كان من أكثر وأخطر المصطلحات التي برزت في مصر خلال الآونة الأخيرة وفي أعقاب تولي الدكتور محمد مرسي لسدة الحكم في البلاد هو مصطلح "الآناركية" الذي أصبح مرادفا لمجموعات شبابية منتشرة في العديد من أنحاء مصر باتت تلعب دورا غريبا في تطور الأحداث وتصعيدها بشكل مثير وغير مسبوق الأمر الذي جعل من هذه المجموعات المجهولة على مستوى القاعدة والقيادة محورا رئيسيا فيما يجري. المعنى والهدف
والأناركية مصطلح يعني اللاسلطوية وهي فلسفة تعتبر أن الدولة كيان غير مرغوب فيه ولا قيمة له بل إنها غير مفيدة ومضرة للمجتمع وعليه فإن المؤمنين بأفكار الأناركية يروجون لمجتمع بلا دولة ولا سلطة ولا مركزية.
وعلى الرغم من أن المتبنين جميعا لفكر الأناركية يتفقون على فكرة اللاسلطوية إلا أنهم لا يتفقون على معايير واحدة فيما يخص استخدام العنف إذ يرى بعضهم العنف مرادفا للهدف الذي يطمحون له في حين يوجد من بين صفوفهم أيضا من يرى استخدام العنف وفق ظروف واعتبارات محددة كما أن من بينهم قلة محدودة ممن يرفضون استخدام العنف بتاتا.
وإنطلاقا من ذلك فإن الثورة العنيفة أو الإرهاب يعتبران في فكر الآناركية هو الضريبة التي لابد من دفعها لتحقيق المجتمع الآناركي فعمليات العنف جزء من دعايا العمل أو ما يسمى بالب "بروباجندا".
ولفظة أناركى وفق دوائر المعارف هي كلمة يونانية قديمة أستخدمت طوال قرون فى الكتابات الغربية لتشير إلى حالة بلد أو إقليم جغرافى حال تفكك أو سقوط السلطة المركزية المسيطرة عليه مما يؤدى إلى صعود قوى مختلفة تتصارع للحلول محلها محدثة حالة من فوضى الحرب الأهلية و من ثم أصبحت الكلمة فى اللغات الأوروبية المختلفة مرادفة للفوضى غير أن الأناركية كنظرية وفكر سياسى وكحركة إجتماعية تبلورت لأول مرة فى النصف الثانى للقرن التاسع عشر فى إطار نشأة الحركات العمالية والإشتراكية واتخذ بعض أوائل مفكريها مسمى الأناركية بمعنى اللاسلطوية إذ دعوا إلى أن ينظم المجتمع شؤونه ذاتيا دون تسلط لفرد أو جماعة على مقدرات وحياة غيرهم.
ونخلص من هذا أن الآناركية في أغلبهم ممن ينتمون إلى الفكر اليساري سواء ممن انخرطوا سابقا في تنظيمات شيوعية أو ممن لم ينخرطوا لذا فإنهم في دعوتهم يحاربون الرأسمالية والاقتصاد الحر والعمل بمختلف الطرق على إسقاط كل مؤسسات الدولة التي تمثل رمز للسلطة كالجيش والقضاء والشرطة والمؤسسات التشريعية.
رؤية الذات
ما سبق هو ما وصفتهم به دوائر المعارف وكتابات الرافضين أو المخالفين للفكر الآناركي وهو يتفق كثيرا مع السلوك والمنهج الذي بدا عليه الآناركيون في تحركاتهم على أرض الواقع لكن بعضهم يرى أن الكثير مما وصفوا به ليس له علاقة بحقيقتهم أو واقعهم وأن ما يتم ترويجه بشأنهم ليس إلا فزاعة جديدة تحاول بها بعض الأطراف السياسية إرهابهم وتحميلهم مسئولية ما يحدث في مصر.
ويرى هؤلاء أن الآناركية تعني الاشتراكية التحريرية تفريقا بينها وبين الاشتراكية السلطوية التي تعمل على وجود سلطة تقمع الشعوب.
ووفق رؤيتهم فإن نشأة الآناركية تعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأنها فكرة تدعو إلى وجود مجتمع بتنظيم ذاتي من غير سلطة فوق هذا التنظيم تقمعها بمعنى أنهم يدعون إلى تقسيم المجتمع لخلايا صغيرة تدير كل خليه منها نفسها بنفسها بل وتختار كل خلية لنفسها مجلس عمومي من أعضاء متطوعين من أجل المشاركة في اتخاذ قرارات معينة على أن يتم تغيير هذا المجلس كل فترة ليحقق ما يسمى بالديمقراطية المباشرة.
