فى الماضى كان المؤمنون بنظرية المؤامرة قلة، وكانوا يعانون كى ينشروا أفكارهم بأن كل ما يحدث فى الحياة منذ لحظة غسيل وجهك فى الصباح، وحتى عودتك لفراشك فى المساء مؤامرة صهيونية أمريكية شريرة. لكن الآن وبعد ثورة 25 يناير يبدو أن المزاج العام صار متقبلا لهذا التفكير المتشكك، وصارت البارانويا تؤدى بصاحبها إلى الشهرة بدلا من العيادة النفسية. آخر صيحة فى عالم المؤامرات هى «الموديل الماسونى».. وبواسطته يمكنك إعادة تركيب وتفسير أى شىء يحدث فى أى مكان على أنه دليل يبين تورط الأصابع الماسونية، والسؤال الذى يخطر على بال أى إنسان عاقل فى هذه الحالات يكون: لو أن هذا التنظيم الماسونى الرهيب متوغل بهذه القدرات الهائلة فى كل مكان فى العالم..فما الذى ينقصه إذن ؟ .. لماذا يحتاج للبقاء فى السر وقد سيطر على كل شىء كما يبشر أتباع نظرية المؤامرة الجدد؟. «فوبيا الماسونية» مرض لم يسلم منه المجتمع المصرى، فالجميع يشك فى الجميع خاصة ممن تقع عليهم دائرة الضوء الإعلامى، وتهمة الماسونية لم تترك أحدا، فطالت النشطاء والسياسيين والمحللين والفنانين ورجال الأعمال والرياضيين، الكل صار له منصب ودرجة و«تايتل» فى الكهنوت الماسونى الأكبر، وكل كلمة أجنبية أو اقتراح مبتكر أو زى جديد أو حركة باليد، صارت دليلا لا يدحض على الانتماء لمنظمات سرية وخطط تآمرية وشياطين سفلية، حتى يشعرك خبراء الماسونية الجدد أن عضوية المحفل الماسونى صارت توزع مع بطاقات التموين. الظهور فى التليفزيون، والذى كان فى الماضى شىء يدعو للفخر والسعادة، صار حاليا عبئا يفتح أبواب الاتهامات ووجع قلب، فبمجرد أن يصدر من أى شخص يظهر على الشاشة الصغيرة أى حركات بيده من باب العفوية فى الحديث أو ألفاظ، أو حتى ملابسه التى نراها طبيعية، لكن «خبراء الماسونية» الجدد يرون ما لا يراه الإنسان العادى. على الجانب الآخر كانت هناك مجموعة من الفنانين والسياسيين الذين طالتهم سهام الاتهام بالماسونية، لكونهم معارضين للخبراء الوهميين الجدد، ومن أشهر من تعرضوا لهذا التشويه الإعلامى الناشط السياسى وائل غنيم ومنى الشاذلى والفريق أحمد شفيق والإعلامى يسرى فودة وحمدين صباحى وفايزة أبوالنجا والناشط السياسى أحمد ماهر.
الماسونية فى مصر الدكتور إبراهيم الدسوقى، أستاذ التاريخ المعاصر والباحث فى شئون الماسونية قال إن هذه الحركة الفكرية دخلت مصر مع الحملة الفرنسية، واعتنقها عدد كبير من رموز الحكم فى مصر وأعلام الفكر والسياسة، أبرزهم جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده والشيخ محمد أبو زهرة وسعد زغلول ومصطفى النحاس وعدلى يكن، وعبد الخالق ثروت وفؤاد أباظة وفؤاد سراج الدين، إضافة إلى فنانين منهم محمود المليجى وزكى طليمات ومحسن سرحان، موضحا أن غالبية هؤلاء كانوا مخدوعين فى الشعارات التى رفعتها الماسونية حول «الحرية والإخاء والمساواة»، وبعضهم استفاد من الماسونية، لأنها حققت لهم ما يريدون من السلطة والنفوذ والوصول إلى دوائر النخبة. الدسوقى أوضح أن الماسونية ظلت فى ذروة مجدها داخل مصر ولعقود طويلة، حتى قامت ثورة يوليو 1952، بعدها هرب أعضاء الجماعة الأغنياء وتوقف بعضهم عن حضور الاجتماعات، ووجه لهم جمال عبد الناصر ضربة قوية عندما حل «الجمعية الماسونية المصرية»، وأغلق مقر الجمعية فى شارع طوسون بالإسكندرية واعتقل العديد من أعضائها. الدسوقى يعتبر الماسونية فكرا متطرفا يهوديا يهدف إلى الاحتلال الاجتماعى والثقافى للدول، ويصل إلى زعزعة نظام الحكم فى مواقف متعددة، موضحا أن أحد الحاخامات قال إن المبادئ الماسونية تعمل على القضاء على العقيدة التى يتبعها يسوع المسيح ورجاله ومحمد ورجاله، والاحتفاظ بالدين اليهودى وحدة دون سواه فى العالم، مشيرا إلى أن «المجمع الفقهى الإسلامى» رأى أن الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين. لكن على الجانب الآخر أكد الدسوقى أن ظاهرة انتشار «خبراء الماسونية» ممن يلقون التهم يمينا ويسارا بلا سند أو دليل على كل الشخصيات، ما هو إلا «هوس بالماسونية»، يشبه إلى حد كبير اتهام كل من يختلف معك بأنه عميل للموساد الإسرائيلى، لذلك لابد من معاقبة مروجى هذه الشائعات، لأنها تقوى الفكر الماسونى وتنسج حوله أساطير مخيفة أكثر مما تضعفه.
