كان لسان حال المصريين في لحظة كادت جحافل التتار أن تستكمل تدمير كل ما وجدته في طريقها من سهول اسيا، تقتلع وتحرق الأخضر واليابس، وتسحق البشر بأبشع صور القتل والتعذيب والترويع التي كانت سائدة في العالم وقتها، اسقط الامر بيد المصريين آنذاك فإما المواجهة أو الإستسلام، وأجمع خير أجناد الأرض أمرهم، وفي الحقيقة كانت صرخة "وا إسلاماه" ( دفاعا عن الوطن وصحيح الدين والتدين ) هبوا جميعا مسلمين ومسيحيين، حيث أن الأنبياء متعددون والرسالات كذلك، لكن الوطن واحدا موحدا والتعدد يقوي بنيانه .. كما ان التلاعب بالدين (تفسيرات ورؤية الأفراد لفهمهم للدين) هي رؤي متعددة ومتباينة وصحة بعضها إن صح ترتبط بمدي الثقافة في فهم الدين والتدين لهؤلاء الافراد في حدودهم الجغرافية والزمن الذي عاشوا فيه، ومن ثم فالخلل لازم في جوهرها، وكما ان التفسيرات ليست ملزمة إلزام النص الوحي، ولأن الزمن متغير والفهم البشري متغير للأفضل، ومن ثم لا تصلح رؤى (تفقه) هؤلاء للاستمرارية لغير أصحابها ومن اتبعهم، ولهذا تتضح عظمة ومنطقية الحديث النبوي "يبعث الله للناس علي راس كل مائة عام من يجدد لها دينها" (أي فهمها للدين) وليس تجديد الدين ذاته، فالدين ثابت والمتغير هو فهم البشر للدين في الزمان والمكان. وفقا لمدى الوعي والإدراك لحقائق الحياة وضروراتها (بإعتبار أن ذلك يقرب من الفهم الصحيح لانعكاسات الدين علي الحياة)، وبما ان الفهم البشري متغير ومتطور ومتعدد ومطلوب من المهد الي اللحد وبنماء البشر وتوحدهم حول امور الحياة نشأت الثقافة المتقاربة التي تتجه إلى شبه التوحد يوما بعد يوم، حيث تتزايد مقومات التوحد البشري التي تدور حول سعادة الانسان رغم تعدد الجغرافيا والمعتقدات الدينية والمذهبية سماوية كانت او اجتهادات بشرية. وبالنسبة للفقهاء، يقول الامام مالك هم (يقصد المجتهدين) وان صحت النوايا بأنهم رجال ونحن (مالك) رجال ورأينا صحيح يحتمل الخطأ ورأيهم خطا يحتمل الصواب، ولهذا لا يمكن اختزال الفهم الصحيح للدين وأمور الحياة في شخص أو عدة أشخاص. (إياك والقرآن) قالها علي بن ابي طالب لمندوبه لمفاوضة الخوارج، فسأل المندوب لماذا ؟، أجاب الخليفة، لان القرآن حمال أوجه .. ومن نعم الله علينا ان اصبح الأزهر هو الجامع الدارس المقارن بين المذاهب المختلفة القديمة والجديدة وإضافة الرأي الجماعي لمجلس علماء الأزهر في الموقف الصحيح، فقد أمسك الأزهر بصحيح الدين وبنفس القدر وانطلاقا من الأوليات الوطنية اتخذ المواقف الرافضة لكل عدوان خارجي علي الرض الوطن وسيادته، بقدر رفضه لكل أشكال الظلم للمصريين مسلمين وغير مسيحيين وغيرهم، ولقد قويت رؤيته بحكم بجمع علمائه بين ثقافة وخبرات البشر أيا كانت أوطانهم ومعتقداتهم، فامتلك أساسيات الفهم والإدراك العلمي، ونهل شيوخه الأجلاء من منابع الثقافة الانسانية والتي هي ايضا نتاج ومقدمات للثقافة العلمية، وأصبح معونا للاستنارة الدينية والدنيوية وتكامل دوره مع الموروث الحضاري للمصريين الذي تجسدت بعض خلاصاته في تكوين فجر الضمير الإنساني وهذه الريادة الحضارية التي جعلت ارض الكنانة الموطن الاول لفكرة البعث والخلود وبالضرورة التوحيد، فعلي ارضه صاغ المصريون كل الأسس التي رسمتها رسالات السماء وعلى نفس الارض الطيبة عاش ومر وعبر كل الأنبياء، حتي اصبح التحضر والتدين مكون حضاري جيني موروث، ولهذا راجع وعدل الامام الشافعي روءاه وفتاواه عندما قدم الي مصر .. هذه الجذور الحضارية والدور الريادي والموقع المحوري جعل المصريون حالة وسطية، والوسطية هي البنية الاساسية التي صاغت رؤية الأزهر وعلمائه والتي أدت الي انتشار أبنائه الدراسيين في كل بقاع الدنيا وكانت أهم أاسس إنتشار الدين خارج النطاق العربي. ولهذا للمسلمين مصلحة دينية ودنيوية بأن ينهلوا من الأزهر الفهم الصحيح للدين وانعكاسه علي امور الحياة، هذا المعون الجماعي، لانه رأي جامع لمجلس علماء الأزهر، رأي لا يعرف الهوى والتحزب، بل إنه يتسم بالعالمية، فلا يعرف تفرقة في رؤية مصالح البشر ايا كانت دياناتهم او مذاهبهم، فالدين أرسل للناس كافة، والنبي أرسل رحمة للعالمين وهو والأنبياء اخوة أمهاتهم شتى ودينهم واحد. أعداء الدين والإنسانية ولأن الإنحراف بالتفسيرات الظلامية الصهيو أمريكية، الامريكية الدفع