تفاصيل اجتماع محلية النواب بشأن تضرر 175 أسرة بالجيزة    الرئيس السيسي يهنئ الملك تشارلز الثالث بذكرى العيد القومي    رئيس الأركان يشهد مشروع مراكز القيادة الاستراتيجى التعبوي بالمنطقة الشمالية    السيسي: ملتزمون بتعزيز التعاون والاستثمارات المشتركة بين القطاع الخاص في مصر وغينيا الاستوائية    بلينكن: اتفاق وقف إطلاق النار في يد حماس    وكيل «صحة الشيوخ»: الرئيس السيسي وجه تحذير للعالم من مغبة ما يحدث في غزة    الزمالك يوضح حقيقة وصول عروض لضم محمد عواد    فينورد الهولندي يعلن خليفة آرني سلوت بعد رحيله لليفربول    الكشف عن حكم مباراة ألمانيا ضد أسكتلندا في افتتاح يورو 2024    أبرزهم راقصي السامبا.. مواعيد مباريات اليوم الأربعاء    التعليم: ضبط 3 حالات غش خلال امتحانات الاقتصاد والإحصاء    أول بيان رسمي بشأن وفاة "أصغر حاج" أثناء أداء مناسك الحج    دعاء رد العين نقلا عن النبي.. يحمي من الحسد والشر    «الصحة» تنظم ورشة عمل لتعزيز قدرات الإتصال المعنية باللوائح الصحية الدولية    الاستخبارات الداخلية الألمانية ترصد تزايدا في عدد المنتمين لليمين المتطرف    وزير الدفاع الألماني يعتزم الكشف عن مقترح للخدمة العسكرية الإلزامية    تدريب وبناء قدرات.. تفاصيل بروتوكول تعاون بين مركز التدريب الإقليمي للري والمعهد العالي للهندسة بالعبور    المصري الديمقراطي: تنسيقية شباب الأحزاب استطاعت تأهيل عدد كبير من الشباب للعمل السياسي    البورصة: مؤشر الشريعة الإسلامية يضم 33 شركة بقطاعات مختلفة    مدبولي يتابع جهود توطين صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات    رئيس إنبي: سنحصل على حقنا في صفقة حمدي فتحي "بالدولار"    "لا أفوت أي مباراة".. تريزيجية يكشف حقيقة مفاوضات الأهلي    البنك التجاري الدولي وجامعة النيل يعلنان تخرج أول دفعة من برنامج التمويل المستدام للشركات الصغيرة وا    «السكة الحديد» تعلن تعديل مواعيد القطارات الإضافية خلال عيد الأضحى    هيئة الدواء تعلن تشكل غرفة عمليات لمتابعة سوق الدواء في عيد الأضحى    الداخلية: ضبط 562 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    احتفالًا بعيد الأضحى.. السيسي يقرر العفو عن باقي العقوبة لهؤلاء -تفاصيل القرار    التعليم تكشف تفاصيل مهمة بشأن مصروفات العام الدراسي المقبل    كيف علق الجمهور على خبر خطوبة شيرين عبدالوهاب؟    عزيز الشافعي: أغاني الهضبة سبب من أسباب نجاحي و"الطعامة" تحد جديد    في ذكرى ميلاد شرارة الكوميديا.. محطات في حياة محمد عوض الفنية والأسرية    عصام السيد يروي ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    عاشور يشارك في اجتماع وزراء التعليم لدول البريكس بروسيا    بيان الأولوية بين شعيرة الأضحية والعقيقة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل"قصواء الخلالي": موقف الرئيس السيسي تاريخي    5 نصائح من «الصحة» لتقوية مناعة الطلاب خلال فترة امتحانات الثانوية العامة    «متحدث الصحة» يكشف تفاصيل نجاح العمليات الجراحية الأخيرة ضمن «قوائم الانتظار»    كومباني يحدد أول صفقاته في بايرن    «أوقاف شمال سيناء» تقيم نموذج محاكاه لتعليم الأطفال مناسك الحج    وزيرة الهجرة تستقبل سفير الاتحاد الأوروبي لدى مصر لبحث التعاون في ملف التدريب من أجل التوظيف    بدء العمل بأحكام اللائحة المالية والإدارية بقطاع صندوق التنمية الثقافية    شبانة: حسام حسن عليه تقديم خطة عمله إلى اتحاد الكرة    حماية