سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ليلة مشئومة فى البحيرة.. النيل يطرح آلاف الأطنان من الأسماك المسمومة.. والصيادون: «بيتنا اتخرب» ميكروفونات المساجد تحذر من تناول الأسماك.. والكساد يضرب الأسواق منذ 3 أيام
فيما اعتبره صيادو البحيرة «ليلة مشئومة»، استيقظ أهالى مركزى إيتاى البارود وشبراخيت على أصوات ميكروفونات المساجد وهى تحذر المواطنين من شراء الأسماك الموجودة بالأسواق؛ بسبب تسممها بعد تلوث المياه بفرع النيل برشيد، ما دفع المواطنين إلى مقاطعة أسواق الأسماك منذ ثلاثة أيام، الأمر الذى أدى إلى كساد سوق السمك بالمنطقتين، وتوقف عملية الصيد تماما. «ماتت الأسماك واتخربت بيوتنا، بسبب تلوث مياه النيل من مصانع الكيماويات ومواسير الصرف الصحى»، بهذه الكلمات بدأ مئات الصيادين فى رشيد، فى إيتاى البارود وشبراخيت، حديثهم ل«الوطن»، مؤكدين أن تلوث مياه النيل أفقدهم مصدر رزقهم الوحيد، وأن مهنة الصيد باتت فى خطر يهدد حياة عائلاتهم، كما يهدد المستهلكين بالموت، بعد أن أطلق الأهالى المقيمين على ضفتى النيل بفرع رشيد مواسير الصرف الصحى فى مجرى النهر، واستغلته المصانع فى تصريف مخلفاتها وزيوتها وسمومها إلى مياه النهر. وأشار الصيادون إلى معاناتهم السنوية جراء كارثة نفوق الأسماك، التى لا يعرفون لها سبباً، إلى أن سارع العديد من الصيادين بتحليل الأسماك النافقة، فوجدوا أن السموم والزيوت المتراكمة على سطح المياه هى التى أدت إلى نفوق آلاف الأطنان من الأسماك. وقال مصطفى محمد البدوى، شيخ الصيادين بقرية «مردة شليم» بإيتاى البارود، إن مصانع الكيماويات بمركز كفر الزيات بالغربية ومصنع نكلا بالجيزة، تصرف مخلفاتها السامة فى مياه فرع رشيد، وإنهم تقدموا بمذكرات وشكاوى إلى المسئولين دون جدوى، وأعرب عن تخوفه من إصابة المواطنين بالتسمم عن طريق مياه الشرب، حيث إن التحاليل التى أجراها أبناء الصيادين أكدت وجود مواد كيميائية وزيوت غير قابلة للتنقية بمياه النيل، مشيراً إلى تحول مصدر المياه الوحيد الذى يغذى أربع محافظات إلى سُمٍّ قاتل. وقال مندى خاطر، أحد الصيادين بإيتاى البارود: نعانى من هذه الكارثة منذ عشرين عاماً، بعد أن أطلقت المصانع مخلفاتها بمياه النيل، لتحول النهر إلى مركز سموم متنقل يفتك بالأسماك وكل كائن حى، مضيفا: الصيادون بالمنطقة لا يمتهنون أى مهنة أخرى، لافتاً إلى أن هذه الكارثة تضيع عليهم موسم الصيد، حيث يعيش الصيادون وعائلاتهم من خيرها بقية العام، وقال إن تفاقم الأزمة هذا الموسم أدى إلى خراب بيوت الصيادين، واستمرار نفوق الأسماك سيتسبب فى بطالة مئات الصيادين طوال العام، ملقيا اللوم على الحكومة التى تركت رجال الأعمال والمصانع تصرف سمومها فى مياه النيل، لافتاً إلى أن الحكومة تلقى الأسماك الصغيرة «الزريعة»، لزيادة الإنتاج بالثروة السمكية، وتترك المصانع والمنازل لتقتلها وسط إهمال صارخ. وشكا مجدى شعبان، أحد صيادى مركز شبراخيت، من ظلم وزارة البيئة لهم، قائلاً: «قمة الظلم عندما تجد مسئولى وزارة البيئة يحررون محاضر تلويث البيئة للصيادين، ويتركون المصانع والمنازل التى تلقى بسمومها فى مياه النيل دون تعرض لها»، مشيراً إلى أن وزارة البيئة لم تجد غير الصيادين لتحرر لهم المحاضر، لافتاً إلى تحرير 20 محضر «تلويث بيئة» للصيادين بإيتاى البارود خلال الأسبوع الماضى فقط، وتابع: «إن مصانع الكيماويات الموجودة بمحافظة الغربية هى السبب الرئيسى لتلوث مياه الشرب، وإذا كانت كل هذه الأطنان من الأسماك نفقت بسبب تلوث المياه، فما حال الإنسان الذى يشرب هذه