لفت انتباهى تصريح الكفراوى، وزير الإسكان والتعمير الأسبق، بأن شارون قال للسادات: "إن تعمير سيناء وتنمية محور قناة السويس أخطر على إسرائيل من القنبلة النووية".. تلك الرؤية التى تبناها مبارك طوال عهده، واعتبر تعمير سيناء خطا أحمر لا يجب تجاوزه نزولا على رغبة أصدقائه فى إسرائيل ليحتفظ لهم بأرض الفيروز خالية من البشر، وحتى لا تقف حائطا منيعا ضد إعادة الكرّة لاحتلالها، ثم تشاع الأكاذيب وتروج الأباطيل بأن حماس طامعة فى وطن بديل، وهى مزاعم تدعو للسخرية والتعجب؛ فقد كان ذلك واضحا فى سياسة مبارك المعادية لحماس لأنها تتبنى خيار مقاومة العدو الصهيونى، وهذا ما يغضب حبيبته إسرائيل، بل إن المصالحة بين فتح وحماس التى تبنتها مصر بإشراف اللواء عمر سليمان كانت تقوم على شروط مجحفة بحق حماس، وتكاد تكون مستحيلة التنفيذ وهى شروط إسرائيلية بالأساس؛ لأن توحيد الصف الفلسطينى ليس فى صالح إسرائيل، وهم يعلمون جيدا أن قضية تحرير فلسطين وحماية المقدسات عقيدة لا تتنازل عنها حماس مهما كلفها ذلك من تضحيات ووقت، وكانت الوقيعة بين حماس والشعب المصرى هدفا من أهداف هذه السياسة الإسرائيلية التى تبناها مبارك؛ لأن حماس هى الابنة الشرعية للإخوان المسلمين، العدو اللدود لنظام مبارك والكيان الإسرائيلى ومن على شاكلتهم ممن يتبنى المشروع الصهيوأمريكى فى المنطقة العربية. وانطلاقا من هذه السياسة المعادية لحماس وكل من يتبنى المشروع الإسلامى تشير أصابع الاتهام إليهم عند وقوع أى حوادث إرهابية، أو يقال جماعات جهادية متطرفة؛ لإيهام الشعب المصرى بأن هناك إرهابا إسلاميا، متغافلين ما يوجد فى سيناء من جماعات إجرامية تابعة لأجهزة مخابرات دولية تحركها عصابة دحلان الخائن الفلسطينى وقذاف الدم الليبى وغيرهما ممن لا يريد لمصر أن تتصدر مكان الريادة فى العالم العربى والإسلامى، خاصة ألا يتحقق ذلك النجاح فى عهد من يتبنون المشروع الإسلامى. فإذا جاز التسليم بوجود تنظيمات سلفية فى سيناء، وجاز تلفيق الاتهامات المعدة سلفا فى عهد مبارك فلا يجوز لنا اليوم بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير أن نغفل مثل هذه العصابات الإجرامية، ونلقى دائما فى روع المصريين بأن هناك تنظيمات جهادية فى سيناء، فهل من قتل جنودنا الصائمين العابدين عند غروب شمس يوم من أيام شهر رمضان المبارك إلا خائن عميل، وكذلك حوادث القتل والخطف ما هى إلا محاولات من عملاء الثورة المضادة الذين تلتقى أهدافهم مع أهداف العدو الصهيونى فى إحداث الفوضى وإعاقة أى تنمية فى سيناء وتطفيش المستثمرين من سيناء، وعلى الجانب الآخر نسأل عن المستفيد: هل حماس المستفيدة من إغلاق المعابر والأنفاق نتيجة هذه الأفعال الإجرامية؟ ولماذا تخلصت إسرائيل من المعتدين القتلة حين أرادوا الهروب من معبر كرم أبو سالم بوابة الدخول إلى إسرائيل؟ أليس ذلك لإخفاء معالم عمليتها القذرة؟ والأدهى من ذلك تعجز أجهزة مخابراتنا عن كشف ملابسات الحادث وتلتزم الصمت للتستر على ماذا؟ وهل من مصلحة حماس أو الجماعات الجهادية -إن وجدت- إرباك النظام الجديد فى مصر الذى يقوده أحد أبناء التيار الإسلامى؟ حتى وإن اختلفوا فى الوسائل، فإن التيارات الإسلامية فى عمومها تؤمن بفكرة المرجعية الإسلامية والتحرر الوطنى من الهيمنة الأجنبية والوقوف ضد تحقيق المشروع الصهيوأمريكى الذى كان يرسخ له نظام مبارك مع أصدقائه فى أمريكا وإسرائيل، فهل يعقل أن تسعى هذه الجماعات الجهادية إلى إضعاف النظام الجديد فى مصر؟ من المستفيد من إرباك النظام الجديد فى مصر وإحراجه ومحاولة النيل من القوات المسلحة والشرطة؟ إن ما يحدث فى سيناء من خطف وقتل وفوضى ما هو إلا رسالة قذرة مفادها أن النظام الجديد فى مصر اليوم غير قادر على حماية أبنائه، وأن أجهزته نالها الكثير من الضعف والوهن بعد انهيار نظام مبارك، ورسالة ساذجة بأن حماس تسعى لاحتلال سيناء، على الرغم من أن تمسك حماس بتحرير فلسطين وعودتهم عقيدة لا بديل عنها، وأن من مصلحتها أن تظل مصر قوية ورائدة فى المنطقة، وفى ذلك قوة لحماس أمام العدو الصهيونى؛ فحين تتحقق لمصر ريادة الشعوب العربية والإسلامية وبعد التغلب على التحديات الداخلية والخارجية فإن فى ذلك أول خطوة لتحرير فلسطين، والعدو الصهيونى يدرك ذلك تماما. ومن الخاسر أيضا من تعمير سيناء وتنمية محور قناة السويس من خلال عدة مشاريع كبرى؛ مثل مشروع وادى التكنولوجيا فى الإسماعيلية، ومشروع المنطقة الصناعية بشمال غرب خليج السويس والعين السخنة، وإقامة مراكز لوجيستية وصناعية عالمية ومناطق عمرانية وبناء سفن صغيرة ولنشات ومستلزمات إنتاج سيارات وأجهزة كهربائية، وغير ذلك من المشاريع الواعدة التى ستحقق قيما مضافة إلى مسارات التنمية من خلال الاستغلال الأمثل لمنطقة قناة السويس. إن من يرفض تنمية سيناء هم وكلاء إسرائيل فى مصر، لا يريدون لها أن تنهض فى ظل المشروع الإسلامى ويسعون للإبقاء على المشروع العلمانى الفاشل الذى حولنا إلى أقزام بعد محاولات علمنة وتغريب قرابة قرنين من الزمان.