* اطلاق اسم " روائح رمضان" على الايام الاخيرة من شعبان مع بدا تزيين المنازل والمحلات والشوارع . * المعز لدين الله دخل القاهرة ليلا فاضاءوا له الفوانيس وتوارثت العادة حتى اليوم . * الفاطميون وزعوا الحلوى وارتقروا من الشعب فاستمرت صناعتها حتى اليوم . * العزيز بالله اول خليفة اقام موائد الرحمن بجامع عمرو بن العاص . * مدفع رمضان استخدمه السلطان خشقدم لموعد انتهاء العمل ثم استخدموه للاعلان عن الافطار والامساك . * جلال الدين السيوطى اعجب بما قيل فى الكنافة والقطائف فاعد كتاب عنهما .
تعد مدينة القاهرة واحدة من اشهر العواصم الاسلامية احتفاءا بشهر رمضان ان لم تكن اشهرها على الاطلاق .. لانها تجمع بين المظهر حيث تتنوع اساليب الاحتفاء برمضان من عادات وطقوس ومظاهر متعددة ..والجوهر حيث سرعان مايكتشف المدقق العبادات من الصيام وخلو الشوارع عند الافطار وامتلاء المساجد مابين الصلاة وقراءة القران وتلاوة الازكار وحلقات الدروس.
مظاهر رمضان تبدا قبيل الشهر الكريم بايام حتى ان العامة فى مصر يطلقون على الايام الاخيرة من شعبان عبارة ظهور روائح رمضان .. فتبدا الاحياء الشعبية فى تعليق الزينة من اوراق ملونة تتخذ اشكال متنوعة من مثلثات ودوائر تتخللها لمبات الاضاءة الملونة وتنتهى كل مسافة بنموذج مجسد لمسجد صغير او فانوس كبير ..
وما ان يعلن عن ثبوت رؤية هلال رمضان حتى تكون كل الشوارع وشرفات البيوت وواجهات المحلات تتزين بالاضواء المتعددة الالوان وتزدان ماذن المساجد بالاضاءة باللونين الاخضر والابيض .. فمظاهر التحديث والعولمة وتغير الاجيال لم تغير طقوس ومظاهر احتفاء القاهرة بشهر رمضان وكأن الحرص فى عمل تلك المظاهر تتوارث فى "جينات"الاهالى .. وكأن القاهريين لم ولن ينسوا بعد تاريخ مدينتهم وقد شهد شهر رمضان مولد قاهرة المعز لدين الله الفاطمى منذ اكثر من الف عام وتحديدا عام 358هجرية_969م وظل الخلفاء المتتاليين يأمرون بالاكثار من المصابيح فى رمضان لانس المارة وبهجتهم واضاءة للمتهجدين.
فقد كانت مراسم الاحتفال فى العصر الاموى (40-132ه _ 661-750م) تبدا مع رؤية الهلال من دكة عرفت بدكة القضاة فوق سفح جبل المقطم ثم يطوف القضاة وغيرهم من رجالات الدولة بالطواف على الاحياء والشوارع وتضاء المنازل ليلا وكان جامع عمرو بن العاص يعد مكان اجتماع سكان مدينة الفسطاط ( القاهرة قبل اتساعها) وظلت هذه المظاهر حتى العصر العباسى (132-656ه _ 750-1258م)ويذكر ان بن اسحاق والى مصر (238ه_852م)كان ينادى على السحور فى طريقه من مدينة العسكر الى جامع عمرو.. وتواصلت الاحتفالات للعصر الطولونى (254-292ه _ 868-906م) ومن اشهر ما ذكره المؤرخون ان الوالى احمد بن طولون اخذ فى صرف العمال عن العمل وقت العصر حتى يستطيعوا تدبير احتياجتهم .. وزاد فى المظاهر فى العصر الاخشيدى(323-358ه _ 868-934م ) ان الجيش كان يقدم عروضا كبيرة وجميلة فى مستهل رمضان وحلوى وموائد مفتوحة .
ويعد العصر الفاطمى (358-567ه_ 969-1169م) اشهر العصور التى ادخلت مظاهر توارثتها سكان القاهرة .. ويقال ان الفاطميين ارادوا ان يتقربواللشعب المصرى لكسبهم للمذهب الشيعى فكانوا يوزعون الحلوى وويتصدقون منها على الفقراء لمشاركتهم البهجة ..
وكان موكب الخليفة يخرج فى شبه مهرجان مع اول ايام رمضان ومن خلفه الوزراء المزركشة ومن حوله مجموعة تحمل الاعلام الحريرية الملونة ويسير الموكب من قصره ( الشرقى والغربى ) من بين القصرين بشارع المعز لدين الله حتى باب الفتوح ..وكانت تقام ولائم الافطار للعلماء والامراء وامر الخليفة العزيز بالله (365-386ه_975-996م )باول مائدة فى شهر رمضان يفطر عليها اهل جامع عمرو بن العاص والذى كان يطلق عليه الجامع العتيق وةتعتبر اول الموائد المفتوحة او موائد الرحمن فى مصر .
