أمام الاحتجاجات الواسعة والإضراب الشامل الذي نظمه النقابات المهنية، أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مساء الإثنين 27 مارس 2023م عن تأجيل خطوة التصويت على التعديلات القضائية إلى الدورة البرلمانية المقبلة، رغبة في منع الانقسام في الأمة، وفق قوله. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير قد اتفقا على تأجيل التغييرات القضائية حتى الدورة البرلمانية المقبلة للكنيست (البرلمان)، مقابل التصديق على إقامة الحرس الوطني، في حين يواصل آلاف الإسرائيليين التظاهر في تل أبيب ومدن أخرى ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو احتجاجا على إقالته وزير الدفاع يوآف غالانت. وقال بن غفير إنه وافق على إلغاء حق النقض عن تأخير التعديل القضائي مقابل طرحه في دورة الكنيست المقبلة. وذكر بيان لحزب القوة اليهودية (الشريك اليميني المتطرف في ائتلاف الحكومة الإسرائيلية، ويتزعمه بن غفير) أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيؤجل مناقشة التعديلات القضائية المثيرة للجدل إلى الشهر المقبل.وقال البيان إن مشروع القانون سيُطرح في الجلسة المقبلة للكنيست من أجل "إقرار التعديل من خلال الحوار". من جهته، قال إيتمار بن غفير -الذي يرأس حزبا مشاركا في الائتلاف اليميني المتشدد برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- الاثنين إنه وافق على تأجيل التعديلات القضائية التي تريد الحكومة تمريرها في مقابل تعهد بطرحها بعد العطلة البرلمانية المقبلة. وقال بن غفير (وهو وزير الأمن الوطني) -في بيان- "وافقت على التخلي عن حق النقض لرفض التشريع، مقابل تعهد من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بطرح التشريع على الكنيست لتمريره في الجلسة المقبلة". وكان من المقرر أن ينتهي تمرير حزمة التشريعات الخاصة بخطة إصلاح القضاء المثيرة للجدل خلال الدورة البرلمانية الشتوية للكنيست التي تنتهي في الثاني من أبريل المقبل(2023). وتبدأ الدورة البرلمانية المقبلة للكنيست في 30 أبريل، وتستمر حتى 30 يوليو2023، وفق موقع الكنيست الرسمي. من جهته، دعا رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي الجنود الاثنين إلى مواصلة أداء واجبهم والتصرف بمسؤولية في مواجهة الانقسامات الاجتماعية المريرة بشأن خطط الحكومة لتعديل النظام القضائي. وقال هاليفي -في تصريحات نشرها المكتب الإعلامي العسكري- "هذه الأوقات مختلفة عن أي أوقات شهدناها من قبل؛ لم نشهد توالي مثل هذه الأيام المليئة بالتهديدات الخارجية، بينما تتشكل عاصفة في الداخل". وفي رسالته التي وجهها إلى جنود وقادة الجيش، أكد هاليفي أن المجتمع الإسرائيلي يشهد أياما معقدة؛ من كل جهة ومن كل اتجاه، ويستحيل عدم الشعور بالقلق إزاء ما يجري.وأضاف أنه لقد عشنا الحروب وعشنا الألم وعشنا القتال ضد أعدائنا.. إنها فترة تختلف عن كل ما عهدناه سابقا، حيث لم نواجه مثل هذه الأيام التي تجتمع فيها التهديدات الخارجية مع العاصفة الداخلية. وتابع: أخاطبكم في هذا الوقت العصيب لأقول لكم إنه حان الوقت للتحلي بالمسؤولية. وشهدت الأسابيع الأخيرة احتجاجات من قبل المئات من جنود وضباط الاحتياط على مخططات الإصلاح القضائي الحكومية المثيرة للجدل، بالتوازي مع حركة احتجاجات واسعة تشهدها البلاد. وحذرت العديد من الأوساط السياسية والأمنية والعسكرية الإٍسرائيلية من تأثير هذه الاحتجاجات على قدرة الجيش الإسرائيلي على القيام بالمهام الموكلة له. وكان آلاف المتظاهرين تجمعوا في محيط الكنيست ورئاسة الوزراء بالقدس ورددوا هتافات تطالب بإلغاء التعديلات القضائية، كما أغلقوا شوارع رئيسية في تل أبيب ومدن أخرى.
