تراجعت أهمية القراءة الورقية في مصر بشكل كبير، خاصة لدى أجيال الشباب، وهو ما يظهر في ضعف مبيعات الكتب، اللهم إلا بعض الروايات التي حظيت على تسويق إعلامي كبير؛ غير أن من أهم أسباب هذا التراجع، انتشار القراءة الرقمية، وإهمال المؤسسات الثقافية لدورها، وغياب التوعية بأهمية القراءة كرافد مهم من روافد الثقافة. وفي ظل انعقاد الدورة ال47 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، التقت "ولاد البلد" بعدد من الشباب والمثقفين بالفيوم لاستطلاع آرائهم حول أسباب هذا التراجع، ومدى إقبال "الفيوميين" على معرض الكتاب. ارتفاع الأسعار تقول أمل محمد، طالبة بكلية التربية بجامعة الفيوم "أحب القراءة بشكل كبير واستخدم الإنترت في تحميل بعض الكتب، وأشتري القليل منها بسبب قلة المكتبات بالفيوم، وارتفاع أسعار الكتب بها، مضيفة كنت أتمنى زيارة معرض الكتاب، ولكن أسرتي منعتني من الذهاب بمفردي للقاهرة. وتضيف أميرة عبد الحليم، طالبة بكلية تربية، "لم أذهب إلى معرض الكتاب بسبب التكاليف المالية للسفر، وسمعنا عن ارتفاع أسعار الكتب"، مشيرة إلى أن هناك أشياء كثيرة تضعها في مقدمة إنفاقها قبل شراء الكتب، مضيفة أن الإنشغال بالدارسة وحشو المناهج لا يمكنها من القراءة فترات أطول. المناهج الدراسية وتقول إسراء عزت، طالبة بكلية الآثار، تشغل القراءة جزء كبير من اهتماماتي، ولذلك سعيت لحجز مكان في رحلة خاصة بالجامعه لزيارة معرض الكتاب، ولكن لم أتمكن من ذلك بسبب اكتمال الحجز، ولأن الرحلات التي تنظم للمعرض سواء داخل الجامعة أو خارجها قليلة جدا. وتضيف عزت أنه رغم حبي للقراءة إلا أنني لا أجد الوقت الكافي للقراءة خلال فترة الدراسة، فالمناهج الدراسية تستهلكنا، ولا تمنحنا أي فرصة لا للقراءة ولا لأي شيء آخر. ويقول محمد عبد السلام، طالب بكلية التجارة، إنني أعتمد على مكتبة والدي في القراءة، ولولا ذلك ما استطعت أن أحصل على ما أريد من كتب نتيجة نقص المكتبات بالفيوم، وارتفاع أسعار الكتب بشكل مبالغ فيه، حيث تصل أسعار بعض الكتب ل150 جنيها. أسباب قلة الإقبال ويقول عصام الزهيري، روائي وباحث اجتماعي، إن عدم الإقبال على القراءة الورقية يكون بسبب ارتفاع أسعار الكتب، فبعض الكتب تتجاوز أسعارها ال200جنيه، وهو أيضا من أسباب عدم الإقبال على معرض الكتاب بالنسبة ل "الفيومية" إضافة لعدم ملائمة المناخ للتنقل من محافظة لأخرى. ويضيف الزهيري أن انتعاش القراءة لا يتوقف علي معارض الكتب، ولكن هذا دور الهيئة العامة للكتاب، التي يجب عليها أن تصدر كتب بأسعار مخفضة إضافة إلى اختيار مضمون الكتب واهتمامها بكل القضايا التي تشغل المجتمع وخاصة الشباب، بالتنسيق مع المؤسسات الثقافية والتعليمية. ويرى الزهيري أن نسبة القراءة في مصر غير مرضية تماما رغم أن هناك انتعاش إلى حد ما في الإقبال على الأعمال الروائية، خلال السنوات الماضية. ويضيف خالد طه، صاحب مكتبة كامو، أن مؤسسات عده تنظم رحلات لمعرض الكتاب، مثل قصر الثقافة وجامعة الفيوم، ولكن عدد المواطنين المهتمين بالقراءة بالفيوم قليل جدا، مقارنة بعدد سكان المحافظة، ومعظم الشباب يهتمون بمسار واحد وهو الرويات الخفيفة، ولايهتمون بنوعية القراءات، وهذا يعود إلى أن المؤسسات الثقافية لا تهتم بإصدار كتب مهتمة بتغذية فكر القراء وتطرح قضايا فكرية وجدلية. معارض بالمحافظات ويقول محمد صالح، مؤسس مبادرة "كتاب ورق": "جزء كبير من الشباب بعيد عن القراءة لأنهم يعتمدون على المعلومات السريعة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي ومتابعة القنوات الفضائيه، إضافة إلى نقص المكتبات بالفيوم، وارتفاع أسعار الكتب. ويرى صالح أن الإقبال على معرض الكتاب من قبل أبناء الفيوم خلال الأيام الماضية، وذلك لأسباب عدة منها صعوبة الانتقال للقاهرة بالنسبة للكثيرين وخاصة الفتيات، وارتفاع أسعار الكتب، ويقترح صالح العمل علي تنظيم معرض خاص بالمحافظات مثيلآ لمعرض الكتاب الدولي بالقاهرة، على أن تساهم في تنظيمه وزارة الثقافة. غياب التنشئة الثقافية ويرى رمضان الليموني، باحث اجتماعي، أن هناك عزوف واضح من الشباب عن القراءة، وربما يعود ذلك إلى عدة عوامل، منها قلة عدد المكتبات العامة وضعف الاهتمام بتحديثها وتزويدها بالإصدرات الجديدة والمتنوّعة باستمرار بما يلائم احتياجات القراء والباحثين من الكتب والمراجع، كذلك فإننا نعاني من مشكلة عدم الاهتمام بغرس عادة القراءة أثناء عملية التنشئة الثقافية والتربوية، خاصة في ظل هذا الكمّ الضخم من المناهج الدراسية التي تستنزف جهد وعقل الشباب في مراحل التعليم المختلفة والتي لا تعتمد على تحفيز الطلاب نحو البحث والإطلاع والإبداع. ويردف الليموني قائلا "أضف إلى ذلك ارتفاع أسعار الإصدارات الورقية من الكتب مما قد يضطّر معه الشباب للجوء إلى النسخ الرقمية التي يحصلون عليها بوفرة من الإنترنت، وذلك إذا وضعنا في الاعتبار ارتفاع نسب البطالة بين الشباب وضعف الموارد المادية التي قد تساعدهم في شراء الكتب ومتابعة الإصدارات الجديدة، وهي مشكلة ترتبط بتمركز دور النشر، ومنافذ بيع إصدارات المؤسسات الثقافية في العاصمة وهو ما يزيد من عبء وصعوبة متابعة الإصدارات واقتناءها". ويضيف أنه توجد بعض الحلول التي يمكن أن تساهم في معالجة تلك المشكلة منها مثلا: تزويد مكتبات المدارس والجامعات بالإصدار الحديثة بصفةٍ مستمرة وفتحها للجمهور أيام العطلات الرسمية وفي الأجازة الرسمية، كذلك يمكن إنشاء بعض منافذ البيع في المنشآت الحكومية في المراكز والقرى لتسهيل حصول الشباب على الكتب بأسعارٍ مناسبة للشباب، وكذلك الاستفادة من الشراكة بين المؤسسات الثقافية الرسمية وبين المنظمات غير الحكومية في إنشاء بعض المكتبات الصغيرة في المناطق النائية تقوم تلك المنظمات بالإشراف عليها ودعمها.