تعرف علي أسعار الذهب اليوم 9 يونيو 2024    أسعار اللحوم اليوم الأحد 9-6-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    أسعار الدواجن والبيض اليوم الأحد 9-6-2024 في قنا    طائرات الاحتلال المروحية تطلق نيرانها شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة    بالرابط.. احصل علي نتيجة الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية لعام 2024    قضايا الدولة تتحصل على حكم نهائي لصالح الدولة ب 4 ملايين جنيه    الأحد 9 يونيو 2024 .. البنك المركزي يطرح أذون خزانة ب 55 مليار جنيه    الأحد 9 يونيو 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية    جامعة عين شمس تتقدم في تصنيف QS العالمي 133 مرتبة    الكشف عن دور أمريكا في تحرير أسرى إسرائليين بغزة    ماذا لو فاز "ترامب" بالرئاسة وهو سجين؟ President Prisoner of the United States of America    من تعليق المعاهدات إلى حرب «البالونات» الأزمة الكورية تتخذ منعطفًا خطيرًا    ولنا فى مدينة هامترامك أسوة حسنة    نغمة التمثيل المشرف باتت نشازًا.. مطبات صعبة فى طريق العميد نحو المونديال    صربيا تفوز على السويد بثلاثية دون مقابل وديا قبل يورو 2024    جامعة عين شمس تتقدم في تصنيف QS العالمي    فى مواجهة تحديات داخلية وخارجية غير مسبوقة.. فقه التغيير الوزارى: الوعى والثقافة والقطاع الخاص!    مستمرة حتى هذا الموعد.. الأرصاد تُعلن مفاجأة حول طقس الساعات المقبلة    حالة الطقس اليوم، انخفاض مؤقت في درجات الحرارة وارتفاع نسبة الرطوبة (فيديو)    السلطات السعودية أتمت جاهزيتها لاستقبال حجاج بيت الله الحرام خادم الحرمين وولى العهد يشرفان من مكة على خدمة ضيوف الرحمن    النشرة المرورية.. كثافات متحركة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    مفاجأة.. عمرو دياب يسعى للاعتذار للشاب الذي صفعه على وجهه    انسحاب بطل المسرحية قبل افتتاحها بأيام تسجيل موقف أم إثارة بلبلة؟! ما الذى حدث فى كواليس (العيال فهمت)؟    اليوم.. جمعية الفيلم تقيم تأبينًا ل صلاح السعدني وعصام الشماع ونادر عدلي    بروتوكول تعاون بين مؤسسة مجدي يعقوب و«الرعاية الصحية» لتقديم علاجات متقدمة    التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    البحرية البريطانية: اندلاع النيران في سفينة جراء إصابتها بمقذوف في خليج عدن    تعليق غريب من نجم المصري بشأن مستوى منتخب مصر    أبرز لقطات البرومو الرسمي لفيلم "عصابة الماكس"    إصابة شخص بسبب حريق شقة سكنية فى حلوان    وصفات طبيعية لعلاج قشرة الرأس، أبرزها الزبادي وزيت شجرة الشاي    حزب الله يعلن قصف مقر قيادة كتيبة السهل في ثكنة بيت هلل الإسرائيلية براجمة من صواريخ فلق 2    «مين هيقدر يديره؟».. القيعي يكشف سبب رفضه لتعاقد الأهلي مع ميدو    أمم أوروبا 2024.. المنتخب الإنجليزي الأعلى قيمة سوقية ب 1.78 مليار يورو    «البترول»: خططنا لتلبية احتياجات الكهرباء من الغاز أو المازوت    مناخ «الزراعة»: الموجات الحارة تؤثر على الفواكه والخضروات    فضل الدعاء في هذه الأيام المباركة.. لا يرده الله    للحجاج والمعتمرين.. محظورات لا يجب فعلها أثناء الحج    عاجل: حدث ليلا.. الغضب يشتعل ضد نتنياهو واحتجاجات عنيفة أمام البيت الأبيض    جدول مواعيد امتحانات الثانوية العامة 2024.. تنطلق غدا    ما سبب الشعور بالصداع عند الاستيقاظ من النوم؟.. «السر في التنفس»    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. «هيئة الدواء» تسحب أدوية جديدة من الصيدليات.. انفراد..النيابة العامة تحيل «سفاح التجمع» لمحاكمة عاجلة أمام «الجنايات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأحد: 48 ساعة قبل عودة الغليان (تفاصيل)    ليلى عبد اللطيف تكشف حقيقة توقعها بعيد أضحى حزين في مصر    تحرك عاجل من السعودية بشأن الحج بدون تصريح    أسامة كمال: الحكومة المستقيلة لهم الاحترام.. وشكل الوزارة الجديدة "تكهنات"    ياسر إدريس: لا ينقصنا لاستضافة الأولمبياد سوى إدارة الملف    مع بدء رحلات الحج.. خريطة حدود الإنفاق الدولي عبر بطاقات الائتمان في 10 بنوك    خبير مائي: سد النهضة على وشك الانتهاء من الناحية الخرسانية وسيولد كهرباء خلال سنتين    ماذا قالت سيدة التوقعات مع عمرو أديب عن العوضي وياسمين عبد العزيز وأمل ماهر وشيرين؟ (فيديو)    جامعة العريش تطلق مبادرة شاملة لتأهيل الخريجين لسوق العمل    «هيكسروا الدنيا».. سيف زاهر يكشف ثنائي جديد في الزمالك    النديم: 314 انتهاك في مايو بين تعذيب وإهمال طبي واخفاء قسري    ما أهم الأدعية عند الكعبة للحاج؟ عالم أزهري يجيب    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بعيادة الجلدية ووحدة طوسون الصحية    حظك اليوم برج الحوت الأحد 9-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عاجل.. انفراجة جديدة في مفاوضات بن شرقي وحقيقة عرضين الخليج ل "الأخطبوط"    ما هي أيام التشريق 2024.. وهل يجوز صيامها؟    عقوبة تصل ل مليون جنيه.. احذر من إتلاف منشآت نقل وتوزيع الكهرباء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الحصاد المر» تحقيق استقصائى يكشف معاناة "الأنفار" في مصر
نشر في الصباح يوم 22 - 10 - 2016