وهذه المجالس – بحسب تصورهم - تقع تحت مجالس أكبر لكن هذه المجالس الأكبر ليس لها تدخل في قرارات المجلس العمومي لكل خلية بمعنى أن تكون المؤسسات أفقية وليست هرمية بهدف منع أن يكون لمجموعة معينة سلطة على الآخرين وهو ما سيمنع التحزب على أساس دين أو عرق أو جنس أو على أي أساس أيدلوجي وهو ما يتشابه مع الفكرة التي نشأت عليها أمريكا حيث قال جفرسون أحسن الحكومات هي الحكومات التي لا تحكم فقد حدد جفرسون صلاحيات الحكومة المركزية في الدولة غير أن رؤوس الأموال توحشت ودمرت الفكرة الأصلية.
ويزعم الآناركيون أن نظريتهم تحاول أن تنتج فردا منتجا فالفرد الذي يعمل في مؤسسة هو من يديرها بما يشبه مثلا الشرطة المتطوعة أو اللجان الشعبية التي أنشأها الثوار خلال أيام الثورة المصرية الثمانية عشر يوما والتي استطاعت خلالها أن تدير عملية الأمن دون الشرطة النظامية وعليه فالطبيب يعالج والمهندس يبني والفلاح يزرع والعامل يصنع فماذا تصنع الحكومة؟ وهذا ما لا تريد الحكومات أن يدركه المواطنون لأنه في حال إدراكهم لهذا سيتمردون ويتخذون قراراتهم ويحكمون أنفسهم دون حكومة أوسلطة.
ويرى الآناركيون أن النموذج الذي يطمحون لتحقيقه قد شهده التاريخ في كميونة باريس التي استطاع فيها الثوار الآناركيون أن يحكموا باريس لمدة شهرين تمكنوا خلالهما من إحداث سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية واستعادة روح الثورة الفرنسية التي جرى الالتفاف عليها وعلى رأسها الإخاء والمساواة والحرية غير أن كيمونة باريس تعرض للقمع وللمذابح حتى تم إسقاطها.
وهو نفس ما تكرر في إسبانيا إذ شهدت تجربة آناركية عظيمة حيث قدمت مكتسبات اجتماعية رهيبة للمجتمع الأسباني قبل أن يقيم الجنرال فرانكو المذابح لإسقاط النموذج وقد تحالف مع فرانكو كل السلطويين من مختلف الاتجاهات خشية نجاح هذا النموذج
وأما عن موقف الأناركية من الدين فإنهم يدعون أنهم ليسوا ضد الدين فكل إنسان حر فليس للآناركية أن يقمعوا حق الإنسان في التدين في الوقت الذي نقول فيه بأن السلطة قهر وهذا لا يمنع أنهم يرفضون ويقاومون سلطة رجال الدين فالآناركية ضد أي إنسان يستخدم سلطة أي شئ لقمع الإنسان لذلك فهم يواجهون سياسية التمييز على أساس الدين أو أن تمارس الدولة أي سلطة باسم الدين.
ويرفض الآناركيون اتهامهم بالعنف مستندين إلى أنه إذا كان من بين رموزهم غاندي صاحب المقاومة السلبية والذي لم يسب يوما ما أحد المعتدين عليه فكيف يوصم هذا التيار الآناركي بالعنف؟
ويؤكدون أن العنف الذي سلكه بعض الآرناكيون مع إضراب واعتصام العمال في أمريكا مع نهاية القرن التاسع عشر لم يكن إلا رد فعل على العنف الذي اتخذته السلطة ضدهم.
ويتحدث الآناركيون عن ما يسمونه بعالمية الثورة التي ربما كانت في مرحلة تاريخية معينة أمر مثالي يثير سخرية واستهزاء الآخرين لكن اليوم وبعد أن بدأ ربيع الثورات ينتقل من مكان لمكان فقد أصبح الأوضاع تبشر بحدوث الثورة العالمية.
في الحلقة المقبلة بإذن الله كشف لسلوك الآناركية في مصر من تصريحات الآناركية والموقف الحقيقي من الإسلام
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أوالقائمين عليه