انتفض السجناء على هرج ومرج، أدركوا سريعا أن جماعة التوحيد بدأت بالشغب كالمعتاد، ولم يكن غريبا عليهم أن يأسروا أحد الحراس داخل سجن (سواقة) الأردني، يتزعمهم أميرهم، أحمد فضيل نزال الخلايلة اشتهر عنهم تكفير المجتمع، وعرفتهم أجهزة المخابرات الأردنية باسم جماعة (بيعة الإمام)، وعلى مقربة منهم كان يقطن فى غرفة مجاورة الروائى الأردنى أيمن العتوم، سجينا هو الآخر، عام 1996، على خلفية انتماءات سياسية للتيار الإسلامى الأردنى! سرد أيمن العتوم الواقعة كاملة فى سيرته الذاتية (يا صاحبى السجن)، عن تجربته فى السجن وهو طالب فى كلية الهندسة، والكتاب من إصدارات دار المعرفة – مصر، عام 2021! خرج العتوم من السجن بعد بضعة شهور، ثم بعد ذلك بسنوات قليلة خرج أحمد فضيل نزال الخلايلة، منطلقا إلى أفغانستان، مبايعا أسامة بن لادن، سوف نعرفه جميعا بعد ذلك باسم أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس تنظيم دولة الإسلام فى العراق - (داع)، والذى أصبح بعد ذلك تنظيم دولة الإسلام فى العراق والشام – (داعش)! فى روايته الأشهر، (يا صاحبى السجن)، تناول أيمن العتوم قصة الخلايلة أبو مصعب الزرقاوي، وشرح أفكاره وأفكار جماعته، معتبرا الزرقاوى الرجل الذى أستطاع أن يؤرق مضجع الأمريكان فى العراق، مشبها إياهم بجماعة التكفير والهجرة فى مصر، وهو الاسم الأمنى لهم، كان الاسم الحقيقى هو (جماعة المسلمين)! نشر العتوم رواية يا صاحبى السجن بعد 15 عاما من مغادرته سجن سواقه، وبها عرفه القارئ العربى روائيا، عام 2012، وفى عام 2016 وجد العتوم طريقه لنشر رواياته داخل مصر، عن طريق دار المعرفة، لصاحبها الناشر علاء شوبك، وكانت مسألة لافتة فى تلك الفترة، مع الوضع فى الاعتبار أن دار المعرفة واحدة من دور التراث الدينى التى يمتلئ بها درب الأتراك خلف الجامع الأزهر، وكان التيار الإسلامى يتعامل مع نشر الروايات عموما بتحفظ شديد، على اعتبار أن الرواية من باب العلم الذى لا ينفع، غير أن تلك الرؤية تبدلت تماما مع انتشار روايات الداعية العراقى أحمد خيرى العمري، ثم الشاعر الأردنى أيمن العتوم، وظهر فى نفس الفترة الكاتب الفلسطينى أدهم شرقاوي، إلى جانب اتساع ظاهرة المنتقبات اللائى يكتبن الروايات، أشهرهن، حنان لاشين، ودعاء عبد الرحمن، وعرف عن الجميع أن كتاباتهم دعوية، يطلق عليها القراء فى مواقع التواصل الاجتماعى أدب ذو طابع ديني، وهى مسألة رفضها العتوم فى مذكراته، حيث اعتبر نفسه روائيا إنسانيا، غير محسوب على تيار إسلامى بعينه! أفرد أيمن العتوم مساحة كبيرة جدا فى كتابه للحديث عن والده، وكيف تأثر به العتوم، حتى على مستوى عشقه للغة العربية، التى يعمل والده أستاذا لها فى جامعة اليرموك، عشقا صاحبه منذ الطفولة، صبيا فى السادسة من عمره، يصاحب والده فى سفره إلى القاهرة عام 1980 باحثا فى الدكتوراه، وفى تلك الفترة درس العتوم فى مدرسة عبد العزيز جاويش بمدينة نصر، حى رابعة العدوية، الفترة التى يذكرها العتوم فى مذكراته باعتزاز شديد، وحنين إلى العاصمة المصرية، القاهرة، التى شهدت أولى مراحل عشقه للقراءة، بدخوله عالم المكتبات العامة، عندما رافق والده إلى زيارة مكتبة عامة تابعة لأحد المشايخ بمنطقة عين شمس، كان قد سمح الشيخ حامد إلى طلاب العالم بزياراتها والاستزادة من كتبها التى جمعها على مدار سنوات! فى تلك الفترة الصغيرة جدا التى عاشها العتوم فى القاهرة، عرفت قدمه الطريق إلى دروس الشيخ كشك، فى مسجده بشارع مصر والسودان، ورغم سنه الصغيرة إلا أن العتوم يذكر تلك الفترة جيدا، وكيف أثرت فيه! استرسال العتوم فى مذكراته لم يقترب نهائيا من ذكر أن والده أحد أهم