بعد أكثر من 40 عاما من العمل في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بات السويسري جوزيف بلاتر رئيس الفيفا المنتهية ولايته محروما من الخروج الآمن بل وتبدد آخر طموح كان يتشبث به حتي اللحظة الأخيرة وهو إدارة الاجتماع الاستثنائي للجمعية العمومية (كونجرس الفيفا) المقرر غدا الجمعة بمدينة زيوريخ السويسرية والذي يشهد انتخاب الرئيس الجديد للاتحاد من بين خمسة مرشحين. وكان آخر تواجد لبلاتر في مقر الفيفا ، الذي ترأسه منذ عام 1998 ، قبل ايام عندما خضع لجلسة استماع قبل أن تعلن لجنة الاستئناف بالفيفا مساء الأربعاء تقليص عقوبة إيقافه من ثمانية أعوام إلى ستة أعوام ، لكن لم يحصل على البراءة في النهاية وتبدد أمله في إدارة الكونجرس. وتلقى بلاتر عقوبة الإيقاف ضمن القضية الخاصة بتحويل مبلغ "مثير للشبهات" إلى الفرنسي ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي للعبة (يويفا) ، الموقوف هو الآخر ، بقرار من لجنة القيم بالفيفا التي ساعد بلاتر نفسه في تأسيسها مع تزايد الضغوط على الفيفا بسبب إدعاءات الفساد المتلاحقة والأنماط الإدارية المرفوضة بالفيفا. وكان بلاتر 79/ عاما/ قد أعلن أنه يتمنى إصلاح الفيفا من القمة ، على خطى خوان أنطونيو سامارانش الذي نجح في ذلك عندما واجهت اللجنة الأولمبية الدولية حالة من الفوضى بسبب قضية دفع رشاوي لشراء أصوات في عملية منح سولت ليك حق استضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2002 . ولكن في 27 أيار/مايو 2015 ، ألقت السلطات السويسرية القبض على سبعة من مسؤولي كرة القدم في أحد فنادق زيوريخ بناء على طلب من السلطات الأمريكية التي تحقق في قضية فساد تتمحور حول عقود خاصة ببطولات ومباريات في أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي. وارتفع عدد الاسماء بلائحة الاتهام حتى الآن إلى 41 من بينهم عدد من نواب رئيس ومسؤولين تنفيذيين سابقين بالفيفا. ورغم المداهمة الصباحية للفندق حينذاك ، انعقد اجتماع الجمعية العمومية (كونجرس الفيفا) حينذاك في موعده بعدها بيومين وانتخب بلاتر لفترة رئاسية خامسة بعد فوزه في المنافسة أمام الأردني الأمير علي بن الحسين. وبدا بلاتر مبتهجا عقب انتهاء التصويت حيث فاز في السباق الرئاسي الذي شهد منافسا له للمرة الأولى منذ عام 2002 ، وكرر تعهده بإصلاح الفيفا. وقال بلاتر أمام الوفود حينذاك "أحبكم. وأحب عملي. أنا لست مثاليا. لا أحد مثالي. معا سنمضي قدما. فليمضي الفيفا قدما! فليمضي." وبعدها بأربعة أيام ، عقد مؤتمر صحفي عاجل في زيوريخ ، وفجر بلاتر مفاجأة بإعلان رحيله عن المنصب وانتخاب رئيس جديد في كونجرس استثنائي ، وصرح حينذاك قائلا "الفيفا يحتاج إلى إصلاح جذريوشامل " وأضاف "رغم أنني مفوض من أعضاء الفيفا (الاتحادات الوطنية الأعضاء) ، لا أشعر بأنني مفوض من عالم كرة القدم ككل. وبالتالي قررت وضع ولايتي تحت تصرف كونجرس استثنائي انتخابي." وجاء قرار بلاتر في نفس الوقت الذي تحرك فيه الفيفا لتقديم إفادة بشأن تحويل مبلغ عشرة ملايين دولار إلى حسابات بنكية يتحكم بها جاك وارنر ، الرئيس السابق لاتحاد الكونكاكاف (أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي) ، وهو أحد المدرجين في لائحة الاتهام. وجاء اسم وارنر أيضا في بيان مكتب الإدعاء العام السويسري الذي أعلن اتخاذ إجراءات جنائية ضد بلاتر في سبتمبر 2015 "للاشتباه في فساد جنائي بالإدارة.. واختلاس" فيما يتعلق بعقد حقوق بث تليفزيوني. بينما تتعلق القضية السويسرية الأخرى بالمبلغ المحول إلى بلاتيني. وكرر بلاتر وبلاتيني التأكيد على براءتهما لكن جرى إيقافهما بعدها مباشرة من قبل الفيفا في 21 ديسمبر. وأعلنا نيتهما اللجوء لمحكمة التحكيم الرياضي الدولية (كاس). وصمد بلاتر أمام عدة عواصف واجهها منذ تفوقه على لينار جوهانسون في انتخابات الفيفا عام 1998 ، ورغم الانتقادات وفضائح الفساد وموجات الجدل ، نجح بلاتر طوال هذه الفترة في أن يحظى بدعم أغلب الاتحادات القارية. وولد بلاتر في العاشر من مارس 1936 في كانتون فاليز بسويسرا ودرس إدارة الأعمال والاقتصاد في جامعة لوزان وعمل في الاتحاد السويسري لهوكي الجليد وكذلك شركة "لونجين" المصنعة للساعات قبل أن يبدأ عمله مع الفيفا عام 1975 . وبدأ بلاتر كمدير فني بالاتحاد الدولي قبل أن يتولى منصب الأمين العام في 1981 ، وهو المنصب الذي استمر فيه حتى تولى الرئاسة عام 1998 خلفا للبرازيلي جواو هافيلانج. وتحت قيادة بلاتر ، حقق الفيفا طفرة مالية حقيقية ، وقد أعلن الاتحاد مؤخرا أنه يمتلك احتياطي تبلغ قيمته 5ر1 مليار دولار وجنى دخلا من كأس العالم 2014 يقدر بخمسة مليارات دولار. واقترنت فترات رئاسة بلاتر بقضايا فساد مختلفة ، مثل قضية التسعينيات من القرن الماضي المتعلقة بمؤسسة "آي.إل.إس" ، الشريك التسويقي السابق للفيفا ، والتصويت لاختيار الدولتين المنظمتين لبطولتي كأس العالم 2018 و2022 ، عندما وقع الاختيار على روسيا وقطر ، على الترتيب. لكن بلاتر استطاع تبرئة ساحته في كل مرة ، كما نصب نفسه على رأس حركة إصلاح كانت هي نفسها محل جدل. وجاءت الإجراءات الجنائية ومداهمة مقر الفيفا والمكتب الخاص لبلاتر من قبل الشرطة الجنائية الاتحادية ، لتعلن عن سقوط بلاتر ، رغم أنه وجه انتقادات حادة لقرار إيقافه بل واقترح أن يتحدد مصيره من خلال الكونجرس. وكان جويدو توجنوني مدير الإعلام السابق بالفيفا قد علق على موقف بلاتر قائلا "بلاتر يعيش في عالمه الخاص.. لقد ظل لعقود يعتبر نفسه ضحية. وعندما يحدث أي شيء لا يقبل أن يكون هو من يستحق اللوم ، وإنما يرى نفسه الضحية."