حتى كتابة هذه السطور، لم يتأكد أمر ترشح الفريق أول عبدالفتاح السيسى لانتخابات رئاسة الجمهورية، الأمر ليس سهلاً كما يظن البعض، لكنه ينطوى على تبعات ومخاطر تكاد تكون متساوية فى حالتى الترشح أو الامتناع، ترشح السيسى مطلب شعبى يصعب رفضه، كما أنه مطلب من الدول العربية الفاعلة التى ترى استقرارها من استقرار مصر، وهى الدول التى وقفت مع مصر بعد ثورة «30 يونيو»، ولا تزال واقفة وتدعم كل الخطوات والقرارات التى تسهم فى إنجاح «خارطة المستقبل»، الظرف الاستثنائى الذى تعيشه مصر ودخولها فى حرب مفتوحة مع «الجماعات الإرهابية» الممولة والمدعومة من الخارج تفرض على «السيسى» أن يواصل قيادة «حرب التحرر» حتى النصر المبين من موقع الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة.. الجيش الذى رأى مصر متصارعة ومخترقة ومدفوعة لتدمير الذات لا يرغب فى أن يلعب دور الوسيط بين السلطة والشعب ثانية، ويريد أن يعبر هذه المرحلة بشخصية وطنية قوية تقود الدولة وتحافظ على مؤسساته. الجيش مستهدف من جماعات الإرهاب فى الداخل والعدو فى الخارج، ويحتاج الأمر إلى رئيس يدرك ذلك ويحافظ على هذه المؤسسة العظيمة من الانهيار، ويحميها من المخططات الجهنمية التى تحاك لها على يد العملاء والمتآمرين. فى المقابل، توجد أسباب مهمة تجعل الرجل يحجم عن الخوض فى هذا المضمار، أولها الظروف الاقتصادية المخيفة التى تمر بها مصر، وثانيها حالة الانفلات الشعبى، وتحول التظاهر من حالة استثنائية إلى عادة.. الأطباء يتظاهرون.. المدرسون يتظاهرون.. الفلاحون يتظاهرون.. العمال يتظاهرون فى الشركات الخاسرة إذا ما تأخر صرف «الأرباح» لهم.. لا تسأل كيف توزع أرباح فى شركات ومؤسسات خاسرة (هذا يحدث فى مصر وحدها).. ومن أسباب الإحجام تلك الحالة العدائية التى تكونت عند بعض الدول الأوروبية وأمريكا تجاه ما جرى فى (30 يونيو) واعتبار ذلك انقلاباً عسكرياً يهدف إلى تولى رجل من المؤسسة العسكرية مقاليد الحكم فى البلاد.. فى الداخل هناك أيضاً من يسوق لفكرة أن الجيش وقف مع الشعب ضد الجماعة الإرهابية من أجل أن يحكم مصر.. وهناك أيضاً من يذكرنا بأن الفريق السيسى قال إن الجيش انحاز إلى الشعب فى «30 يونيو» من أجل المصلحة العامة وحماية المجتمع والدولة من سيطرة وأطماع «الجماعة الإرهابية»، وليس من أجل أى أطماع فى السلطة.. هؤلاء يعقدون مقارنة بين ما قاله «مرشد الجماعة الإرهابية» عن أن جماعته لن تقدم مرشحاً للانتخابات الرئاسية، ثم قدمت اثنين من مكتب إرشادها، وبين ما قاله «السيسى» فى 3 يوليو. تقديرى الشخصى أن «السيسى» يحتاج لكى يخوض الانتخابات الرئاسية إلى شيئين أساسيين: الأول تأييد جماهيرى غير مسبوق للدستور الذى يعد حجر الزاوية فى «خارطة المستقبل»، والثانى: مطالبة جماهيرية واضحة كالتفويض الشعبى الذى منحه له ملايين المصريين، لكى يحارب الإرهاب.. عندها لن يستطيع الفريق أول عبدالفتاح السيسى رفض رغبة شعبية عارمة.. هذه الرغبة الشعبية ستكون رداً عملياً على الأمريكان والغرب الرافضين لترشح «السيسى» للانتخابات الرئاسية.. سيكون واضحاً أمام العالم أجمع أن «السيسى» لا يملك أن يرفض «طالما الشعب أراد» وخرج بالملايين من أجله.. الشعب المصرى بل والشعب العربى يحب «السيسى» ويرونه فارس هذا الزمان، وأنه قادر على دحر مؤامرات ومخططات عملاء الداخل وأعداء الخارج، وإذا ما ترشح «السيسى» نزولاً على رغبات ملايين المصريين ونجح، فإنه سيحظى بحالة رضا تجعله قادراً على مصارحة الشعب بكل الظروف وتحمل الصعاب التى ستواجه مصر فى السنوات المقبلة، أما حكاية المعارضة الأمريكية والغربية لترشح «السيسى»، فهى فى حد ذاتها أحد أهم مصوغات الترشح كرد شعبى على التدخل فى شئوننا.. والاستجابة لنداء الشعب. مؤكد أن «السيسى» الذى امتلك كل المؤهلات التى جعلته بطلاً شعبياً، يمتلك أيضاً كل المؤهلات التى تجعله زعيماً سياسياً، ومؤكد أيضاً أن الشعب إذا أراد «السيسى» يوماً فلا بد أن يستجيب القدر.