فى الأسبوع الماضى استعرض الأستاذ أنيس منصور ترجمته للفصل الأول من كتاب «الخالدون مائة أعظمهم محمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للمؤلف الأمريكى مايكل هارت وتطرق لشخصية الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الفذه التى أثرت فى البشرية جمعاء وأيضا إلى الفتوحات الإسلامية التى امتدت من شمال أفريقيا حتى المحيط الأطلسى ويؤكد الأستاذ أنيس منصور أن المؤلف الأمريكى قد اختار شخصياته المائة على أساس أن يكون الشخص عميق الأثر عالمى التأثير - واستبعد المؤلف كل الأحياء مهما كانت أثارهم على بلادهم أو على الإنسانية فالمستقبل غيب والمهم عند الكاتب أن يكون للشخصية أثر عميق متجدد على شعبها وعلى تاريخ الإنسانية ولذلك فقد اختار محمد عليه الصلاه والسلام أول هذه القائمة وعنده لذلك أسباب مقنعة. لقد استطاع الإسلام أن يقيم أمبراطورية واسعة ممتدة من حدود الهند حتى المحيط الأطلس كأعظم امبراطورية أقيمت فى التاريخ حتى اليوم استطاع ذلك هؤلاء البدو المؤمنون بالله وكتابه ورسوله وفى كل مرة تتقدم فيها قوات المسلمين وتكتسح بلدا فإنها تنشر الإسلام بين الناس. ولم يستقر على هذه الأرض التى غروها. إذ سرعان ما انفصلت عنها بلاد فارس. وإن كانت قد ظلت على إسلامها.. وبعد سبعة قرون من الحكم العربى لإسبانيا والمعارك المستمرة. تقدمت نحوها الجيوش المسيحية فاستولت عليها. وانهزم المسلمون. أما مصر والعراق. مهدا اقدم الحضارات الإنسانية. فقد انفصلنا.. ولكن بقينا على دين الإسلام.. وكذلك كل شمال أفريقيا. وظلت الديانة الجديدة تسع على مدى القرون التالية. فهناك مئات الملايين فى وسط أفريقيا وباكستان واندونسيا. بل إن الإسلام قد وحد بين أندونيسيا المتفرقة الجزر والديانات واللهجات. وفى شبه القارة الهندية انتشر الإسلام وظل على خلاف مع الديانات الأخرى. والإسلام مثل كل الديانات الكبرى. كان له أثر عميق فى حياة المؤمنين به. ولذلك فمؤسسو الديانات الكبرى ودعاتها موجودن فى قائمة المائة الخالدين. وربما بدا شيئا غريبا حقا.. أن يكون الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فى رأس هذه القائمة، رغم أن عدد المسحيين ضعف عدد المسلمين. وربما بدا غريبا أن يكون الرسول عليه السلام هو رقم واحد فى هذه القائمة. بينما عيسى عليه السلام هو رقم 3 وموسى عليه السلام رقم 16. ولكن لذلك أسباب: من بينها أن رسول الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) قد كان دوره أخطر وأعظم فى نشر الإسلام وتدعيمه وإرساء قواعد شريعته أكثر مما كان لعيسى عليه السلام فى الديانة المسيحية. وعلى الرغم من أن عيسى عليه السلام هو المسئول عن مبادئ الأخلاق فى المسيحية. غير أن القديس بولس هو الذى أرسى أصول الشريعة المسيحية. وهو أيضا المسئول عن كتابة الكثير مما جاء فى كتب « العهد الجديد».. أما الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فهو المسئول الأول والأوحد عن ارساء قواعد الإسلام وأصول الشريعة والسلوك الاجتماعى والأخلاقى وأصول المعاملات بين الناس فى حياتهم الدينية والدنيوية. كما أن القرآن الكريم قد نزل عليه وحده. وفى القرآن الكريم وجد المسلمون كل ما