مداخلة قدمتها بناء على دعوة من حركة الشعب الوحدوية التقدمية فرع سيدي بوعلي ولاية سوسة ضمن الندوة التي أقامتها الحركة حول العروبة والاسلام وقد حضرها الأخ بشير الصيد منسق الحركة والخ خالد الكريشي الناطق الرسمي باسم الحركة وكان التنظيم ممتازا جدا من شباب الحركة المتميزين على جميع المستويات وانتهت بنقاشات وحوارات من الجمهور الذي غصت بهم قاعة بلدية سيدي بوعلي بسم الله الرحمن الرحيم الحديث عن العروبة والاسلام ليس حديثا عن نقيضين بل حديث عن كائن حي بجسده وروحه فلا مجال لقبول ذلك الرأي الذي يناقض العروبة بالاسلام أو الاسلام بالعروبة فهما عبارة عن عملة واحدة أحد وجهيها الاسلام ووجهها الآخر العروبة وذلك أن أمتنا معرضة للغزو الاستعماري ونهبه وما يبقى لدينا من خيرات كثيرة تستأثر به القلة الحاكمة ومن والاهم من قوى التجزئة والطائفية البغيضة فليس لنا خيار سوى مواجهة هؤلاء الأعداء المعروفين بأسمائهم وصفاتهم والذين يعرفهم الجميع فلا مجال للمناكفة في هذا الأمر. وهذا الموضوع هام جدا ويثير جدلا يصل حد العنف أحيانا وهو مسألة خلافية بين عديد الأطراف والتي تحررت خاصة بعد الثورة العملاقة التي أنجزها شعبنا العربي في تونس ولا نزال نعيش تداعياتها وآثارها لذا فان هذه المسألة يمكن أن تطرح العديد من القضايا الجانبية المحيطة بها من هنا أو هناك لذا فانها متشعبة ولا يمكن لأي كان الاحاطة بكل ما فيها من تفرعات ومن ذلك ان د محمد عمارة كتب العديد من الدراسات والكتب في هذا المجال وكذلك د عصمت سيف الدولة حاول أن يلم بالكثير من تفرعات هذه المسألة في كتابه عن العروبة والاسلام والذي يعتبر مرجعا هاما في هذه المسألة التي تبقى دوما أكبر من أن يحيط بها انسان وبما أنها كذلك وحيث انها خلافية فاني أحاول أن أقدم مقاربة ليس الا في محاولة للتعامل مع هذا الموضوع الذي سيكون موضوع نقاش وحوار بعد هذه المداخلة يقول الدكتور عصمت سيف الدولة في كتابه عن العروبة والاسلام في مستهل كتابه " فى الوطن العربى طائفتان إختلفتا فاتفقتا . طائفة تناقض الإسلام بالعروبة وطائفة تناهض العروبة بالإسلام . فهما مختلفتان . وتجهل كلتاهما العروبة والإسلام فهما متفقتان . وإنهما لتثيران فى الوطن العربى عاصفة غبراء من الجدل ، تكاد تضل الشعب العربى المسلم عن سبيله القويم . إن الحديث عن " العروبة والإسلام " ليس حديثاً عن كل من الإسلام والعروبة بل هو حديث عن العلاقة بينهما .. " 1العروبة تلزم الشعب العربي بمواجهة أعدائه جميعا " إن استجاب الشعب العربي ، لما تلزمه به العروبة ، لعرف معرفة اليقين ، أن التناقض الأساسى بين واقعه وحاجته ، يتمثل فى أن ليس كل ما هو متاح فى أمته من أسباب التحرر والتقدم ، متاحاً له ليتحرر ويتقدم ، لأن العدوان الخارجى سلبه إمكانات مادية وبشرية هو صاحبها ، بحكم أنها إمكانات أمته ، ولأن العدوان الداخلى ، يسلبة القدر الأكبر مما أفلت من العدوان الخارجى ، فيستأثر به من دونه إحتكاراً واستغلالا . فإن كان أكثر وعياً لدلالة الدروس الصارمة ، التى يتلقاها كل يوم من أحداث عصره ، لعرف معرفة اليقين أن لا أمل ، لا أمل على الإطلاق ، فى أن يتقدم حرية ورخاء ، بقدر ما هو متاح فى أمته ، إلا بأن يواجه أعداءه جميعا ، فيسترد حريته ويقيم وحدته القومية ." وذلك أن الوطن العربي محتلة أجزاء منها كسبتة ومليلة ومنطقة الأوغادن وكل فلسطين والجولان وامارة الأحواز والجزر الاماراتية الثلاثة ولواء الاسكندرونة و سيناء دون سيادة اضافة الى التجزئة فلن تتحرر أمتنا دون أن تبسط كامل سيادتها على كل أرضها المحررة من الاستعمار الأجنبي والاستبداد الداخلي وقد بدأ الشعب العربي يثور ضد هذا الوضع البائس ويسقط الحكام الواحد تلو الآخر ونأمل أن تستكمل هذه الثورة مهامها قريبا باذن الله . 2 كيف نفهم القتال والجهاد في الاسلام فإذا إستجاب الشعب العربى ، لما يلزمه به الإسلام ، لوجد أمرا صريحا بالقتال ضد المعتدين : قال تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {194}) ، وقال تعالى (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ" وحرض عباده المؤمنين على عدم قبول الذل فقال تعالى " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ " إن بعض هذا وليس كله كافيا بأن يحدد الشعب العربي أعداءه ويحفزه على محاربتهم والنصر عليهم 3 الانتماء المتعدد .. وجود طبيعي الإسلام علاقة إنتماء إلى دين. يقول تعالى " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً " و العروبة علاقة إنتماء إلى أمة بشطرى تكوينها : الشعب والأرض ، وما أثمر شطراها على مدى التاريخ من حضارة إنها إنتماء إلى وضع تاريخى . و أن الله جل شأنه لم يأذن للمسلمين بقتال غير المسلمين ممن ينتمون معهم إلى مجتمع واحد إلا فى حالتين : الأولى ، محاولة غير المسلمين إكراه المسلمين بالقتال على الردة عن دينهم ، والثانية : قيام غير المسلمين بإخراج المسلمين من ديارهم : قال تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {8} إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {9} ثم إن الإسلام علاقة إنتماء تنشأ بالتمييز ، فالادراك ، فالإيمان .... وهكذا يستطيع أى إنسان مميز غير مكره أن يختار الإسلام ديناً أو أن يختار دينا غيره على مسؤوليته الشخصية في الدنيا والآخرة اذ لا تزر وازرة وزر أخرى أما العروبة فعلاقة إنتماء إلى وضع تاريخى تدرك العربى منذ مولده وتصاحبه حتى وفاته ولو لم يكن مميزا ولو لم يدركهابحيث ان العروبة ليست اختيارا بل هي وضع قائم بالفعل أحببنا أم كرهنا ولا خيار لنا فيه فلم يختر أحد منا أباه وأمه وأهله. 3 عالمية الاسلام وعمومه الإسلام علاقة إنتماء إلى دين خالد فى الزمان بحكم انه خاتم الرسالات والأديان وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الأديان السماوية متطورة تبعا للتطور الاجتماعي الذي ينطلق من الأسرة فالعشيرة فالقبيلة فالأمة ثم المجتمع الإنساني ككل كآخر مرحلة في التطور الاجتماعي للبشرية و تبعا لذلك كانت الديانات الأولى السابقة على الإسلام محدودة بحدودها الاجتماعية الضيقة فكانت ديانات قبلية وعشائرية حسب المنظومات الاجتماعية وقتذاك ويؤكد على هذه الحقيقة العلمية والتاريخية ما ذهب إليه القرآن الكريم عندما يشير في أكثر من موطن إلى ذلك بقوله تعالى (و لقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله ) 45 النمل و قوله تعالى ( والى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ) 81 هود وقوله جل وعلا (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ) 