المياه وتستقر داخل جوفه؟». والتقط سامى حميد -أحد الصيادين بشبراخيت- طرف الحديث قائلاً: تحول نهر النيل إلى مقبرة كبيرة للأسماك، وأصبح مصدر أمراض لجميع الصيادين، بعد أن توغلت سموم المصانع ومياه الصرف الصحى إلى مياه النهر. وقال أيمن بدر، أحد سكان قرية نكلا العنب: تزوج الإهمال من الفساد وعقد قرانهما المسئولون بالدولة وأنجبا كارثة بيئية داخل مياه النيل، ستقضى على كل شىء حى، مشيراً إلى انتشار الأمراض بين المواطنين بقرى إيتاى البارود وشبراخيت، مؤكداً أن الفشل الكلوى وأمراض الكبد أصبحت كالإنفلونزا لدى المواطنين هناك، وأن نسبة المرضى بالفشل الكلوى وأمراض الكبد ارتفعت إلى أعلى معدلاتها خلال العامين الأخيرين، لافتاً إلى حالة الانفلات والفوضى التى مرت بها البلاد، واستغلال أصحاب النفوس المريضة انشغال المسئولين بالدولة فى بناء وحدات سكنية ومصانع مخالفة على ضفتى فرع رشيد من نهر النيل، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بتحويل مواسير الصرف الصحى ومخلفات المصانع إلى مياه النهر، ليبدأ عهد جديد من الكوارث البيئية، يهدد بوأد الحياة بهذه المنطقة. الدكتور أحمد عبدالحى، صاحب معمل تحاليل، قال ل«الوطن»: إن التحاليل أثبتت ارتفاع نسبة تلوث مياه النيل بفرع رشيد، واختلاطها بمياه الصرف الصحى، ووجود زيوت غير قابلة للتطهير أعلى المسطح المائى هناك، مؤكداً أن هذه النوعية من الزيوت الضارة لا يمكن معالجتها بمحطات تنقية المياه، حتى بعد استخدام الكلور و«الشبّة» فى عملية التنقية، مشيراً إلى أن هذه الزيوت تحمل بكتيريا وفيروسات ضارة بصحة الإنسان، وتعمل على تدمير خلايا الكبد والكلى فى أسرع وقت. من جهته قال عبدالغنى شومان، وكيل وزارة الرى بالبحيرة، إن مسئولية نهر النيل تقع كاملة على الإدارة المركزية لحماية وتطهير نهر النيل، نافياً مسئولية مديرية الرى عن متابعة وتطهير فرع رشيد. فيما قال العميد مدحت حراز، رئيس قسم شرطة البيئة والمسطحات المائية بمحافظة البحيرة، إن ظاهرة نفوق الأسماك تظهر فى مثل هذه الأيام من كل عام، وهناك العديد من الشكاوى بخصوص مصنع كفر الزيات للمبيدات، مشيراً إلى أن المصنع تابع للحكومة، ولم يقم أى مسئول تنفيذى بتفقد مدى التزام المصنع بتصريف مخلفاته بالطريقة الصحيحة من عدمه. وقال عبدالحميد اللبودى، رئيس الوحدة المحلية بإيتاى البارود، ل«الوطن»، إنه أعطى تعليماته بإذاعة خبر تسمم الأسماك، وعدم شراء أى نوع منها، بعد ظهور حالات نفوق الأسماك بكثرة، وأمر بتوجيه مكبرات الصوت بالمساجد عقب صلاة العشاء فى أول يوم من نفوق الأسماك للتنبيه على المواطنين بعدم شراء الأسماك. من جانبها، أعربت نقابة الصيادين بمحافظة البحيرة، عن قلقها الشديد بعد تفاقم كارثة نفوق الأسماك بفرع رشيد من نهر النيل وتكرارها سنوياً، بسبب تلوث المياه بمخلفات المصانع ومياه الصرف الصحى، التى أطلقها المواطنون وأصحاب المصانع داخل مياه النهر، مطالبين بسرعة تدخل المسئولين لتفادى الأزمة التى ستتسبب فى تشرد المئات من الصيادين خلال الأيام المقبلة. وطالب عيد ظريف السيد، المستشار الإعلامى لنقابة الصيادين، بسرعة تدخل مسئولى البيئة والرى للوقوف على أسباب نفوق آلاف الأطنان من الأسماك فى نهر النيل، مشيراً إلى أن هذه الكارثة من الممكن أن تتحول إلى وباء قاتل، يفتك بالإنسان والحيوان وكل من يستخدم مياه النيل فى الشرب، بسبب توغل السموم بالمياه بعد تحلل الأسماك النافقة التى تتعدى آلاف الأطنان يومياً، لافتاً إلى أن فرع رشيد يغذى محافظات «الغربية، والبحيرة، وكفر الشيخ، والإسكندرية».