تحتاجون إليه فى دنياهم وآخرتهم. والقرآن الكريم نزل على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كاملاً وسجلت آياته وهو مايزال حيًا. وكان تسجيلا فى منتهى الدقة. فلم يتغير منه حرف واحد. وليس فى المسيحية شىء مثل ذلك. فلا يوجد كتاب واحد محكم دقيق لتعاليم المسيحية يشبه القرآن الكريم. وكان أثر القرآن الكريم على الناس بالغ العمق. ولذلك كان أثر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على الإسلام أكثر وأعمق من الأثر الذى تركه عيسى السلام عليه السلام علىالديانة المسيحية. فعلى المستوى الدينى كان أثر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قويًا فى تاريخ البشرية. وكذلك كان عيسى عليه السلام. وكان الرسول عليه السلام على خلاف عيسى عليه السلام رجلا دنيويًا فكان زوجا وأبًا. وكان يعمل فى التجارة ويرعى الغنم. وكان يحارب ويصاب فى الحروب ويمرض.. ثم مات.. ولما كان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قوة جبارة. فيمكن أن يقال أيضا إنه أعظم زعيم سياسى عرفه التاريخ.. وإذا استعرضنا التاريخ.. فإننا نجد أحداثا كثيرة من الممكن أن تقع دون أبطالها المعروفين.. مثلا: كان من الممكن أن تستقل مستعمرات أمريكا الجنوبية عن إسبانيا دون أن يتزعم حركاتها الاستقلالية رجل مثل سيمون بوليفار.. هذا ممكن جدًا. على ان يجىء بعد ذلك أى إنسان ويقوم بنفس العمل. ولكن من المستحيل أن يقال ذلك عن البدو.. وعن العرب عموما وعن امبراطوريتهم الواسعة، دون أن يكون هناك محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يعرف العالم كله رجلاً بهذه العظمة قبل ذلك. وما كان من الممكن أن تتحقق كل هذه الانتصارات الباهرة بغير زعامته وهدايته وإيمان الجميع به. ربما ارتضى بعض المؤرخين أمثلة أخرى من الغزوات الساحقة.. كالتى قام بها المغول فى القرن الثالث عشر.. والفضل فى ذلك يرجع إلى جنكيز خان. ورغم أن غزوات جنكيز خان كانت أوسع من غزوات المسلمين. فإنها لم تدم طويلا.. ولذلك كان أثرها اقل خطر وعمقًا. فقد انكمش المغول وعادوا إلى احتلال نفس الرقعة التى كانوا يحتلونها قبل ظهور جنكيز خان. وليست كذلك غزوات المسلمين.. فالعرب يمتدون من العراق إلى المغرب. وهذا الإمتداد يحتوى دولاً عربية لم يوحد بينها الإسلام فقط. ولكن وحدت بينها اللغة والتاريخ والحضارة. ومن المؤكد أن إيمان العرب بالقرآن. هذا الإيمان العميق. هو الذى حفظ لهم لغتهم العربية وأنقذها من عشرات اللهجات الغامضة صحيح ان هناك خلافات بين الدول العربية. وهذا طبيعى، ولكن هذه الخلافات يجب ألاتنسنا الوحدة المتينة بينها. مثلا: لم تشترك إيران المسلمة وأندونسيا المسلمة فى فرض حظر البترول على العالم الغربى فما بين 1973 و1974 بينما نجد أن الدول العربية البترولية قد شاركت جميعا فى هذا الحظر. وهذا الموقف العربى الموحد يؤكد لنا، أن الغزوات العربية التى سادت القرن السابع، مايزال دورها عميقا وأثرها بليغا فى تاريخ الإنسانية حتى يومنا هذا. ويختتم الكاتب مايكل هارت قائلًا: إن الامتزاج بين الدين والدنيا هو الذى جعلنى أومن بأن محمدًا ( صلى الله عليه وسلم ) هو أعظم الشخصيات أثرًا فى تاريخ الإنسانية كلها!.