محافظ أسوان: النزول بالحد الأدنى لدرجات التنسيق للقبول بالثانوى العام ل220 درجة    تعليمات من «النقل» بشأن العمل خلال الأعياد والمناسبات والعطلات الرسمية    آخر تحديث.. أسعار عملات دول البريكس مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء    المنتدى الأول لبنك التنمية الجديد NDB يناقش خطة مصر نحو النمو والاستثمار    رئيس وزراء لبنان: مستعدون لعلاج المصابين من أهالي غزة في مستشفياتنا    مواجهات نارية للأهلي والزمالك في الدوري مع نهاية أجندة تصفيات كأس العالم    مدرب البرتغال: لا يوجد قلق من رونالدو في يورو 2024    رئيس بعثة الحج السياحي: وصول آخر أفواج حجاج السياحة إلى الأراضي المقدسة غدا    ننفرد بنشر الصور الأولى لشقيق لاعب الأهلي محمود كهربا بعد القبض عليه    عيد الأضحى في تركيا.. عادات وتقاليد    نجوم فيلم ولاد رزق 3 - القاضية يستعدون لحضور العرض الخاص    هل عمر الأضحية من الإبل والبقر والغنم محدد أم مطلق؟.. «الإفتاء» توضح الشروط    أهم النصائح والإرشادات للحاج للمحافظة علي صحته خلال تأدية المناسك    قبل العيد.. ما هي أفضل الطرق للحفاظ على اللحوم أثناء فترات انقطاع الكهرباء؟ خبير تغذية يجيب    يورو 2024| رومانيا يسعى للذهاب بعيدًا في الظهور الرابع.. إنفوجراف    ندوة تثقيفية لمنتخب مصر للكرة الطائرة حول مخاطر المنشطات    جامعة النيل تنظم لقاء مفتوح لطلاب الثانوية العامة وأسرهم    الكرملين: روسيا على أهبة الاستعداد القتالي في ظل الاستفزازات الغربية    الكرملين: هجمات منشآت الطاقة في أوكرانيا تستهدف عرقلة الإمدادات العسكرية    الأسماك النافقة تغطي سطح بحيرة في المكسيك بسبب الجفاف وموجة الحر    الفريق أسامة عسكر يتفقد إحدى الوحدات الفنية التابعة لإدارة المدرعات    رئيس الضرائب: المصلحة تذلل العقبات أمام المستثمرين السنغافوريين    رغبة مشتركة.. محمود علاء خارج الزمالك    رئيس هيئة الدواء: حجم النواقص في السوق المصري يصل ل7%    إصابة 12 في حادث إنقلاب سيارة بطريق أسيوط الغربي بالفيوم    حكومة جديدة..بخريطة طريق رئاسية    «قلبه في معدته».. رجال هذه الأبراج يعشقون الأكل    نجم الزمالك السابق يفتح النار على حسام حسن.. «إنت جاي تعلمنا الأدب»    حكم كثرة التثاؤب أثناء الصلاة وقراءة القرآن.. أمين الفتوى يوضح    بالصور- محافظ القليوبية يستقبل وفدا كنسيا لتقديم التهنئة بعيد الأضحى    ما شروط القبول في المدارس الرياضية 2024-2025؟    "القلعة" تنهي المرحلة الأخيرة لشراء الدين بنسبة تغطية 808%    مجد القاسم يطرح ألبوم "بشواتي" في عيد الأضحى    رئيس جامعة بني سويف يرأس عددا من الاجتماعات    للمرة الأولى بالحج..السعودية تدشّن مركز التحكم والمراقبة لمتابعة حركة مركبات بمكة المكرمة    صحة بني سويف: إحالة واقعة إصابة 29 طفلا ب "طفح جلدي" للنيابة    «الصحة» إدراج 45 مستشفى ضمن البرنامج القومي لمكافحة المقاومة لمضادات الميكروبات    إيلون ماسك: سأحظر أجهزة آيفون في شركاتي    محافظ مطروح يشدد على استمرار الجهود لمراقبة الأسواق وضبط الأسعار    ما هو يوم الحج الأكبر ولماذا سمي بهذا الاسم؟.. الإفتاء تُجيب    القباج تؤكد دور الفن التشكيلي في دعم التنمية المستدامة وتمكين المرأة    الداخلية تواصل جهود مكافحة جرائم الاتجار فى المواد المخدرة والأسلحة