خبراء وهميون أشهر «خبراء الماسونية الجدد» فى مصر حاليا هو رجل يعمل فى مهنة أبعد ما تكون عن الفكر أو السياسة، وكل مفرداتها هى الأرقام فقط، وذلك لأن سامح أبو عرايس يعمل محللا فى البورصة. اسم أبو عرايس بدأ ينتشر مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعى بصفته الرجل الذى اتهم الجميع بالانتماء للماسونية، يقضى ليله ونهاره يحلل الشخصيات السياسية والمشاهير ويفك شفرات الإعلانات والخطابات والأغانى. أبو عرايس أكد ل«الصباح» أنه يضع على عاتقه مهمة تنبيه المصريين إلى أن بعض القنوات والبرامج ورجال الأعمال ينشرون الفكر الماسونى لتحقيق أهداف الماسونية العالمية، وعلى رأسها تجفيف مياه النيل، وتقسيم مصر على أساس عرقى، وضمان أمان إسرائيل، منبها: «الماسونية موجودة بمصر ولا يخفى على أحد أنهم منتشرون، ولكن لا يلاحظ وجودهم إلا خبراء الإشارات الماسونية، وأولى هذه الإشارات هو طريقة المصافحة بينهم وبين بعضهم، وهم يظهرون فى الإعلانات التجارية لشركات موبينيل وفودافون وبيبسى وكوكاكولا، وقد تمكنت من تحديد أبرز القيادات الماسونية عن طريق ملاحظة طريقة كلامهم والمصطلحات الشفرية التى يستعملونها، فالإعلاميون الماسونيون لا يستضيفون إلا ماسونيين مثلهم. وبسؤال أبوعرايس عن أهم الأسماء التى توصل إلى كشفها بعينه الخبيرة اللاقطة قال: «محمد مرسى أبرز الماسونيين، وهناك علامات تؤكد صحة كلامى أولاها طريقة مصافحته للمشير السيسى أثناء تنصيبة وزيراً للدفاع، وثانياً أن مرسى كان يتخذ كل قراراته يوم السبت، وهو اليوم المفضل لدى الماسونيين، وفى كل مؤتمراته الصحفية كان يضع خلفة 13 علما وهو رقم الماسونيين المقدس، إضافة إلى الأهرامات وصورة النيل التى كان يضعها خلفه فى احتفالات انتصارات اكتوبر التى تؤكد علاقته بالماسونية». أبو عرايس كشف لنا فتحا جديدا فى تحليل الرموز عندما اعتبر أن ثورة 25 يناير نفسها علامة ماسونية كبيرة، وأنها كانت رسالة سرية إلى الشرطة لتعكير صفو يومهم وذكرى انتصاراتهم، وهو نفس ما حدث مع اختيار يوم 6 أبريل لأنه يوم هزيمة لويس التاسع فى المنصورة. أبوعرايس يقول إنه بدأ فى ملاحقة الماسونيين منذ عام 1997، بعدما اكتشف أن أحد أهداف الماسونية هى السيطرة على العالم عن طريق توجيه رسائل الى السياسيين والمخابرات بأنهم موجودون ولهم القوة فى تحريك الأحداث، مضيفا :«قبل كارثة مذبحة استاد بورسعيد بأسابيع أطلقت تحذيرات بأن هناك إعلانا مشفرا يرسل رسائل تؤكد أن هناك مذبحة على وشك الوقوع، ولم يلتفت الى كلامى أحد حتى وقعت الكارثة، أيضا نبهت إلى أن إعلان كريم عبدالعزيز فى شهر رمضان الماضى الخاص بشركة موبينيل والذى يقوم فيه بإبطال مفعول قنبلة سيكون بداية لظهور القنابل والسيارات المفخخة والأحزمة. كما حذرت المواطنين من إعلان حلوانى إخوان الذى يرسل شفرات إلى أعضاء الجماعة حول الحشد والتجمع وأماكن التظاهر، بالإضافة إلى إعلان شيتوس حيث يظهر فيه شخص يتناول المنتج بطعم الجبنة والشطة، ثم يدخل أتوبيس فينفجر فى وجه الركاب، وقد وقع حادث طابا مؤخرا بالفعل عن طريق عبوة ناسفة زرعت أسفل الأتوبيس السياحى». وفى النهاية أكد عرايس أنه يتابع الآن مجموعة من الإعلانات فى الوقت الحالى لفك شفراتها، ولمعرفة حقيقة الرسائل التى توجهها، ومن بين هذه الإعلانات إعلان فودافون