(انتقال للسلطة مضطرب ومشحون بالعاطفة مع عدم وجود خليفة واضح للحاكم السابق.. مخاوف بشأن الاستقرار والحفاظ علي القانون والنظام، ومخاوف بشأن حدوث تدخل أو تأثير أجنبي وأخيرا ملء الجيش بشكل مؤقت للفراغ السياسي الحادث مع إشرافه علي المرحلة الانتقالية)... هذا هو تسلسل الأحداث الذي عهده كل من تابع سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك الذي حكم مصر علي مدي 30 عاما، لكن الباحث توبي ويلكنسون يجادل بقوله إن هذا التسلسل ليس جديدا علي مصر فقد حدث السيناريو نفسه من ثلاثة آلاف عام مضت بعد وفاة الملك الشاب توت عنخ آمون عندما تدخل الجيش للحفاظ علي النظام وأصبح الوسيط حتي إتمام عملية انتقال السلطة، في كتابه "صعود وسقوط مصر القديمة" يسلط ويلكنسون الضوء علي الحياة السياسية في مصر منذ أيام الفراعنة ويبرز دور جغرافيا البلاد والتباين الطبيعي الحاد الذي فرضه النيل علي مصر فإما فيضان أو جفاف وإما أراض خصبة أو صحراء قاحلة وهو الأمر الذي ساعد في خلق فكرة أخري موازية في الفكر السياسي فإما "النظام أو الفوضي" وهي السياسة التي لعب عليها القادة في مصر لسنوات طويلة لتبرير حكمهم الاستبدادي، وعلي الرغم من أن الكتاب يرتكز بالأساس علي تقديم المزيد من التفاصيل عن الفراعنة ومعاركهم حتي عهد كليوباترا إلا أنه في الوقت نفسه يرصد فكرة "تأليه الحاكم" في مصر الفرعونية وربط السلطة بالدين والجيش وتطور ذلك عبر العصور، ويرصد ويلكنسون كذلك التطور الثقافي في مصر الفرعونية بتحليله للكتابات والنقوش الفرعونية مشيرا إلي أن المصريين كانوا بارعين في تسجيل الأشياء كما يرغبون أن ينظر إليها وليس كما هي في الواقع. ومن خلال كتابه يقول ويلكنسون، الذي عكف علي دراسة التاريخ المصري لمدة 20 عاما، أن الجميع مفتون بالحضارة المصرية القديمة الخالدة إلا أنه لا يحاول التركيز علي الجانب المشرق منها وإنما يحاول أن يري الوجه الآخر المظلم والمتمثل في السياسة فالكل يتعجب عندما ينظر إلي الأهرامات لكن أحدًا يفكر في النظام السياسي الذي أوجدها، ويهتم الجميع بانتصارات الفراعنة العسكرية، كانتصار تحتمس الثالث في معركة مجدو ورمسيس الثاني -الذي حكم مصر لمدة 67 عاما- في معركة قادش ولا يهتم أحد بوحشية الحرب في العالم القديم وكذلك ينبهر العالم بإخناتون وأعماله ولا يفكر أحد في قسوة العيش في ظل حاكم متعصب ومستبد.. ويقول ويلكنسون كذلك أن المصريين هم أول من اخترع مفهوم "الدولة القومية" لكن الملوك القدامي استخدموا جميع الأدوات والأيديولوجيات للسيطرة علي تلك الدولة من جمع وتوحيد الشعب وجعله يلتف حولها إلي استخدام أساليب خبيثة مثل التخويف ومراقبة الشرطة والحث علي كراهية الأجانب والقمع الوحشي للمعارضة وأخيرا يشير الكتاب إلي أن التاريخ المصري "يعيد نفسه" وأن مصر التي صدرت الحضارة للعالم أجمع قد يعتريها الضعف لسنوات طويلة ولكنها لا تموت. اسم الكتاب: THE RISE AND FALL OF ANCIENT EGYPT اسم المؤلف: Toby Wilkinson الناشر: Bloomsbury Publishing PLC عدد الصفحات: 672