165 الأعراف وكانت دعواتهم مرتبطة من حيث الإعجاز بالمستوى الفكري الذي عليه القوم وهو مستوى فكري لا يزال بسيطا فمعظم المعجزات السابقة على الإسلام كانت مادية ملموسة لتناسب العقل الطفولي الذي كانت عليه البشرية حينها ومن حيث المعالجات للمشكلات القائمة كانت أيضا بسيطة الى حد ما تبعا لعدم تعقد و تطور الحياة فهي لا تعدو أن تكون دعوة الى عبادة الله و الانتهاء عن منكر يفعلونه كأهل مدين الذين يطففون الكيل و الميزان او قوم لوط الذين يرتكبون الفواحش وبذلك لم تكن دعوات الرسل قبل الاسلام عامة ولا شاملة ولا معجزاتهم عقلية مستمرة بل هي محدودة زمانا و مكانا و اهدافا ذلك أن هناك استراتيجية إلهية في تدرج الأديان ونطورها تبعا لنسق تطور المجتمعات البشرية . ومن ذلك أن سيدنا موسى عليه السلام قد كان في وضع وسط بين القبلية القديمة والتكليف الإلهي بالتوجه برسالته الى غير قومه اذ يدعو ربه أن يشدد أزره بأخيه هارون- تناسقا مع المنحى القبلي الذي كان ولا يزال يعيشه بنو إسرائيل حتى الآن اذ تصرفاتهم في فلسطينالمحتلة تؤكد طبيعتهم القبلية المتخلفة – ليتمكن من ابلاغ رسالته المنحى الجديد الذي يكلفه الله به وهو التوجه الى غير بني اسرائيل حيث كلف بتبليغ دعوته إلى شعب مصر في شخص ملكها فرعون الذي كان يدعي الربوبية قال تعالى استجابة لرغبة موسى عليه السلام (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا ) 35 القصص وتبعا لذلك كلفهما بقوله تعالى (اذهبا إلى فرعون إنه طغى) 43 طه وبذلك يكون موسى قد دشن عهدا جديدا في النبوات وهو الخروج عن النطاق القبلي الضيق الى نطاق أوسع وهو مخاطبة شعب مصر ولكن هل حافظ اليهود المعاصرون على روح رسالة موسى الداعية الى التوحيد ونبذ الطغيان اللهم لا و ممارسات الدولة الصهيونية في المنطقة العربية و العالم خير شاهد على هذه القطيعة من حيث حجم الجرائم التي ترتكبها وارتكبتها ضاربة عرض الحائط بكل الشرائع و الأديان . ثم تأخذ الديانات طورا آخر أكثر عموما بدعوة عيسى عليه السلام رمز الرحمة و التسامح اذ يقول عليه السلام (إذا ضربك أحدهم على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر) و بذلك يكون قد فتح بعدا جديدا للإنسانية أكثر شمولا و عموما من رسالة موسى في نطاق التطور الجدلي للأديان من حيث التوسع في المضمون و التوجه تهيئة للدور العظيم المناط بخاتم الرسالات رسالة سيدنا محمد عليه السلام حيث هي رسالة عامة للناس قاطبة وهكذا كان دين الله دينا عالميا عاما للبشرية قاطبة فلا يخص جنسا معينا أو هو لأمة من الأمم دون بقية الناس أو لقبيلة من دون الناس جميعا فهو لكافة الناس كما قال تعالى في محكم تنزيله : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) 28 سبأ وهو بهذا المعنى ملكية مشتركة للبشرية جمعاء لأنه يناهض العنصرية والقبلية و التعصب و العرقية حيث أشار الرسول عليه السلام إلى أنها منتنة فلا بد من تركها استجابة لتوجيهاته عليه السلام في حين كانت بقية الديانات السماوية السابقة لا تشاركه هذه الميزة الأساسية فيه لأنها بكل بساطة موجهة لأقوام الرسل وقبائلهم وعشائرهم من دون الناس وذلك أن المجتمعات البشرية في تلك الأوقات كانت من الناحية الإجتماعية ضمن المراحل الأولى للتطور