فتايات وأطفال يتعرضون للتحرش والعمل بالسخرة فى 5 محافظات والمرتب 15 جنيهًا
مغامرة ل«محررى الصباح» بقرية أم عزام بالإسماعيلية توثق تحرش وانتهاك العمال بالفتيات خلال مواصلات غير آدمية
بسبب الفقر..الفتيات الصغار تعملن صيفًا لتأمين مصاريف الدراسة والعلاج وتجهيز مستلزمات الزواج
ابن صاحب مزرعة ببورسعيد يذبح عاملة زراعية بعد محاولة اغتصابها مستغلًا سلطته
استبيان شمل40 عاملة فى 4 محافظات كشف تعرض 75 فى المائة منهن لتحرش لفظى وجسدى.. ولم يقدمن أية شكاوى «خوفًا من الفضيحة»
الزراعة والقوى العاملة والمجالس القومية يتنصلون من المسئولية: لم نتلق شكاوى ولا علاقة لنا بالرقابة

تجمع الأهالى على عويل إبراهيم، العامل الزراعى الشاب، الذى أصيب بحالة من الهيستيريا حين وجد جثة زوجته غارقة فى بركة من الدماء، مقطعة الثياب، ومفصولة الرأس عن الجسد.

كان إبراهيم وأطفاله يرقبون عودتها من عملها الشاق فى إحدى المزارع، حين قتلت مساء السابع من يوليو 2015 الذى تزامن مع شهر رمضان، وهى تدافع عن نفسها أمام التحرش المستمر من ابن مالك المزرعة، والذى اعترف لاحقًا بقتلها وفقًا للتحقيقات التى أجرتها الشرطة، وحصل معدا التحقيق على نسخة منها.

الزوجة القتيلة (اعتماد. م. أ) ذات الثلاثين عامًا، تسكن قرية سبعة فى سهل الطينة بمحافظة بورسعيد. تخرج للعمل فى المزارع، كواحدة من مليونى امرأة مصرية ريفية عاملة فى المجال الزراعى، بدون عقود أو حقوق عمالية يضمنها قانون العمل، وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2011.

