كما أنه فى المحن تُعرف معادن الرجال.. فإنه أيضاً فى الأزمات تُعرف كفاءة الرجال وقدراتهم وكيفية حسن تصرفهم أو سوء تصرفهم. وحقيقة فقد انبهرتُ للغاية بمبلغ عبقرية الفريق أول السيسى ورفاقه من قادة القوات المسلحة فى إدارة أزمة «30/6» شديدة التعقيد والتى كادت أن تعصف بمصر.. وتأتى العبقرية فى مشهد النهاية. نعم.. مشهد بيان القوات المسلحة الأخير الذى أعلن فيه الفريق أول السيسى نهاية أسعدت جموع الشعب المصرى حين لبّت مطالبه المشروعة. وتأتى العبقرية حين وجدت القوات المسلحة ضخامة المظاهرات، فكان حتمياً عليها أن تُصدر بيانها الأول الذى أمهلت فيه الجميع 48 ساعة للتوافق والتصالح وإنهاء الأزمة الطاحنة.. وإلا ستكون لها تدابير وخارطة طريق تنفذها للخروج السالم بمصر من أزمتها العاصفة.. ساعتها، وبعد هذا البيان الأول، خرجت التصريحات الأمريكية بالتهديد بقطع المعونة العسكرية عن مصر.. بل ولوّحت أمريكا والدول الغربية بعقوبات اقتصادية على مصر فى حال حدوث انقلاب عسكرى توهّمته أمريكا ودول الغرب.. ولأنه لم يكن انقلاباً عسكرياً فلم تأبه القوات المسلحة بتهديدات أمريكا والغرب، وكل ما فعلته فى هذا الأمر هو تصوير المظاهرات الأضخم فى تاريخ البشرية وأرسلتها للقنوات المحلية والعالمية.. ثم انهمكت فى الأمر الداخلى ومحاولاتها المضنية للخروج من الأزمة بأقل خسائر.. وكانت عبقرية السيسى ورفاقه، كما ذكرتُ، عالية فى مشهد النهاية وإخراج المشهد والبيان الأخير.. فبعد أن اتفق الجميع على عزل الرئيس مرسى أصر السيسى أن يحضر الجميع بيان القوات المسلحة.. بل وأن يلقى كل منهم كلمة قصيرة تعبر عن موقفه وموقف القوة الشعبية التى يمثلها.. فكان بيان القوات المسلحة بحضور شيخ الأزهر وبطريرك الكنيسة وممثل المعارضة (البرادعى) وممثلى الشباب وحركاتهم.. بل وممثلة عن المرأة والإعلام (سكينة فؤاد) بل وممثل عن التيارات الدينية السياسية.. وبذلك الإخراج العبقرى بالإضافة إلى إصرار السيسى وقادة القوات المسلحة على عدم العودة لتولى السلطة السياسية واتفاق الجميع على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا منصب رئيس الجمهورية مؤقتاً حتى إجراء انتخابات رئاسية.. بذلك كله خرج المشهد للعالم الخارجى بأسره بالغ التعبير والدلالة أن إقصاء الرئيس محمد مرسى لم يكن انقلاباً عسكرياً بل بناء على رغبة شعبية وتوافق وشبه إجماع شعبى.. وقد علمت من مصادر صحفية مقربة من المؤسسة العسكرية أن الفريق أول السيسى هو صاحب اقتراح أن يخرج هو وكل من حضروا اجتماعات يوم الأربعاء اليوم الحاسم معاً لإلقاء بيان القوات المسلحة وبيان القوى الشعبية.. حتى تصل للعالم بأسره الرسالة الحقيقية أنه ليس انقلاباً عسكرياً، بل إرادة شعبية لبّتها القوات المسلحة. إنها حقاً عبقرية فى إدارة الأزمات قادها باقتدار وعبقرية الفريق أول عبدالفتاح السيسى ومساعديه، فجّنب مصر صورة مزيفة كانت ستروج لها وسائل الإعلام العالمية بأن ما حدث فى مصر انقلاب عسكرى، وكذلك جنّب جيش مصر قطع المعونة العسكرية الأمريكية، وكذلك جنب مصر عقوبات سياسية واقتصادية لا تستطيع تحملها فى هذه الفترة المتأزمة من تاريخ مصر. وفعلاً.. تحية للسيسى ورجاله الذين أداروا الأزمة شديدة التعقيد بقرية شديدة.. وكده أبصم بالعشرة إن جيش مصر بخير جداً، فيكفى أن على رأسه قيادات تمتلك العبقرية وحسن التصرف فى أحلك الأزمات.. ويكفى أن صحفياً أمريكياً سأل المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأمريكية بعد البيان بساعات إذا كان ما حدث فى مصر انقلاباً عسكرياً فكان ردها وهى ممتقعة الوجه: لا.. إنه ليس انقلاباً عسكرياً.. إنه أمر شديد التعقيد.