ب3 محافظات    محاولات للبحث عن الخلود في "شجرة الحياة" لقومية الأقصر    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    تراجع كبير في أسعار السيارات والحديد والهواتف المحمولة في السوق المصري    سحب عينات من القمح والدقيق بمطاحن الوادي الجديد للتأكد من صلاحيتها ومطابقة المواصفات    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    أدعية مستحبة فى اليوم الخامس من ذى الحجة    استخدام الأقمار الصناعية.. وزير الري يتابع إجراءات تطوير منظومة توزيع المياه في مصر    طائرته اختفت كأنها سراب.. من هو نائب رئيس مالاوي؟    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    فلسطين.. إضراب شامل في محافظة رام الله والبيرة حدادا على أرواح الشهداء    سيد معوض: حسام حسن يجب أن يركز على الأداء في كأس العالم والتأهل ليس إنجازًا    سيد معوض يتساءل: ماذا سيفعل حسام حسن ومنتخب مصر في كأس العالم؟    فلسطين.. شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسراء إمام تكتب عن أفلام «شابلن»: سينما يتغنى بها القلب
نشر في الوادي يوم 07 - 01 - 2014

ثمّة من بصدد صناعة فيلم الآن، إنه المنتج "ماك سينيت"، يفكر جيدا ومن ثم يطلب من ذاك الفتى الذى يقف قبالته بالصدفة أن يتقدم لعمل مشهد ما، يقول فى لا مبالاة "ضع بعض الميكياج وقم ببعض الحركات"، "نحن لا نضع قصة وانما نرتجل موقف ما ليتحول إلى حدث ينتهى بالمطاردة"، يطأ الفتى بقدمه غرفة المكياج، يلطخ وجهه بالمساحيق كيفما اتفق له، ويتعمد عدد من التناقضات فى ملابسه، سروال واسع وجاكيت ضيق محكم، إنه الصعلوك، تلك الشخصية التى وصفها قائلا"إنه رجل ذو جوانب متعددة،فهو أفاق، مهذب، شاعر، وحالم، وحيد فى الحياة ولكنه يأمل فى الحب ويغامر، يستطيع أن يوهمك بأنه عالم أو موسيقى أو لاعب بولو، ومع ذلك، فهو لا يتعفف عن التقاط أعقاب السجائر، أو خطف الحلوى من الأطفال". الصعلوك الذى انتقل به من أسفل الحضيض إلى قامة القمة. وعلى مبعدة وقفت هوليود موقف المتفرج الذى يتابع بشغف الغريب البريطانى وهو يتناوب جهدا على الفرصة التى وهبتها له بينما هو بات يمنحها سينما لم تكن تعهد مثلها من قبل. سينما يسرى في أوصالها دم المسرح، خطواتها تحاذت مع بصمات نجم له نفس ميعاد ميلادها. حملت ملامحه وعبرت عنه فهو شخص مرهف الحس موهوب إلى حد التطرف فى فنون تُشبه حالمية نفسه العذبة الإنسانية من الطراز الأول، والجامحة على المستوى الثانى، فتراه راقصا مبهرا تتناغم حركاته مع وقع روحه التى انطلقت من نقطة غير آبهة فى عقله بما يمكن أن يخسره فى حياته المعدمة، وإنما للاوجود فى بعض الأحيان دفعة قيّمة وفريدة جدا كانت هى سر الطاقة الإنسيابية التى حظى بها جسده وجعلته فى خُف الريشة يتحرك ليسعد الكثيرين ..رقصا وأداءا وغناء فى بعض الأحيان .
عن شابلن تحدثنا مُجملا أما عن سينماه فسنتناولها تفصيلا إلى حد ما
المحطة الأولى
مرحلة هامة مر بها شابلن فى أفلامه القصيرة الأولى، فمن بعد فيلم "Caught in the Rain " والذى كان بداية عمله فى إخراج وتأليف أفلامه بنفسه، مضى شابلن فى عالمه الفضفاض مغذيا إياه من خياله ومن تلك القوة التى يمتلكها ذهنه على كلا من المستويين، الفكرى والتحريضى، فهو على مستوى الفكر حاد الذكاء، سريع البديهة، ونَمِر بدرجة تكفى لقنص الأفكار والتفاصيل.
