يستمر أحمد خيرى العمرى فى تقديم رؤيته حول تأسيس دولة الخلافة على مذهب سيد قطب وحسن البنا فى كتابه «سيرة خليفة قادم» الصادر عن شركة عصير، وصدرت طبعته الأولى عام 2013 عن دار أجيال ثم طبعة ثانية فى مركز التفكير الحر بجدة. وفى الوقت الذى نرى فيه أن ذلك الفكر سام يشوه العديد من المعانى داخل مفهوم الدولة الحديثة نجد آخرين يؤمنون بما يقدمه العمرى وغيره من المؤمنين بمفهوم دولة الخلافة على مذهب تنظيمات دينية مثل تنظيم الإخوان؛ لذلك مهما حاولنا كشف حقيقة هؤلاء سنجد من يقف متسائلًا بكل هدوء «ماذا يمنع أن يقدم هؤلاء أفكارهم فى كتب ومنصات نشر ومكتبات ومؤسسات ثقافية؟». أجد صعوبة فى التعاطى مع مصطلحات مثل حرية الفكر والرأى وتلاقح الأفكار وتبادل الآراء، صعوبة ترفض التعامل مع موضوعات نسبية بمنهج المطلق بالتأكيد لا يوجد ما يدفعنى لقبول فكر روج له الإخوان تحديدًا على مدار عقود، وخرج من رحمه العديد من التيارات التى باتت تقدم نفس الأفكار بعيدًا عن الانتماء التنظيمى، وعندما تقف فى وجوههم يظهرون فى وجهك مصطلحات الحرية وتبادل الآراء، ولا أعرف أى حرية تلك التى تبيح احتكار عقول ملايين الأطفال وترسيخ مفهوم دولة الخلافة فى جيناتهم الوراثية ودفعهم لمواجهة الدولة بشكلها الحديث فى سبيل تحقيق دولة الخلافة بل استخدام التنظيمات المنتمية إلى تلك الجماعات داخل الدول العربية للضغط على الحكومات العربية من أجل تحقيق مصالح دول أخرى، الدولة التى تستثمر تلك الجماعات، ربما وصلت تلك المواجهة لاستخدام السلاح والقتل فى سبيل تمهيد الطريق لصعود دعوة دولة الخلافة! ما سبق ليس تخيلًا إنما حقيقة كتبها الداعية العراقى أحمد خيرى العمرى فى كتابه سيرة خليفة قادم، مؤكدًا ضرورة الخروج من حلم دولة الخلافة بمفهوم الخليفة الحاكم إلى الوصول إلى الاستخلاف فى الأرض عن طريق زراعة جينات مفهوم الخليفة فى كل طفل مسلم يولد، حتى نصل فى مرحلة معينة إلى مجتمع الخلافة، ولن نحتاج فى تلك الدولة إلى مواجهة مسلحة مع الدول كما فعل تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، تلك هى الرؤية التى تبناها العمرى فى كتابه، وهى استكمال لأفكاره الأخرى فى كتاب «البوصلة القرآنية»! للأسف الشديد مهما كتبت عن خطورة مثل تلك الأفكار على عقول الملايين من الشباب والمراهقين فى مصر لن أجد الصدى المناسب، فى النهاية بيننا من يرى أن الأفكار لا تمثل خطرًا، وأنه لا توجد أفكار سامة فى الأساس تملك القدرة على فعل القتل، مع العلم أن الشاب الذى انتمى إلى تنظيم داعش الإرهابى كان السبيل إلى عقله مجرد فكرة زرعها آخرون آمنوا بها، من خلال كتب أو محاضرات صوتية أو مناقشات على الإنترنت عن حلم دولة الخلافة، كما روج له حسن البنا، أو كما روج له غيره. أصبحنا فى واقعٍ مطالبين فيه أن نتعامل مع تلك الأفكار بمنهج النقد والتعقيب والنقاش ثم الانتظار حتى يقرأ الناس، ثم النقد مرة أخرى، ثم التعقيب فالنقاش، حتى ينتهى العمر، حينها يكون المخطط قد اكتمل واستطاع التنظيم زرع الجينات التى يريدها فى الطفل المسلم سعيًا لنشر مصطلح الخليفة الذى سيصل إلى الحكم فى لحظة ما، فيقتل أى حديث عن نقد ،أو نقاش ،أو تعقيب، فقط إما الإيمان بما يقولون أو التكفير! فعل سفسطائى المستفيد الوحيد منه دعاة الإخوان ومن بينهم الداعية الدينى أحمد خيرى العمرى الذى ذكر نصًا