استيقظت مبكراً كعادتي في مثل هذا اليوم من كل شهر، فاليوم موعد لقائي بمحبوبتي.. ألقيت على وجهي بعض الماء، ثم ارتديت ملابسي على عَجَل بعد أن مشطت شعري المجعّد اللعين!! وسرعان ما أصبحت في الشارع، أسابق الريح كي أصل إليها، وما إن وصلت إلى مكانها حتى اختطفتها بكل جراءة على مرأى من الجميع، الذين تبادلوا نظرات الدهشة فيما بينهم! لم أعبأ بشيء، وألقيت لصاحبها بثمنها شاكراً لله - ثم له - أنه حفظها لي قبل أن يأخذها غيري، منظرها الخارجي يوحي بذوق رفيع، فما بالك بالداخل؟! دعوتها إلى البيت فلم تمانع!! وفور دخولي الشقة ألقيت المفاتيح جانباً، وخلعت الحذاء ملقياً به تحت السرير، ونزعت عن جسدي القميص، ثم أخذتها في حضني بقوة!! كم كنت مشتاقا للقائها! ارتميت على السرير بعد أن ألقيتها عليه، أخذت أداعبها!! بينما هى تدغدغ عقلي وتلهمني أفكاري! أعدّت أمي لي في هذه الأثناء كوباً من الشاي الساخن، وأحضرته لي، ولكي أنْهَم من حبيبتي مع رشفات الشاي ألقيت برأسي على الوسادة ماداً قدمىّ على الفراش، مشعلاً سيجارة من النوع الرخيص، ومع رشفة من كوب الشاي، ونَفَسٍ من السيجارة، أخذت أدللها، ثم أمسكت بها، فابتعدت عني.. رجوتها.. تمنعت.. نظرت إليها بعد أن أخذتها بين يدىّ، ثم قلبت الغلاف لأغترف منها بعد أن تجرّدتْ من خجلها!! كنت أغتنم منها فنّها.. فهى تحدثني بلا خجل، وكانت صورها هى دليل صدق كلامها وإحساسها، قلّبت الصفحات لأقرأ المقالات، كانت هناك إعلانات، لم تكن دائماً في محلها، قلبت الصفحات مرة أخرى...''رباه! ما هذا؟!! هل تحمل حبيبتي في طياتها كل هذا الجمال؟!! إنها بكامل الصفحة!'' لم ألحظ سقوط السيجارة على الأرض، ولا الشاي الذي أصبح كالماء المثلج من طول نظري على الصورة! هى.. هى من أحلم بها، إنها جميلة! نعم هى كذلك! كان فمها في منتهى الصغر يغريك أن تقبل الورق!! وخدودها الوردية تنادي الظمأى لترويهم، لمحت في عينيها الزرقاوين - كموج البحر- ضوءَ الشموع، تركت يديّ تنساب على شعرها فإذا به بحر من الدموع!! ياإلهي! لقد جعلني جمالها شاعراً قد يزاحم ''القباني'' و''الأبنودي'' في فنهما! عبرت شمس العصاري إلى داخل الحجرة من خلال النوافذ المواربة، فلمحت في عنقها عقداً ماسياً يذهب بنور عين من يطيل النظر إليه! أما أسنانها التي ظهرت من خلال أجمل ابتسامة رأيتها في حياتي، فحدِّث ولا حرج عن حبات اللؤلؤ المكنون.. إنها لكينونة عجيبة، يعجز أعتى الرسامين عن مجرد التفكير في رسمها، حتى لو كان صاحب ''الجيوكوندا''!! أشعرتني أن للرجولة معان كثيرة! ووقفت عن التفكير لبُرْهةٍ من الزمن، وأطلقت لخيالي الواسع العنان.. قلت بعد أن ابتلعت ريقي بصعوبة شديدة: ''ليه ياد يا مرسي ما تكملش نصف دينك على إيديها؟'' ولِمَ لا؟ فبإرث والدي، على مرتبي الذي لابأس به أستطيع التأهل ودخول الدنيا الجديدة! ولكنني لا أجيد فن التسبيل والغزل اللذين يجيدهما الواد عماد ابن الجيران! احترت ماذا أفعل؟ أأتركها تمر مرور الكرام أمامي؟ أم أتجرأ وأفعل مايفعله الواد عماد اللعين؟! قلت في نفسي:''طيب ويعني إيه اللي حايحصل لي؟! أجرّب.. يعني هو عماد أحسن مني ولا إيه؟!'' وقفت حيث رأيتها أول مرة في الشارع، انتظرتها طويلاً حتى كدت أن أفقد الأمل، وفجأة ظهرت ''فينوس'' الشرق - كما أسميتها أنا في خيالي، أخذت أقضم أظافري محاولاً أن أتذكر مايفعله الواد عماد.. ثم انتفضت هاتفاً: ''الصفير!!'' نعم لقد كان يصفر بفمه أولاً. أطلقت صفيراً وانتظرت أن تنظر. ولكن هيهات ياابن الشحات!! أتنظر لك أنت؟! قلت في نفسي:''ولِمَ لا؟ هو لازم أكون دحلاب ومش دوغري علشان أعجب البنات؟!'' كدت أن أفقد الأمل وأحطم حلمي بيدي! ولكني تذكرت أن ''من طلب العلا سهر الليالي'' وهذه ليست كأي علا! أطلقت الصفير مرة ، ومرة، ومرات حتى تعب فمي ونهج صدري.. ثم رأيتها تتوقف ببطء وتلتفت تجاهي! رباه مش معقووووول!! هل توقفت من أجلي؟! أم أنني أهذي من شدة جمالها؟! أشارت إلىّ برأسها، فسرت إليها وأنا أهندم ملابسي وأعدل ياقة القميص التي ذابت بفعل عوامل التعرية! خطوات قليلة ووصلت إليها والابتسامة تعلو وجهي: ''صباح الخير!'' نظرت إلى رافعة حاجباً وخافضة الآخر مع ابتسامة خفيفة ولم ترد! فأعدت السلام مرة أخرى ''صباح الخير!'' استدارت إلىّ ويداها في منتصف وسطها قائلة بصوت ملائكي فيه عذوبة ماء الأنهار''وبعدين! اتنين صباح الخير!! صباح النور ياسيدي! خير؟!'' لم أصدق نفسي أنها تكلمني، تمالكت نفسي بصعوبة.. حاولت أن أنطق فلم أستطع، ارتبك لساني اللعين ''الويل له كل الويل!'' لاحظتْ هي أن جبهتي قد أغرقت وجهي بالعرق فقالت: ''مالك عرقت ليه؟!'' ارتبكت أكثر وأخرجت منديلاً أمسح به عرقي، فتأففت قائلة: ''وبعدين!! امشي!'' أمسكتها من يدها قائلاً: ''لأ.. أرجوكِ ده أنا ماصدقت إني شوفتك وكلمتك.. طب ده إنتِ أحلى من الصورة بكتير!'' -''صورة! صورة إيه؟!!'' -''لأ لأ ولا حاجة! تسمحي لي أعزمك على كوبيتين عصير قصب!'' - ''قصب! عصير قصب!!'' -''آه قصب! ماله؟! خفيف على المعدة والجيب، وبينضف الكلى، و....'' -''خلاص، خلاص، قصب قصب! اتفضل ياسيدي!'' سرنا في الطرقات ساعات معدودة، وسرعان ما انتهى اللقاء.. فنظرت إلى الصورة مرة أخرى حالماً بلقاء آخر-لم يطل ميعاده - فسرعان مادق جرس التليفون: -''آلو مين معايا؟'' -''آلو أيوه يامرسي أنا ياسمين!'' - ''بتاع السمين مين؟!'' -''يا أخي بقولك ياسمين!'' -''ياسمين! أيوه ياحياتي، عاملة إيه؟ وليه الغياب ده كله؟'' - ''مش وقته يامرسي، كنت عايزاك في موضوع مهم.. استناني في نفس المكان بعد نصف ساعة!'' هرولت إلى الطريق، وسرعان ماناديت على تاكسي بصوت عالٍ: ''تاكسي'' وقف، فتحت الباب، ركبت، أغلقت الباب، قائلاً للسائق: ''نفس المكان والنبي يا أسطى بس بسرعة!'' التفت السائق إلىّ قائلاً في تعجب شديد: ''مكان إيه ياحضرت! ولا مؤاخذة!!'' -''أقصد حديقة الأندلس.. معلهش يا أسطى ماتدققش!'' انطلق التاكسي سريعاً مخترقاً شوارع المحروسة حتى استقر أمام الحديقة، فاندفعت إلى الحديقة وسرت في طرقاتها وفجأة أحسست أن أحدهم يسير ورائي، هم ثانية! إنهم المرتزقة، سأتشجع وأستدير لهم.. وفجأة استدرت رافعاً يدي لأنال من ولاد ال... -''ياسمين!! رعبتيني.. خير إيه اللي حصل؟! ارتمت في أحضاني قائلة: مرسي هيجوزوني!'' قلت لها في حزم بعد أن أزلت ملامح الغضب من على وجهي: ''اهدئي ياصغيرتي! اهدئي ولا تخافي!!!'' عدت إلى المنزل لأرتدي - كما يقولون - ماعلي الحبل ثم ذهبت إلى والدها الذي فور مارآني قال: - ''اتفضل يابني!'' -''شكراً ياعمي أنا جاي علشان أت...'' -''عارف، عارف، والدتها حكت لي على كل شيء!'' - ''ورأي سيادتك إيه؟'' -''أنا موافق يابني وعلى بركة الله!'' لم أتمالك نفسي من الفرحة، فأعددت كل شيء: الشقة، الشبكة، العفش، إلخ... وأُضيئت الأنوار معلنة بداية الأفراح، وتحقيق حلم حياتي بعد طول عناء! وسرعان ماانتهى الفرح وودّعَنا المدعوون، وصعدنا إلى شقتنا وأغلقنا علينا باب الحجرة.. واستبدلنا ملابسنا، وجلسنا على حافة السرير، ونظرت إلى عينيها الزرقاوين فأحسست بدوخة خفيفة، ونظرت إلى أعلى حيث شعرها فتكرر الأمر، ثم أصبحت الدوخة رعشة قوية! فاقتربت منها أكثر.. وأكثر وما إن هممتُ بتقبيلها حتى نادت علىّ أمي من خلف الباب الموارب: ''اصحى يامخبل! السيجارة حرقت السجادة!!!'' كلمتنا - مايو 2001