كانت الأفلام الأولى بسيطة، قائمة فى الأغلب على الأداء الجسدى الكوميدى المُبالغ فيه، والذى فى معظمه عدوانى، سواء فيما يقوم به الممثل تجاه نفسه من ترنحات وارتطامات بالأرض وسقوط من فوق سلالم كثيرة، أو ما يقوم به آخر تجاهه من لطمات وركلات وغيرها، والحقيقة أنه قد أوضح شابلن تلك المسألة فى مذكراته حيث أفاد بأن كل حركة كوميدية مثل التى تم ذكرها يُكن مخططا لها بدرجة محسوبة وآمنة.
كما أن المفارقة الكوميدية كان لها مكانا قيّما فى أساساتها، ثم أخذت تتطور شيئا فشئيا لتأخذ محنى دراميا ولو بسيطا قصصى أكثر منه حدثى لحظى، إلى أن حلت محطة أخرى فى سينما شابلن وهى الأفلام الطويلة نسبيا عن التى سبقتها ومنها the dog's life و shoulder arms، ويمكن الحديث عن تلك الأفلام فى فئة واحدة مع أفلامه الطويلة لأنها قامت على نفس السمات من حيث المبدأ .
الحبكة والسيناريو
مع حلول بعض التغييرات الطارئة على سينما شابلن، ظهرت القصة كعنصر أساسى فى أفلامه، على الرغم من أن المشهد ظل هو الوحدة الأكثر عناية وكأنه فيلما بحد ذاته، وتعد هذه الميزة ملحوظة بشدة فى سينما شابلن لوقت طويل حتى فيلم Monsieur Verdoux عام 1947، ولكنها فى الوقت نفسه مثلت عيبا كبيرا شتت بعض من أفلام شابلن ضعيفة الحبكة وجعلتها معتمدة فى متعتها على هذا التكنيك الذى يملأ الوقت ويستلب الضحكة حتى ولو لم يكن موظفا داخل إطار الفيلم، ولكنه لا يعبر إلا عن فراغات ما بين تطور القصة الشامل، ظهر ذلك فى أفلام مثل the dog's life 1918، the idle class 1921 و the gold rush. بينما على الصعيد الآخر تم توظيفها بحنكة أضافت الكثير إلى روح ومضمون أفلام مثل shoulder arms 1918، the kid 1921، the pilgrim 1923، the circus 1928 ، the city lights 1931، modern times 1936، the great dictator 1940.
لا تخلو أفلام شابلن جميعها من علاقة رومانسية ملحوظة، فهو بطبيعته يميل لضرورة وجودها حتى ولو كانت على الهامش فلم تخلو أفلامه من مثل هذه العلاقة إلا فى the kid و monsieur verdoux لطبيعتهما الخاصة جدا، فهو فى الأول صعلوك قليل الحيلة يتورط فى رعاية طفل صغير، وفى الثانى رجل ذو شخصية معقدة جدا يبحث عن ضحاياه من بين النساء الثريات ومن ثم يقتلهن ويستولى على ثروتهن. وفى أفلام مثل city lights the، limelight 1952 كانت تلك العلاقة هى أساس حبكة الفيلم، وقد اعتنى بها جيدا وقدمها فى أبهى حلاتها فى المرتين، وإن كانت متوقعة نوعا ما فى الفيلم الأول ما بين الصعلوك والفتاة الكفيفة التى تبيع الورد، فإن صغائر تلك الصيغة كانت سر جمالها، الكيفية التى عبر بها عن إحساس الصعلوك تجاه الفتاة.. متى تنامى ؟ وإلى ما إنتهى ؟؟، ولعل مشهد النهاية فى هذا الفيلم هو الرمق الأخير الذى يشير إلى عدد من المشاعر المختزنة بغير تصريح فى قلبه طوال الفيلم، فهو مشهد يعيد التعريف بأساسات تلك العلاقة فى صمت ورقة ورهافة حس غير ممكنة، اجتمع فيها الطابع الإنسانى الحالم الذى يتميز به شابلن فى أفلامه جميعا ليتكثف هنا مع أدائه الذى لم يعطى قدرا من نفسه يوما قدر ما فعل فيه، إنه المشهد الأجمل الذى قد تراه يوما فى أفلام شابلن. أما علاقة الفيلم الثانى فهى علاقة فريدة من نوعها بين فتاة شابة ومُسّن، حاكها شابلن بمنتهى الذكاء فربط بينها وبين طبيعة عمل كل منهما، فهى بالرينا وهو مُهرج وكلا منهما تقابله مشاكله الخاص فى استعادة تألقه، وبالطبع لا يخفى على أحد أنه تأثر فى صياغة تلك الحكاية بعلاقته الحقيقية بزوجته "أونا شابلن".
