هيئة البث الإسرائيلية: احتمال استئناف مفاوضات الرهائن قريبا «ضئيل»    ب«رابط مباشر» الاستعلام عن فاتورة الغاز يونيو 2024.. وعقوبة التأخر عن السداد    حزب الله يواصل استهداف المواقع العسكرية الإسرائيلية    أول رد من الزمالك على مطالبة أحمد سليمان بإلغاء الدوري المصري (خاص)    المشدد 7 سنوات ل عامل ضرب نجلة زوجته حتى الموت في القليوبية    مواعيد سفر قطارات عيد الأضحى 2024 بعد انتهاء أيام الحجز    تامر أمين بعد واقعة صفع عمرو دياب لمعجب: " لازم تدور على الراجل وتبوس رأسه"    آسر ياسين يروج لفيلمه الجديد ولاد رزق 3    أول تعليق ل مقدمة البلاغ ضد زاهي حواس بشأن استغلال مكتبة الإسكندرية    الأحد أم الاثنين؟.. الإفتاء تحسم الجدل رسميا بشأن موعد عيد الأضحى 2024 في مصر    بشرى سارة من التربية والتعليم لطلاب الثانوية العامة بشأن المراجعات النهائية    علي فرج يتأهل لنهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش    جهود مكثفة لفك لغز العثور على جثة طفل بترعة الحبيل شمال الاقصر    قصواء الخلالي: رأينا ممارسات تحريضية ومخالفات إعلامية مهنية عن الوضع فى غزة    "زهقني وحسيت بملل معاه".. ننشر اعترافات "أم شهد" شريكة سفاح التجمع    طارق الشناوى: نراعى الجانب الإبداعى وحقوق الإنسان فى تقييمنا للأعمال الدرامية    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد سير العمل في مستشفى أبو كبير المركزي    النحاس يرتفع مجددا بنسبة 22% فى السوق المحلية خلال أقل من شهر    منتخب مصر يتوج ب14 ميدالية في بطولة العالم لليزر رن بالصين    هيئة الدواء تكشف حصيلة حملاتها الرقابية في المحافظات خلال شهر مايو    ورش ولقاءات توعوية للأطفال في احتفالات اليوم العالمي للبيئة بأسيوط    وكالة TRT تتضامن مع قصواء الخلالي ضد زعيم اللوبي الصهيوني: صاحبة صوت حر    أفضل الأدعية في العشر الأوائل من ذي الحجة    «زراعة القاهرة» تحصل على شهادة الأيزو الخاصة بجودة المؤسسات التعليمية    لمرضى السكر.. 8 فواكة صيفية يجب تضمينها في نظامك الغذائي    معيط: نستهدف بناء اقتصاد أقوى يعتمد على الإنتاج المحلي والتصدير    معلومات حول أضخم مشروع للتنمية الزراعية بشمال ووسط سيناء.. تعرف عليها    هالاند يقود هجوم منتخب النرويج فى مواجهة الدنمارك وديا    تقارير: حارس درجة ثانية ينضم لمران منتخب ألمانيا    تقارير: نيوكاسل يضع حارس بيرنلي ضمن اهتماماته    القبض على سائق متهم بالتحرش ب "معلمة" في أثناء توصيلها أكتوبر    وزير العمل يشدد على التدخل العاجل لحماية حقوق العمال ضحايا الإحتلال في فلسطين    محافظ الشرقية يشارك في اجتماع المعهد التكنولوجي بالعاشر    مصر تواصل جهودها في تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة "صور"    سناء منصور تحتفي بنجيب الريحاني في ذكرى وفاته: «كوميديان نمبر وان»    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    المصري يطرح استمارات اختبارات قطاع الناشئين غداً    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية الأزهرية بشمال سيناء    وزير التعليم يتسلم نتيجة مسابقة شغل 11 ألفا و114 وظيفة معلم مساعد فصل    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية دمشاو هاشم لمدة يومين    لماذا يحتاج الجسم لبكتريا البروبيوتيك؟