يكشف هذا التحقيق من خلال معايشة قام بها معدا التحقيق فى فبراير الماضى، وجولات ميدانية فى محافظات الجيزة والمنوفية والشرقية والإسماعيلية وبورسعيد استغلال عاملات الزراعة، وانتهاك حقوقهن من قبل زملاء عمل وسماسرة وأرباب عمل، وسط غياب الحماية القانونية لهن، وثقافة العيب التى تدفعهن للصمت خوفًا من الفضيحة. وقد أطلق العرف الاجتماعى على هؤلاء العمال الذين لا تحميهم القوانين ولا تعترف بهم، اسمًا يكرس اعتبارهم غير آدميين بل أرقامًا وآلات للعمل، فهم مجرد «أنفار». حيث تتمدد قائمة «الأنفار» لتشمل أطفالًا صغارًا قارب عددهم المليون طفل بحسب إحصاء للجهاز المركزى للتعبئة عام 2010.

فى مزرعة تقع شرق التفريعة بمحافظة بورسعيد، كانت القتيلة اعتماد تعمل فى جمع محصول الفلفل لمدة ثمانى ساعات يوميًا، دون أن تشكو لزوجها مرارة العمل. ظلت محتفظة بابتسامتها الزائفة، رغم مضايقات ابن مالك المزرعة (طاهر. م) العشرينى لها بنظرات تلتهم جسدها، بحسب شهادات زملاء لها.

وحفاظًا على «لقمة العيش»، كانت تكتفى بالانخراط فى جمع المحصول، وتذكيره بأنها متزوجة ولها أسرة وأطفال. لكنه كان يتمادى، ويهددها بالطرد أو الخصم من أجرها.

لم يجد طاهر فى حرمة شهر رمضان مبررًا لتركها وشأنها. وحين كانت تهمّ بالتوجه لركوب السيارة العائدة لقريتها فى نهاية ذلك اليوم، فوجئت به يلاحقها بسيارته الخاصة معترضًا طريقها. أغلقت أذنيها عن كلماته الخادشة للحياء. وحسب اعترافاته الموثقة لدى الشرطة، فقد ترجّل من السيارة، ومد يديه ليوقف اعتماد عنوة. وتحول الشد والجذب إلى معركة غير متكافئة بين الأم المنهكة وابن المقاول الشاب. وفجأة، هددها ب«مطواة» وحاول تجريدها من ملابسها. قاومت بأقصى قوة تملكها، وحين يأس منها، سدد طعناته إلى جسدها لتتهاوى على الأرض. وجثم فوق جسدها وقبض على رأسها، ولم يتركه إلا بعد أن فصله عن الجسد، ونبش فى الأرض ليدفن آثار فعلته. لتغيب بعدها شمس اعتماد مع غروب ذلك اليوم الحزين.

مع تأخر الزوجة، حمل الزوج ومعه رجال القرية، وبينهم طاهر، المشاعل فى حملة تفتيش، بعد أذان المغرب، عبر الطريق المؤدى إلى المزرعة بحثًا عن أى أثر للزوجة الغائبة. وفجأة خرجت صيحات زوج اعتماد، عندما رأى بركة دماء زوجته القتيلة. وحرر الزوج المحضر رقم 87 إدارى شرق التفريعة لسنة 2015، ونجحت تحريات الشرطة فى كشف ملابسات الجريمة، وتمكنت من القبض على طاهر، ليعترف لاحقًا بفعلته ويشرح تفاصيلها. وما زالت القضية منظورة أمام المحاكم بعد أكثر من عام على الواقعة، وستعقد المحكمة جلستها المقبلة فى ديسمبر المقبل.

ذات القصة يمكن أن تتكرر فى أماكن أخرى، فالمشاهد المهينة تتكرر حسب رواية العاملة الزراعية أميمة (15 عامًا) بنت قرية أم دينار فى محافظة الجيزة. وقالت أميمة لمعدى التحقيق أثناء زيارة لقريتها «اللى بيحصل معانا كتير.. بهدلة وقلة أدب وشتيمة ومحدش بيسمعنا».

وفى محاولة لمعايشة واقع حياة هؤلاء الأنفار، عمل معدا التحقيق فى فبراير الماضى فى مزارع على طريق «مصر إسماعيلية» الصحراوى لمدة يوم كامل انطلاقًا من قرية «أم عزام» التابعة لمركز القصاصين فى الإسماعيلية.