وعندما انتوى الخوض فى العلاقات الإنسانية فعلها بكل إختلاف فى فيلمه المميز the kid، فإهتم ببناء خطة قوية لمتن علاقة الصعلوك بالرضيع الذى التقطه من الشارع وبات فجأة مسئولا عنه، نمنمات صغيرة خلق منها مشاهد غاية فى الإنسانية والكوميديا والواقعية وهى التركيبة التى لن تراها إلا مع شابلن، مثل اللقطات التى كان يبذل فيها الصعلوك مجهود كبير لكى يوفر للرضيع كل متطلباته من أثاث منزله الرث، وفيما بعد عندما بلغ الصبى أعوامه القليلة الأولى لخص شابلن مضمون علاقتهما صمتا فى مشاهد الإفطار التى تجمعهما، كيف يعتنى كل منهما بالآخر والطريقة التى يتناوبان عليها سويا لخدمة بعضما البعض فى شىء من الحب، قدر من الحميمية كان يغلف تلك المشاهد ليوجز لك مختصر سنوات كبر فيها الرضيع داخل حضن هذا الغريب النزيه الحانى. وبالرغم من أن شابلن لم يحسن الفعلة ذاتها عندما حاول أن يصيغ علاقة شبيهة للصعلوك مع أحد الكلاب الضالة فى فيلمه the dog's life إلا أن الفكرة ذاتها توضح مدى ميله لإستولاد مشاعر إنسانية على صعيد موازى. وعلى نفس المنوال وبشكل ثالث مختلف تعاطى مع ظروف المجتمع المحيط فى فيلم modern times فأبرز انعكاسات تفشى استخدام الآلة وامتهان التكنولوجيا على الإنسان عموما فى حالة ساخرة محبوكة داخل قالب رومانسى يثير الشجن تماما كما يُحرض على الضحك، أما فيلم aking in new York فهو إختار أن يسخر فيه من أجواء نيويورك الصاخبة وأريحيتها فى إطلاق الشائعات وتلفيق الإتهامات وإيقاعها السريع كل ذاك جاء فى إطار كوميدى إنسانى بشكل يدعو للإعجاب ولا شك أن شارلى هنا أيضا تأثر بخلفية الأحداث التى جمعته فى فترة معيشته الأخيرة بهوليود والإتهامات التى طالما لحقته من الحكومة وقتها بأنه شيوعى والمتاعب التى نالت منه اثر هذه المصاعب جماعا والتى اضطرته أن يغادر فى النهاية إلى باريس.
مضى شابلن يعتمد فى أفلامه من بداية عمله فى السينما وحتى فيلم the graet dictator على شخصية واحدة، شخصية الصعلوك، وبالرغم من ذلك لم يشعر المشاهد بأى نوع من التكرار أو السقم، لأن شابلن دوما يحرص على أن يموضعه داخل بيئة مغايرة تماما سواء على المستوى الشكلى أو فى مضمونها، مما يدفع بالمشاهد لمعرفة خصال أخرى لهذا الصعلوك تتبدى إثر فصاحة الحدث وتبعا لرونق الفكرة وفطنتها، مع الحفاظ على بعض سماته الإنسانية ثابتة فهو رغم فقره شديد النزاهة قد يسرق أحيانا بعض من الطعام ولكن ليكفى قوته، قليل الحيلة نوعا، شديد الحساسية ومائل إلى الرومانسية ويقدر العلاقات البسيطة. وعلى هذه الصورة بدت تفاصيل الصعلوك وكأنها حلقات متصلة تنفرج كل حلقة عن ما بها فى كل فيلم تبعا للموقف الذى تفرضه الدراما والتى كانت تتطور هى الأخرى بدورها وتأتى بمزيد من الثراء الذى تنغلق عليه مخيلة شابلن .
