دار الزمان واستدار.. وأقبل شهر الأبرار قيام بالليل. وصيام بالنهار. تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار. تفيض حروفه بالخيرات والبركات وتشرق الأنوار. الراء: رحمة واسعة ورزق وفير. والميم: مروءة ومودة. والضاد: ضمير حي. والألف: أمر بالمعروف. واجتهاد وإحسان. والنون: نور في القلوب والأبدان "فبأي آلاء ربكما تكذبان". عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان النبي صلي الله عليه وسلم يبشر صحابيه بقدوم شهر الصيام ويقول: جاءكم شهر رمضان. شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه. تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار. وتغل الشياطين. فيه ليلة خير من ألف شهر". وفي أول الليلة الأولي تهب نسمة ربيعية تشرح القلوب. وتريح الصدور. وينشر رب العباد. عز وجل عباءة ربانية علي الكون. نسجت من خيوط السكينة والطمأنينة. يراها عباد الله الصالحين بقلوبهم قبل عيونهم. فتبدو الأرض غير الأرض والسماء غير السماء. والهواء غير الهواء. كل شيء يتغير إلي الأفضل والأجمل. فضل ونعمة من العاطي الوهاب سبحانه وتعالي. وشهر رمضان ضيف عزيز كريم شريف. ننتظره من العام إلي العام. نشتاق لرؤياه ونسعد بلقاه. ونأسي لفراقه وندعو الله: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان". أول الشهور الربانية.. موسم الحصاد الكبير للمؤمنين والمحسنين والصائمين والقائمين والمتقدمين والركع السجود. وترفع سائر الأعمال في شهر شعبان إلي الغفور الرحيم. وفي الحديث الشريف: خاب وخسر من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له. وأيضاً من جاء ذكر النبي صلي الله عليه وسلم. ولم يصل عليه. ومن أدرك أبويه أحدهما أو كلاهما. ولم يغفر له. يحمل شهر رمضان الجديد رقم 1438 "1439ه 2018م" لأن الصيام فرض في السنة الثانية للهجرة المشرفة. وهو الركن الرابع من أركان الإسلام: بعد الشهادتين. والصلاة. والزكاة. وقبل الحج "لمن استطاع إليه سبيلا" كان رمضان في الجاهلية شهراً للفسوق والعصيان. وتحول في الإسلام إلي شهر للطاعة والإيمان. والبر والإحسان. شهر الأدب الرفيع. والخلق القويم والسلوك المستقيم. يسعي المسلم فيما سواه لجمع المال. وينفقه راضياً طوال أيامه ولياليه. طاعة لرب العالمين. وعوناً للفقراء والمحتاجين. شهر العلم والعمل. والحلم والحكمة. والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة. عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلي الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة. وكان أجود ما يكون في شهر رمضان". جعله الله عز وجل شهراً للسعي والعمل. لا للخمول والكسل. فتعلم منه الدرس الأكبر في حتمية العمل والاجتهاد علي مدار العام. وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من جمع المصلين في التراويح علي إمام واحد.. وفي عصر النبي صلي الله عليه وسلم وخليفته أبي بكر الصديق رضي الله عنه كانت تصلي فردية حتي لا يظن الناس أنها فرض. وكان الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه يدعو لعمر أن ينور الله له في قبره كما نور بيوت الله في الأرض. جاء اسم رمضان من الرمضاء أي شدة الحر وسخونة رمال الصحراء. لأن تسمية السلسلة الرابعة "الحالية" للشهور العربية صادفت قدومه في حر الصيف الشديد. وكان ذلك في عهد الجد الخامس للنبي صلي الله عليه وسلم "412م تقريباً". يقول الشاعر: المستجير بعمرو عند كربته.. كالمستجير من الرمضاء بالنار. ورد ذكر الشهر الكريم تصريحاً في الذكر الحكيم مرة واحدة: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان" "البقرة 185" فرض الصوم أيضاً علي الأمم السابقة: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون" "البقرة 183". يصل الإنسان في ختام شهر رمضان إلي حالة من الاستواء والسلامة النفسية والروحية والبدنية ويساعده علي خوض رحلة الحياة بقوة وصبر وثبات ونجاح. يتخلص الجسم من الشوائب والسموم خاصة في الجهاز الهضمي والكبد والكلي والأوعية الدموية. ويقوي المناعة وفي دول العالم المتقدم يصف الأطباء الصوم لعلاج الأمراض المزمنة. يقوي الإرادة. وفيه فرصة للتخلص من العادات الضارة مثل التدخين وغيره. كتب عبدالله النديم في صحيفته الأستاذ الأسبوعية "1892 1893" تحت عنوان آداب رمضان مخاطباً المقصرين والغافلين. صلوا وصوموا يا أسيادنا زي أجدادنا واستغفروا المولي الديان الله بفضله يهديكم وينجيكم يوم تطلبوا فيه الغفران وكل عام وأنتم بخير.