، اعرف التفاصيل    أنباء عن هجوم بمسيرة أوكرانية في عمق جمهورية روسية    المشدد 5 سنوات لمتهم في قضية حرق «كنيسة كفر حكيم»    أول ظهور لكريم عبد العزيز بعد وفاة والدته    وزير الأوقاف: لا خوف على الدين ومصر حارسة له بعلمائها وأزهرها    في خدمتك | تعرف على الطريقة الصحيحة لتوزيع الأضحية حسب الشريعة    وليد الركراكي يُعلق على غضب حكيم زياش ويوسف النصيري أمام زامبيا    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    إثيوبيا تسعى لبيع كهرباء للدول المجاورة.. توضيح مهم من خبير مائي بشأن سد النهضة    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    التشكيل الحكومي الجديد| وزراء مؤكد خروجهم.. والتعديل يشمل أكثر من 18 وزيرًا.. ودمج وزارات    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    «الإفتاء» توضح فضل صيام عرفة    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دروس وعبر من سيرة حياة زعيم وطنى أصابتنى بالإشمئزاز

كلنا نعرف هذا الإسم جيداً "أحمد عرابى" فكل مدينة مصرية لابد أن تجد بها شارعاً أو مدرسة أو ميداناً بإسمه وحتى آلاف الأسر المصرية خلال عقود متتابعة قد سموا أبنائهم بإسمه المركب "أحمد عرابى".
وعندما تسأل أى شخص عن كنه أحمد عرابى ؟ يجيبك أنه قائد الثورة العرابية .. وعندما تسأله عن معلوماته عن الثورة العرابية أو عن تاريخ حياة الزعيم أحمد عرابى ؟ لا تتعدى إجابته الثقافة المدرسية وثقافة الإعلام الرسمى وبعض الثقافة الموروثة بالتواتر.
وقليل منا يعلم القصة الشبه كاملة للزعيم أحمد عرابى وقليل منا من تآمل فيها وقرأ ما بين سطورها فى محاولة لإستقراء الواقع من خلالها.
فأحمد عرابي قد ولد في 1 أبريل 1841 في قرية هرية رزنة بمحافظة الشرقية ويوم ميلاده هو المتعارف عليه إجتماعياً فى عصرنا الحديث بيوم كذبة إبريل ولا أعلم هل ليوم مولده دلالة لنهاية حياته المؤسفة أم لا.
وقد تعلم القران الكريم وأرسله والده الذي كان عمدة القرية إلى التعليم الديني حتى عام 1849 ثم التحق بالمدرسة الحربية ويجب التنويه أن عمدة قرية فى ذلك الزمان كان منصباً كبيراً وكان يُعد من علية القوم.
وقد تدرج عرابي فى الرتب العسكرية بسرعة حتى أصبح نقيباً في سن العشرين وقد شارك في حروب الحبشة وترقي في الجيش الي ان وصل الي رتبة أميرالاي وكان يعتبر أحد المصريين القلائل الذين وصلوا الي هذه الرتبة بسبب انحياز قادة الجيش وناظر الجهادية -وزير الدفاع اليوم- إلى الضباط الشركس والاتراك.
ثم بدأ ظهور نجم أحمد عرابى كشخصية وطنية تتصارع ضد السلطة الحاكمة لإثبات حقوق المصريين فى تقلد المناصب العليا والدفاع عن كرامة المصريين.
وهذا ما جعله يصطدم مع أكبر رأس فى الدولة حينها وهو الخديوى توفيق وينتهى الصراع فى مراحله الأولى بقولة عرابى الشهيرة : لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا فوالله الذي لا إله إلا هو لا نُورَّث ولا نُستعبَد بعد اليوم .. والتى كانت رداً على مقولة توفيق : كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي وما انتم إلا عبيد إحساننا.
وهنا لنا وقفة وتآمل وتساؤل : ما هى القوة التى إستند إليها عرابى لمواجهة الخديوى وأيضاً التى لم تجعل الخديوى يبطش بعرابى ؟.