الصورة
ذكاء الصورة عند شابلن لم يرتبط بكون أفلامه صامتة أو ناطقة، فحتى بعدما نطقت شخوصه وقفز صوتهم على الشريط الفيلمى، ظلت الصورة عند شابلن هى الأكثر مدعاة للكوميديا، ويظهر ذلك فى أوجه بفيلم the graet dictator . فهو منذ بداية تاريخ أفلامه الصامتة تفنن فى الإغداق على الصورة بمحرضات الضحك، من أداءات معينة لجميع الظهور الحاضر فى اللقطة حتى وإن كان كومبارس عادى، أو عن طريق التنفيذ المنضبط جدا لخطة المشهد بأكمله، ودور حركة الكاميرا ذاتها فى التعامل مع كل ذلك، فمن المشاهد الطريفة مثلا والتى ساهمت حركة الكاميرا فى تكثيف الكوميديا بها المشهد الذى طالما يحاول فيه الصعلوك فى فيلم modern times أن يوصل صحن ضخم فوقه بطة مشوية وبعض الطعام إلى أحد الزبائن وبينما يحاول هو ذلك بإستماتة تعيقه حركة الجمع الراقص فيما بينه وبين طاولة الزبون، فترصد الكاميرا بكادر علوى الحركة الدورانية للجموع والتى يتوه وسطها شارلى رافعا الطبق على ساعده بحيث لا يظهر منه إلاه، مشهد آخر فى pilgrim تتسحب فيه الكاميرا على مهل لترصد مشية الصعلوك المتنكر فى زى الحاج ومعه الشخص الذى يدله على طريق الكنيسة، وفى حركة فجائية يقع كل منهما معا فى ذات التوقيت لتنكسر زجاجة الشراب التى استلبها الصعلوك من ملابس الرجل وخبأها أسفل ظهره، فتغرق الأرض من أسفلهم وبينما يقوم الصعلوك بإخراج قطع الزجاج ليلقى بها خارج ملابسه، يظن الرجل أن الزجاج يتساقط منه هو ويزداد ارتباكه أمام الحاج، فالكادر الخلفى المتحرك الذى يرصد حركة الإثنان منذ بداية اللقطة وحتى إنتهائها يُشعرك وكأنه شخصا يراقب ويفضح أدق التفاصيل فضلا عن كونه يُسرى فى أوصالك إحساس ما بالتفاعل مع ما يحدث، فهو وحده محفزا للضحك، وقد اُستخدمت الكاميرا بدءا من هذا المنطلق كثيرا فى أفلام شابلن .
ولا شك أيضا أن الصورة تطورت بشكل ملحوظ على مستوى المضمون العام، تدريجيا مع مرور الوقت فى أفلام شابلن، فتبدت الكادرات الواسعة والتفصيلية والتمهيدية، وهى التى لم تكن موجودة قبلا فى أفلامه فى حقبة سابقة لم يكن للكاميرا فيها دور بينما يملكها أكثر الإيقاع الحركى السريع الذى يُدعم الأداء الكوميدية ويثير فاعليته . كما أن الصورة تقنيا حوّت فى عناصرها تقدم تقنى هائل فى أفلام مثل modern times و gold rush ، ففى الأول برزت القدرة على تصوير هذه الآلات الضخمة فى المصانع والتعامل معها ببعض الخدع البصرية، وفى الثانى عبرت الصورة جيدا عن هذه الأجواء الثلجية البحتة وتطويعها لذات الألعاب البصرية مثلما ظهر فى المشهد الذى يترنح فيه منزل الصعلوك وصديقه الضخم على حافة جبل بعدما أطاحت به العاصفة .