وفى العصر الايوبى (565-648ه_1169-1250 م ) توارثت العادات ورغم انشغال صلاح الدين الايوبى (567-589ه _ 1171-1193 م ) بالحروب الا انه كان يحث على رعاية الفقراء خاصة فى رمضان .. واستمر تقليد خروج القضاة ورؤساء الطوائف والتجار لرؤية هلال رمضان فى العصر المملوكى ( 648-923ه _ 1250-1516 م ) وكانت تجدد " حصر واكلمة " المساجد وتزدان من خارجها .
اما فى العصر المملوكى الثانى "الجركسى" (784-923ه _ 1382-1517 م ) فقد ظهر مدفع رمضان وكان ظهوره مصادفة اذ ان السلطان خشقدم الاحمدى ( 865-872 ه _ 1416 – 1467 م ) امر باستخدام المدفع بغرض الاعلان عن انتهاء عمل العمال وكان ذلك وقت الغروب فظن الناس ان الغرض منه الاعلان عن موعد الافطار فاستحسن السلطان تلك المصادفة وأمر باستخدام المدفع عند الافطار وكذلك عند الامساك وهو مااستمر حتى وقتنا الحالى ..
وفى العصر العثمانى وعصر محمد على كان الموكب يخرج يتقدمه الموسيقى والجنود ومشايخ الحرف والتجار وقضاء المساجد والمنارات .. وفى عصر الرئيس جمال عبد الناصر يروى ان الرئيس كان يصطحب وزير التموين ويتجول بسيارته الشخصية ويتناقش فى كيفية توفير اقمشة مدعمة بالوان زاهية لتوزيعها فى رمضان حتى تسود البهجة للفقراء ومحدود الدخل مع قدوم العيد ..
هذا وتستمر المظاهر المتعددة للاحتفاء برمضان الكريم كل عام كتقاليد متوارثة ويندر ان نجد مدينة تحافظ على تقاليدها القديمة خلال ايام رمضان ولياليه كمدينة القاهرة .
فانوس رمضان
فبجانب تزيين الماذن وشرفات المنازل وواجهات المحلات بالاضواء المتعددة الالوان نجد " فانوس " رمضان كامتداد لاوامر الخلفاء منذ أكثر من الف عام بالاكثار من المصابيح .. ويقوم صناع " الفوانيس " بالقاهرة خاصة فى منطقة تحت الربع وباب الشعرية بابتكارات متجددة تشد انتباه الاطفال وتحفزهم على شرائها بالوانها على الزجاج بشكل جذاب ورغم غزو الاسواق بفوانيس "مستوردة " تعمل بالبطارية وتخرج اغانى ومقطوعات موسيقية وتضئ بلمبة صغيرة الا ان " الفانوس " الزجاجى من الصناعة اليدوية وبالشمعة يأخذ بريق "التراث" .
ومن المعروف تاريخيا ان اول مظاهر "الفانوس" تاريخيا فى مصر بدأ عند استقبال اهالى القاهرة للخليفة المعز لدين الله الفاطمى عند زيارته وقدومه القاهرة وتسلمه الولاية (358ه _969م ) حيث أمر قائد جيوشه جوهر الصقلى والذى قدم قبله وأمر الاهالى باستقبال الخليفة بالفوانيس لاضاءة الطريق له حيث جاء فى احدى ليالى رمضان ومن المعروف ايضا ان " الفانوس" كان يعلق بأعلى الماذن ويضاء مع اذان المغرب ويرفع عند الامساك بعد السحور فيعلم من لم يسمع الاذان بوقت الصيام .. ثم أخذ الاهالى فى حمل الفانوس اثناء ذهابهم لصلاة التراويح والفجر ..ومع اضاءة القاهرة بالغاز ثم الكهرباء حافظوا الاهالى على هذا التقليد فيحمل الاطفال الفوانيس وهم ينشدون اهازيج اشهرها " حالو ياحلو .. رمضان كريم ياحلو " .. "وواحوى ياوحوى اياحة أو ايوحة "
واذا كان تقليد الفانوس وحمل الاطفال له يبدأ بعد الافطار فان " موروث " المسحراتى ظل لقرون طويلة قبيل وقت السحور .