ربما الإجابة على هذا السؤال يسيرة حتى لطفل صغير ولكنها كبيرة المعنى على عقولنا والإجابة ببساطة هى : صفوة الشعب من الوطنيين.
والشعب المصرى الذى قبع تحت نير الظلم والطغيان لقرون من الزمن حتى ظن الكثيرون أنه شعب خانع خاضع ولكن عندما واتت صفوته الفرصة تحركت النخوة وروح الوطنية داخلهم وتحركوا لتحرير أنفسهم وباقى أفراد الشعب الصامت من نير العبودية.
وإستجاب الخديوى توفيق بالفعل لمطالب صفوة الأمة على مضض وعزل رياض باشا من رئاسة الوزارة وعهد إلى شريف باشا بتشكيل الوزارة وكان رجلا كريمًا مشهودًا له بالوطنية والإستقامة فألف وزارته في (14 سبتمبر 1881) وسعى لوضع دستور للبلاد ونجح في الإنتهاء منه وعرضه على مجلس النواب الذي أقر معظم مواده ثم عصف بهذا الجهد تدخل إنجلترا وفرنسا في شئون البلاد وتأزمت الأمور وتقدم "شريف باشا" بإستقالته في (2 فبراير 1882).
وتشكلت حكومة جديدة برئاسة محمود سامي البارودي وشغل عرابي فيها منصب "وزير الجهادية" (الدفاع) وقوبلت وزارة "البارودي" بالإرتياح والقبول من مختلف الدوائر العسكرية والمدنية لأنها كانت تحقيقاً لرغبة الأمة ومعقد الآمال وكانت عند حسن الظن فأعلنت الدستور وصدر المرسوم الخديوي به في (7 فبراير 1882 م).
غير أن هذه الخطوة الوليدة إلى الحياة النيابية تعثرت بعد نشوب الخلاف بين الخديوي ووزارة البارودي حول تنفيذ بعض الأحكام العسكرية ولم يجد هذا الخلاف مَن يحتويه من عقلاء الطرفين فاشتدت الأزمة وتعقد الحل ووجدت بريطانيا وفرنسا في هذا الخلاف المستعر بين الخديوي ووزرائه فرصة للتدخل في شئون البلاد فبعثت بأسطوليهما إلى شاطئ الإسكندرية بحجة حماية الأجانب من الأخطار.
ولم يكد يحضر الأسطولان الإنجليزي والفرنسي إلى مياه الإسكندرية حتى أخذت الدولتان تخاطبان الحكومة المصرية بلغة التهديد والبلاغات الرسمية ثم تقدم قنصلا الدولتين إلى البارودي بمذكرة مشتركة في (7 رجب 1299 ه = 25 مايو 1882 م) يطلبان فيها إستقالة الوزارة وإبعاد عرابي وزير الجهادية عن القطر المصري مؤقتاً مع احتفاظه برتبه ومرتباته وإقامة "علي باشا فهمي" و"عبد العال باشا حلمي" وهما من زملاء عرابي وكبار قادة الجيش في الريف مع احتفاظهما برتبتيهما ومرتبيهما.
وكان رد وزارة البارودي رفض هذه المذكرة باعتبارها تدخلا مهيناً في شئون البلاد الداخلية وطلبت من الخديوي توفيق التضامن معها في الرفض إلا أنه أعلن قبوله لمطالب الدولتين لأنه وجدها فرصة سانحة لإظهار ما فى نفسه من كره لمن تحدوه ووقفوا فى وجهه وإزاء هذا الموقف قدم البارودي استقالته من الوزارة فقبلها الخديوي.
