التعليم قيمة من القيم العليا التي تقدر وتحترم وتقدس في كل المجتمعات . وأنا اقصد المجتمعات المحترمة والقادرة أن تثبت وجودها في وسط العالم المعاصر .. أما إذا تحولت المجتمعات إلي حالة من الهلامية والعشوائية بل يمكن القول أنها أصبحت كومة من قش مفقودة الأساس وتعاني من الهشاشة التامة في كل كيانها هنا نجد مثل تلك المجتمعات لا تعير أهمية لا للعلم ولا لقيمه ولا لهدفه ودوره ، في تلك المجتمعات تسود حالة من الفهلوة والتلون.. وإذا انتقلنا إلي موضوع أساتذة الجامعة .. فإننا نتحدث عن عقول مصر .. نتحدث عن فئة علي عاتقها يقع عبء التطور والتقدم . أستاذ الجامعة هو الرجل الذي يمضي حياته بأكملها في بحث متواصل للعلم والتحصيل وهو لا يهدف ولا يعرف ولا يأمل إلا التطوير والتقدم . وكل سعادة الأستاذ الجامعي الحقيقي عندما يجد الفكر ينمو ويتطور ويتقدم ويساهم في رفع شأن المواطن والطالب .. وفي اللحظة التي يعيش فيها أستاذ الجامعة في حالة من الضنك والعوز هنا هل يمكن له ان يفكر ويبدع ويبتكر. في الدول الحقيقية يضعون أستاذ الجامعة في مكانة خاصة وهامة ، ويحوز التقدير والتبجيل .. إنه صانع العقول المستقبلية وهو أمل الأمة عامة .. لكن الأمر مختلف في مصر المحروسة .. فما الذي فعلناه بأستاذ الجمعة لقد تفنن النظام الحاكم في تدهور حالة أستاذ الجامعة . لقد تفننوا أن يرهقوه ويزلوه ويوصلوه إلي درجة الاستجداء .. تعالوا نري أستاذ الجامعة من قريب وبشكل دقيق .. علي من لا يصدق مرتب أستاذ الجامعة عليه أن يعود إلي مفردات مرتب الأستاذ ليري المهزلة التي يعيش فيها .. ان الأستاذ الدكتور بعد مضي عشر سنوات علي الاستاذية يصل مرتبه أو يقترب من ثلاثة آلاف جنيه .. هذا المرتب بكل البدلات المضافة . * هذا الأستاذ عليه أن يظهر أمام طلابه بمظهر مقبول ومحترم حيث يقف أمام جمع كبير من الطلاب وهذا المظهر يحتاج إلي إنفاق . * هذا الأستاذ عليه أن يقرأ ويطلع ويبحث حتي يتمكن أن يناقش ويحلل ويعرض الأفكار والموضوعات لطلابه سواء في المرحلة الدراسية أو مرحلة الدراسات العليا .. اي أن الأستاذ من الضروري أن ينفق جزءا مناسبا من مرتبه علي الكتب والمراجع ... وسأناقش معكم ما يتهم به أساتذة الجامعة .. كما يتهم به المدرسون في التربية والتعليم وكما يتهم به الأطباء .. فمثلا : يقولون لك ان أستاذ الجامعة يبيع الكتاب الجامعي ويكسب بالآلاف في السنة . بل هناك من يقول إن أحد الاساتذة يكسب في التيرم الواحد أكثر من مائة ألف جنيه .. من خلال بيع الكتاب .. نفس هذا الاتهام يوجه إلي مدرسي الدروس الخصوصية في مجال التعليم ما قبل الجامعي .. ويوجه إلي الأطباء في مجال الصحة .. ولكن هي اتهامات باطلة .. إذ إنها تصدق علي الجزء ولكن لا تصدق علي الكل إطلاقا .. ولنتناقش في هذا الأمر .. من الذي يبيع الكتاب الجامعي الكتاب الجامعي في الكليات التي يوجد بها اعداد كبيرة من الطلاب . وهذا الأمر لا نجده إلا في كليات التجارة أو الحقوق أو الآداب في بعض الأقسام .. أو المعاهد الخاصة مثل الخدمة الاجتماعية وما يماثله .... الخ إذن هي فئة معينة محصورة في أماكن محددة ولا تصدق تلك الظاهرة علي الجميع .. فمثلا .. في كلية التربية .. عندما لا تجد سوي واحد وعشرين طالبا فكيف تقرر كتابا؟ في كلية الزراعة كيف يمكن للأستاذ ان يقرر كتابا للمادة إذا كان عدد الكلية يعدون علي أصابع اليد ؟؟ وعلي هذا المنوال سنجد العديد والعديد من الأماكن التي يعيش فيها الأستاذ علي مرتبه فقط .. فمثلا : في أكاديمية الفنون وأنا أستاذ فيها وعدد الطلاب قليل والطلاب لا يعيرون المادة أي اهتمام لأنه مشغول بما هو عملي من تمثيل وإخراج وموسيقي ... لذا فهو يعتبر مادة الفلسفة أو علم الجمال أو مناهج البحث مواد ثقافية وغير هامة .. هنا هل يصدق علينا فكرة بيع الكتاب وحصد الآلاف؟ بنفس المنطق وبنفس الدرجة فكرة الدروس الخصوصية في التعليم الثانوي .. فهي صادقة لفئة معينة ولكنها غير صادقة علي الجميع .. فلقد عملت فترة طويلة بالتربية والتعليم وأعرف كل خباياها .. من يعطي الدروس الخصوصية فئة ضئيلة جدا ومعروفة ومشهورة .. ففي المدرسة تجد في كل مادة اثنان أو ثلاثة هم ذائعو الصيت أما باقي المدرسين يلهثون من أجل لقمة العيش ويعيشون حياة بائسة فإذا جاء السيد الأستاذ الدكتور رئيس جامعة القاهرة الدكتور علي عبد الرحمن .. وقال الأساتذة عايزين إيه تاني هذا ما نشرته صحيفة المصري اليوم بتاريخ 6 / 11 / 2007 ص 1 .. فإننا نقف أمام سيادته مندهشين .. من الممكن أن يكون الدكتور علي عبد الرحمن في كلية من كليات الذهب المنثور ( حقوق أو تجارة أو خدمة اجتماعية..) وبذلك فهو لا يعاني في أي مشكلة .. أو يكون سيادته من أصحاب الطب الكبار والعيادة ماشاء الله تدر عليه الكثير من الماس والألماظ أو يكون من أصحاب البيزنس وهنا حدث ولا حرج ونأمل لسيادته المزيد وندعو الله أن يزيده من فضله وكرمه .. او يكون الدكتور في منصب سياسي يحتم عليه أن يتحدث ويتلاءم مع السياسة ولا غضاضة في ذلك . لكن يبقي أن الدكتور علي عبد الرحمن هو واحد من أساتذة الجامعة بنظرة بسيطة لكشوف المرتبات تتضح المأساة .. فما نريده كثير ولكن الأهم أن يعيش أستاذ الجامعة بشكل انساني من أجل أن يخلص للفكر وللبحث وللوطن ...