أن ينادى بها «برنارد لويس» فى السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، وأن يعيد طرحها بشكل أكثر أناقة وأقل عنصرية «صمويل هنتنجتون» فى بداية التسعينات من القرن ذاته، ثم تتبناها «كونداليزا رايس» مستشارة الأمن القومى الأمريكى فى عهد بوش الابن فى بداية العقد الأول من القرن الجديد بمسمى آخر، ثم تبدأ تجليات هذه الفكرة فى الحدوث على أرض الواقع، فهذا يدل على أن الموضوع ليس توارد خواطر وليس فكرة عابرة. طرح برنارد لويس فكرة إعادة تقسيم الشرق الأوسط على أسس سياسية وضرورتها للغرب، وتبرأ الساسة فى الغرب من هذه الفكرة، واعتبروها مجرد أفكار لمستشرق مخضرم، وأشار هنتنجتون إلى صدام الحضارات، لا سيما الحضارة الإسلامية مع الغرب، وتم اعتبارها تجلياً من تجليات «مراكز التفكير» وتم التشكيك فى مصداقيتها. وتبنت «كونداليزا رايس» مفهوم «الفوضى الخلاقة»، غير أن الغرب اعتبرها تعبّر عن إدارة بوش أكثر من تعبيرها عن سياساته ككل. واليوم تتحقق هذه السيناريوهات الثلاثة على أرض الواقع العربى، فهل كان الأمر عفوياً أم مخططاً؟ الإجابة الواضحة أنه مخطط قديم، وأن العمل به يتم على قدم وساق، تماماً مثل فكرة إقامة الدولة اليهودية التى تم طرحها عام 1897، وتحققت بعدها فى عام 1948. الأفكار الغربية لا تحدث فجأة، ولا تنبت من العدم. فى مقال لبرنارد لويس بعنوان «إعادة التفكير فى الشرق الأوسط»، تم نشره فى الثمانينات، توقع لويس أن الشرق الأوسط سيخضع لعملية «لبننة - أى تطبيق النظام اللبنانى» وهى إشارة إلى سنوات الحرب الأهلية الطويلة. ففى عام 1975 بدعوة من وزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر، دارت الحرب الأهلية بين الطوائف الكاثوليكية اللبنانيةوالفلسطينيين، وكذلك اشتعلت الحرب بين السنة والشيعة فى فلسطين، وبين الدروز والروم الأرثوذكس، مع إمدادات ثابتة من الأسلحة إلى جميع الأطراف، أسفرت الحرب عن التقسيم الحتمى بسياسة الأمر الواقع فى لبنان من قبَل إسرائيل وسوريا. واليوم الدولة القومية اللبنانية التى تُعد جوهر الشرق الأوسط لم تعد موجودة بعد. وبنظرة سريعة إلى خريطة الوطن العربى اليوم، نجد أن فكرة «لبننة» الخريطة العربية قد أخذت طريقها إلى التنفيذ فى العراق، وسوريا، وليبيا، والسودان، والصومال، واليمن، وغيرها فى الطريق. ويرى لويس أن مفهوم «القومية العربية» لم يعد يعول عليه كقوة سياسية، فلم يعد عاملاً مؤثراً فى السياسة العربية الدولية أو المحلية. ويرى لويس، فى مقالاته القديمة الجديدة، أن هناك حروباً كبرى ستتم فى عديد من الدول العربية.. ومن ذلك، جنوبالعراق: ليصبح جزءاً من إيران فى حين يجرى إعداد ثورة شيعية فى دول الخليج العربية. والنتيجة: الصراع الإيرانى/ العربى الجديد، والمنطقة الكردية التى تمتد من العراق وتركيا وإيران وهى منطقة ملتهبة، يمكن أن يؤدى إلى حرب. واليمن: مخطط لها حرب أهلية تمتد إلى المملكة العربية السعودية. ومصر: يجرى تشجيع مصر لخوض حرب مع السودان، للاستيلاء على ليبيا. ومع اختلاف السيناريوهات أو طرق التنفيذ، فإن النتيجة الحتمية أن كثيراً من الدول العربية قد تم التخطيط لتقسيمها منذ زمن بعيد. الفكرة نفسها بشكل آخر طرحها هنتنجتون عندما أشار إلى أن «الصراع فى العالم الجديد لن يكون أيديولوجياً أو اقتصادياً، بل سيكون ثقافياً أو حضارياً بالمعنى الأدق». والحضارة هى الكيان الثقافى الأوسع الذى يضم الجماعات الثقافية مثل القبائل والجماعات العرقية والدينية والأمم، وفيها يعرّف الناس أنفسهم بالنسب، الدين، اللغة، التاريخ، القيم، العادات، والمؤسسات الاجتماعية. وتوقع هنتنجتون حدوث صراعات ثقافية داخلية على صعيد كل دولة، مثل السودان والعراق وغيرها، أو على الصعيد الدولى، وتحديداً بين الحضارتين الإسلامية والغربية. وهو ما تحقق باختلاف فى التفاصيل أكثر منه فى الموضوع العام. إذا أردنا أن نعرف مستقبل المنطقة العربية فلابد أن نقرأ كتب الغرب القديمة، فأفكار الغرب ومخططاتهم يتم «تعتيقها» ويتم استخدامها فى الوقت المناسب، الذى قد يكون اليوم، أو قد يكون فى الغد القريب.. فانتبهوا أيها السادة.