وتاريخيا كان والى مصر خميسة بن اسحاق (238 ه _ 852 م ) كان ينادى للسحور .. الا ان المسحراتى توارث بالقاهرة .. ورغم تغير الظروف من السهر للصباح على المقاهى وغيرها الا ان المسحراتى مازال يطوف حوارى وأزقة العديد من الاحياء الشعبية وكان المسحراتى ينادى اصحى يانايم .. وحد الدايم ..اصحى . ثم ينادى على كل ساكن او صاحب بيت وهو يدق على طبلة يطلق عليها "باز" وكان كثيرا مايقول بعض حكايات السيرة الشعبية بل وكان يكملها فى اليوم التالى .. وانتقل تقليد المسحراتى الى الاذاعة بصوت الفنان الكبير سيد مكاوى واغانى الشاعر فؤاد حداد لسنوات طويلة ..
وهكذا اصبح الوقت من المغرب حتى الفجر يبدأ بمدفع الافطار وفانوس رمضان والمسحراتى .. وازداد معها المقاهى المنتشرة خاصة فى احياء القاهرة التاريخية والاحياء الشعبية وتناول " الزجيلة " والمشروبات ولعب الدومينو والطاولة والشطرنج ومشاهدة المسلسلات والفوازير فى التليفزيون .
اشهر الاكلات
اما عن الاكلات الشهيرة فى رمضان فهناك محلات لبيع انواع معينة من الطعام ترتبط بشكل واضح بهذا الشكل .
وابرز تلك المحلات بالقاهرة مطاعم الفول وحلات بيع المخلل او الطرشى كما يطلقون عليه وباعة العرقسوس والتمر الهندى .. ومحلات الالبان لبيع الزبادى ومحلات الخضار لبيع الجرجير وغيره ..
اما محلات المكسرات فاكبر كميات تاتى فى التمر حيث توجد فى مصر مناطق شهيرة بانتاج اجود انواع التمور مثل الوادى الجديد وسيوة والعريش واسوان .. ويقبل على التمر كافة الطبقات لفوائده المعروفة ..
كما تباع فى محلات المكسرات والياميش اصناف من المأكولات والاطعمة السكرية مثل قمر الدين والمكسرات الشهيرة مثل اللوز والجوز وعين الجمل والبندق وغيرها ورغم ارتفاع اسعارها الا ان محلات البيع تجد اقبالا كبيرا من المواطنين ..
اما اشهر الحلويات المتوارثة فى رمضان فهى الكنافة والقطائف .. والحلوى فى رمضان متوارثة خاصة فى العصر الفاطمى وقد كانت هناك مناسبات عديدة مثل الاحتفال بالمولد النبوى وزيارة الاضرحة .
وقد بلغ من شهرة الكنافة والقطائف فى القاهرة ان مؤرخا جليلا وعالما كبيرا وهو جمال الدين السيوطى والذى عاش فى العصر المملوكى جمع كل ماقيل فيهما نثرا وشعرا فى كتاب طريف اسماه " منهل اللطائف فى الكنافة والقطائف "
ومع مرور ايام رمضان يكون الشغل الشاغل للسيدات خاصة فى الاحياء الشعبية عمل الكحك والبسكويت والغريبة وغيرها والبراعة باستخدام اوانى صغيرة تعطى نقوش تظهر على الكحك او البسكويت وكذلك حشو هذه الانواع من الحلويات بالملبن او " العجوة " او السكر البودرة او المكسرات من بندق وفول سودانى وزبيب وغيرها ويصير مظهر حمل الصاجات من البيوت حتى الافران من المظاهر المألوفة فى الاحياء الشعبية بالقاهرة فى رمضان .
واذا كان الحديث عن الطعام فتجدر الاشارة الى التسابق المحمود لاقامة الموائد المفتوحة فى الشارع للفقراء وعابرى السبيل ومن لم تسمح ظروف اعمالهم للحاق بالافطار ويطلق عليها موائد الرحمن .
ومع اقتراب العيد يكون التسابق على شراء الملابس والاحذية الجديدة خاصة للاطفال ويطلق عليها " كسوة العيد "
الاحتفاء بالجوهر
واذا كانت كل هذه الامور تدل على المظاهر فان الجوهر يتجلى مع الاستماع للقران واذان المغرب خاصة بالصوت المميز والرخيم للمقرئ الشهير محمد رفعت وتمتلأ المساجد بالمصلين لصلاة التراويح وحلقات الدروس والازكار خاصة للطرق الصوفية وتستمر الدروس والازكار وقراءة القران الكريم من العشاء حتى الفجر وكثير ماتكون الدروس الدينية فى المساجد ايضا عقب صلاة العصر .. وبالقاهرة العديد من المساجد التى اكتسبت شهرة خاصة فى صلاة التراويح –القيام _ ومايتلوها من أدعية وأشهرها مساجد الامام الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة وعمرو بن العاص وغيرهم من مساجد قاهرة الالف ماذنة .