هدوء حذر.. صمت قاتل.. مناطق مهجورة ذات ملامح مرعبة..سيارات محترقة على جوانب شوارعها القديمة، ووجوه شاحبة تترقب المستقبل المرير..فهذه ليست مشاهد من أحد أفلام «الرعب »، لكنها حقيقة لا تجدها إلا فى «كرداسة ،» التى تحولت إلى ولاية مستقلة، تحت حكم الجماعات الإرهابية التى أعلنت استقلالها، وتستعد لمواجهة قوات الجيش والشرطة. ومع بدء خطة قوات الأمن لاقتحام كرداسة وتطهيرها، بدأ الأهالى فى مغادرة منازلهم خوفًا على حياتهم، والفرار بأبنائهم بعد علمهم بنية الجماعات الإرهابية فى اعتقال عدد من الأهالى واستخدامهم كرهائن ودروع بشرية والمساومة على حياتهم مقابل عدم تدخل قوات الأمن. مصادر أمنية أكدت ل «الصباح » أن وزارة الداخلية بالتعاون مع القوات المسلحة، وضعت خطة محكمة لتطهير كرداسة من البؤر الإرهابية، واعتقال جميع المشاركين فى مذبحة قسم شرطة كرداسة وقتل المأمور ونائبه وجنوده، بعد التوصل لهوية الجناة وتحديد مكانهم. ونفى المصدر الأمنى ما تردد حول وجود مفاوضات لتسليم الجناة، حيث أكد أن الجناة لم يقوموا بتسليم أنفسهم، بعد فشل بعض محاولات الأهالى لتسليم عدد من المتهمين المتورط ن، مضيفاً أن الخطة جاهزة ومدروسة، وستكون مفاجأة صاعقة للإرهابيين بالمنطقة، ولن يتم تسريب الخطة الجديدة كما حدث قبل ذلك. هنا كرداسة.. الحى الذى يصر سكانه على بدء سريان الحظر من السابعة مساء، «الصباح » خاضت غمار الليلة الصعبة – قبل الاقتحام – ورصدت ملامح اللحظات الأخيرة للمدينة. مع دخولنا إلى كرداسة من جهة قسم الشرطة المحترق تماما، وجدنا الشارع الذى كان يكتظ بالمارة وبالباعة الجائلين تحول إلى شارع للأشباح، عدد قليل من المحال يفتح أبوابه، وبقية المحلات أغلقها أصحابها. اقتربنا من محل عصير مجاور للقسم المحروق، وقابلنا مالكه محمد وسألناه عن أحوال كرداسة فقال: أتعرض لخسارة كبيرة بشكل يومى بعد مجزرة كرداسة، فمحلى هو الوحيد الذى يبعد أمتاراً قليلة عن قسم الشرطة، الذى تحول لمبنى مهجور بملامحه المرعبة، واختفاء رجال الأمن ليحل محلهم السيارات المحترقة التى وصل عددها تقريباً إلى 16 سيارة متفحمة نتيجة ماحدث، وبشكل يومى نسمع عن «دخول الأمن قريباً الى كرداسة »، مما يجعلنى أقوم بغلق محلى والعودة لمنزلى على الفور، على الرغم من تعرض جميع المنتجات التى أحضرها إلى المحل للتلف. ويكمل محمد قائلاً: قد أفقد حياتى فى أى لحظة لأننى لا أعلم رد فعل الإخوان فى القرية، والذين ينتظرون دخول الأمن فى أى وقت.. فهؤلاء مجهولون ولا نعرف مدى استعدادهم، لذلك نبتعد عما شهدناه من موت حقيقى ورعب من مجزرة كرداسة، حيث آثار عشرات الطلقات على باب المحل أثناء الهجوم على القسم. وعن اقتحام قوات الأمن لكرداسة قال.. نحن لا نعرف موعد الاقتحام على الإطاق، يومياً نسمع عن بدء تحرك قوات الأمن للاقتحام، دون وجود حقيقة للأقاويل التى نستمع إليها فى الإعلام وتصريحات المسئولين. على بعد عشرات الأمتار وجدنا مطعماً يحمل اسم «مأكولات الطيب » يجلس على بابه عم «عيد » صاحب المطعم وبدون أن نبدأ مع الحديث.. فوجئنا به يبادر فى الكلام.. «أنا من السكان الأصليين ومتواجد فى كرداسة منذ 20 عاماً وأعرف أهلها جيداً وأعرف طباعهم »، وما يحدث الآن ليس لأهالى كرداسة دخل به..لم نكن بحاجة لتعريف أنفسنا، فيبدو أنه شاهدنا أثناء حوارنا مع صاحب محل العصير، وربما يكون قد شاهدنا ونحن نقوم بالتصوير، كررنا عليه نفس السؤال.. كيف يعيش أهالى كرداسة الآن؟ أجاب والغضب يرتسم على ملامح وجهه، كرداسة تتعرض حالياً ل إرهاب، والبلطجية الذين نرفض وجودهم يسيطرون عليها، لكننا لا نستطيع التعامل معهم. ونحن ننتظر دخول الأمن إلى كرداسة، ونؤكد لهم أننا جميعا معهم ولسنا ضدهم، وسوف نقف مع الحق، لأن ماحدث فى كرداسة لم يقم به السكان الأصليون، نحن نثق فى أن الأمن لن يظلمنا، وسوف يحافظ على أمننا من هؤلاء الإرهابيين الذين قاموا بالمجزرة. محمد حسن، أحد شباب القرية، أكد لنا أن تكرار الحديث عن الاقتحام جعلنا فى حالة ضرر كبيرة.. فنحن ننتظر لحظة الاقتحام منذ 20 يوماً، والشائعات تنطلق كل لحظة عن الاقتحام، مما يجعل الأهالى فى حالة ذعر، ويسرع أصحاب المحلات إلى إغلاقها، ويهرع الجميع إلى منازلهم، ثم نكتشف أنها شائعة.. واذا قرر الأمن اقتحام كرداسة فلن يجدوا ما يبحثون عنه، فمن قاموا بالمذبحة غادروا بعيداً عن كرداسة، لأنهم يعلمون أن الأمن يبحث عنهم. أما عبدالحميد السيد الذى ينتمى لأكبر عائلات كرداسة، فقد أكد لنا أن القيادى الجهادى محمد نصر غزلانى، قام مؤخرًا بطرد عدد كبير من كبار عائلات كرداسة أثناء انعقاد أحد المؤتمرات التى عقدت للمصالحة فى مبنى الوحدة المحلية، مؤكداً بأن «الغزلانى » قال لمنظمى المؤتمر: «دخول الشرطة إلى كرداسة على رقبتى »، و «الراجل مننا بخمسين منهم »، كما أنه قام أيضاً بطرد الشيخ محمد حسان خلال محاولته التوسط لتسليم المتهمين، وهو ما لم يعلنه «حسان » حتى الآن، مشيراً إلى أن «الغزلانى » يتحكم باللجان الشعبية داخل القرية، وهو أحد المسجونين فى قضية تنظيم طلائع الفتح، وقضى عقوبة السجن 15 عاماً فى المعتقل. من جانبه قال الشيخ محمد أبوسمرة القيادى بتنظيم الجهاد، ومؤسس حزب الله المصرى ل «الصباح »، إنه فى حالة محاصرة قوات الأمن لكرداسة الذى يقطنها 20 ألف مواطن، ستحدث مجزرة جديدة، والداخلية سترتكب خطأ فادحاً فى حالة الاقتحام، وستورط نفسها فى دماء جديدة هم فى غنى عنها، مؤكداً أن كرداسة سكانها ينتمون إلى قبائل عربية «عندهم نخوة » ولن يتركوا أحداً يهاجمهم. وأضاف أبوسمرة، أن كرداسة لها تاريخ طويل من العمليات الجهادية والإسلامية، ففى عام 1965 كانت بها أكبر خلية إخوانية مسلحة كانت تحاول محاربة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعد أن اعتقل كل قيادات الجماعة، وفى عام 1981 كانت مقراً لبعض الجهاديين الذين تولوا اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، حيث أتى عبود الزمر القيادى الجهادى بالجماعة الاسلامية هو وباقى فرقته بالأسلحة من منطقة ناهيا وأبورواش المجاورة لها، والتى كانت تعد مخزناً للأسلحة والذخيرة حينها، أما فى عام 1991 فقد تأسس بها أكبر تنظيم للاغتيالات السياسية لضباط أمن الدولة والسياسيين «طلائع الفتح » بقيادة الشيخ مجدى سالم مؤسس التنظيم، والشيخ محمد نصر غزلانى الذى تم القبض عليه بتهمة انضمامه للتنظيم. وأوضح القيادى الجهادى أن التاريخ الأسود لكرداسة، صنعه أمن الدولة لتبرير حملات الاعتقال التى ينفذونها ضد الأهالى من الإخوان والسلفيين. أحد شهود العيان من كرداسة – طلب عدم ذكر اسمه خوفاً مما سيحدث- أن ملثمين يحملون أعلام القاعدة، يطوفون على مداخل كرداسة، حاملين البنادق الآلية والكلاشنكوف، فى دوريات حراسة، وأن اللجان الشعبية المنتشرة فى مداخل الحى، تنشط بعد منتصف الليل، ويقومون بتفتيش السكان والاطلاع على هوياتهم.. وأضاف الشاهد، أنه يتردد أن من جلب الأسلحة التى تم بها تنفيذ مجزرة القسم، هو رجل الأعمال «خالد إمبابى »، وأحد البلطجية المسجل خطر «عماد الصعيدى »، وأكد الشاب أن أهالى كرداسة لم يستمعوا لعائلة الشيخ عبود الزمر الموجودة فى ناهيا عندما تدخلت لحل الأزمة. على صعيد آخر، أكدت مصادر أمنية مطلعة أن قوات الجيش ساعدت الشرطة فى وضع خطة محكمة تحت مسمى «القبضة الحديدية » لاقتحام كرداسة والقبض على المتهمن وفك الحصار، وأن الخطة تشمل التعامل بقنابل الغاز المسيلة للدموع وطلقات الرصاص الحى فى حال حدوث اشتباكات كما أن الأمن الوطنى علم أن قيادات الجماعة الإسلامية تحرك الجهاديين فى كرداسة بقيادة عاصم عبدالماجد، وأن هناك معلومات شبه مؤكدة بوجود عصام العريان بكرداسة ومعه بعض الهاربين من اعتصام رابعه العدوية، وأن الحملة سيتبعها مدرعات شرطة وقوات تعامل خاصة، وتشكيلات أمن مركزى، والمباحث الجنائية.