غير أن عرابي بقي في منصبه بعد أن أعلنت حامية الإسكندرية أنها لا تقبل بغير عرابي ناظراً للجهادية فاضطر الخديوي إلى إبقائه في منصبه وتكليفه بحفظ الأمن في البلاد غير أن الأمور في البلاد ازدادت سوءاً بعد حدوث مذبحة الإسكندرية في (11 يونيو 1882م) وكان سببها قيام مكاري (مرافق لحمار نقل) من مالطة من رعايا بريطانيا بقتل أحد المصريين فشب نزاع تطور إلى قتال سقط خلاله العشرات من الطرفين قتلى وجرحى.
وعقب الحادث تشكلت وزارة جديدة ترأسها "إسماعيل راغب" وشغل "عرابي" فيها نظارة الجهادية وقامت الوزارة بتهدئة النفوس وعملت على إستتباب الأمن في الإسكندرية وتشكيل لجنة للبحث في أسباب المذبحة ومعاقبة المسئولين عنها.
ولما كانت إنجلترا قد بيتت أمراً بليل فقد أعلنت تشككها في قدرة الحكومة الجديدة على حفظ الأمن وبدأت في إختلاق الأسباب للتحرش بالحكومة المصرية ولم تعجز في البحث عن وسيلة لهدفها فإنتهزت فرصة تجديد قلاع الاسكندرية وتقوية استحكاماتها وإمدادها بالرجال والسلاح وأرسلت إلى قائد حامية الإسكندرية إنذارًا في (10 يوليو 1882 م) بوقف عمليات التحصين والتجديد وإنزال المدافع الموجودة بها.
ولما رفض الخديوي ومجلس وزرائه هذه التهديدات قام الأسطول الإنجليزي في اليوم التالي بضرب الإسكندرية وتدمير قلاعها وواصل الأسطول القصف في اليوم التالي فاضطرت المدينة إلى التسليم ورفع الأعلام البيضاء واضطر أحمد عرابي إلى التحرك بقواته إلى "كفر الدوار" وإعادة تنظيم جيشه.
وبدلاً من أن يقاوم الخديوي المحتلين استقبل في قصرالرمل بالإسكندرية الأميرال بوشامب سيمور قائد الأسطول البريطاني وانحاز إلى الإنجليز وجعل نفسه وسلطته الحكومية رهن تصرفهم حتى قبل أن يحتلوا الإسكندرية.
فأثناء القتال أرسل الإنجليز ثلة من جنودهم ذوي الجاكتات الزرقاء لحماية الخديوي أثناء انتقاله من قصر الرمل إلى قصر التين عبر شوارع الإسكندرية المشتعلة.
ثم أرسل الخديوي إلى أحمد عرابي في كفر الدوار يأمره بالكف عن الاستعدادات الحربية وحمله تبعات ضرب الإسكندرية وآمره بالمثول لديه في قصر رأس التين ليتلقى منه تعليماته.
ورفض عرابي الإنصياع للخديوي بعد موقفه المخزي وبعث إلى جميع أنحاء البلاد ببرقيات يتهم فيها الخديوي بالإنحياز إلى الإنجليز ويحذر من اتباع أوامره وأرسل في 16 يوليو إلى "يعقوب سامي باشا" وكيل نظارة الجهادية يطلب منه عقد جمعية وطنية ممثلة من أعيان البلاد وأمرائها وعلمائها للنظر في الموقف المتردي وما يجب عمله فاجتمعت الجمعية في (غرة رمضان 1299ه= 17 يوليو 1882م) وكان عدد المجتمعين نحو أربعمائة وأجمعوا على استمرار الإستعدادات الحربية ما دامت بوارج الإنجليز في السواحل وجنودها يحتلون الإسكندرية.
وفي اليوم نفسه إجتمع يعقوب سامي بعدد من وكلاء النظارات وكبار المواطنين والضباط وكان عدد الذين حضروا 70 شخصا وقرر الحضور إنعقاد إجتماع موسع من كبار العلماء والرؤساء الدينيين وأمراء العائلة الخديوية والأعيان.