شابلن والسينما الناطقة
مع بداية ظهور السينما الناطقة، صب شابلن جم غضبه عليها، واعتبر أن الصوت سيُفقد السينما شيئا من سحرها وتألقها، وقال متباكيا على السينما الصامتة فى مذكراته"بسبب الأفلام الناطقة، بدأ يأفل نجم السينما الصامتة وهو أمر مؤسف حقا لأنها كانت بدأت تتحسن، فالمخرج الألمانى مورفو كان قد استخدمها بطريقة معبرة وفعالة، كما بدأ بعض مخرجينا الأمريكيين يفعلون مثله، والفيلم الصامت الجيد يستطيع أن يخاطب المثقفين والعامة جميعا فى كافة أنحاء العالم والآن علينا أن نفقد كل ذلك"، أما فيما يخص شخصية الصعلوك، فكان يرى أنه سيموت بمجرد أن يفتح فمه، كان مؤمنا أنه سيفقد بهاءه وهيبته، ولن يعد كما كان أبدا.
وأصر شابلن حينها أن يتم العمل على فيلمه الصامت "city lights" وقد واجه صعوبات حسب ما ذكره فى سطور مذكراته، لأن مع انتشار السينما الناطقة، الممثلون نسوا الأداء الصامت، مما تطلب منه جهد لإعادة تدريب الممثل وتحضيره من جديد، وبالفعل أنتج الفيلم، الذى لاقى نجاحا كبيرا مع الجمهور، ومن بعدها وفى ذورة نجاح الأفلام الناطقة، أطل بفيلمه الأشهر "modern times" والحق أن شابلن فى هذا الفيلم على وجه الخصوص أجاد الإستفادة من شريط الصوت بحنكة لم تتعارض مع منطقه فى وجوبية ألا يتحدث الصعلوك، فتراه فى أحد المشاهد الأخيرة من المفترض أن يُغنى فى حانة، وتتساءل هل سيُغنى الصعلوك بالفعل ؟؟، هل سينطق ويتحدث ؟؟، ومع بدء اللحن وهو فى لحظة تأهبه للغناء، يكتشف أن الورقة التى سجل عليها الكلمات، سقطت منه سهوا، فيتضطر أن يغنى ولكن بلغة غير مفهومة، يجارى بها اللحن بطبقة صوت شديدة التعبيرية، ولكنها تظل غامضة المعنى الذى لايفتأ أن يوضحه بملامحه الرشيقه وايحاءاته المعهودة الطازجة التى طالما اعتدنا عليها، وبهذه الحيلة الرائعة ينطق الصعلوك ولا ينطق فى الوقت ذاته، فتشعر وكأن شابلن حينها أراد أن يُخرج لسانه بثقة لإغاظة الناطقين .
بعدها قدم شابلن "the great dictator" وبالفعل انزوت شخصية الصعلوك بدءا من هذا الفيلم، الذى نطقت فيه شخصيات شابلن، فى إطار حبكة انسانية سياسية ملفتة جدا، ظهر فيها شابلن، بشخصية هتلر، وشخصية تماثله فى الشبه من العامة، ولم يستغل فكرة البديل التى تم الإعتياد على استخدامها فى البناء الدرامى، إلا فى آخر مشهد، بينما أدار مضمون الفيلم بطريقة مبتكرة ومُرضية.
بعدها دخل شابلن مرحلة مغايرة تماما من تاريخه الفيلمى، حيث قدم شخصية verdoux وهى الشخصية الأولى التى يتخلى فيها عن مكياجه المألوف، حيث تبدى بإطلالة مختلفة ودور مميز عن قصة حقيقة ألهمه بها أورسون ويلز، عندما أتاه فى مرة وأخبره بها وطلب منه أن يكتبها وينفذها فى فيلم، لم يتحمس شابلن فى البداية، ولكن بعدها كلم ويلز، وأخبره أنه سيدفع له ثمن شراء فكرته بالفعل، ليعمل عليها فى فيلم يخصه، وافق ويلز، و لكن الحقيقة أن شابلن قد تندّم فى مذكراته على أنه كتب اسم ويلز تحت اقتراح الفكرة لأنه أتى له بمزيد من المشاكل، ولم يوضح ماهية هذه المشكلات، ولكن على أية حال، فيلم شابلن لم يكن نصا مطابقا للقصة الحقيقة، وإنما بدى كمحاكاة استغلت المتن الأساسى لها، ومن ثم أضاف النكهة الشابلينية الإنسانية فى المقام الأول لواقعة ذلك الرجل الذى تم اعدامه لإرتكابه أكثر من جريمة قتل لنساء تزوجهن وقام بالإستيلاء على أموالهن ومن ثم قتلهن. لم تتلبس الفيلم تلك الحُلة المنعشة التى اعتاد الظهور بها، ولا أقصد هنا إختلاف الموضوع، وإنما جاء التناول فى حد ذاته مشتت نوعا ما، بخلاف أن الكوميديا لم تتناسب أوقات مع المادة الدرامية المُضمّنة، فتداخلت امزجة الفيلم فى غير سلاسة. ولكن الملفت بحق هو أداء شابلن وإحساسه الذى كان يبزغ من عينيه ويدل بمدى التلاحم الشعورى بينه وبين فيردوكس الحقيقى.
