لم تفلح محاولات تنحية بوتفليقة خلال سنوات، الشعب الجزائري فعلها خلال شهر، الكلمة كلمة الشعب عندما يحزم الأمر ويعقد العزم، ويحتفل الجزائريون في الساحات والشوارع باستقالة بوتفليقة بعد عشرين عاما في الحكم، وأيام طويلة من الحراك الشعبي الرافض للعهدة الخامسة، فيما توجه مراقبون وسياسيون مصريون بتحذيرات ونصائح للجزائريين لتلافي مصير الثورة في مصر. ورغم أن الجزائريين أكدوا أن الأمر في بلادهم يختلف عن مصر، فإن تصدر الجيش الجزائري للمشهد جعل الكثير من المراقبين يتوجسون خيفة من نفس المصير، حيث قارن الكثيرون بين تصريحات قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح وجنرال إسرائيل السفيه السيسي عام 2012، فضلا عن هتافات المحتفلين بشوارع الجزائر التي رددت “الجيش والشعب إخوة” مما أعاد للأذهان هتافات المصريين عقب تنحي حسني مبارك “الجيش والشعب إيد واحدة”، وما بين نموذجي مصر وتونس.. يطرح السؤال نفسه أيّ الطرق سيسلكها الجيش الجزائري؟ أنا جاي من المستقبل! يقول الإعلامي المصري محمود مراد المذيع في قناة الجزيرة:” عزيزي شعب الجزائر..أنا جاي من المستقبل وباقول لكم لا تثقوا في أي شخص كان يوما جزءا من عصابة نهبت خيراتكم وقمعت أحلامكم مهما أسمعكم معسول الكلام وأغدق عليكم بيض الوعود.بوتفليقة ليس سوى ظل باهت لمنظومة شديدة الفتك لو سنحت لها الفرصة لالتقاط الأنفاس .. حسنا، الباقي تاريخ تعرفونه!!”. في مصر، وبعد حراك واعتصام وثورة استمرت 18 يوما وخلفت عددا كبيرا من القتلى والمصابين، تنحى مبارك تحت ضغط الشارع والجيش، ليتولى المجلس العسكري إدارة البلاد لفترة، قبل أن تجرى الانتخابات الرئاسية التي جاءت بأول رئيس مدني لم يلبث في الحكم أكثر من عام ثم انقلب عليه الجيش بعد فترة من الاضطرابات التي مهدت لذلك. وفي الجزائر، ظهرت قيادة الجيش مصطفة إلى جانب الحراك الذي يطالب برحيل بوتفليقة، وكان لضغوطها -إلى جانب الحراك المستمر في الشارع- دور مؤثر في قرار استقالة بوتفليقة، لتدخل البلاد مرحلة انتقالية، حيث ينص الدستور على تولي رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون يوما تنظم خلالها انتخابات رئاسية لا يمكن لرئيس المجلس الترشح لها. يقول الدكتور محمود رفعت، القاضي بالمحكمة الجنائية الدولية سابقا، ورئيس المعهد الأوروبي للقانون الدولي العلاقات الدولية:”وزير الخارجية الفرنسي يصرح اليوم: إن استقالة بوتفليقة لحظة تاريخية في تاريخ الجزائر.قبل عبد العزيز بوتفليقة، رفضت فرنسا هبوط بن علي بأرضها كما سارعت للإعلان عن مباركتها الثورة المصرية بعد رحيل مبارك.لو تدرك الشعوب حجم قدراتها، ما سلمت مفاتيحها لأحد”. صعود الإسلام السياسي وتحت ضغط الحراك الشعبي السلمي، وبعد 20 عاماً من الحكم، اختار بوتفليقة الاستقالة الإجبارية على كرسي متحرك وبحضور رئيس البرلمان ورئيس المجلس الدستوري، وبعد مصر وليبيا واليمن، جاء الدور على الجزائر لتكون رقعة شطرنج تحاول فيها الإمارات تحريك أحجار فيها لتلبية مصالحها، في مسعى للمحافظة على نفوذها، وخوفاً من صعود الإسلام السياسي مرة أخرى، سيناريو ما قبل 2013 في مصر، بدت ملامحه تعيد نفسها في الشارع الجزائري الذي يشهد تظاهرات متواصلة منذ نحو شهر، ضد ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، وتصاعدت عقب قراره تأجيل الانتخابات. وبالرجوع إلى السيناريو المصري، جنَّد السفيه السيسي نفسه وجيشه الذي كان تحت إمرته آنذاك، وبدعم من الرجل الأول في الإمارات وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، للانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، ذو الانتماء الإسلامي من خلال جماعة الإخوان المسلمين، وجد نفسه ضحية تآمر الشريكين السفيه السيسي وبن زايد، وذلك انطلاقاً من خوف الأخير من التغيرات التي صاحبت ثورات الربيع العربي منذ 2011. المشهد في الجزائر يبدو قريباً إلى حد بعيد مما حدث في مصر، فالإمارات التي استخدمت السفيه السيسي، وقبله الجنرال المتقاعد في ليبيا خليفة حفتر، ها هي تضع نائب وزير الدفاع الجزائري ورئيس أركان الجيش، الجنرال أحمد قايد صالح، في خانة الموالين لها. وفي ظل غياب بوتفليقة تماماً عن المشهد السياسي بعد استقالته، وتخلي أعضاء من حزبه وآخرين من أحزاب موالية عنه، بدأت التساؤلات تُطرح بشأن المتحكم في الساحة الجزائرية، ومن يدير مؤسسة الرئاسة، وعلى أثر قفْز سياسيين من مركب بوتفليقة وإعلان تأييدهم للحراك الشعبي أملاً في النجاة، أكد المعارض الجزائري البارز ورئيس حزب “جيل جديد” والمرشح الرئاسي الأسبق، سفيان جيلالي، أن “الجزائر لا تدار من طرف بوتفليقة”. وفي تصريح سابق قال جيلالي: إن البلاد تديرها “زمرة استولت على كل صلاحياته الدستورية، وتستخدمها لمصالحها الخاصة”، موضحاً أن هذه الفئة مقربة من عائلة الرئيس بوتفليقة، وبرأي جيلالي، فإن “عائلة بوتفليقة ومجموعة من رجال الأعمال المقربين، وعدداً كبيراً من الناس خارج السلطة الرسمية، هم الذين استولوا على صلاحيات الرئيس وأوصلوا البلاد إلى هذه الأزمة غير المسبوقة في تاريخها”.