اختتم مهرجان أبوظبي السينمائي فعاليات دورته السادسة الجمعة الماضي بإعلان جوائز مسابقاته المختلفة، وعلى رأسها جائزة اللؤلؤة السوداء لأفضل فيلم في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، التي فاز بها فيلم «أراف»، أو «بين بين»، وهو آخر أعمال المخرجة ييشيم أوستا أوغلو. أوغلو، مثل فاتح أكين ونوري بيلج سيلان، واحدة من صناع السينما التركية الفنية الراقية، معروفة فى أوساط السينما العالمية، تصنع أفلاما يقدرها النقاد والمهرجانات منذ التسعينيات، تختلف تماما عن المسلسلات والسينما التركية التجارية. فى فيلمها الجديد، المذهل سينمائيا وبصريا، تتناول أوغلو قصة شرقية تقليدية من التى عالجتها الميلودراما المصرية والتركية عشرات المرات، الفتاة البريئة الحرة الروح التي تفقد عذريتها وتواجه خطر انكشاف أمرها من قبل عائلتها المحافظة، المعالجة هنا هي المختلفة، وبجانب اللغة السينمائية التي تحاول أن تنقل بصريا مشاعر هذه الفتاة الوحيدة في عالم جاف وبارد حتى الموت، فإن الفيلم يركز على التجربة التي تمر بها والنضج الذي تصل إليه من خلال الحب والألم والإجهاض والحب مجدداً، أما موضوع شرف البنت الذي يكمن في عذريتها الذي صدعتنا به الأفلام التقليدية، فيكاد يكون بلا أي قيمة إنسانية ولا أخلاقية هنا، وبذلك تعبر المخرجة عن وجهة نظرها بطريق يختلف تماماً عن طريق الميلودراما. إلى نفس الفصيلة الراقية من الأفلام ينتمي فيلم «الخروج للنهار» للمخرجة هالة لطفي، الذي حصل على جائزتين، الأولى كأفضل مخرجة في مسابقة «آفاق جديدة» التي تمنح للعمل الأول، والثانية جائزة أفضل فيلم عربي روائي شارك في المهرجان من قبل لجنة اتحاد النقاد الدوليين المعروفة باسم «الفيبريسي»، التي شرفت بالمشاركة في عضويتها. «الخروج للنهار» هو خروج على السينما المصرية التقليدية، بقضاياها المنتفخة كالبالون الممتلئ هواء، وأساليبها السينمائية البالية، وتمثيلها المفتعل، وقبل ذلك وبعده غلظتها وفجاجتها فى التعامل مع المشاعر الإنسانية. ومثل «أراف» يركز «الخروج للنهار» على فتاة عربية من أسرة فقيرة، لأم تعمل ممرضة بمستشفى، وأب عاجز بعد إصابته بجلطة، تعاني الفتاة من الفقر والشقاء جراء رعاية والدها، والبطالة، والعنوسة، ومن الوحدة التى تغلف عالمها كله، وفوق ذلك كله من الاضطهاد العام الذى يمارسه المجتمع على النساء، خاصة لو كن صغيرات وغير محجبات! لجنة «الفيبريسى» منحت جائزتها لأفضل فيلم وثائقى إلى الفيلم الفلسطينى «عالم ليس لنا»، الذى حصل على جائزتين أخريين هما جائزة «نيت باك» التى تمنح لأفضل فيلم آسيوى، وجائزة أفضل فيلم فى المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية. من ناحية ثانية حصل المخرج التونسى نورى بوزيد على جائزة أفضل مخرج فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، فى الوقت الذى قررت فيه اللجنة أن تحجب جائزة أفضل فيلم عربى، وهو قرار موفق، نظرا لضعف المستوى الغريب الذى بدت عليه الأفلام العربية الروائية المشاركة فى هذه المسابقة، ولكن لجنة التحكيم تجاهلت إعلان حجبها للجائزة على المسرح! فيلم بوزيد «منموتش»، كما ذكرت فى مقال سابق، يركز على معاناة النساء التونسيات قبل وعقب الثورة التونسية، والمخرج الكبير أهدى جائزته إلى نساء تونس الشجاعات اللواتى يواجهن كل أنواع القمع والتخلف. جائزة أخرى للنساء العربيات حصل عليها فيلم «لما شفتك» للمخرجة الفلسطينية آن مارى جاسر، الذى