الإجتماعي انطلاقا من الأسرة فالعشيرة فالقبيلة إلى الأمة حاليا والمجتمع الإنساني مستقبلا فكانت تلك الديانات خاصة تبعا للأطوار الإجتماعية ;وبهذا العموم والعالمية للدين الاسلامي يستتبع ذلك أمرين على غاية من الأهمية وهما 1رفض مبدأ الخلافة الذي كان قائما لدى المسلمين وهو ليس أمرا دينيا كما تقول الشيعة بقدر ماهو نظام سياسي ابتدعه المسلمون وقتها انسجاما مع مبدا قيام النظام الامبراطوري حيث ان حدود الدولة تقف عند أقدام الجنود الفاتحين ولم يعد ذلك ممكنا الآن في ظل النظام الدولي والقانون الدولي الذي على الورق يمنع احتلال أراضي الغير بالقوة ما عدا ما تفعله أمريكا في العراق أو الكيان الصهيوني في فلسطين 2 القطع نهائيا مع العلمانية التي ظهرت في أوروبا نتيجة ظروف تاريخية أحاطت بأوروبا حيث كانت الكنيسة اما أنها مسيطرة بشكل مباشر على كل مظاهر الحياة وتمارس الاضطهاد والقهر وتفرض ارادتها على الجميع حتى وصلت حد اقامة محاكم التفتيش الشهيرة أو كانت خاضعة للأباطرة وتبرر لهم تعسفهم ومظالمهم بدعوى الحق الالاهي المقدس للملوك وكانت ثورة أوروبا في عهد الأنوار رفضا لمثل هذا الواقع الظالم والفاسد والذي لم يكن موجودا في الاسلام الدين الالاهي العالمي شبيه له على الاطلاق الا ما كان من الشيعة نتيجة ظروف تاريخية معينة دفعت بهم الى تبني الدولة الدينية العادلة لمواجهة مظالم و مجازر بني أمية في حقهم . عالمية الاسلام ودور العرب فيه الاسلام دبن عالمي موجه للبشرية قاطبة وهذه أهم مميزاته العديدة اذ جاء تتويجا لمراحل متعددة مرت بها الرسالات السماوية السابقة التي اتبعت نسقا تصاعديا في تطورها تبعا لتطور الواقع الاجتماعي البشري من الأسرة الى العشيرة فالقبيلة فالأمة فالمجتمع الانساني ككل وكانت الديانات السابقة تتطور تبعا لذلك حتى وصلت ذروة تطورها في الدين الاسلامي فكان عالميا انسانيا موجها للبشرية قاطبة وهو الدين النهائي لكل الانسانية فمن الطبيعي أن يكون محل عداء من القوى التي تسعى في الأرض فسادا عبر كفرها العقائدي تجاه الخالق وجبروتها المادي وطغيان مصالحها المادية فتتحول الى قوى مناهضة لكل قيم الخير والعدل والمساواة التي نادى بها لتحكم العلاقة بين البشر وتوجه للقائمين بهذه الدعوة كل أصناف النعوت السلبية من السحر والشعوذة والكهانة والشعر كما كان في عهد الرسول عليه السلام أو الكفر ومعاداة الصليب في القرون الوسطى وابان الحروب الصليبية أو الجهل و التخلف والبعد عن الحضارة و التمدن أثناء الحروب الاستعمارية أو الارهاب ومعاداة السامية عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني والاستعمار في العصر الحديث فكلها تقريبا تهم جاهزة وحاضرة بقوة المال السياسي و المصالح التجارية والمادية و الموغلة في المادية منذ الجاهلية الى الآن فكفار قريش ومصالحهم المادية التجارية عندما واجهوا الاسلام والرسول بكل ما أوتوا من قوة لم يختلفوا عن عتاة الصهاينة واليمين المسيحي المتصهين وكل القوى الرجعية حتى من المسلمين ذاتهم الذين يقفون موضوعيا معهم بدعوى العلمانية أو التحضر أو الواقعية والبرجماتية السياسية فكلها تكاد تكون عبارة عن مضامين متشابهة في الأهداف ولكن تختلف شخوصها وأماكنها وتواريخ حدوثها و الامة العربية التي تكونت بمجيىء