وعقد هذا الإجتماع الموسع في اليوم التالي الإثنين 17 يوليو وحضره نحو 400 شخص في مقدمتهم الشيخ الإمبابي شيخ الإسلام والبطريرك كيرلس الخامس وقرروا ضرورة حضور الخديوي توفيق إلى العاصمة القاهرة وتشكيل لجنة برئاسة علي مبارك لإبلاغ هذا القرار للخديوي وذهب علي مبارك ولم يعد للقاهرة وعرف الناس أن المراقبين الماليين الإنجليز أخذوا الاموال الموجودة في صندوق الدين إلى المراكب الحربية.
وكان رد فعل الخديوي على هذا القرار هو اصدار بيان في نفس اليوم 17 يوليو 1882 بعزل عرابي من منصبه وتعيين "عمر لطفي" محافظ الإسكندرية بدلا منه.
وأردف البيان الخديوي بأن تجهيزات الحرب مسؤولية عرابي والخديوي غير مسئول عن تصرفات عرابي.
ولكن عرابي لم يمتثل للقرار واستمر في عمل الاستعدادات في كفر الدوار لمقاومة الإنجليز.
وبعد انتصار عرابي في معركة كفر الدوار أرسل عرابي إلى يعقوب سامي يدعوه إلى عقد اجتماع للجمعية العمومية للنظر في قرار العزل.
وفي (6 رمضان 1299 ه = 22 يوليو 1882 م) عُقِد اجتماع في وزارة الداخلية حضره نحو خمسمائة من الأعضاء يتقدمهم شيخ الأزهر وقاضي قضاة مصر ومُفتيها ونقيب الأشراف وبطريرك الأقباط وحاخام اليهود والنواب والقضاة والمفتشون ومديرو المديريات وكبار الأعيان وكثير من العمد فضلا عن ثلاثة من أمراء الأسرة الحاكمة.
وفي الاجتماع أفتى ثلاثة من كبار شيوخ الأزهر وهم :محمد عليش وحسن العدوي والخلفاوي بمروق الخديوي عن الدين وكفره لانحيازه إلى الجيش المحارب لبلاده وبعد مداولة الرأي أصدرت الجمعية قرارها بعدم عزل عرابي عن منصبه ووقف أوامر الخديوي ونظّاره وعدم تنفيذها لخروجه عن الشرع الحنيف والقانون المنيف.
وقد لجأ الإنجليز والخديوي توفيق لمختلف الحيل لكسر شوكة أحمد عرابي ورجاله وصدر منشور من السلطان عبد الحميد الأول يعلن عصيان أحمد عرابي بعد ضغوط عليه من الدول الأوروبية وأكد دليسبس أن الإنجليز لن يهاجموه في الجبهة الشرقية عن طريق قناة السويس لأن القناة محايدة وإنضم محمد سلطان باشا صراحة إلى الخديوي توفيق ضد عرابي وأيضاً يوسف خنفس وعدد من الضباط.
وإحتل الإنجليز بورسعيد وفي 21 أغسطس وصلت القوات الهندية إلى السويس وفي 25 أغسطس سقطت المسخوطة.
ووقعت معركة القصاصين في 28 أغسطس 1882 فأثناء تقدم الجيش البريطاني غربا في محافظة الإسماعيلية بقيادة جنرال جراهام حوصر من قبل الأهالي العزل فطلب الإمداد بمزيد من الذخيرة في الساعة 4:30 عصرا فوصلته الساعة 8:45 مساءا مما مكنه من القيام بمذبحة كبيرة بين الأهالي.
ووقعت معركة التل الكبير في 13 سبتمبر 1882 (الموافق 29 شوال 1299ه) الساعة 1:30 صباحا واستغرقت أقل من 30 دقيقة وقد فاجأ الإنجليز القوات المصرية المتمركزة في مواقعها منذ أيام والتي كانت نائمة وقت الهجوم حتى أن أحمد عرابي لم يجد الوقت الكافى لأن يكمل ارتداء حذائه وحصدت المدفعية البريطانية في تلك المعركة أرواح نحو 10,000 مصري.
