عونى عن أعمال شادى عبد السلام وخلال رحلة البحث وجد فيلما وثائقيا لم يكتمل يخص بردية «إيزيس» الذى كان قد بدأ تصويرها فى حقل قمح على النيل قدمت هذا العمل البلارينا الأولى وقتها ماجدة صالح، وبسعى عونى التقى بالدكتور مجدى عبدالرحمن أستاذ التصوير وخبير الأرشيف بمعهد السينما والذى أخذ على عاتقه استكمال مجموعة أفلام لم تكتمل ل»شادى عبد السلام»، كانت ثلاثة أفلام وثائقية تحت عنوان «الحصن والدنداروية»، و«مأساة البيت الكبير إخناتون». استعان عونى من هذه الثلاثية بمقطع «الحصن».
ويتضمن إيزيس واختها نفتيس وهما تعثران على الطفل حورس بن إيزيس وأوزوريس الذى لسعه العقرب فى أرض إدفو وأنقذه من الموت الإله «رع»، سمى المشهد «إيزيس وبنات إدفو» اللاتى يرقصن بين القمح والنيل، فى هذا المشهد تنهض إيزيس المختبئة بين هؤلاء الفتيات اللاتى أحاطتها بدائرة مغلقة تخرج من بينهن باحثة عن طفلها وتساعدها شقيقتها التى تخرج أيضا من نفس المنبع، وكأنهن جميعا يخرجن من قلب النيل بحثا عن الطفل حورس على إيقاع موسيقى هادئة وأداء حركى رتيب صاحبته خطوات شديدة الدقة والضيق بين حقول القمح فى رحلة بحث شاق، مشهد غلفه الترقب والغموض أبدعن الفتيات فى الأداء الفردى والجماعى صمم المخرج هذا المشهد بروح تشكيلية أقرب إلى لوحة لم ينته الرسام من وضع اللمسات الأخيرة عليها.
لم يكتف عونى بالإخراج والتصميم الحركى بينما شارك فى بطولة العرض بالرقص والتمثيل أيضا بأداء دور الكاهن الممثل للعدل والحق بلوحة «الفلاح الفصيح» فى هذه اللوحة التى استمد فكرتها من فيلم «شكاوى الفلاح الفصيح» ارتدى عونى ثياب الحكمة فى شكل الكاهن وبدا فى هيئته يشبه أحد كهنة فرعون بمصر القديمة باللون الأسود والأقدام الخشبية والعصا التى وضعها فوق رأسه فى حركة تشبه ميزان العدل، ليرمز إلى الحق والعدل بالصخرة الكبرى التى هبطت فى صورة مسرحية، صنعت مشهدا يستعرض انتصار الحق وتخلص هذا الفلاح من الظلم بعد فصاحته وطلاقة لسانه بطلب الحق والعدل من سيده.
من «إيزيس» إلى «شكاوى الفلاح الفصيح»..يحافظ عونى على إبداعه الدائم وعلو شأنه فى تصميم الصورة المسرحية سواء بالملابس أو الديكور والإضاءة، بينما فى مشهد فيلم «المومياء» كان للإبداع قضية أخرى ووجه آخر متفرد فى أسلوب التناول، الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية حدثت فى أواخر القرن التاسع عشر (عام 1871)، عن قبيلة «الحربات» فى صعيد مصر تعيش على سرقة وبيع الآثار الفرعونية، وعندما يموت شيخ القبيلة يرفض أولاده أوامر السرقة، فيقتل الأول على يد عمه، بينما ينجح الثانى فى إبلاغ بعثة الآثار عن مكان المقبرة التى تبيع قبيلته محتوياتها، حظى هذا المشهد بالنصيب الأكبر من فيض موهبة وليد عونى بتقديم صورة مسرحية توازى روعة الفيلم السينمائى فى دقتها وتميزها، اعتمد هنا على الرمز فى إبراز معنى خاص به حول الهالة التى أحاطت تلك المقبرة وكأن حمايتها نشأت من قلبها بالأساس، ربما تعمد الإشارة إلى هذا المعنى أو لم يتعمد لكن الإبداع دائما قد يتجاوز ما يجول بخاطر وذهن صاحبه، انقلب المسرح إلى مقبرة فرعونية.
مومياء توسطت خشبة المسرح يعلوها تابوت على هيئة فرعونية ويرقد أسفل هذا التابوت «المومياء» أو أحد الموتى بهذه المقبرة الأثرية الغنية بالتاريخ والكنوز، تسكن حول المقبرة أو تلك المومياء أرواحها الحارسة روح الإله «أنوبيس» إله الموت أو حامى المقابر ومرشد الأرواح فى الحياة الآخرة.. ثم روح أخرى أو كائن يشبه أحد أفراد الجن..
