اسم «بنادورا» يعود بنا إلى «صندوق بنادورا» فى الأسطورة الإغريقية، الذى ما إن فُتح حتى خرج منه كل الشرور من حقد وكراهية وكذب ونفاق ولم يتبق فيه سوى الأمل. استطاع الشاعر ميسرة صلاح الدين فى مسرحيته الشعرية «بنادورا»، أن ينقل لنا تجربة حية تجمع بين موهبته الشعرية وقدرته على رسم الشخوص وتمثيل حياة أو أخرى على مسرح خشبي، من خلال خمسة مشاهد مسرحية فقط، وتناولت «بنادورا» مختلف التناقضات فى صورة رجل وامرأة والصراع بينهما كسبب واضح لاستمرار الحياة ثم انتهائها، وذلك عن طريق تناول القضايا المجتمعية المختلفة التى تمس واقعنا بلغة شعرية وخيال مدروس.. عن المسرح الشعرى عامة ومسرحيته خاصة، والواقع الثقافى السكندرى كان لنا معه هذا الحوار: ■ لماذا اخترت قالب المسرح الشعرى فى عملك الجديد؟ - «بنادورا» هى مسرحيتى الشعرية الثانية بعد مسرحية «الورد البلدى» التى صدرت 2012 عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، والحقيقة اننى لم اتعمد تماما اختيار القالب ولكن تزاحم الاصوات وتداخل الافكار المرتبطة بعلاقة الرجل بالمرأة، ومراحلها المختلفة وما يعتريها من فتور فى احيان كثيرة وعنفوان وأمل فى احيان اخرى، كان دافعا لى لمحاولة التعبير بقارب اكثر رحابة من القصيدة وأكثر ملائمة لى كشاعر من السرد التقليدى، فاخترت المسرح الشعرى وبذلت مجهودا كبيرا فى اعداد نفسى للكتابة المسرحية محاولا أن أتجاوز ما قدمته فى مسرحيتى الأولى كنوع من التحدى. ■ كيف ترى العلاقة بين مشهدية القصيدة الشعرية وغنائية الخطاب المسرحي؟ - تتسم القصيدة الشعرية فى العديد من الاحيان بالمشهدية وربما ايضا تداخل الاصوات مما يضفى عليها طابعا مسرحيا أو سينمائيا ولكنها فى كل الاحوال تختلف كثيرا عن المسرح الشعرى، الذى يرتكز على دراما متفرعة وعوامل أخرى كالحركة والاضاءة ورسم الشخصات الدرامية، ويجب ايضا على كاتب المسرح الشعرى ألا ينساق خلف تداعيات الجملة الشعرية والغنائية على حساب الدراما فالاهم فى المسرحية هو البناء المتكامل الذى يقود القارئ والمشاهد لحالة النص المسرحى كوحدة متكاملة، وفى نفس الوقت لا يفرط الكاتب فى شاعريته وتفرد الحوار الشعرى الذى ارتضاه لنفسه كوسيط معبر عن الشخصيات. ■ لعبة آدم وحواء الأزلية، ما الذى حاول النص إضافته إلى اللعبة من حيث التناول أو المضمون؟ - لقد تغير كثيرا شكل العلاقة بين ادم وحواء كثيرا، فصارت المرأة أكثر تحررا وانفتاحا وأكثر قدرة على الاختيار، بل وصارت المرأة فى كثير من الاحيان هى محور الأسرة وعقلها المفكر، كما ان الحياة الآن أصبحت اكثر تعقيدا وصعوبة وأقل وضوحا مما كانت عليه فى السابق، وقد حاول النص إظهار هذه التغييرات الجديدة فى طبيعة المرأة ورصد الصراع المضنى بينها وبين الرجل، والكثير من العوامل الخارجية –القدرية– التى دائما وأبدا ما تفاجئهما وتؤدى الى تغيير خطتهما بل وتؤثر على علاقتهما. ■ لم يشتمل النص على عدد كبير من الشخوص، إلى أى مدى دعم هذا بساطة الفكرة دون اختزال؟ اعتمدت فى المسرحية على التكثيف والإيجاز لحد كبير ولذلك اخترت عددًا محدودًا من الشخصيات فبجانب الرجل والمرأة فقد كان هنالك الراوى صاحب القوى العليا الذى يستطيع التحكم فى مجريات الامور ويتدخل فى سير الاحداث وكان هنالك التابعون الذين ينفذون أوامر الراوى وتوجهاته تمثيلا لقوى الخير والشر بجانب ظهور الطفل كمحفز لاستمرار العلاقة بين الرجل والمرأة وحاولت ان ارسم علاقة متشابكة بين كل الشخصيات تنمو وتتفرع انسانيا ونفسيا واجتماعيا بقدر من العمق والبساطة وبلغة شعرية تخص الابطال وحدهم. ■ البطل هنا يبدأ رحلته بتعلم الأسماء، هل هكذا تبدأ أيضا رحلة الشاعر؟ - بطل العمل ليس بالضرورة هو كاتبه والكتابة لا يشترط ان تكون تعبيرا عن السيرة الذاتية للكاتب، ربما كان هناك تشابه واضح بين بطل العمل كرجل وبين العديد من الرجال لأن المسرحية تعبر عن القصة المجردة الازلية للعلاقة بين الرجل والمرأة ولهذا ترى ايضا المرأة نفسها فى بطلة العمل فى احيانا كثيرة. ■ كيف يمكن فقد لغة التواصل بين الرجل والمرأة رغم العاطفة؟ - صحيح ان العاطفة اقوى وابلغ اشكال التواصل بين الرجل والمرأة إلا انها ليست الوسيلة الوحيدة للتواصل فلقد اصبحت هنالك العديد من الوسائل المباشرة وغير مباشرة التى تستخدم للتواصل وربما كانت فكرة وجود التابعين الذين يتدخلون فى الحوار بين الرجل والمرأة ويوعزون لهم بالخير والشر وفى بعض الاحيان يتقمصون دور الرجل فى مخاطبة المرأة والعكس بالعكس كبديل مجازى لكل اشكال التواصل بين الرجل والمرأة وكذلك بديل ايضا عن العوامل الخارجية التى تؤثر فى علاقتهم ونمط التواصل فيما بينهم. ■ إلى أى مدى يلامس النص مسألة الاغتراب التى ينظر إليها هذا الجيل باعتبارها الحل والمشكلة؟ - يناقش النص فى طياته قضية الاغتراب التى تتطور تدريجيا لتصل لغربة حقيقة فبطل النص يعانى فى الفصل الاول من الاغتراب لأنه لا يجد وليفًا يشاركه حياته ثم يعانى فى الفصل الثانى والثالث بعد دخول المرأة فى حياته من المشاكل المادية وتدخل التابعين للإيقاع بينه وبين المرأة فى احيانا كثيرة والإصلاح بينهم فى احيان اخرى ثم تدفعه كل تلك الظروف المحيطة، خاصة بعد اكتمال العائلة بطفل صغير للسفر والبحث عن الرزق بعيدا عن أسرته ليصبح هو غريبا بعيد عن اسرته وتصبح الاسرة غريبة فى مكانها بدون شريك أو أب، وربما كانت الغربة والسفر حلا ومشكلة للجيل الحالى من الشباب ولكنها لم تعد فقط لأسباب مادية ولكنا أصبحت أيضا بدافع اليأس من تغيير الواقع المعاش الذى أصبح بالغ الصعوبة والتعقيد. ■ ماذا أضاف النقد لأسلوب كتابتك الإبداعية؟ وكيف أثر على قراءتك لكتاب مبدعين آخرين؟ - لقد كان النقد بالنسبة لى هو السلم الذى أحاول أن أصعد به درجة جديدة من الإبداع، أو هكذا أتصور، وقد حاولت فى الفترة التى تسبق كتابة ونشر العمل التواصل مع كتاب المسرح بشكل خاص، وربما يكون ابرزهم الكاتب المسرحى الكبير السيد حافظ كما قمت ايضا بجمع العديد من الرؤى النقدية والدرامية حول فن كتابة المسرحية وبناء الشخصية الدرامية وغيرها، ولا استطيع ان انكر ان قراءة النقد فى كثير من الاحيان تفسد متعة قراءة نصوص الكتاب الاخرين، حيث تتحول لقراءة تحليلية ونقدية تستغرق فى بنية العمل وتكويناته على حساب المتعه والإدهاش. ■ بماذا يمكنك أن تصف الوسط الثقافى فى الإسكندرية؟ - الوسط الثقافى السكندرى يتميز بالحياة والعفوية والتجدد الدائم خصوصا فى الفترة الاخيرة فما تلبث ان تمر فترة قصيرة حتى تطل علينا دار نشر جديدة او منتدى ثقافى او نادى كتاب كما يتميز كتاب الاسكندرية بانعزالهم عن الصراعات الكثيرة التى تدور فى الوسط الثقافى والتركيز على مشروعاتهم الابداعية واكبر دليل على هذا صدور العديد من الاعمال المميزة لكتاب سكندريين فى القصة والشعر والرواية وذلك خلال 2014 فقط لجانب ازدهار المسرح والسينما المستقلة وورش الكتابة. ■ كيف ترى تطور المسرح الشعرى فى مصر؟ وما موقعه بالنسبة لأولويات هذا الجيل الفنية؟ - لقد توقف المسرح الشعرى عن التطور منذ فترة طويلة ولا استطيع ان اعتبر تجربتى فى هذا المجال تطور على الاطلاق بل هى اقرب ما يكون عودة لمسار مهجور منذ زمن احاول فيه مجتهدا ان اترك بصمة مختلفة على مستوى الرؤية وكذلك الصياغة اما بالنسبة لأولويات الجيل الفنية فهى مختلفة تماما فكثير من الشعراء قد صبوا اهتمامهم على كتابة الاغانى حتى ان معظم الدواوين التى صدرت مؤخرا تحتوى على قصائد غنائية ربما بدافع الشهرة أو التواصل مع فئة مختلفة من الجمهور تتسم بالكثرة وتهتم بالبساطة والمباشرة والسجع الموسيقى على حساب التجديد والتفرد الا اننى اتوقع ان يثمر هذا الحراك عن تغيير جذرى فى الذائقة العامة يدفع الجمهور للبحث عن المختلف ويدفع حركة الشعر بشكل عام للإمام اما بالنسبة للكتابة المسرحية فأننى ارى بوجه عام العديد من الكتاب الذين صدرت لهم اعمال مسرحية مميزة فى الفترة الاخيرة مثل شريف عبد المجيد صاحب مجموعة حشو مؤقت والتى تتكون من ثلاث مسرحيات قصيرة. ■ ما الذى تفكر به فى عملك القادم؟ أجهز حاليا لإصدار مجموعة شعرية جديدة، حيث صدر آخر ديوان لى فى 2010، وبرغم صدور مسرحيات شعرية مؤخرا، يظل لنشر ديوان شعرى مذاق مختلف، خاصة أن الديوان الجديد يحتوى على تجربة مختلفة بالنسبة لى ستكون مفاجأة.