قبل شروق الشمس يقف مقاول الأنفار (السمسار المسئول عن العمال) عند سيارة نصف نقل فى مكان التجمع يصرخ بالجميع ليسارعوا الخُطى. يصعدون تباعًا إلى الصندوق الخلفى للسيارة. وكلما زاد العدد زاد تلاصق الركاب حتى يتحولوا إلى ما يشبه كتلة من اللحم، يتشبثون ببعضهم البعض اتقاء للسقوط مع حركة السيارة. وسط هذه الكتلة البشرية، تبدأ أول الانتهاكات، حيث ينتهز فتية فرصة اهتزاز السيارة ليحتكوا بأجساد الفتيات، ويخدشوا حياءهن بكلمات جارحة. ضيق المساحة، وشدة الزحام، وطول الطريق الذى يبلغ 75 كم تقريبًا إلى المزرعة الواقعة شرق التفريعة، يجعل رحلة الذهاب والعودة مسلسل امتهان يومى لفتيات وأطفال.

على الطريق تنطلق عربات الأنفار قادمة من قرى أم عزام وأبو محارب وأبو جغيفة وصبرى والهيش والسويدات، التابعة لمدينة القصاصين، وغيرها عشرات القرى فى محافظة الإسماعيلية، وفى محافظات مجاورة، على رأسها محافظة الشرقية. فى تلك العربات المتسارعة، يتشبث الأنفار ببعضهم وبعض وبالحاجز الحديدى السيارة، ويتكدسون على شكل أكوام من البشر فى وصفة جاهزة للتحرش.

ويظهر استبيان عبر مقابلات أجراها معدا التحقيق مع 40 عاملة زراعية تتراوح أعمارهن بين 11 و35 عامًا فى محافظات المنوفية والجيزة والإسماعيلية وبورسعيد أن 75 فى المائة منهن يتعرضن للتحرش (50فى المائة تحرش لفظى، و25 فى المائة لفظيًا وجسديًا)، من قبل سماسرة عمل (مقاولون) وزملاء عمل مرة واحدة على الأقل فى الأسبوع.

وأشار 65 فى المائة ممن شملهن الاستبيان إلى عدم وجود دورات مياه ضمن المزارع، و57 فى المائة منهن أيضًا أكدوا عدم وجود أماكن مخصصة لتغيير الملابس، و40 فى المائة منهن أشرن أيضًا إلى عدم وجود كمامات أو قفازات للحماية أثناء العمل.

لكن الضرورة والحاجة للعمل هى التى تؤدى لاستقطاب مليونى امرأة وطفل لهذا العمل غير المحمى بالقانون إذ بينت مقابلات العاملات الأربعين أنّ 77.5 فى المائة من العاملات يعملن فى هذه الظروف رغم صعوبتها بسبب الحاجة المادية.

ورغم كل تلك التعديات أكدت الفتيات الأربعين عدم تقدمهن بأى شكوى، خشية الخوف من الفضيحة، وعدم الثقة بجدوى الشكوى، كما أنهن لا يعرفن أصلًا الجهة التى يمكن الشكوى لها.

مقاول الأنفار
يستمد «مقاول الأنفار» نفوذه من دوره كوسيط بينهم وبين ملّاك الأراضى. ويتولى تجميع العمال ومتابعة عملهم، وتسليمهم أجورهم فى نهاية كل أسبوع والتى تتراوح بين 15 و30 جنيهًا (نحو 4 دولارات) فى اليوم حسب الإنتاجية فى بلد يبلغ متوسط دخل الفرد فيه حوالى 3400 دولار سنويًا، وفقًا لتصريحات وزير التخطيط المصرى أشرف العربى. لكن نادرًا ما يحصل كل عامل على أجره كاملًا، فمن المعتاد أن يقتطع المقاول أجر يوم وربما اثنين، ليضمن مجىء العامل فى الأسبوع الذى يليه.

يقول أحمد محمد (33 عامًا)، وهو يعمل كمقاول أنفار فى محافظة الجيزة، منذ خمس سنوات، إن الفتيات يتعرضن لانتهاكات أثناء عملهن فى المزارع. وأضاف أنهن يفضلن الصمت حفاظًا على مصدر رزقهن، وتجنبًا للفضيحة.

لا شكاوى
يقول حمدى معبد، رئيس جمعية العدالة الاجتماعية للتنمية وحقوق الإنسان فى قرية نكلا بالجيزة، إن العاملات فى الزراعة والأطفال يعانون ظروفًا اقتصادية واجتماعية يفرضها عليهم المجتمع، كما ينقصهن الوعى بشكل كبير بحقوقهن، فلا يعرفن أى جهات يذهبن إليها أو قوانين أو مكاتب عمل. وأضاف أنه يحاول مساعدة المترددات على الجمعية، لكن العدد أكبر بكثير من مساعيه.