الاسلام عندما استقرت تلك الجماعات و القبائل و الشعوب على الأرض العربية نهائيا على الأرض منذ أربعة عشر قرنا حيث كان الاسلام شاهدا على ميلادها فلم يكن هذا الدين مجرد اضافة اليها كما هو بالنسبة للشعوب المسلمة وغير العربية التي كانت قد تكونت امما قبل مجيىء الاسلام أو بعده فهو بالنسبة للعرب جزء من تركيبهم النسيجي حتى بالنسبة للعرب الذين يدينون بالمسيحية في هذا الوطن فان حضارتهم هي الحضارة الاسلامية لذا تجدهم أقرب الى المسلمين من نفس أصحاب دينهم من المسيحيين وآية ذلك اشتراك هولاء المسيحيين سواء في الحروب الصليبية أو الحروب الاستعمارية في الدفاع عن وطنهم العربي الى جانب مواطنيهم المسلمين فلم يعد العامل الديني هو المحدد في هذه الحروب بقدر ما يحددها العامل الوطني وبناء عليه فان الأمة العربية بمواطنيها الذين يغلب عليهم الدين الاسلامي انتماء عقائديا كالمسلمين أو انتماء حضاريا كالمسيحيين وغيرهم من الأقليات الدينية التي ينطبق عليهم ما ينطبق على المسيحيين العرب وبناء عليه فان القوى المعادية للأمة العربية تحاول بكل دهاء وخبث تدمير كل مقومات الصمود والممانعة في الأمة عبر احياء النعرات الدينية والطائفية والاثنية لخدمة المشروع الاستعماري و الصهيوني المعادي وذلك أن أي اقتتال داخلي يؤدي حتما الى تغول القوى المعادية و استفادتها واطالة أمد تمكنها من نهب ثروات الأمة كما يحصل الأن من احتقان طائفي و مذهبي و ديني في العديد من الأقطار العربية مشرقا كالعراق و لبنان و اليمن و السودان و الجزائر وبعض دول الخليج فان المستعمرين و الصهاينة وكل القوى المحلية الدائرة في هذه الأفلاك المشبوهة تصب النار على الزيت وتعمل بكل قواها لاشعال مزيد من الحرائق في المنطقة من أجل تواصل الهيمنة الاستعمارية واطالة لأمد الكيان الصهيوني حيث يعلم كل الدارسين للتاريخ والمطلعين علىالدراسات الاستشرافية أنه لن يدوم طويلا بحكم أن الأمة العربية لها من امكانيات البقاء والصمود التي لا مثيل لها بين الشعوب بحكم ارتباطها الوثيق بالدين الاسلامي فيمكن ملاحظة ما فعل جزء محاصر من الشعب العراقي بأعتى قوة عسكرية و سياسية واعلامية في العالم وكيف انهارت ودمر اقتصادها في بضع سنوات وما فعل جزء من الشعب اللبناني في مواجهة الكيان الصهيوني بالرغم من التآمر المفضوح على المقاومة حتى من بعض العرب وكيف أنه في فلسطين الجهات الممانعة و المقاومة تتجذر على الأرض وتحقق في غزة نوعا من توزازن الرعب مع العدو الصهيوني بالرغم من محاصرتها و التآمر عليها حتى من قبل بعض الأنظمة العربية ولذلك فان الأمة العربية بكل مكوناتها الدينية والمذهبية في النهاية تنتمي جميعا للحضارة الاسلامية غير القابلة للفناء مهما كانت التحديات اذ يكفي ان نذكر بصلف الرئيس بوش ابان أحداث 11 سبتمبر 2001 عندما أعلن أنها حروب صليبية وقد انتهى به المقام في نهاية ولايته الرئاسية الثانية أن ودعته هذه الأمة بفردتي حذاء منتظر الزيدي فهل يتعظ الطغاة أم يريدون مزيدا من الأحذية تنهال على رقابهم . 4 بقية مميزات الاسلام وبناء عليه فالإسلام يتميز أيضا بمميزات أخرى فما هي ؟ كما أنه دين شامل لكل جوانب الحياة الدنيوية والأخروية قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا ) 3 المائدة بحيث لم يفصل بين الدين و الدنيا و العبادة و الحياة فالكل عنده سواء في المفهوم الإسلامي من حيث صلة الحياة بالعبادة وذلك أن العمل عبادة و البحث العلمي عبادة و الزواج إكمال لنصف الدين و الطلاق إلتزام بأحكام الشرع وسائر العقود عبادة و الأخلاق الفاضلة عبادة بحيث تستحيل حياة الإنسان من أول مولده إلى ما بعد وفاته إلى إلتزام بأحكام الدين وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى حالة ذلك الصحابي الذي كان يكثر من المكوث في المسجد للصلاة فلما سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يعوله فقيل له أخوه فقال أخوه أعبد منه وبناء عليه شملت تعاليم ديننا الحنيف كل المجالات كالعقيدة و العبادات و المعاملات والأخلاق . كما أن الدين الإسلامي من ناحية أخرى هو دين الواقعية من حيث مراعاة ظروف الإنسان و مدى قدرته على أداء التكاليف في ظروف مريحة دون إرهاق بدني او نفسي فالله تعالى لايكلف نفسا إلا وسعها ومن هنا فهو دين اليسر لا العسر و رفع الحرج و المشقة عن الناس و جلب التيسير لهم سواء في العقيدة بحرية التدين قال تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) 256 البقرة أو في العبادات من حيث كافة أنواع التيسير فيها وهي من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة وفي مجال المعاملات فهناك إقرار لمبدأ اليسر و الضرورات تبيح المحظورات والمشقة تجلب التيسير . كما أنه دين المناسبة للفطرة أي الطبيعة الأصلية للإنسان بحيث لم يقع قمع مطالب الإنسان الحيوية كالتمتع بطيبات الحياة المشروعة كالمأكل و الملبس و السكن و التمتع بالجنس و التمتع بالحرية الكاملة فالإسلام سمح بها جميعا بعد أن هذبها و نظمها و ترك الإنسان يعيش حياة طبيعية . ثم إن هذا الدين و بالنظر لهذه الخاصيات فإنه آخر الديانات فمن الطبيعي أن يكون دين الحرية و إعمال العقل و القرآن الكريم حافل بهذا المجال ما في ذلك من شك لذا فهو دين الإنسانية ومستقبل البشرية لن يكون في أفضل حال بدونه وقد بشر الله المؤمنين بالاستخلاف في الأرض بقوله تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) 55 النور ومن هذا المنطلق لا يسعنا إلا أن نؤكد أن الإسلام بهذه المواصفات هو بكل تأكيد دين الرحمة والحرية و الإبداع الإنساني تحقيقا للأهداف الكبرى التي من أجلها خلق الله الإنسان الا وهو دوره في خلافة الله في الأرض و عمارة الكون في نطاق القيم الكبرى من عدل و إخاء و تعاون . لذا فهم اسلافنا حقيقة الدين الجوهرية من نقطة الحرية هذه و انطلقوا فاتحين لا مستعمرين يبشرون بحضارة العدل والحق و الحرية في إطار من الاجتهاد البشري لا متعسفين و لا ملغين لغيرهم ولا مقصين لمخالفيهم وقد نظروا في العقيدة الإسلامية بعقولهم فلم تتفق مواقفهم البشرية فاختلفوا فرقا جميعها تعبد إلها واحدا ونظروا في الشريعة بأفكارهم البشرية فاختلفوا فيها إلى مذاهب فقهية متعددة دون الخروج عن القاعدة الأساسية التي تحكمهم جميعا وهي الاحتكام للقرآن و صحيح السنة النبوية وبهذه الأفكار التقدمية و التحررية في التعامل مع الشريعة السمحة و التي تؤمن بمكانة الإنسان خليفة الله في الأرض امكن لهم بناء أرقى حضارة لا تزال آثارها فاعلة و مؤثرة إلى الآن ولكن المسلمين لما توقفوا عن هذه ا