والتمويل، الانجليزية منذ عشرينيات القرن الماضي والتي خرجت عن صحيح الدين، وربطت مشروعها بالمشروع الاستعماري، والتي نمت ومولت وترعرعت بالتخطيط والتمويل الأجنبي خاصة الصهيوني الامريكي، هذا التمويل الهائل الذي استخدم لرشوة الفقراء وإيهامهم بان هؤلاء الظلاميين شركاء الاستعمار والاحتكاريين نهابي الثروة والشعب ومرحليها للخارج الذين خدموا على الرأسمالية الغربية بتمويل نموها من ثروة الوطن وعرق ابنائه وافتتحوا لهم بنك (التقوى) بجزر البهاما بعيدا عن الرقابة والضرائب وأعين الفقراء العرب وغير العرب من المسلمين .. هؤلاء بالتمويل الأجنبي حاولوا وتمكنوا بعض الشيئ في الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة، حيث مولت المخابرات الامريكية طبقا لنص محضر التحقيق مع أوباما في الكونغرس الامريكي والذي أكد فيه ان المخابرات الامريكية مولت الاخوان بمبلغ (8) مليارات دولار ومولت السلفيين بمبلغ (4) أربعة مليارات دولار. لكي يتمكن وجهي الشيطان عملاء الامريكان (الاخوان والسلفيين) من إيهام البعض بأنهم أهل ورع وخير وهم نقيض ذلك، وانهم أهل دين وهم ألد أعدائه وأنهم وطنيون مصريون وهم لمصر والمصريون معادون كارهون، وأنهم اهل ديمقراطية مسالمين وها هو الإرهاب يكذبهم ويتجسد في تكوينهم فكرا وبنيانها وسلوكا (طوال تاريخهم)، وتركز عداءهم ضد الاستنارة التي تؤدي الي صحة الاختيار والفهم لأمور الدين والدنيا، وركزوا في ذلك علي الجامعات فطردوا الاستنارة والمستنيرين، وكانت العقبة الكبري أمامهم (هو الأزهر الشريف) فعملوا علي تهميشه والإساءة اليه، واخترعوا تنظيمات أسموها عالمية مثل المجلس العالمي (الإخواني القطري) بالاضافة إلى تقسيم المسلمين إلى طوائف مذهبية باسم الدين والدين منهم براء، ثم يدخلوا المسلمين في حروب طائفية تأكل بعضها البعض إلى ان ينتهي الجميع ويتحقق المخطط الصهيو أمريكي الإخواني السلفي. نداء عام الي المسلمين والمسيحيين وغيرهم في مصر والعالم العربي وكل الحريصين علي حرية الانسان أيا كان موطنه وتدينه او عدم تدينه .. أوقفوا جريمة تفتيت المسلمين والإساءة لفهمهم للدين بين الهوى والتحيز والتحزب بإلعوبة الجماعات والجمعيات المسماة بالدعوية والجمعيات الخيرية، ومنع تمكينهم من خداع البسطاء لعدم تمكين هؤلاء الافراد والجماعات وتوصيلهم الي مقاعد السلطة، واننا يجب ان نعمل الدستور في ان يقوم الأزهر بشؤون التفسير والدعوة لصحيح الدين والتدين، وألا نترك عقول المسلمين الأبرياء فريسة ونهبا لدعاة الفهم الخاطئ والظلامية بما يسيئ في نهايته للدين وصحيح التدين، وعدم السماح لهؤلاء بالوصول الي مقاعد السلطة وتحويلها الي مواقع تسلط وقهر المصريين، بل وتحويل الأزهر الشريف الي مجرد مكتب ملالي علي النمط الإيراني (وهذا جوهر القانون الذي حاول الاخوان والسلفيين تمريره في مجلس الشعب الذي سيطروا عليه بطرق غير مشروعة). "أزهر المسلمين والمسيحيين" عندما زار الشيخ الشعراوي الأزهر أصر الرجل علي ان يقبل يد شيخ الأزهر وعندما سؤل عن السبب قال أن الأزهر قيمة إسلامية، مصري التكوين والرعاية لكنه تعبير عن صحيح الدين والتدين، وانه خير هاد للمسلمين، وان أبناؤه من المصريين وغير المصريين ينتشرون وينشرون صحيح الدين وصحيح التدين في ربوع الدنيا ، وأنه حافظ علي الجوهر الوسطي في فهم الدين والتدين، وأنه صدر علوم الدين الي الدنيا كلها حتى إلى البلد الذي نزل فيه الاسلام. (( ويبقي السؤال .. ))، هل أدركنا خطورة السماح بالجماعات والجمعيات الظلامية التكفيرية (المغرضة جهلا او عمدا) خاصة وجهي الشيطان (السلفيين والاخوان) ؟؟، هل نزيل نيران الفتنة والحروب الطائفية ونخدم الاسلام والمسلمين في مصر والبلاد العربية وغيرها في جميع أنحاء العالم ؟؟، هل نتصدي لخطر سرقة دور الأزهر والانحراف به ؟؟، هل نصحح فهم الشباب ونهديهم الي سواء السبيل لوطنهم ولآخرتهم ؟؟، هل نقصر الدعوة ورعاية شؤون الدين طبقا لصحيح الأمور والدستور للأزهر ؟؟، هل نعمل لاستعادة الدور المصري والعربي والعالمي للأزهر الشريف ؟؟، لا مفر من كل ذلك، فالصراع تجاوز حدود الانحراف بالدين إلى كل ما يناقضه، والوطن والوطنية إلى كل ما يناقضها … بل اصبح معركة حياة واستقلال وطني وإعمال لحرية الرأي والفكر والعقيدة.