ويقول خالد معروف، المحامى الحقوقى بالمجلس القومى لحقوق الإنسان، إن معظم الشكاوى تأتى إليهم من الرجال العاملين بالزراعة، بسبب عدم دفع أجورهم، لكن لا توجد شكاوى من نساء أو فتيات من تحرش أو اغتصاب، مرجعًا ذلك إلى عدم وجود وعى كافٍ لدى الفتيات بالإضافة إلى الخوف من الفضيحة والعار. وأضاف أن المجلس لم يتحرك برفع شكوى باسم الحق العام، لأنه لم يتلق أصلًا مثل هذه الشكاوى التى يمكن إرسالها بالبريد العادى أو الإلكترونى أو تسليمها باليد.
ثغرة قانونية
تقول زينب خير، المدير التنفيذى للجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن عاملات الزراعة محرومات من الحماية فى قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 حيث تنص المادة الرابعة منه (فقرة ب) على «استبعاد العاملين بالمنازل والعاملين بالزراعة البحتة» من الإطار الذى توفره مواده.
وأوضحت أن هذه الفئة تحرم من حقها فى التأمين الصحى، وتحصل على معاش ضمان اجتماعى شهرى يبلغ 350 جنيهًا (35 – 40 دولارًا) عند بلوغها (65 عامًا). ويمكن لهن الحصول على معاش الضمان من خلال التسجيل فى مكتب التأمين باشتراك شهرى 28 جنيهًا على أن يكون الاشتراك قبل سن 60 عامًا.

وأكد محسن جورج نائب رئيس هيئة التأمين الصحى، أن عاملات الزراعة لا يشملهن التأمين الصحى الذى يغطى العمال المسجلين فى الجمعيات الزراعية فقط ممن لديهم حيازة زراعية. لكنه أضاف أن القانون الجديد الذى يجرى العمل بشأنه حاليًا سيغطى جميع العمالة فى مصر.

وقال على حجازى مساعد وزير الصحة لشئون التأمين الصحى، إن المسودة النهائية للقانون، ستعرض على مجلس النواب مع بدء دور الانعقاد الثانى هذا الشهر، وسيطبق على ست مراحل من 2017 حتى 2028 يستكمل خلالها تسجيل كل المصريين.

ويوضح د. ياسر عبدالجواد، المحامى الحقوقى بالمكتب العربى للقانون، أن قانون العمل المصرى لا يعترف بالعمالة الزراعية، فهذه الفئة خارجة عن إطار الحماية لقانون العمل، و«هذه ثغرة لابد من إيجاد حل لها».
يضيف أن قانون الطفل يجرم عمومًا عمل الأطفال الأقل من 14 عامًا. وإن إسناد أعمال بصورة عامة للأطفال والفتيات تحت السن القانونية، أمر مجرم تصل عقوبته إلى ثلاثة أعوام.
وعن جهود مساعدة عاملات الزراعة، تقول دينا حسين، عضو لجنة الشباب بالمجلس القومى للمرأة، إن المجلس يعقد دورات لتوعية وتدريب الفتيات الريفيات، لكنها تركز على كيفية جنى المحاصيل وتنمية المشروعات الصغيرة إلى جانب إقامة معارض لمنتجات المرأة الريفية.

وأضافت أن المجلس لم يتلق شكاوى بخصوص تحرش بعاملات الزراعة. وقالت إن ثبوت وجود حالات اعتداء أو تحرش سيدفع المجلس لتغيير توجهه واستهداف تلك القضية فى الدورات.

سبب الاستثناء القانونى
من جانبه، يؤكد وزير القوى العاملة محمد سعفان أن قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 نص فى مادته 26 على أن «تتولى الوزارة رسم سياسة ومتابعة تشغيل العمالة غير المنتظمة، وعلى الأخص عمال الزراعة الموسميين. ويضيف أن القرار الوزارى الخاص بوضع نظم لرعاية العمالة غير المنتظمة يؤكد على توفير الرعاية الصحية والاجتماعية، وتقوم الوزارة من خلال الإدارات التابعة لمديريات القوى العاملة، ومكاتب التفتيش والتشغيل بالمتابعة والتفتيش على تلك الفئة على مستوى المديريات لضمان حصولها على الرعاية الصحية والاجتماعية. لكنه لم يعط أرقامًا عن نتائج هذا التفتيش.

