«شكرًا.. لطوق الياسمين، وضحكت لى.. وظننت أنك تعرفين معنى سوار الياسمين، يأتى به رجل إليك، ظننت أنك تدركين، وجلست فى ركن ركين، تتسرحين، وتنقطين العطر، من قارورة وتدمدمين حنًا فرنسى الرنين، لحنًا كأيامى حزين». هكذا تعرض الشاعر الكبير نزار قبانى فى إحدى قصائده الشهيرة لزهرة الياسمين، مستعينًا بالطوق الذى تنعقد حباته من هذه الزهرة المتفردة، للتعبير عما فى صدره من عشق تجاه محبوبته، التى كان يرغب فى أن تُزين به رقبتها، فتزداد ملاحة على ما بها، ويُنفس هو عما بداخله. ولكن هل كان يعرف «نزار»، وهو ينظم مقطوعته هذه، أنه على بعد آلاف الأميال من بلاده لبنان، تقع قرية مصرية تفوح منها الرائحة الذكية للزهرة البيضاء، لتحط رحالها هناك فى عاصمة النور والموضة باريس، فهناك تجد مساحات شاسعة من الخضرة الممتزجة برائحة الياسمين الذكية، وشقاء تغلفه رائحة جميلة، وشكاية من أوضاع اقتصادية مزرية يتم تجاوز آثارها على النفس بألوان الزهرة البيضاء، فكأنها تنثر بياضها على القلوب، فيرتد على أصحابها بالرضاء والطمأنينة. إنها قرية «شبرا بلولة» التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية، إحدى أشهر القرى التى تزرع الياسمين فى مصر منذ عهد الملك فاروق، صناعة فاقت شهرتها الحدود حتى وصلت إلى كبرى العواصمالغربية خاصة فرنسا، حيث تقع على بعد 93 كيلو مترًا من القاهرة. وقال أهالى القرية، إنها تزود فرنسا بأطنان من النباتات التى تدخل فى صناعة العطور، حيث يوجد بها قرابة 2 مليون شجرة ياسمين، ويبلغ إنتاج القرية من العطور سنويًا نحو 10 أطنان، كما يوجد بها 15 مصنعًا لإنتاج العطر الخام يديرها أبناؤها.