مظاهرات مضادة في المقابل، ينظم مؤيدو التغييرات القضائية في إسرائيل مظاهرة الآن في محيط الكنيست بالقدس. ودعت أحزاب اليمين إلى مظاهرات في مختلف أنحاء إسرائيل، دعما للتعديلات القضائية. وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي نقلت عن وزير الأمن إيتمار بن غفير، ووزير المالية ورئيس حزب "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش، دعوتهما الجماهير للانضمام إلى مظاهرة اليمين في القدس الليلة. ولم تقتصر الاحتجاجات على المظاهرات، بل شملت الإضرابات كذلك، إذ أعلن رئيس نقابة العمال العامة "الهستدروت" الإضراب العام في المرافق الاقتصادية بإسرائيل. بدورها، أعلنت نقابة الأطباء الإضراب العام في المرافق الصحية حتى اتضاح مسار التعديلات القضائية في إسرائيل؛ كما أعلنت الجامعات الإسرائيلية إضرابا عاما، احتجاجا على التغييرات في الجهاز القضائي. كما نقلت وكالة رويترز عن رسالة لنقابة العاملين في وزارة الخارجية أن السفارات الإسرائيلية حول العالم تلقت تعليمات بالانضمام إلى الإضراب احتجاجا على خطة التعديلات القضائية. وأعلن رؤساء سلطات محلية الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام أمام ديوان رئاسة الوزراء بالقدسالغربية، اعتبارا من الإثنين. وفي السياق نفسه، أعلنت لجنة عمال مطار بن غوريون توقف حركة إقلاع الطائرات، كما أعلنت لجنة مستخدمي ميناء أسدود الإضراب الشامل في أحد أهم موانئ إسرائيل. ووسط هذه التطورات، تراجع سعر صرف العملة الإسرائيلية الشيكل أمام الدولار. في الوقت نفسه، نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن أعضاء في الائتلاف الحكومي إنهم يشعرون بصدمة كبيرة، وإن رئيس الوزراء ارتكب "خطأ إستراتيجيا". وامتدت هذه المواقف إلى الحليف الأميركي أيضا، فقد أعرب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي عن قلق شديد حيال التطورات في إسرائيل وتداعياتها على الجيش. وأكد المتحدث على "الحاجة الملحة للتوصل إلى حل وسط في إسرائيل".
هل يتفكك الائتلاف الحكومي إعلان نتنياهو إرجاء التصويت على التعديلات يرحل المشكلة ولا يضع لها حلا جذريا؛ ومع الدورة البرلمانية المقبلة التي تبدأ في 30 إبريل المقبل بعد أكثر من شهر بقليل. ومن شأن هذه الأزمة أن تؤدي إلى أحد سيناريوهين: الأول هو إصرار الائتلاف الحكومي على هذه التعديلات المستفزة وطرحها للتصويت خلال الشهور المقبلة كما اتفق نتنياهو مع قادة الائتلاف الحكومي، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى اشتعال الاحتجاجات من جديد بصورة أكبر، ويمكن أن يزداد الموقف اشتعالا ويخرج عن السيطرة وربما يؤدي إلى حرب أهلية كما يحذر كثير من قادة الاحتلال نفسه. السيناريو الثاني هو إذعان نتنياهو للمعارضين لهذه التعديلات بما يؤدي إلى تجميدها وهو ما يعزز موقف المعارضة ويغريها بمزيد من الضغوط وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفكك الائتلاف الحاكم وبالتالي الاحتكام إلى انتخابات مبكرة جديدة وهو أيضا سيناريو مرعب؛ لأن الاحتلال لم يعد له حكومة تستمر أكثر من عام منذ عدة سنوات بسبب هذه الصراعات السياسية المحتدمة بين أحزابه ومكوناته.