فى كتابه أنه لا يحمل أى رفض أو كره شخصى للمنتمين للجماعات التى استخدمت السلاح فى سبيل تحقيق دولة الخلافة، اعتبرهم أخطأوا آلية العمل فقط لكنهم حسب كلامه أخلصوا النية لله! ولن تقف المسألة عند مجرد كتاب واحد أو مجموعة من الكتب أصدرها داعية دينى عراقى تحول إلى كتابة الرواية بعد سقوط حكم الإخوان فى مصر، لكنه فى الحقيقة عمل تنظيمى مؤسسى يستغل واجهة الحريات والنقاش فى سبيل التمدد والانتشار حتى يصل إلى لحظة التمكين التى يصبح من الصعب حينها أن تقتلعه من جذوره، بل سيحدث العكس عندما يلقى بكل رؤى المدنية والحريات من نافذة مكتب الإرشاد! والمؤشرات على ذلك كثيرة، نموذج لذلك كتاب "سيرة خليفة قادم" للعمرى الذى استند بالكامل إلى رؤى سيد قطب فى كتابه الأهم "فى ظلال القرآن" ، وكتب المقدمة للكتاب رجل الأعمال والطبيب السعودى وليد فتيحى المسجون فى السعودية عام 2017 بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان الإرهابية، نفس الطبيب الذى صدرت كتبه فى مصر عن منشورات دار البشير للثقافة والعلوم، وهى الناشر الحصرى لأهم كتابات تنظيم الإخوان لسنوات قبل أن تتحول إلى نشر الروايات بعد سقوط حكم الإخوان، وبعد التحفظ عليها بتهمة تمويل الإرهاب، ثم انتقلت كتب فتيحى و العمرى بعد مرحلة السجن إلى شركة عصير الكتب التى تأسست بعد سقوط حكم الإخوان هى الأخرى، ثم انتقل إليها غالبية الأسماء التى تروج فكر الإخوان، الفكر الذى يراه الملايين من متابعى منشورات عصير فكرًا لا غابر عليه، فما العيب أن نؤسس دولة الخلافة كما أرادها حسن البنا ونطلب الجزية ونقطع الرؤوس ونلغى الديمقراطية والحريات، هكذا يردد أصحاب ذلك التوجه. يظهر من تلك الدائرة المتشابكة الخيوط أنه عمل منظم مؤسسى وليس عشوائيًا، وأنه مدعوم بمبالغ مالية ضخمة، مع الوضع فى الاعتبار أن شخص وليد فتيحى ليس بالشخص المجهول أو غير المعروف، بل هو ملء السمع والبصر! ما سبق جزء بسيط جدًا من شبكة أكبر تعمل على تقويتها منذ عقود جماعة الإخوان للاستحواذ على صناعة الثقافة فى مصر والمنطقة العربية، حتى يصبح من السهل عليها تحديد ما يقرأه الشباب وما لا يجب أن يقرأوه، وما يؤمنون به وما لا يجب أن يقع فى طريقهم من الأساس، وهو ما نجحت فيه تحديدا شركة عصير الكتب خلال عشر سنوات، منذ إطلاق مجموعتها على فيس بوك عام 2010 وصولًا إلى اليوم بعد أن صارت أكبر ناشر وموزع للكتاب فى مصر وربما عربيًا، لكن ذلك الناشر على الجانب الآخر أبرز نجومه ومن قامت على منشوراتهم الدار هم دعاة الإخوان، ودعاة دولة الخلافة، سواء فى مصر أو العراق وفلسطين والأردن والسعودية، ثم يأتى فى النهاية من يطالبنى بالسماع إلى الآخر ومناقشة الرأى بالرأي، لكنه فى نفس الوقت يتعمد ألا يرى أن الرأى الذى يطالبنى بالسماح له أن يمر هو نفس الرأى الذى آمن به من قتلوا أخوتى من أبناء المصريين على مدار سنوات السبعينيات والثمانينيات وحتى اليوم فى الألفية الثالثة! فى المقال قدمت سيرة سؤال أطرحه منذ عام ولم أجد له إجابة حتى اليوم، كيف فتح الباب لمثل تلك النوعية من الكتابات الدموية التى تنادى صراحة بالانقلاب على الحكم بحجة سيرة خليفة قادم، وأن يكافئ ناشره شركة عصير الكتب بأفضل دار نشر فى مصر عام 2019، وأن يقصى كل من يطرح السؤال، بل يسعى البعض من أصحاب المصالح لإسكات من يسأل كأنه سؤال غير مشروع!