■ منذ 30 يونيو تم تخفيض فائدة ودائع البنوك 4% دون مراعاة مصلحة 11 مليون مودع ■ وزير المالية ورئيس الحكومة هللا لخفض عجز الموازنة وكأنه إنجازهما ■ بعد رفع الحد الأدنى قامت حكومة محلب بتخفيض المزايا الاجتماعية والصحية للموظفين
فى كل مجتمع أو أى دولة تفرض الطبقة المتوسطة القيم والقواعد على باقى الطبقات، وهى التى ترسم إلى حد كبير شكل وذوق المجتمع، ولذلك تتباهى الدول والأنظمة بحجم ونسبة الطبقة المتوسطة، فكلما زادت نسبتها فى المجتمع كان ذلك دليلا على تقدم الدولة وصمام أمان للمجتمع وقيمه، وكل ما أصاب المجتمع المصرى من شيخوخة وترهل وانعدام الذوق وتدنى الأخلاق هو من مجرد أعراض لانهيار الطبقة المتوسطة فى مصر، ولكن معظم المعارك الآن تدك هذه الطبقة وتزيد من ضعفها وانهيار ما تبقى منها.
فمعركة الأسبوع الماضية فى عالم المال كانت رفع الفائدة على ودائع البنوك.بمجرد أن أعلن البنك المركزى عن رفع سعر الفائدة بربع فى المائة، مجرد ربع فى المائة.قامت الدنيا داخل الحكومة وخارجها، ولم تقعد حتى الآن. رجال أعمال غاضبون لأن زيادة سعر الفائدة سيزيد من أعباء الاستثمارات التى لم نر منها لا مشروعاً ولا أمارة، والحكومة متضايقة لأن رفع سعر الفائدة سيحرجها أو بالأحرى يكشفها، فرفع سعر الفائدة سيزيد من أعباء وتكلفة الدين الحكومى، لأن حكومتنا الرشيدة الحالية والسابقة (عايشة) على السلف من البنوك فى شكل اذون وسندات خزانة، ولكن المعركة لها أبعاد أكبر وأهم من رفع سعر الفائدة بربع أو نصف فى المائة. أعتقد أن المعركة الأساسية والتى بدأت فصولها وستتوالى فصول أكثر إثارة وخطورة، هذه المعركة هى معركة الطبقة المتوسطة والحكومة، فكل إجراءات الحكومة الحالية والقادمة تستهدف بشدة وقسوة الطبقة المتوسطة.. حتى أن الأمر يبدو وكأننا أمام وصلة تأديب وانتقام من الطبقة التى قاد شبابها وبناتها وناسها ثورتين ضد الفساد والاستبداد. أو ربما تتحرك الحكومة والنظام كله من منطق الأمان لوعى هذه الطبقة بالتحديات التى تواجه مصر، ومن ثم فعلى هذه الطبقة أن تدفع ثمن استمرار الأمن فى مصر، وأن تتحمل وحدها تقريبا تكلفة ألا تتحول مصر إلى سوريا أو ليبيا أو عراق أخرى. بصراحة نحن أمام حكومة وموازنة وتوجه، وميزان يميل بشدة ضد الطبقة المتوسطة بحجج واهية، وإن لبست عباءة الحكمة والوطنية والترشيد، حتى وأن بدت هذه الحجج لأصحابها حقيقية ومنطقية ووطنية جدا جدا.
1
معركة الفائدة
أكبر حزب فى مصر هو حزب أصحاب المعاشات وعددهم نحو 19 مليون مواطن، يليه حزب أصحاب الودائع وعددهم نحو 11 مليون مواطن، وتبلغ حجم ودائعهم نحو 600 مليار جنيه، والعلاقة الوثيقة بين الحزبين هى أن الحكومات قبل وبعد الثورتين لا تجد سوى أموال الحزبين لتسير أمور البلد وتعمل لها كام مشروع، وقبل ثورة 25 يناير كانت حكومات الحزب الوطنى قد مصمصت أموال وعظام المعاشات، ولذلك ظلت أموال المودعين هى صمام الأمان وعمود الخيمة لحكومات ما بعد الثورتين، وبعد 30 يونيو، قام البنك المركزى بخفض متتالٍ على فائدة ودائع البنوك ووصل الخفض لنحو 4 %، وتحمل أصحاب الودائع هذا الخفض بصدر رحب لأن التخفيض وارتفاع الأسعار كان فى الحدود الممكن احتمالها، ولكن الأهم أن الروح الوطنية كانت تتقبل أن يضحى الناس لفترة، ولتكن عاماً أو عامين حتى يستعيد الاقتصاد عافيته وكله يهون فى سبيل مصر، وقد أدى هذا التخفيض إلى تحسين وضع الموازنة بشكل كبير، وانخفض عجز الموازنة، ولكن الحكومة «لا حكومة الببلاوى ولا محلب» استفادت من هذه التضحية من قبل المودعين. بل إن الحكومتين نسبيا إلى أنفسهما وعملهما إنجاز خفض عجز الموازنة، وكأن خفض العجز جاء بنسب النمو أو التحسن الاقتصادى، وبعد القرارات الأخيرة برفع بعض الكهرباء ومنتجات البترول. حدثت موجة من ارتفاع الأسعار ومن ثم هناك توقع بارتفاع معدل التضخم، ولذلك كان من المنطقى ومن باب العدل أن تتم زيادة سعر الفائدة على ودائع البنوك، وربما يكون من العدل رفع سعر الفائدة بأكثر من ربع فى المائة، ولكن حتى هذا الارتفاع البسيط والضئيل أصاب الحكومة ورجال الأعمال بالهلع. بعض وزراء محلب «وربما محلب نفسه» يرى فى القرار مشكلة لأنه سيزيد من عجز الموازنة، ومن المثير للغيظ والغضب معا أن تسمع وزيراً يقول «إحنا لسنا مضبطين عجز الموزانة والقرار ده هيلخبط الدنيا» وكأن سيادة الوزير أو حكومته كلها قامت بضبط أو خفض العجز عبر إجراءات تدفع عجلة الاقتصاد. ليس مهما إن كان ملايين الأسر عانوا نتيجة هذ الخفض، ولم تنه زيادة «الربع فى المائة معاناتهم»، ولكنها على الأقل ستقلل هذه المعاناة خاصة فى ظل الارتفاعات المتتالية للأسعار.