العيون من أضرار أشعة الشمس: الضرورة والوقاية    أفضل أدعية يوم عرفة.. تغفر ذنوب عامين    المجتمعات العمرانية تحذر من إعلانات عن كمبوند بيوت في المنصورة الجديدة: لم يصدر له قرار تخصيص    إعلام إسرائيلي: صفارات الإنذار تدوي في مناطق مختلفة من شمال إسرائيل    يونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة معرضون لخطر الموت    «الإسكان» تتابع الموقف التنفيذي لمشروعات المرافق والطرق في العبور الجديدة    غدا، النطق بالحكم في قضية قتل تاجر سيارات لشاب بالدقهلية    بطل ولاد رزق 3.. ماذا قال أحمد عز عن الأفلام المتنافسة معه في موسم عيد الأضحى؟    تفاصيل مشاجرة شقيق كهربا مع رضا البحراوي    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    وزير الصحة: تقديم كافة سبل الدعم إلى غينيا للتصدي لالتهاب الكبد الفيروسي C    مسئول أمريكي: رد حماس على مقترح وقف إطلاق النار يحمل استفسارات    الأصعب لم يأت بعد.. الأرصاد تحذر من ارتفاع الحرارة اليوم    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصر القلق
نشر في محيط يوم 17 - 09 - 2014

الكثيرون من سكان المدن الكبرى لا شك يذكرون بقال الحى؟ تذكرته بدورى وأنا أقرأ تقريرا فى مجلة غربية عن ظاهرة انتشارات السوبر ماركت وآثارها الاقتصادية والاجتماعية. جاء فى التقرير أنه فى أحد هّذه المحلات، وكان فرعا متوسط الحجم والسعة بلغ عدد السلع المعروضة على أرففه أكثر من 48.680 سلعة، وهو عدد لا يقارن بعدد السلع التى كان يتاجر فيها بقال الحى قبل ثلاثين عاما أو أكثر. كان العدد محدودا وخيارات السلعة الواحدة ضئيلة إن لم تكن معدومة. كانت مهمتنا كمتخذى قرارات شراء واستهلاك مهمة سهلة. حقيقة لا أذكر أننا كنا نقف حيارى أمام البقال نتردد فى اختيار ما نشترى.
كنا نعرف بالدقة ما نبغى شراءه وبالوزن الذى نريد. مرات قليلة بل نادرة اكتشفنا بعد عودتنا إلى المنزل أننا اشترينا ما لا نحتاجه فنقلق أو نتعاتب أو نندم. مرات قليلة أو نادرة اخترنا ماركة لم نسمع عنها من قبل فنستاء أو نسينا بعض ما ذهبنا إلى البقال لنشتريه، فنكتئب. كنا، البقال ونحن، نعرف تماما ما نريد، إن نسينا يذكرنا وإن تأخرنا فى زيارته أرسل وراءنا. ولم يكن ما نريد كثيرا أو متنوعا، ولم يكن المعروض عنده كثيرا أو متنوعا. بمعنى آخر لم يكن هناك دافع للقلق فى هذه العلاقة الاستهلاكية، هذا القلق الذى صار يصاحب معظم رحلاتنا لتبضع بقالتنا.
نعيش عصر الخيارات والبدائل المتعددة حتى فى السياسة. إنه التقدم، ولكل خطوة فى مسيرة هذا التقدم ثمن ندفعه. أن تختار معناه أنك تجازف بدخول عالم «اللا يقين»، عالم الاختيار بين عديد الأفكار والمعتقدات والسلع والخدمات. ومع كل خيار نختاره، تضيع علينا فرصة أو فرص عديدة. يقع اختيارنا على ما «نعتقد» أنه الأفضل، وقد لا يكون. وعندما نتأكد من أنه لم يكن الخيار الأفضل، يبدأ الشعور بالندم. ندفع الندم ثمنا لحريتنا فى الاختيار بين بدائل متشابهة أو متقاربة. لم نكن مضطرين للندم فى عصر المنتج الواحد، والفكرة الواحدة، والرأى الواحد. لم نكن نقلق. لم نشعر بالندم لأننا لم نكن نملك حرية الاختيار، وحتى لو كنا نملكها لأنه لم يوجد ما يستدعى الاختيار.
المثال الذى لا يغيب أبدا عن أذهان شركائى فى الجيل، هو التليفزيون المصرى فى بداية عهده. وقتها لم يكن أمامنا خيار فى المشاهدة. كانت هناك قناتان، الأولى والثانية، وعندما تحين ساعة الاختيار لتفادى خطاب أو بيان سياسى، تفاجئنا القناتان بتوحدهما فى قناة واحدة.