أما بالنسبة للأطفال وحمايتهم فى المزارع، يشير الوزير إلى استثناء القانون رقم 12 لسنة 2003 أعمال الزراعة البحتة، بسبب ما جرى عليه العادة والعرف فى البيئات الزراعية والريفية على التضامن والتعاون فيما بينهم، ومزاولة بعضهم البعض بأسرهم وأطفالهم، ليتناولها العمل فى مزارعهم بدون أجر.

الوزارة بدون أنياب
أما بالنسبة للشكاوى من الانتهاكات التى يتعرض لها هؤلاء الأطفال، فلم ترد للوزارة أى شكاوى فى هذا الخصوص. ويقول عيد حواش، المتحدث الرسمى باسم وزارة الزراعة، إن وزارة الزراعة جهة بحوث وإرشاد وإنتاج، فهى تضع توصيات فقط، ولكن لا توجد آلية كالضبطية القضائية مثلًا لمواجهة الأزمة لأن القانون يستثنى هذه الفئات أصلًا.

يقول إن كل مخالفات العمل تجرى فى قطاعات خاصة، لكن المزارع التابعة لوزارة الزراعة ملتزمة بالاتفاقيات الدولية والداخلية الخاصة بالعمالة الزراعية، وتمنع عمل الأطفال ودون السن فى مزارعها. وفى لقاءات أجراها معدا التحقيق مع عمال فى مزارع حكومية لم تظهر شكاوى من تحرش، وقالوا إنهم يعملون بعقود لمدة عام أو عامين.
النقابة تحمى المسجلين فقط

سامى محمد رزق، أمين عام النقابة العامة للزراعة والرى والصيد واستصلاح الأراضى، يقول إن هناك ما يقرب من مليون و200 ألف عامل زراعى مشتركين فى النقابة، جميعهم تخطوا 18 عامًا، أغلبهم من الذكور، ونسبة ضعيفة جدًا من النساء.

ويتابع أن نشاطها يتمثل فى تسجيل الراغبين فى العمل فى المجال الزراعى، وتوريدهم إلى جهات حكومية وشركات خاصة، بعقود لمدة عام قابلة للتجديد لمدة ثلاثة أعوام، طبقًا للقانون رقم 98 من قانون المناقصات والمزايدات، وبأجور تتراوح من 32 إلى 42 جنيهًا (4 دولارات).

وأكد الأمين العام، أن النقابة تحمى العاملين المسجلين فى كشوفاتها فقط، وأنها ليس لها علاقة بعمالة الأطفال أو الأنفار، أو غير المسجلين فى النقابة.

لم تكن المغدورة اعتماد مشمولة بحماية قانون العمل رسميًا، ولم تكن عضوًا فى النقابة. حالتها هى حالة مليونى عامل وعاملة من «الأنفار» الذين يعملون باليومية. ذهبت اعتماد ضحية مقاومتها للتحرش، وزميلاتها يفضلن الصمت فى ظل غياب الحماية القانونية ومع الحاجة الماسة للمال. وكان ضمن العاملات اللواتى التقى بهن معدا التحقيق طفلة لم تتجاوز السنوات الست تعمل صيفًا لتأمين مصاريف الدراسة شتاء، ومنهن أيضًا من تعمل لتصرف على والدتها المريضة.. أو والدها العاجز.

عمالة الأطفال أغلبها فى الريف
فى دراسة للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء لعام 2010، بلغ حجم عمالة الأطفال نحو 1.6 مليون طفل، منهم 83 فى المائة يعملون فى الريف مقابل 16 فى المائة فى المدن، وأن عدد ساعات العمل التى يقضونها فى العمل تتعدى أكثر من 9 ساعات يوميًا فى المتوسط، وأكثر من ستة أيام فى الأسبوع.

السيداو تحمى المرأة الريفية

تنص المادة (14) من اتفاقية «السيداو» التى صدقت مصر عليها عام 1981 على «أن تضع الدول الأطراف فى اعتبارها المشاكل الخاصة التى تواجهها المرأة الريفية، والأدوار المهمة التى تؤديها فى تأمين أسباب البقاء اقتصاديا لأسرتها، بما فى ذلك عملها فى قطاعات الاقتصاد غير النقدية».

