كان لافتا في زيارة المشير عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع المصري إلى روسيا، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك وزيرا الدفاع والخارجية الروسيان تعاملا معه كرئيس وليس كمجرد وزير دفاع لمصر. فقد خرج الرئيس الروسي بوتين عن الأعراف البروتوكولية الرئاسية الدولية المتعارف عليها، ونظم جلسة السيسي بجواره في قصر الكريملين الرئاسي ندًا لند على مقعدين متجاورين. بينما المتعارف عليه في مثل هذا الزيارات أنه إذا كان الضيف ليس رئيسا يجلس على أريكة مقابلة لمقعد الرئيس المضيف، وحتى لو كان الضيف رئيس حكومة فإنه أيضا يجلس على أريكة وليس ندًا لند مع الرئيس. واللافت أيضا أن الرئيس الروسي أيضا خلال جلسة المشاورات الموسعة التي عقدها مع السيسي، ووزير الخارجية المصري نبيل فهمي، ووزيري دفاع وخارجية روسيا بحضور كبار المسئولين الروسيين، فقد اهتم بوتين وقت الدخول على المجتمعين بالسلام أولا وبحرارة ملحوظة على السيسي، ثم جلس في مقعد مقابل له على طاولة الاجتماع، وليس على رأس الطاولة كالمعتاد بروتوكوليًا. سيتأكد لك اهتمام روسيا بالسيسي ووضعه في منزلة الرئيس حتى قبل أن يعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة المقبلة إذا ما استحضرت للذاكرة استقبال الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور لوزيري دفاع وخارجية روسيا في مصر في نوفمبر الماضي، حيث التزم منصور بالبروتوكول وجلس الوزيران على أريكة مقابلة لمقعد الرئيس، وليس ندًا لند، كما فعل بوتين مع السيسي. لا شك أن روسيا من خلال هذا -بجانب أنها تعلن تقديرها للسيسي- فإنها ترسل رسائل للعالم، خاصة أمريكا، أنها أول من تحالف رسميًا مع الرئيس المقبل لمصر حتى قبل أن يترشح رسميًا للمنصب. وتعتبر تلك الزيارة أفضل دعاية انتخابية لمرشح رئاسي محتمل يتم استقباله استقبال الرؤساء في أحد أقوى الدول حتى قبل أن يصير مرشحا، وقد نجحت تلك الدعاية بالفعل في دغدغة مشاعر الكثير من المصريين وزيادة تعلقهم بالسيسي، استعادتهم ماضي مصر القوية التي كان يحظى زعماؤها باهتمام عالمي، وأفضل استقبال في الزيارات الخارجية. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات المصريين، ونشرهم لصور استقبال بوتين للسيسي، معبرين عن إعجابهم الشديد بالأمر، كما أن الصحافة المحلية وصفت الأمر بأنه استعادة لأمجاد مصر في حقبة جمال عبدالناصر، خاصة حينما زار روسيا عام 1968، وحظي باستقبال رسمي وشعبي كبير وقتها. وحول ما تناثره البعض هنا أو هناك من أن وزير دفاع روسيا أو وزير خارجيتها لم يستقبلا السيسي وفهمي في المطار، مما يعد إهانة، هو كلام مردود عليه بأنه وقت حضور وزيري خارجية ودفاع روسيا لمصر في نوفمبر الماضي لم يستقبلهما السيسي أو فهمي بالمطار، وهذا هو المتعارف عليه بروتكوليًا، ولكن يبدو أن مزايدة وسائل الإعلام على نفس الأمر وقت الرئيس المعزول محمد مرسي، وما كانوا يصورونه من مهانة في استقباله بزياراته الخارجية، جعل البعض أيضا، خاصة المؤيدين لمرسي والإخوان، يزايدون هذه المرة على السيسى وفهمي وطريقة استقبالهما، والحقيقة أنه بروتوكوليًا ليس مطلوبًا أن يقوم رئيس الدولة أو مسئول بعينه باستقبال الزائر في المطار. يبقى الأهم من كل ذلك أن يستفيد السيسي من تلك الزيارة في تحقيق أهم خطوة ببرنامج انتخابي لرئيس محتمل، وهي تأمين حليف إستراتيجي، خاصة في المجال العسكري، بما يمكنه من تحقيق استقلال القرار المصري عن السياسية الأمريكية، ولكن من المهم أيضا أن العلاقة مع روسيا تقوم على الندية، حتى لا يكون الأمر مجرد خروج من تبعية إلى تبعية أخرى لا يتحقق فيها إلا ما يخدم مصالح روسيا، كما كان مع أمريكا، ويصبح كل ما حدث هو تغيير المتبوع فقط.