أسر لى صديق برأيه فى الحال الإعلامية الراهنة. قال إنه لا يجد فارقا واسعا بين الحال الراهنة والحال فى عصر ولادة التليفزيون. فلا هو ولا أفراد عائلته يشعرون الآن بالقلق الذى ساد أجواء بيته عندما كان الكبار والصغار يتسابقون وصولا إلى اختيار قناة للمشاهدة من بين عشرة أو عشرين، أو برنامجا من بين برامج عديدة. كانت إجابتى سريعة، وأظنها كانت بديهية، وخلاصتها أنه فى الوقت الذى يشير إليه الصديق كانت مصر فى ثورة وفى الثورة تنفتح العقول والقلوب على خيارات وبدائل بلا حدود. ومن الطبيعى فى جو الخيارات المتعددة أن يوجد القلق.
أعرف أن بعض من أعرف يفتقد أياما لم يمارس خلالها الاختيار بين بدائل. هؤلاء يعتقدون أن الحياة كانت أسهل وأقل توترا وأكثر سعادة وسلاما. تلك كانت أيام «التلمذة» والطفولة، وامتدت مع الكثيرين إلى فترات التجنيد العسكرى أو العمل فى الجيش أو الاصطفاف فى السلك البيروقراطى. كانت الأوامر وقواعد الأسبقية وأصول احترام الأكبر سنا ومقاما تعفينا من البحث عن بدائل للاختيار منها، وإذا اتخذنا قرارا سيئا لم نندم أو نغضب فما على الإنسان إلا الرضا بما «قسم له»، وبالمكتوب على الجبين.
كم من رجل وامرأة عاشا معا السنين الطوال وأنجبا خلالها أبناء وبنات وأنجب الأبناء والبنات أحفادا، دون أن يشعرا بلحظة سعادة، ولم يتبادلا يوما الشعور بالندم، فكلاهما لم يمارس الاختيار بين بدائل عندما قرر الأهل تزويجه. الإجبار فى الزواج كما فى العمل قد يكون، على عكس الاختيار، مفيدا ومزيلا للقلق، ولكنه فى النهاية قد يكون فى عصر الاختيار الواسع أحد أهم أسباب الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية. وبخاصة حين يشعر المواطن أنه محروم من مزاولة أحد حقوق الإنسانية، وهو حق الاختيار. يرد آخرون بأن حرية الاختيار فى حد ذاتها، قد تكون سببا فى التوتر لأنها فى النهاية ستفتح الباب أمام الشعور بالندم وتأنيب الضمير وضعف اليقين وزيادة الشكوك، وكلها من أعراض أمراض نفسية أخرى.
أسمع كثيرا هذه الأيام عبارة «سعداء هم الفقراء» لأن مشكلة الاختيار غير مطروحة عليهم، و«تعساء هم الأغنياء» الذين تجبرهم ظروف ثرائهم على أن يقضوا حياتهم يختارون بين بدائل.
قيل أيضا «سعداء هم الجهلاء»، الذين لم يتلقوا تعليما على الإطلاق أو تلقوا أقل القليل منه، فهؤلاء سيقبلون بما يعرض عليهم لأنهم لا يعرفون غيره. أصحاب هذا القول يعشقون تحفة عبدالوهاب «ما أحلاها عيشة الفلاح متهنى قلبه ومرتاح»، بمعنى أنه لا يحمل عبء الاختيار بين بدائل الحياة الحديثة والمعقدة. قيل أيضا «تعساء هم المتعلمون والمثقفون» الذين لا هم لهم إلا الحصول على أفضل الخيارات من الأفكار والعقائد والفرص والوظائف، تعساء لأنهم يستهلكون وقتا وجهدا للوصول إلى قرار بعد قرار بعد قرار. حياتهم سلسلة من قرارات بعضها إن لم يكن أكثرها، يخيب.
كثيرون يرددون هذه الأيام القول بأن أسعد الجماهير هى تلك التى حرمت من حقوق كثيرة بينها حق الاختيار، فهى تنعم بحكام يحددون الأفضل لهم ويقررونه، أما أتعس الجماهير فهى التى حصلت على حقوق بينها حق اختيار ما تعتقد أنه الأفضل لها من بين بدائل عديدة، فهى تكد وتتعب لتتخذ قرارات أو تشارك فيها، وفى الغالب يأتى من يجعلها تندم عليها.
ما أحلى أن أعود طفلا يرضع ويشبع وينام ويجد من يحتضنه حبا وتدليلا وحنانا، من أن أبقى راشدا عاقلا حرا مجبرا على ممارسة حرية الاختيار بين خلافة داعش وجمهورية الاستبداد وجماعة النصرة وولاية الفقيه ونظام الوصاية الدولية.
نقلا عن " بوابة الشروق" المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.