تمثل الطبقة المتوسطة بكل شرائحها القطاع العائلى فى ودائع البنوك، وتوفر ودائعها مليارات من الجنيهات من حجم السيولة فى البنوك، وهذه السيولة هى التى توفر سقف الأمان للحكومة، فهى تقوم باستغلال هذه الأموال لتغطية احتياجات الدولة فى كل الملفات. تمويل دعم السلع التموينية ومشروعات البنية الأساسية، وربما رواتب وزراء حكومة محلب، ولكن الحكومة لا ترى أن الحد الأدنى للأمان الاجتماعى والمالى لهذه الطبقة. بل إن الكثير من إجراءات الحكومة تستهدف فئات بعينها من الطبقة المتوسطة.
2
الموظفون فى الأرض
النسبة الكبرى والأعظم من موظفى الدولة تنتمى للطبقة المتوسطة، وقبل تولى الرئيس السيسى الرئاسة، وقبل تولى المهندس محلب رئاسة الحكومة صدر قرار رفع الحد الأدنى للأجور فى الدولة إلى 1200 جنيه، وليس سرا أن السيسى كان وراء هذا القرار، وأنه رفض أن يحدد الحد الأدنى ب800 جنيه، واعتبر السيسى أن هذا الحد «غير آدمى» ولا يلبى الحد الأدنى للحياة الكريمة، ولكن بعد هذا القرار توالت النكبات على موظفى الدولة.اتخذت الحكومة قرارا فى منتهى الخطورة والتأثير على دخول الموظفين، فقد قررت وقف ضم العلاوة الاجتماعية على أساسى الراتب، وكان القانون قبل ذلك يقضى بضم العلاوة إلى أساسى الراتب كل خمس سنوات، وإلغاء القرار يؤدى إلى ايقاف زيادة الرواتب الأساسية، ويؤثر فيما بعد على العلاوات والأهم المعاشات، وعلى بلاطة يؤدى هذا القرار إلى إلغاء الأثر الإيجابى لزيادة الحد الأدنى للأجور، وكأن الحكومة أخذت بهذا القرار باليد اليسرى من الموظفين ما سبق أن منحته لهم منذ شهور باليد اليمنى. والأخطر أن الشرائح المتوسطة داخل ال6 ملايين موظف اضرت مرتين.الأولى لأن دخلها لم يطرق عليه أى زيادة، والمرة الثانية حين حرمت من ضم العلاوات المتتالية إلى أساسى الراتب، وهذا القرار يؤدى إلى خفض معاشات الموظفين لأنه يؤدى إلى خفض الرواتب الأساسية للموظفين عاماً بعد الآخر.خلافا للوضع السابق والذى كان يضمن زيادة المعاشات، وذلك من خلال زيادة الراتب بضم العلاوة إلى الراتب الأساسى.
ولم تكتف الحكومة بهذا القرار الخطير والظالم، ولكنها اختصرت من الباب الثانى فى الموازنة كام مليار جنيه، والباب الثانى فى الموازنة لمن لا يعرف هو الباب المخصص للانفاق على المزايا الاجتماعية والعينية للموظفين فى الدولة. مثل دعم العلاج والنقل الجماعى والمزايا الاجتماعية مثل دعم المصايف وغيرها من المزايا الاجتماعية.
وربما تعالج هذه القرارات العجز فى صناديق المعاشات أو العجز فى الموازنة، ولكن السؤال المهم لماذا يكون العلاج دوما دواء مرا للطبقة المتوسطة؟ ولماذا تدفع الطبقة المتوسطة الجانب الأكبر والأعظم من فاتورة الإصلاح أو حب الوطن؟
فالطبقة المتوسطة تحملت العبء الأكبر فى قرارات رفع الأسعار الأخيرة. الموظف صاحب السيارة الصغيرة الذى تضاعف عليه سعر بنزين 80، والزيادة فى فاتورة الكهرباء أو الغاز وماخفى كان أعظم، كل هذه الأعباء يزيد أو بالأحرى يتضاعف اثرها على هذه الطبقة.
فى المقابل لم تقدم هذه الحكومة أى بادرة أمل لهذه الطبقة، ولا أتحدث عنها لا رشوة ولا رشة جريئة، ولكننى أقصد بالأمارة أو البادرة خطة الرئيس السيسى أو إجراءات حكومة محلب لرفع مستوى معيشة الطبقة المتوسطة إجراءات واضحة ومحددة المدى الزمنى فى التعليم أو الصحة أو الطرق أو تحسين البيئة أو الخدمات الاجتماعية، فحتى الآن لم تر الطبقة المتوسطة من الحكومة سوى العصا، لم نر أى جزرة أو حتى خيارة، وربما تدرك هذه الطبقة التحديات الكبرى على مصر، وربما تخشى على بلدها من المؤامرات لتقسيم البلد، وربما تعى مخطط جر مصر إلى مصير ليبيا أو سوريا، ولكن على الحكومة أن تعى أيضا أن الضغط المستمر على الطبقة المتوسطة لم يحم مصر، وعلى الأقل لم نحقق التقدم والنمو بدون حماية واضحة لهذه الطبقة.