الجديد، والذى تظهر فيه الرقعة البيضاء التى تتوسط لوجو فودافون ملطخة بالدماء، بالإضافة إلى أغنية «حمزة نمرة» الجديدة والتى يملك يقينا كبيرا بأنها مليئة بالرموز السرية، خاصة النعوش التى تظهر فى نهاية الأغنية، والتى يعتقد أنها تشير الى عملية كبرى ستصدم الجميع. أيضا تحدثنا مع الدكتور عادل محسن المشد، أحد معتنقى الفكر الماسونى داخل مصر وأول من أطلق تصريحات نارية حول علاقة كبار الشخصيات المصرية البارزة بالماسونية العالمية، والذى أكد أن جمال مبارك كان ماسونيا يدعم الفكر الماسونى داخل مصر، بالإضافة إلى فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق وأنس الفقى وزير الإعلام الأسبق ورشيد محمد رشيد ورجل الأعمال حسين سالم ويوسف بطرس غالى وزير مالية مبارك، معتبرا أن هناك مئات من الماسونيين فى مواقع حساسة، إلا أنهم لا يصرحون بذلك خوفاً على مناصبهم ومن المجتمع الذى لا يتقبل الآخر. وأضاف المشد، قائلاً: «الماسونيون داخل مصر بصدد عمل حزب سياسى باسم «الثوار المصريون»، ورغم وجود اقتراحات بإضافة كلمة «الماسونى» للاسم إلا أنها خطوة مؤجلة خوفاً من غضب المجتمع تجاه ما يجهل، والحزب حصل بالفعل على 2500 توكيل خلال الفترة التى سبقت ثورة يناير، والأعضاء المؤسسون من شرائح مختلفة فبينهم شباب ورجال أعمال ورياضيون وفنانون وسيدات مجتمع، وسوف يتم إكمال الخمسة آلاف توكيل اللازمة للحصول على ترخيص إصدار الحزب قريبا. «المشد» أوضح أن الماسونية لم تخرج من مصر قط، بل إن أعداد أعضائها فى تزايد من يوم لآخر، لكنها كانت تعمل بهدوء دون إثارة ضجيج حولها، لأن المجتمع المصرى لا يستوعبها ويظن أنها من التيارات الدينية التى ترهب الناس، مقدرا عدد معتنقى الماسونية فى مصر بنحو 300 ألف شخص، ومتوقعا ارتفاع عددهم خلال الفترة المقبلة، خاصة أن الماسونية أعلنت عن وجودها مرة أخرى وبصورة علنية فى أعقاب ثورة 25 يناير.
سبايدر القدير تواصلنا أيضاً مع «أصغر» محلل شفرات ماسونية فى العالم، ألا وهو الناشط «أحمد سبايدر»، والذى أكد ل«الصباح» أن الله وفقه للنجاح فى حل شفرات معقدة أرسلها باسم يوسف من خلال برنامجه «البرنامج»، موضحا : «بصفتى صائدا لعملاء الماسونية فى مصر أحب أن أنبه الشعب المصرى والشعوب العربية التى تشاهد «البرنامج» بأن باسم يوسف يرسل شفرات ماسونية فى برنامجه، أولاها هو أن صوت أبله فاهيتا التى أرسلت شفرات إرهابية لتفجير مبنى المخابرات الحربية هو نفس صوت شخصية «جماهير» التى يؤديها خالد منصور أحد العاملين مع باسم يوسف، كما أن البرنامج يوظف فى رسائله السرية «علامة العين» التى تستخدمها المغنية «ليدى جاجا» والمعروف انتماؤها للماسونية العالمية، بالإضافة إلى صورة المشير عبدالفتاح السيسى المظللة، والتى تعنى أنه فى مرمى الاغتيال، فالصورة المظللة – من وجهة نظر أصغر محلل شفرات فى العالم - لا توضع إلا على الشخص بعد وفاته، وبهذا فهناك تعاون بين باسم يوسف والماسونية العالمية لاغتيال المشير السيسى». وبسؤال «سبايدر» عن كيفية إتقانه لفك الشفرات أجاب : «هى موهبة فطرية من عند الله مثل موهبة لاعب الكرة الحريف أو الموسيقى البارع، لكنى نميت هذه الموهبة بالاطلاع على كتيبات فك الشفرات بكل اللغات، وأتمنى مساندة الجهات المختصة لمتابعة المجموعات الإرهابية وفك شفراتهم».