وعقب المعركة قال الجنرال گارنت ولسلي قائد القوات البريطانية أن معركة التل الكبير كانت مثال نموذجي لمناورة تم التخطيط الجيد لها مسبقا في لندن وكان التنفيذ مطابقاً تماماً كما لو كان الأمر كله لعبة حرب إلا أنه أردف أن المصريون أبلوا بلاءاً حسناً كما تشير لذلك خسائر الجيش البريطاني.
وكان قد اختار ولسلي الهجوم الليلي لتجنب القيظ ولمعرفته بتفشي العشى الليلي بشكل وبائي بين الجنود المصريين إلا أنه لاحظ أن الجنود النوبيين والسودانيين لم يعانوا من هذا المرض.
وفي يوم 15 سبتمبر عام 1882 عاد أحمد عرابي إلى القاهرة ليدافع عنها وواصلت القوات البريطانية تقدمها السريع إلى الزقازيق حيث أعادت تجمعها ظهر ذلك اليوم ثم استقلت القطار (سكك حديد مصر) إلى القاهرة التي استسلمت حاميتها بالقلعة عصر نفس اليوم وقبض على أحمد عرابي وعلى العرابيين وعلى ثلاثين ألفا من المصريين الوطنيين.
وعقد الإنجليز ما سُمى بالمجلس العرفي الذي قرر رفع عريضة الإستسلام إلى الخديوي توفيق وطلب المجلس من عبد الله النديم كتابة هذه العريضة وكتبها عبد الله النديم ولم يعتذر عن الثورة وألقى بالمسئولية كلها على الإنجليز وتوفيق وإعتذر المجلس العرفي عن عدم رفع العريضة بصياغة النديم إلى الخديوي وكلف بطرس غالي بصياغة عريضة جديدة وكتبها وفيها كثير من المحاسنة والملاينة وتلك هي العريضة التي رفعت للخديوي توفيق وكان ذلك بداية الإحتلال البريطاني لمصر الذي دام 72 عاماً.
وكان إثنان قد رفضا الإعتذار عن الثورة وهما علي الروبي الذي قبض عليه وتقرر نفيه إلى السودان حيث مات هناك وعبد الله النديم الذي ظل يكافح بما سمحت له ظروف الإختفاء لأكثر من تسع سنوات.
واحتجز أحمد عرابي في ثكنات العباسية مع نائبه طلبة باشا حتى انعقدت محاكمته في 3 ديسمبر 1882 والتي قضت باعدامه ثم تم تخفيف الحكم بعد ذلك مباشرة (بناءا على اتفاق مسبق بين سلطة الإحتلال البريطاني والقضاة المصريين) إلى النفي مدى الحياة إلى سرنديب (سيلان)وانتقل السفير البريطاني لدى الباب العالي لورد دوفرن إلى القاهرة كأول مندوب سامي - حيث أشرف على محاكمة أحمد عرابي وعلى عدم اعدامه.
ونفى أحمد عرابي إلى سيلان وفي الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 28 ديسمبر عام 1882 غادرت الباخرة مريوط ميناء السويس برفقة الأسطول البريطاني لنفي أحمد عرابي وزملائه ومحمود سامي البارودي ولاحقاً عبدالله النديم إلى سريلانكا حيث استقروا بمدينة كولومبو لمدة 7 سنوات وبعد ذلك نقل أحمد عرابي و البارودي إلى مدينة كاندي بذريعة خلافات دبت بين رفاق الثورة.
وعاد أحمد عرابي من المنفي في 30 سبتمبر 1901م ليقيم مع أولاده بعمارة البابلي بشارع الملك الناصر المتفرع من شارع خيرت بحي السيدة زينب.
ولدى عودته من المنفى عام 1901 حاولت السلطة الحاكمة الإجهاز عليه شعبياً وإعلامياً ففي 13 أكتوبر 1901 صدرت جريدة المقطم الموالية للإنجليز وللخديوى وبها حديث مفبرك عن عرابي وانه يلقي فيه سيفه ويعتذر عن الثورة.