أقطاب حركة الإخوان فى الأردن، وأنه حصل على درجتى الماجستير والدكتوراه من القاهرة عقدى السبعينيات والثمانينات، السنوات الأكثر سيطرة ونفوذا للجماعات الإسلامية، ولم يذكر أيضا أنه سجن فى مكان مخصص للسجناء التابعين للتيار الإسلامي، وهو ما يفسر سر وجوده فى نفس السجن مع أبو مصعب الزرقاوي، يرافقهم أيضا عصام طاهر البرقاوي، الذى سنعرفه جميعا بعد سنوات باسم أبو محمد المقدسي، منظر السلفية الجهادية فى العالم! حرص العتوم فى مذكراته على تجهيل أى معلومات تشير من قريب أو بعيد إلى علاقته بالتيار الإسلامى الأردنى، تحديدا جماعة الإخوان، أو حتى علاقة والده بهم، أحد أبرز قيادات الحركة الإسلامية الأردنية، ثم تجاهل العتوم تماما أنه اشتهر فى الأردن باسم (شاعر الإخوان)، وأن أشعاره المناهضة للدولة الأردنية الداعمة للحركة الإسلامية الأردنية كانت سببا فى سجنه للمرة الأولى عام 1996، ثم توالت فترات السجن، آخرها مع صدور روايته (حديث الجنود)، وكان اعتقالا سريعا لم يتجاوز بضعة أيام! يحكى العتوم أنه كتب روايته الثانية بعنوان (يسمعون حسيسها)، عن أدب السجن أيضا، والسبب فى ذلك أنه قرأ مذكرات المثقف اليسارى ياسين الحاج صالح فى سجون سوريا، وفى تلك المذكرات لفت انتباه أيمن العتوم أن الحاج صالح أشار إلى تعرض مسجونى الحركة الإسلامية فى سوريا إلى أشد صنوف العذاب، بدرجات أكبر مما تعرض له المثقفون اليسار، ومع ذلك لا توجد كتابات إسلامية توثق تلك الوقائع، فأخذ العتوم على عاتقه تسجيل وقائع تعذيب المسجونين من أبناء الحركة الإسلامية، وهى الفكرة التى كان قد بدأها بالفعل مع روايته ياصاحبى السجن، عن تجربته الذاتية الخاصة، ثم أتبعها برواية يسمعون حسيسها، ثم توالت الروايات عن أدب السجون حتى أًصبح العدد خمس روايات، ساهمت فى ذيوع صيت الروائى الأردنى أيمن العتوم فى أقطار الوطن العربي، حتى تنافست دور النشر على اقتناص أعماله، فنشرت له إلى جانب دار المعرفة، دار نشر عصير الكتب، ثم دار عالم ديوان الكويتية! رغم حرص العتوم الشديد فى إخفاء انتمائه لجماعات الإسلام السياسى فى الأردن، إلا أنه لا ينكر نشأته على كتابات سيد قطب، التى قرأها طفلا قبل أن يتشكل وعيه، تحديدا قصص الأنبياء التى كتب بعضها قطب بالمشاركة مع عبد الحميد جوده السحار صاحبة مكتبة مصر! يوضح أيمن العتوم أن والده لم يقف يوما فى سبيل ما يحب أن يقرأ، وكان الباب مفتوحا أمامه للقراءة فى كل العلوم والأفكار، من جميع اللغات، لكن العتوم أكد على مسألة مهمة أنقلها نصا من مذكراته:»أبى لم يضع محددات على الذين أقرأ لهم – لكن بالطبع – وهذا ما يجب أن ننتبه إليه – لم يسمح بهذه الحرية المطلقة إلا بعد أن توافر أمران، الدربة على القراءات الأولية الحقيقية، ثم الوعى الذى تشكل عبر طبقة عميقة من الأفكار التى تراكمت من القراءات السابقة». اللافت للانتباه أن العتوم لم يوضح فى كتابه ما هى تلك القراءات تحديدا، أقصد القراءات السابقة التى شكلت طبقة عميقة من الأفكار المتراكمة، بل لم يوضح هل تلك القراءات كانت سببا فى سجنه إلى جوار مؤسس تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين أبومصعب الزرقاوى، ومنظر التنظيم أبومحمد المقدسى، وفصله من عمله بالتدريس على خلفية اتجاهاته السياسية الإسلاموية، واعتقاله مرات متتابعة بعد ذلك، ومنع كتبه من أغلب معارض الكتاب العربية! ما سبق يطرح سؤالا مهما، مع الوضع فى اعتبار غياب الإجابة عن كل تلك الأسئلة فى مذكراته، فلماذا إذا كتب العتوم سيرته الذاتية فى 500 صفحة، المساحة الأكبر فيها فى إبراز كيف تأثر بوالده على العتوم، القيادى بجماعة الإخوان فى الأردن! (يتبع)