مشاهير الماسونية
تهمة الانتماء لمحفل سرى يمارس طقوسا مشبوهة ليست بالبدعة، بل هى تهمة ظل البعض يطلقها على المشاهير بشكل متتكرر عبر مئات السنين، دون كلل أو ملل أو دليل، فالعشرات من رجال الفكر والسياسة والفن طالتهم شائعة الانضمام إلى المحفل الماسونى قبل أن يولد أحمد سبايدر بمئات الأعوام، مثل الخديو توفيق وإدريس راغب باشا أحد مؤسسى النادى الأهلى وسعد زغلول، بعضهم انضم بالفعل للجمعية الماسونية والتقطت لهم صور بالزى الماسونى، بعدها نبذوا هذا الفكر وتركوه، ومن الفنانين فاتن حمامة ومحمود المليجى ومحمود ياسين وأحمد مظهر، وهم أيضاً نبذوا ذلك الفكر.
اختلال توازن وتشوه إدراك وبعيدا عن محللى الأسرار ومدمرى الشفرات، حاولنا البحث عن بعض الكلام العلمى الموزون، فلجأنا للدكتورة منال زكريا، أستاذ علم النفس، وسألناها حول تفسير ظاهرة «فوبيا الماسونية» التى احتلت المجتمع، فقالت إن اختلال التوازن وتشوهات الإدراك هما السبب فى انتشار من يطلقون على أنفسهم «خبراء الماسونية العالمية» خاصة بعد حالة الفوضى التى نعيشها منذ ثورة يناير، والتى تسببت فى خروج ظواهر جديدة، لم نكن نعلم عنها شيئا من قبل، بعضها سلبى وبعضها إيجابي. د. منال زكريا نبهت إلى أن خطورة خبراء الماسونية المزعومين تنتج من وجود متلقين لديهم تطرف فى الاستجابة، وهم يستجيبون لأى شىء لمجرد توافقه مع رغباتهم، لهذا فهؤلاء الخبراء الجدد يستغلون شهوة المجتمع فى معرفة كل ما هو غريب حول الشخصيات اللامعة، ويمدونهم بهذه الافتراضات العجيبة، هذه المعرفة تؤدى الى مزيد من التفرقة وشق الصف المجتمعى. أستاذة علم النفس اعتبرت أن الذين يفسرون حركات الجسد على أنها إشارات ماسونية هم إما باحثون عن الشهرة والأضواء أو غير مدركين للواقع الذى نعيشه، وسيطرة نظرية المؤامرة عليهم بلغت حدودا مرضية، ونفس الأمر ينطبق على الذين يفسرون الإعلانات التجارية على أنها شفرات لارتكاب أعمال إرهابية. الدكتور أحمد دراج وكيل مؤسسى حزب الدستور، فسر ل«الصباح» «فوبيا الماسونية» الموجودة حاليا بأنها محاولات بائسة للقضاء على مجموعة من رموز العمل السياسى والإعلامى واغتيالهم معنوياً بتهمة الانتماء الى المحفل الماسونى، وهى محاولة جديدة لإحياء الدولة البوليسية القمعية وتشويه رموز المعارضة التى تعارض هذا الإحياء. دراج اعتبر أن أصحاب هذه الدعوات فى الغالب مختلون عقلياً، فلا يعقل أن كبرى الشركات العالمية فى مجال الاتصالات ترسل رسائل مشفرة عن طريق إعلانات تجارية يشاهدها الملايين، الأولى بها أن تبعث رسائلها فى إعلانات مغمورة لا يشاهدها أحد، وفى النهاية لا يوجد من يصدق هذا الكلام الذى لا يزيد على كونه عبثا.