هنيئا لحجاج بيت الله الحرام الذين يقفون اليوم -الخميس- على عرفات الله، يكبرون ويسبّحون ويهلّلون ويذكرون الله كثيرا، ويتضرعون إلى الله بالدعاء أن يكون حجهم مبرورا، وأن يعودوا إلى ديارهم وأهلهم وأوطانهم وذويهم كيوم ولدتهم أمهاتهم. يوم عرفة من أفضل أيام الله، وخير الدعاء دعاء يوم عرفة، تجاب فيه الدعوات، وتقال العثرات، ويباهى الله فيه الملائكة بأهل عرفات، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران قال صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهى أيام أكل وشرب)، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والسنة المقبلة)، وهو اليوم الذى أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم. والذكريات فى يوم عرفة كثيرة، فكنا نصلى الفجر فى مقر إقامتنا سواء فى العزيزية أو مخيمات مِنى التى امتدت بشكل كبير اليوم، وننطلق بحملات الحج إلى عرفة، لا تسمع إلا أصوات التكبير والفرحة بالوقوف على عرفة فى هذا اليوم، وكنا نحرص فى حملات الحج من داخل المملكة -من المصريين- العمل على تحفيظ الحجاج أركان ومناسك الحج، ونعتبر أن هذا أمر مهم ليصحح الحاج مناسكه، ويؤدى الفريضة على أكمل وجه كما ورد عن رسول الله، ومن رواد حملات المصريين من الرياض الأخ سيد البدوى رحمه الله، الذى كان له باع طويل فى هذا، كذلك الإخوة فادى شريف وأبناؤه ومصطفى سمك وحسين عبد الغنى ود. خالد الغندور وعيد السقا وخالد وهبة ومحمد فرج وغيرهم كثير كانوا يتبارون فى الإشراف على حملات حج المصريين من الداخل أو المساهمة بالتوعية والإرشاد للحجيج وعرض أشرطة الفيديو على الحجاج فى الحافلات التى ترشدهم على أداء المناسك وتوزيع الكتب والمطويات الخاصة بالمناسك والمعتمدة من وكالة المطبوعات والنشر بوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف، وكم نتمنى أن تستفيد وزارة الأوقاف فى مصر من تجارب المصريين المقيمين فى المملكة فى تنظيم رحلات الحج والعمرة؛ لأن لديهم خبرة كبيرة فى التفويج وفى رعاية الحجاج وخصوصا كبار السن والنساء، ولا يُنسى فى هذا المقام دور الأطباء والصيادلة المصريين فى السعودية فى المساهمة فى حملات الحجيج وتقديم الرعاية الصحية والطبية. وعلى الجانب الآخر كنا نجد أهلنا الذين جاءوا فى حملات الحج القرعة يعانون الإهمال، ولا يجدون أى رعاية أو اهتمام من القائمين عليهم، أو المسئولين عن تنظيم شئونهم وتوعيتهم الذين ينشغلون غالبا بأمورهم الشخصية والوجاهة والاستفادة بالخدمات الكبيرة التى تقدم لهم باعتبارهم البعثة الرسمية، وكم شاهدنا من الحجاج كبار السن تائهين عن مخيماتهم أو تقطعت بهم السبل فى مناطق المشاعر، ولا يجدون من يتصلون به أو رقم هاتف يدلهم على المطوِّف أو المسئولين عن الحملة التى ترعى شئونهم، وكم من هؤلاء من فاته الوقوف بعرفة أو أخل بواجبات الحج لعدم وجود من يرشده أو يعينه على أداء المناسك. ونعتقد بعد التغييرات الكبيرة فى بعثة الحج المصرية أن هناك تحسنا كبيرا فى هذا الأمر، واهتمام برعاية الحجيج لنيل الثواب أولا، وأداء المسئولية المنوطة بالمسئولين عن الحجيج تجاه من خولوا برعايتهم، فكل حاج خرج من بيته لأداء المناسك يبتغى وجه الله، وأداء فريضة العمر، وتكبد المشقة من جهد ومال وعرق ونصب، وكم نتمنى من السلطات المصرية الاستفادة من التجربة الماليزية فى الحج، التى اقتدت بها دول عربية أخرى، من تنظيم ورعاية ومظهر واهتمام وإشراف على الحجيج منذ قدومهم إلى الأراضى المقدسة حتى مغادرتها. ولا ننسى فى هذا المقام الجهود المبذولة من قبل الجهات المختصة بشئون الحجيج فى المملكة العربية السعودية من رعاية واهتمام وتوفير الخدمات الغذائية والصحية والعلاجية للحجيج، والمشروعات الضخمة التى شيدت للتيسير على الحجاج لأداء المناسك من توسعة الطواف بين الصفا والمروة، وتشييد كبرى الجمرات العملاق، والتوسعة الجديدة فى المسجد الحرام، وقطار المشاعر، والأنفاق والكبارى، كلها جهود مقدرة نسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع لما فيه الخير. ولكن الأمر المهم الذى يجب الاهتمام به هو "فقه الحجيج"، للأسف هناك من يصر على آراء تجاوزتها حتى المجامع الفقهية والشرعية، وإلزام الحجيج بما لا يطيقون، وعدم مراعاة الأعداد الكبيرة والزحام فى الحج، فحتى الآن نرى أصوات تنادى بعدم السعى فى المسعى الجديد، ومن يصر على ضرورة الرمى بعد الزوال، والمزاحمة فى منطقة الجمرات، وأذكر فى عام 1992م كنت أؤدى فريضة الحج وكان موعد حجز العودة إلى الرياض بمطار الملك عبد العزيز بجدة الساعة الرابعة عصرا، فلا بد من رمى جمرات اليوم الثانى متعجلا والذهاب إلى الحرم لطواف الوداع ثم الذهاب إلى جدة، وعندما ذهبت إلى منطقة الجمرات وجدت الأعداد كبيرة حول الرمى فى انتظار بعد الزوال، وعند ما أخبرتهم بفتوى الشيخ القرضاوى التى أخذتُ بها وجدت من استهجن ورفض ورمى الشيخ العلامة بالتساهل، والآن بعد 20 عاما أخذت هيئة كبار العلماء بفتوى الرمى قبل الزوال بل فتحه من بعد صلاة الفجر تيسيرا على الحجاج، وهناك كتاب قيم للشيخ سلمان العودة بعنوان "افعل ولا حرج" قدم له ثلاثة من كبار علماء الأمة وهم المشايخ ابن جبرين والمنيع وابن بيه، فيه الكثير من الآراء الفقهية التى تيسر على الحجاج أداء مناسكهم بالأدلة الشرعية الموثقة، فما أحوجنا إلى خطاب فقهى يوجه للحجاج لتوعيتهم بأداء المناسك بكل يسر وسهولة تتبناه المراجع الفقهية! تقبل الله من حجاج بيت الله الحرام حجهم ودعاءهم ومناسكهم، ومَنَّ على من لم يؤدِ الفريضة أداءها فى الموسم المقبل، وكل عام وأنتم بخير.. حفظ الله مصرنا من كل سوء.