أما limelights فهو الفيلم الذى يمكنك أن تعدّه كبطاقة الهوية التى تُلخص شابلن الإنسان والفنان، فهو بعد مرور زمن على ظهور السينما الناطقة، وبالرغم من تأقلمه هو ذاته معها، إلا أنك تقبض بيد من حديد فى هذا الفيلم على حنين شابلن لسينماه الصامتة، هذا إلى جانب تعمده ابراز اختلاف البصمات التى تحمل اسمه وتميزه فى الطرح على جمعها فى هذا الفيلم دون غيره، ولا يسعك سوى أن تحملق فى تلك السماء السينمائية التى حولقها بمزيج خالص من فن الباليه والمزيكا والأداء الصامت، فضلا عن قصة الحب الرائعة والفريدة جدا، كل هذا على تنوعه بدا متماسكا مهندما، حاد المشاعر وماكن الأثر، وأعتقد أن شابلن ألّم جيدا بما فعله ولهذا وصف الأمر فى مذكراته قائلا: " كان قلقى بشأن نجاحه أقل من أى فيلم أنتجته فى حياتى" .
الموسيقى فى سينما شابلن
انقسم دور الموسيقى فى أفلام شابلن إلى مرحلتين، فإختلفت طريقة توظيفها تبعا للطفرة التى نالت من أفلام شابلن بداية من monsieur verdoux، وهو الفيلم الذى بدأ عنده ينتفى الدور المعهود للموسيقى الذى ألفناه سابقا فى سينما شابلن، وبحلول المساحات الدرامية الفضفاضة مالت الموسيقى للتعبير عن المزاج العام للمشهد، أو لتقديم دورا موازيا مع أداء الممثل ووقع جمل الحوار، فضلا عن استخدامها للربط بين لقطة وأخرى والتحضير لمشهد جديد. وهو ما نافى المهمة الرئيسية التى اسندها شابلن لموسيقاه فى افلامه السابقة، حيث كان يعمد إلى توظيفها توظيفا "ميكيماوسيا" فالميكى ماوسية هى التعشيق الدقيق المحسوب بين الموسيقى والفعل، بين النغم والحركة، وهكذا بالضبط كانت تبدو موسيقى شابلن فى أفلام أدائه الصامت وفى بعض مشاهد the great dictator، صاحبة دورا متأصلا وواضعة قدميها على نفس الخطوة التى يقف عندها الممثل، يختل المشهد بدونها ويفقد الكثير من بهاءه وقدرته على استلاب الضحكات.
وفى النهاية يمكن القول أن شابلن خلّف ورائه رصيد موسيقى هائل، يعد بمعزل عن سينماه ثروة إضافية، أبدعها بذائقته الخاصة وبحساسيته المتفردة صوب السينما التى يصنعها، والغريب أنه رغم كل هذا الكم من التأليف الموسيقى لن تجده يُكرر جملة لحنيه وإن تشابهت عليك فى بعض الأحيان، وإنما دوما يُجدد دماء موسيقاه فى كل فيلم الواحد تلو الآخر، بما يلائم كل لقطة وكل مشهد، متنوعا فيما بين الموسيقى الحماسية، الهزلية، الدرامية والإنسانية.
