كشفنا فى بعض خواطرنا الماضية عن فساد بعض رموز النظام السابق تحت رعاية الرئيس المخلوع حسنى مبارك. وكان وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان على رأس هؤلاء الوزراء الفاسدين، ورغم أنه استمر فى مقعد الوزارة لمدة 12 سنة فى حكومات عاطف صدقى والجنزورى وعبيد ونظيف.. لكننا لم نسمع ولم نر أحدا من رؤساء وزراء مصر قد حاسبه على ما ارتكبته يداه من فساد وتربح واستيلاء على أراضى مصر! وبكل صراحة أقول إن ظاهرة محمد إبراهيم سليمان كوزير للإسكان.. ثم عضو بمجلس الشعب فى فصله التشريعى التاسع (2005-2010) كان يمثل لى شخصيا لغزا محيرا وعلامة استفهام كبيرة! فالوزير الأسبق كانت تدور حوله الشبهات والأقاويل والشائعات منذ جلس على مقعد وزارة الإسكان وحتى خروجه، واستطاع أن يبنى لنفسه القصور والفيلات والشاليهات.. وقام بتوزيع آلاف الأفدنة على رجال الأعمال المقربين من النظام الفاسد، وعلى رجال الحزب الوطنى المنحل.. وحاول ردم النيل من أجل عيون أحد الفنادق المطلة على النيل.. والاستيلاء على أرضى جزيرتى الذهب والوراق! ولأنه لا يستطيع الابتعاد عن الأضواء فبعد خروجه من وزارة نظيف.. قرر خوض انتخابات مجلس الشعب فى 2005.. وقررت أمانة الحزب الوطنى المنحل ترشيحه فى دائرة الجمالية ومنشية ناصر والدويقة رغم أنه لا يمت لهذه الدائرة بأية صلة! وبالطبع حصد أصوات أبناء الدائرة بعد أن خدعهم بمعسول الكلام أنه سوف يبنى لهم مساكن جديدة.. ويوزع عليهم الشقق وطبعا لم يحدث أى شىء من هذه الوعود البراقة، ومازالوا يعيشون فى مناطق عشوائية! *** وأذكر أن الصدمة التى لا أستطيع أن أنساها لهذا الوزير الأسبق أنه بعد كل ما قيل حوله وعنه من شبهات وبزخ وفساد.. وبدأت أجهزة الرقابة الإدارية تتحرك لإعداد التقارير عن فساده عندما كان يجلس على باب مغارة وزارة الإسكان.. أن يقوم الرئيس المخلوع مبارك بمنحه وسام الجمهورية تقديرا لخدماته للوطن! ومعنى ذلك أن تكف أجهزة الرقابة عن ملاحقته وأن تسكت الصحف عن الكشف عن ثرواته وشققه الفاخرة.. ولكن ذلك لم يحدث! وكانت الصدمة الثانية التى لا أنساها أيضا.. هى قرار رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف فى 30 يونية 2009 بتعيينه رئيسا لمجلس إدارة الخدمات البترولية البحرية وعضوا منتدبا- بالمخالفة للقانون- وكان نص قرار التعيين يقول بالحرف الواحد: «......... وذلك للاستفادة من خبراته الواسعة فى إدارة الشركة والوصول بها إلى العالمية وامتداد نشاطها الإقليمى والدولى.. إضافة إلى نشاطها المتميز فى قطاع البترول». واستقبله نظيف فى مكتبه وبحضور سامح فهمى وزير البترول الأسبق فى ذلك الوقت! وكنت أشارك النواب دهشتهم ونضرب كفا بكف على عبارة «خبراته الواسعة».. وما هى علاقته بشركات البترول أساسا؟! ولكن هذه الوظيفة الميرى كانت سبوبة لمعالى الوزير الأسبق ومكافأة من النظام السابق لأحد خدامه! *** المهم.. من ناحية أخرى كان أعضاء مجلس الشعب من المعارضة والمستقلين يلاحقون حكومة نظيف بالأسئلة وطلبات الإحاطة حول فساد الوزير الأسبق.. وعن قرار تعيينه رئيسا لإحدى شركات البترول رغم أن ذلك كان مخالفا للقانون. وأذكر أن د. إبراهيم سليمان بعد تعيينه رئيسا للشركة- وسط ذهول النواب- أن نشر مشاطرة عزاء لإحدى مديرات الإدارات بالشركة فى جريدة الأهرام ليؤكد للنواب وللرأى العام أنه رئيس للشركة رغم أنفهم ويخرج للجميع لسانه! *** وبعد ستة أشهر من الجدل فى مجلس الشعب حسمت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريح بمجلس الدولة فى نهاية يناير 2010 القضية وقالت إن تعيينه «باطل» لكونه عضوا فى مجلس الشعب ويجب رد كافة الأموال التى حصل عليها من الشركة منذ توليه منصبه! واختلفت أرقامها بين النواب! وللخروج من هذه الأزمة كان د. سليمان عليه أن يفاضل بين عضوية مجلس الشعب أو رئاسته لشركة الخدمات البترولية.. ولكنه فضل الثانية بعد أن حسبها جيدا. وعقد مجلس الشعب فى ظهر الاثنين أول فبراير 2010 جلسة قرأ فيها د. سرور رسالة د. إبراهيم سليمان والتى تحمل نص استقالته من عضوية مجلس الشعب حتى لا يكون مخالفا لواجبات العضوية على حد قوله.. وقبل المجلس الاستقالة. ولكن فى نفس الوقت كان 47 عضوا من المعارضة والمستقلين وعلى رأسهم النائبان السابقان علاء عبد المنعم وسعد الحسينى قد تقدموا ببلاغات للنائب العام ضد وزير الإسكان الأسبق حول نهب وإهدار أموال الشعب والتفريط فى ثرواته خلال شغله منصب الوزير. وقد حصر أعضاء مجلس الشعب هذه المخالفات فى 16 مخالفة صارخة.. واختتموا بلاغهم بقولهم إن ذلك يمثل أحط درجات الفساد واستغلال النفوذ.. ونهب ثروات الشعب لصالح فئة استطاعت بفعل الوزير السابق أن تحصد المليارات من مال الشعب الذى يعانى الفقر والجوع ونقص الخدمات. وبفعل هذا الوزير أصبح الحصول على سكن أمرًا عزيز المنال مما أفقد شباب الأمة الأمل فكان الانتحار بالهجرة الجماعية مفضلين الموت غرقا على البقاء فى وطن يحكم فيه الفسدة والمفسدون.. وتصرفوا فى أملاك الوطن والشعب وكأنها ضياع ورثوها عن آبائهم! *** وكان أعضاء مجلس الشعب السابقون معهم كل الحق فيما قالوه عن الوزير الأسبق الذى سوف يقدم للمحاكمة فى 27 أغسطس القادم بعد أن أصبح من أصحاب القصور الفارهة واليخوت وكان يقضى معظم أوقاته فى أوروبا وكندا مستمتعا بما نهبه من مال حرام كما قالوا. وسنواصل فى الخواطر القادمة إن شاء الله فتح ملف جديد من ملفات الفساد للنظام السابق حتى يعلم شباب 25 يناير كيف كانت تدار مصر!