وأشاعوا عنه أنه سعى إلى إقناع الإنجليز لتنصيبه ملكاً على مصر وبلاد العرب وأنه قد أعلن عن نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب وقد عرضت تلك الإشاعات أحمد عرابي لحملة إعلامية شعواء تقدمتها جريدة اللواء والمجلة المصرية وأمير الشعراء أحمد شوقي والذى هجاه فى عدة قصائد وكان الحزب الوطني بزعامة مصطفي كامل من أعدي أعداء عرابي ومن أكثر الذين افتروا علي هذا الزعيم الحر واتهموه بالخيانة وهى مواقف عجيبة واتهامات بعيدة عن الحقيقة‏.
وكان السبب الرئيسى لنجاح هذه الحملة الإعلامية المفبركة فى ذلك الوقت هو إعتمادهم على الأغلبية الصامتة والمغيبة من الشعب المصرى منذ أيام الفراعنة وحتى اليوم.
وقد هجاه أحمد شوقى فى أكثر من قصيدة ولكن أشهرها هى القصيدة التى يقول فيها :
صَغار في الذهاب وفي الإياب *** أ هذا كل شأنك يا عرابي؟
عفا عنك الأباعد والأداني *** فمن يعفو عن الوطن المصاب؟
وما سألوا بَنيكَ ولا بَنينا *** ولا التفتوا إلى القوم الغِضاب
فَعِش في مصرَ موفورَ المعالي *** رفيعَ الذكْرِ مُقتَبِل الشباب
أفرقٌ بَينَ سيلانٍ ومِصْر *** وفي كِلْتَيْهِما حُمْرُ الثياب؟
يتوب عليك من منفاك فيها *** أناس منك أولى بالمتاب
ولا والله ما مَلَكوا عِتاباً *** ولا مَلَكوا القديمَ من العِقاب
ولا ساوَوْك في صِدْق الطَّوايا *** وإن ساوَوْك في الشِّيم الكِذاب
حُكومَة ذِلَّةٍ وسَراةُ جَهْلٍ *** كعَهْدِك إذْ تُحَيِّيك الطَّوابي
وإذا ذكرنا الإتهامات التى وجهت للزعيم الوطنى أحمد عرابى فى عصره ولكن بألفاظ اليوم سنجدها كالآتى :
أحمد عرابى خارج ومارق على الشرعية والتى يمثلها الخديوى.
أحمد عرابى ينفذ أجندات خارجية .. والمقصود بهذا هو عندما بارك السلطان العثمانى مساعى أحمد عرابى قبل أن ينقلب عليه بعد الضغوط الأوروبية ويصدر فرمان بأنه مارق.
أحمد عرابى كاذب ومنافق.
أحمد عرابى يتلقى تمويلاً من الخارج.
أحمد عرابى هو الودا البلد فى داهية وهو السبب فى الإحتلال الإنجليزى لمصر .
وأخيراً توفي الزعيم أحمد عرابى في القاهرة في 21 سبتمبر 1911 بدون أن يرثيه أحد ولكن بقت قصته لنتآمل فيها ونتعلم منها.
ولكن يبقى هناك سؤال يحتاج لإجابة من كل فرد منا وهو أنه : لو لم يقرر أحمد عرابى أن يقف فى وجه الإنتهاكات التى تعرض لها الشعب المصرى (وهو نفسه لم يتعرض لتلك الإنتهاكات) وأيضاً دفاعه عن كرامة المصريين (وهو نفسه كرامته كانت محفوظة) .. فكيف كنا سنرى سيناريو تاريخه ؟؟..
وللعلم .. فكثير من الإسمعلاوية لا يعرفون أن الزعيم أحمد عرابى له فضل كبير فى شهرة الإسماعيلية فهو من أحضر شجرة المانجو (المانجو) إلى مصر لأول مرة والتى إشتهرت بها الإسماعيلية لعقود مضت وحتى اليوم..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.