تبدو هذه الروح أو الكائن الغريب اللعنة فى ذاتها أو ما يسمى ويتداوله الناس من أساطير دائمة حول «لعنة الفراعنة»، تتلخص تلك اللعنة فى أن من يحاول إزعاج مومياء لشخص مصرى قديم من اللصوص خصوصا لو كان «فرعون» تتسلط عليه اللعنة بالموت أو سوء الحظ أو المرض، تجلس الروح أو الكائن الممثل لهذه اللعنة فوق تابوت المومياء تحرسها بجرس رنان فى يديها وتتحرك حركة غير آدمية منذرة برنين جرسها عن اقتراب وقوع الخطر.
حركة جسد وئيدة متأنية فى حساب خطواتها بالأنفاس بدت رشا الوكيل فى دور هذا الكائن العجيب بتصميم المكياج وأدائها الحركى الذى تبدلت معه ملامحها تماما حتى انتفت عنها صفة البشرية لن تستطيع تحديد شكلها الآدمى، طافت رشا بحركتها الرشيقة المدغدغة طوافا كاملا حول تلك المقبرة والمومياء تمارس حركات طقسية معينة لحمايتها وطرد هؤلاء اللصوص أصحاب قبيلة «الحربات» من حرم هذا المكان وطاف معها وحولها الإله أنوبيس الذى كان يقفز محلقا حول تابوت المومياء ليساعد هذه «اللعنة» فى أداء مهمتها بالحراسة، كما يعينها على الحركة أحد البشر وكأنه أحد علماء الآثار الذين ساهموا فى إطلاق سهم تلك اللعنة التى طردت اللصوص وأعادت للمومياء الحماية والآمان من جديد، قدم عونى فى تشكيل بصرى لوحة راقصة شديدة الدقة والإبداع فى تعبيره عن أفكار وروح شادى عبد السلام خاصة فى إيقاع التصميم الحركى الذى يشبه إيقاع الكاميرا وكادراته السينمائية التى تحمل مزيجا من الصمت والغموض والترقب والاكتشاف.
اكتشاف ما تحمله هذه الحضارة القديمة من أسرار وكنوز مخفية، أطلق عونى لخياله وذهنه العنان بخبرته الطويلة ليبدع ويتفنن فى تصميم مشهد المومياء الذى صاحبه عرض أجزاء من الفيلم السينمائى وسار إيقاع حركة الراقصين مع حركة الكاميرا، وكأن عدسة الكاميرا انتقلت لتراقبهم وتتربص بهم على خشبة المسرح، لتبرز حركة الأجساد الحارسة ل«مومياء» عبد السلام بالعصر الحديث.
تفردت رشا الوكيل ومعها عمرو البطريق فى أداء هذا المشهد بحرفة فنية وإبداع كبير وكأن رشا تضع كل خبرات السنين فى أدائها الحركى والتمثيلى المتقن وكذلك الهيئة الجسدية حتى بدت روحا قادمة من العالم الآخر تحمل مزيجا من الرهبة والغموض، وكذلك عمرو من أعانها على تلك الحركة وطاف معها طواف المسحورين بها ثم نادر جمال فى دور أنوبيس الذى قدمه ببراعة واحتراف كبير، وكذلك الموسيقى للراحل طارق شرارة وأداء صوتى أحمد سلام امتزجت هذه العناصر جميعا لينتج عنها مشهدا فنيا بديعا، جمع أفراد القبيلة والابن ونيس الباحث عن كينونته وسط هذا العالم المبهم من ماض ومستقبل على أنغام تلك الموسيقى الرائعة اجتمعوا حول هذه المقبرة بحراسها ليتشكل المسرح تشكيل حركى مع السينوغرافيا وشاشة السينما وينتج عنه صورة مسرحية غير متكررة بعالم الرقص الحديث.
مزج الأداء الحركى بالدراما والتشكيل البصرى ليتحدوا اتحادا يليق ب«مومياء» شادى عبد السلام وتاريخه السينمائى صاحب البصمة الرائدة، يحيى وليد عونى مع فريق الرقص الحديث بهذا العرض ذكرى المؤلف الموسيقى الراحل طارق شرارة الذى سبق وأن تعاون معه فى عدد من عروضه الناجحة على مدار تاريخ الفريق مثل «الأفيال تختبئ لتموت»، «الدولاب»، «الجنون الأخضر» لعبدالهادى الجزار.
2


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.