شابلن مخرجا وكفى
اكتفى شابلن بوجوده خلف الكاميرا فى فيلمين، أولهما A Woman of Paris: A Drama of Fate عام 1923، وهو الفيلم الذى قامت ببطولته " إيدنا بورفيانس" البطلة الأثيرة لدى شابلن فى أفلامه الأولى، داخل إطار سيناريو شديد الميلو درامية وكأن شابلن أراد أن يعوّض فيه افتقاره لهذا النوع من الطرح المتمادى فى التشاؤمية والذى كان يبتعد تماما عن طبيعة الأفلام التى يقوم ببطولتها فى تلك الفترة، فإستغرق هنا فى سرد قصة حب عبث بها القدر أكثر من مرة على مدار سنوات، تنتهى بفجيعة موت البطل بعد عدد من المصادفات والصراعات النفسية التى تجمعه مع حبيبته وعشيقها، لم يكن الفيلم عظيما وإنما بدت القصة غير متوقعة الحدث، تُثير فضولك لمعرفة ما ستؤل إليه تلك الشبكة الدرامية المبالغة فى كثير من الأحيان، والصادمة فى الأخرى، والجيدة فى مضمونها العام.
أما أسوأ ما كان فى جعبة شابلن هو آخر فيلم قام بكتابته وأخراجه بعنوان A Countess from Hong Kong عام 1969 ، بطولة "صوفيا لورين" و"مارلون براندو" ، وهو الفيلم الذى يمكنك أن تنعته بالأسوأ فى تاريخ شابلن على الإطلاق، بحيث لم يشفع له حتى تواجد نجمين بهذا الحجم ليدفع عنه قلة الحيلة الواضحة فى تشكيل سيناريو له هوية متماسكة، وقد تمرغ فى العادية إلى درجات غير محتملة اودت بالمعالجة التى انتهج سياقها إلى التشتت ما بين محاولات كثيرة للإستظراف وإقحام الكوميديا عنوة، وما بين قصة حب لم تكتمل هيئتها فلم تكن تكن مقنعة إلى حد كبير، وبين كادرات متناثرة فى غير محلها ومشاهد تبدو مبتورة، إنه الفيلم الذى تتمنى أن يُمحى من مسيرة شابلن نهائيا.
"شارلى شابلن" ليس سينمائيا تضمه سطور التاريخ السينمائى، وإنما تجربة كاملة أساسية أرست عدد من المبادىء والقواعد التى تمكنها أن تقف جنبا إلى جنب مع التوثيق التاريخى للسينما، ولا تكتفى بكونها حكاية عابرة كانت، ينغلق عليها قلبه.
آخر كلمتين:
_ من المشاهد المميزة فى أفلام شابلن، ذلك المشهد الذى يجتمع فيه هو ورفيقه الضخم بفيلم the gold rush على تناول حذاء أحدهم بعدما قتلهم الجوع، فى مشهد شديد الهزلية والتعبيرية. ومشهدا آخر للرجل المُسن فى limelights وهو يشاهد الفتاة التى يحبها ترقص أمامه بعدما استعادت عافيتها وتألقها بينما ينزوى نجمه هو إلى الحضيض، فيلبث تحت إضاءة خافتة يشاهدها مذهولا بكم موهبتها، فرحا لها وخائفا منها وعليها فى آن. والمشاهد الأكثر كوميديا فى the great dictator والتى يتنقل فيها الديكتاتور ما بين حجرات قصره فى سخرية من تعدد مهامه فلا يلبث فى الحجرة الواحدة أكثر من ثوان، منهم حجرة ينتظره فيها نحات ورسام، ما إن يرونه يبدأون فى التقاط ملامحه فى حركة سريعة ولكنه سرعان ما يغادر الغرفة من جديد، ليتركهم فى قنوط وانتظار طلة اخرى من طلاته العزيزة.
_ ظهر شابلن فى فيلمه A Countess from Hong Kong ، مشهدين بالتمام والكمال، وقد بدا عليه الشيب فى رصانة مقبولة أضفت عليه جمالا وهيبة مع ابتسامة ظلت كما هى منذ سنوات الفتاوة، تماما كما تبدى فى وقت تكريمه فى الأوسكار عام 1972، وقت ذرف دمعه المشوب بذات الإبتسامة فأبكى الملايين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.