يتناول أيضا معاناة أم فلسطينية فى مخيم للاجئين فى سبعينيات القرن الماضى، وقد حصل على جائزة أفضل فيلم عربى فى مسابقة «آفاق جديدة». الفيلم ربما لا يرقى إلى مستوى الجائزة وحتى لمستوى فيلمها السابق «ملح هذا البحر»، ولكن من الواضح أن قوة شخصية كل من مخرجته وبطلته كانتا وراء هذا الاختيار! فى نفس المسابقة حصلت الإيرانية الشابة جولشفيتى فاراهانى على جائزة أفضل ممثلة عن دورها فى فيلم «حجر الصبر» للمخرج والروائى الأفغانى الشهير أتيك راهيمى، والذى تجسد فيه معاناة فتاة أفغانية متزوجة من رجل يكبرها كثيرا، يعود من الحرب مشلولا وكسيحا، ومثل بطلتى «الخروج للنهار» تقضى حياتها فى رعايته مثل طفل رضيع. فاراهانى، إن لم تكن تعلم، مثلت فى فيلم أمريكى شهير أمام النجم ليوناردو دى كابريو هو «جسد الأكاذيب»، وأثيرت زوبعة حولها بعد ظهورها شبه عارية فى مجلة فرنسية، مما اضطرها إلى الهجرة لأوروبا حيث تعيش الآن منفية عن بلدها. من ناحية ثانية حصل المخرج البرتغالى مانويل دى أوليفييرا، الذى يبلغ من العمر 103 سنوات على جائزة لجنة التحكيم الخاصة فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة عن فيلمه «جيبو والظل»، والذى شاركت فى بطولته النجمة الأسطورية كلوديا كاردينالى البالغة من العمر أربعا وسبعين عاما! كاردينالى صعدت للمسرح لتسلم الجائزة وأعلنت فخرها بأنها بدأت العمل فى السينما فى بداية الخمسينيات وأنها لاتزال تعمل حتى الآن. جدير بالذكر أن المهرجان كرم اثنتين من النساء أيضا، المصرية سوسن بدر، التى اعتادت لعب دور المرأة القوية المكافحة، والإيطالية كلوديا كاردينالى المولودة فى تونس.. أى أنها عربية أيضا من زاوية ما!
وإليكم القائمة الكاملة لجوائز مهرجان أبوظبي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة جائزة اللؤلؤة السوداء للفيلم الروائى: "أراف" ما بين وبين، إخراج ييشيم أوسطاولو ( تركيا، المانيا، فرنسا) جائزة لجنة التحكيم الخاصة: "جيبو والظل"، إخراج مانويل دى اوليفييرا (البرتغال، فرنسا) أفضل مخرج من العالم العربي: نورى بوزيد (تونس) أفضل ممثل: غايل غارسيا بيرنال، "لا" (تشيلى) أفضل ممثلة: فرانشيسكا بيترى، "خيانة" (روسيا) مسابقة آفاق جديدة جائزة اللؤلؤة السوداء لآفاق جديدة: "عائلة محترمة"، إخراج مسعود بخشى (فرنسا، إيران) جائزة لجنة التحكيم الخاصة: "وحوش البرية الجنوبية"، إخراج بين زيتلين (الولاياتالمتحدة) أفضل فيلم من العالم العربي: "لما شفتك"، إخراج آن مارى جاسر (فلسطين) أفضل مخرج من العالم العربى: هالة لطفى، "الخروج للنهار" (مصر) أفضل ممثل: سورين مالينغ، "اختطاف" (الدانمارك) أفضل ممثلة: جولشيفتى فراهانى، "حجر الصبر"( إيران) تنويه خاص: "اختطاف" ،إخراج توبايس لندهولم (الدينمارك)
مسابقة الأفلام الوثائقية جائزة اللؤلؤة السوداء للفيلم الوثائقي: "عالم ليس لنا" (الدينمارك) جائزة لجنة التحكيم الخاصة: "قصص نرويها"، إخراج سارة بولى (كندا) أفضل مخرج جديد: ليوبوف أركوس، "أنطون قريب هنا" (روسيا) أفضل فيلم من العالم العربى: "يلعن بو الفوسفاط"، إخراج سامى تليلى (تونس). أفضل مخرج من العالم العربى: وائل عمر، فيليب ديب، "البحث عن النفط والرمال" (مصر) جوائز أخرى جائزة الفيبريسى: أفضل فيلم وثائقى "عالم ليس لنا" - جائزة أفضل فيلم روائى: "الخروج للنهار" جائزة نيت باك: "عالم ليس لنا" جائزة الجمهور: "إنقاذ الوجه" إخراج شارمين عبيد شينوي، دانييل جونغ.