قانون عمالة الأطفال
قانون الطفل المصرى رقم 126 سنة 2008، مادة ( 64 ) ينص على أنه مع عدم الإخلال بنص الفقرة الثانية من المادة ( 18 ) من قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981، يحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم خمس عشرة سنة ميلادية كاملة، كما يحظر تدريبهم قبل بلوغهم ثلاث عشرة سنة ميلادية.

ويجوز بقرار من المحافظ المختص، بعد موافقة وزير التعليم، الترخيص بتشغيل الأطفال من سن اثنتى عشرة سنة إلى أربع عشرة فى أعمال موسمية لا تضر بصحتهم أو نموهم ولا تخل بمواظبتهم على الدراسة.

أما مادة (65) فتنص على أنه «يحظر تشغيل الطفل فى أى من أنواع الأعمال التى يمكن، بحكم طبيعتها أو ظروف القيام بها، أن تعرض صحة أو سلامة أو أخلاق الطفل للخطر. ويحظر بشكل خاص تشغيل أى طفل فى أسوأ أشكال عمل الأطفال المعرفة فى الاتفاقية رقم 182 لسنة 1999».

كما نصت المادة (96) بند 1 أن الطفل معرض للخطر إذا تعرض أمنه أو أخلاقه أو صحته أو حياته للخطر، وأشارت أنه يجب تفعيل نص المادة (68 ) من قانون الطفل والتى تنص بأنه على صاحب العمل الذى يقوم بتشغيل طفل أو أكثر أن يوفر بمقر العمل جميع احتياطات الصحة والسلامة المهنية ويدرب الأطفال على استخدامها، وأن يحتفظ بالوثائق الرسمية التى تثبت سن جميع العاملين لديه من الأطفال ومقدرتهم الصحية ويقدمها عند الطلب.

أما عن العقوبة مادة (74) فنص القانون، على أنه يعاقب كل من يخالف أحكام الباب الخامس من هذا القانون بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه، وتتعدد الغرامة بتعدد العمال الذين وقعت فى شأنهم المخالفة، وفى حالة العود تزداد العقوبة بمقدار المثل، ولا يجوز وقف تنفيذها.

ما يزيد على 2 مليون عاملة بالقطاع الزراعى
أكدت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2011، أن عدد النساء المشتغلات فى مصر يبلغ 6.4 مليون امرأة عاملة بنسبة 23 فى المائة من إجمالى القوى العاملة مقابل 77 فى المائة، فى حين أكد تقرير للجهاز عن نفس العام بعنوان «وضع المرأة والرجل فى مصر» ونشره المجلس القومى للمرأة على موقعه الرسمى، يفيد بأن نسبة 42.8 فى المائة من النساء تعملن فى القطاع الزراعى، مما يعنى أن نسبة النساء العاملات فى القطاع الزراعى تتراوح ما بين (2.5 و2.7 ) مليون عاملة فى مصر.

غرق معديات العمال مشكلة فى الدلتا والصعيد

- غرقت معدية فى مصرف الرهاوى بالجيزة عام 2012 كانت تقل أكثر من 50 فتاة وطفلًا فى طريقهم للعمل ولقى 30 حتفهم. ولم يحصل الأهالى على أى تعويضات أو تأمينات، فلا توجد من الأساس أى عقود عمل تضمن حقوق العمال.

- فى محافظة المنوفية حيث تكثر العمالة الزراعية أيضًا، غرقت معدية رقم 474ج ملاحة الجيزة عام 2012. كان عليها 4 سيارات وحوالى 40 شخصًا غرق منهم ما لا يقل عن 20 فردًا.

- وفى محافظة البحيرة فى عام 2015، لقى عاملان مصرعهما، وأصيب 15 آخرون، أثناء سير السيارة النقل رقم «4327 ب ف أ» (محملة بعمالة زراعية) بمركز النوبارية محافظة البحيرة.

- وفى محافظة الشرقية، فى 20 ديسمبر الماضى، لقى اثنان من العمال مصرعهما وأصيب 33 آخرون فى انقلاب سيارة نقل أمام مفارق أبونصار التابعة لقسم الصالحية بالشرقية. كانت أعمارهم ما بين 13 و17 عامًا، وكانوا فى طريقهم للعمل بمزارع الصالحية وفاقوس.

أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة «إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية» «أريج» وبإشراف الزميل عماد عمر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.